من أجل ضبط التعامل في الأسواق المالية وتنظيمها تنشئ جميع الدول ما يسمى بالجهات الإشرافية وأحياناً يطلق على هذه الجهات «السوق المالية» وهذا ما حدث في ماليزيا التي أنشئت «السوق المالية الإسلامية لديها» في صورة جهة إشرافية لمراقبة وتنظيم التعامل في الصكوك الإسلامية التي كان لماليزيا فضل السبق بإصدارها بشكل كبير، ونظراً لانفتاح الأسواق بمعنى أنه يمكن قيد وتداول أوراق مالية صادرة في أي بلد بالسوق المالية في البلاد الأخرى بشرط أن تتوافر فيها شروط القيد المحددة في الدولة المضيفة، لذلك اجتمعت إرادة المؤسسات النقدية الإشرافية في عدد من البلاد الإسلامية التي حققت تقدماً في الإصدارات الإسلامية على إنشاء سوق مالية إسلامية دولية اتخذت من البحرين مقراً لها باعتبارها من أكبر المراكز للمؤسسات المالية الإسلامية (38 مؤسسة) وعدد من المؤسسات المساندة كمؤسسات المالية الإسلامية مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف ومركز إدارة السيولة والمجلس العام للسيولة الإسلامية، ومركز التحكيم والمصالحة الإسلامي، هذا فضلاً عن أن مملكة البحرين منذ عدة سنوات أصدرت عدة صكوك إسلامية تتداول في أسواق العالم، ومن هنا جاء الاتفاق على إنشاء السوق المالية الإسلامية الدولية في مملكة البحرين بموجب مرسوم ملكي رقم 22، لسنة 2002 في أغسطس من نفس السنة وباشرت أعمالها منذ ذلك التاريخ، وهي ليست سوقاً بالمعنى المكاني ولكنها جهة لتنظيم وضبط العمل في السوق لمالية الإسلامية بشكل عام فهي تشبه إلى حد ما «هيئة سوق المال» في مصر مثلاً. ولذلك فإن اختصاصاتها تتمثل إجمالاً فيما يلي :
- المصادقة على الأدوات المالية المتداولة أو التي سيتم تداولها بين المؤسسات المالية الإسلامية والبنوك التقليدية والنوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية، ومن خلال هذه المصادفة يمكن تقريب وجهات النظر بين الآراء الفقهية المختلفة مما يسهل قبولها وتداولها في أهم الأسواق المالية:
- تسعى السوق إلى إعداد اللوائح والضوابط للتعامل وفق مقتضيات السوق المالية الإسلامية.
- إعداد معايير موحدة عند إصدار الأدوات المالية الإسلامية أو عند تداولها يتبعها كل المشاركين في السوق المالية الإسلامية.
وهكذا يتضح أن السوق المالية الإسلامية موجودة في الواقع، وإنشاء السوق المالية الإسلامية الدولية هذه إنما هو لضبط العمل في هذه السوق، ولقد كان الأعضاء المؤسسون للسوق هم: البنك الإسلامي للتنمية، مؤسسة نقد البحرين، بنك إندونيسيا، ليوان أفشور فانينشال سيرفس كممثل للبنك المركزي بماليزيا، بنك السودان ، ووزارة المالية بسلطنة بروناي، وانضمت إليها بعد ذلك عدة بنوك إسلامية وبعض الشركات ومن لهم بصلة بالمؤسسات المالية الإسلامية وبلغ عدد الأعضاء حتى الآن 25 مؤسسة مثل بنك أبو ظبي الإسلامي وبيت التمويل الكويتي والبنك الإسلامي الأردني وسوق الإمارات للأوراق المالية والسلع، ودوناى بوما المحدودة ببريطانيا، ومكتب المحاسبة العالمي أرنست ويونج، والباب مفتوح لقبول أعضاء جدد.
كيف تعمل السوق المالية الإسلامية:
إن الوجه الإسلامي لهذه السوق والذي يميزها عن السوق العادية أو التقليدية التزامها في كل عناصرها بأحكام وقيم وتوجيهات الإسلام كما يتضح من التحليل التالي:
أ- من حيث البضاعة (الأوراق المالية) المتداولة في هذه السوق فهي ما يلي:
1- الأسهم: حسب الضوابط التي ذكرناها في المبحث الأول فكل أسهم الشركات أيا كان نوع النشاط يمكن قبوله في السوق المالية الإسلامية ما عدا الأسهم المحرمة أي التي تعتمد عن شركات تتعامل بالمحرمات أو بأساليب محرمة شرعاً.
2- صكوك الإجارة: وهي تطرح لجمع مبلغ لشراء عين كبير وتأجيرها تأجيراً تشغيلياً أو منتهياً بالتمليك لجهة ما، ويوزع عائد أقساط الإجارة على حملة الصكوك، مع ردِّ جزء من قيمة العين إن كان تأجيراً منتهياً بالتمليك، ويتم تداول هذه الصكوك في الأسواق المالية الإسلامية لأن حامل الصك يملك الجزء الشائع الذي يمثله الصك في العين المؤجرة. وميزة هذه الصكوك أنها تغلُّ لحاملها عائداً ثابتاً هو نصيبه في أقساط الإجارة: وبالتالي ففيها غناء عن السندات ذات الفوائد الربوية التي تتميز بوجود عائد ثابت محدد مقدماً.
3- صكوك المشاركة: (سواء كانت ثابتة أو متناقصة) وتطرح لجمع مبلغ من المال يمثل حصته في رأس مال الشركة (مثل الأسهم) ولكن تختلف عنها في كونها مؤقتة بمشروع معين أو مدة معينة، ولحامل الصك الحق في ملكية جزء شاسع من صافي أصول الشركة وحق في الربح الذي يتحقق، ويمكن تداولها بقيمة سوقية معبرة عن التغيرات التي تحدث في قيمة أصول المشاركة ومعدل الربح الموزع.
4- صكوك المضاربة: وهي مثل صكوك المشاركة والاختلاف فيها أن حملة صكوك المضاربة يحصلون على جزء من الربح، والمضارب (مدير العملية) يحصل على جزء، أما الخسارة العادية التي لم يتسبب فيها مدير المضاربة فيتحملها حملة الصكوك.
5- صكوك المرابحة: وتطرح لجمع مبلغ لتمويل عملية شراء سلعة وبيعها لعميل بتكلفة الشراء زائد ربحا يتفق عليه عند عقد البيع، ويكون لحملة الصكوك الحق في المبالغ المحصلة من العميل كاسترداد أو إطفاء لصكوكهم إضافة إلى الربح المحدد في العقد، وهذه لا يمكن تداولها لأنها دين الصك الذي عليه بالقيمة الاسمية.
6- صكوك السلم: تطرح لجمع مبلغ لتسليمه إلى مورد لشراء سلعة منه تسلم بعد مدة ويكون حق حامل الصك مؤجلاً إلى حين استلام السلع وبيعها، فتصفي الصكوك بالحصول على المبلغ الأصلي زائد الربح من بيع السلعة، وهذه لا يجوز تداولها لأنه لا يجوز بيع السلم قبل قبضه من ناحية ولأنها تمثل ديناً وتداول الديون له ضوابط لا يتيسر معه تداول الصكوك .
7- صكوك الاستصناع: وتطرح لجمع مبلغ لإنشاء مبنى أو صناعة آلة أو معدة مطلوبة من مؤسسة معينة بمبلغ يزيد عن المبلغ اللازم لصناعتها، وحقوق حملة الصكوك تتمثل فيما دفعوه ثمناً لهذه الصكوك إضافة إلى الربح الذي يمثل الفرق بين تكلفة الصناعة وثمن البيع، وهذه لا يجوز تداولها مثل السلم .
ومن الجدير بالذكر أنه يمكن اشتقاق صكوك أخرى من هذه الصكوك بتعديل في بعض شروط الإصدار.
وهكذا يتضح أن السوق المالية الإسلامية تتميز عن السوق المالية العادية بوفرة البضاعة وتنوعها، فليست مقصورة على الأسهم والسندات فقط وإنما على أنواع عدة فضلاً على أن البضاعة فيها تعبر عن أموال مستمرة في اقتصاد حقيقي وليست بضاعة مفترضة مثل المشتقات والمؤشرات.
ب- من حيث المتعاملين:
في البداية فإن عمل الشركات العاملة في الأوراق المالية جائز شرعاً، وبالتالي، يوجد بالسوق الإسلامية السماسرة والشركات تكون المحافظ وشركات الاكتتاب والتغطية والمقاصة وغيرها، ومن جانب آخر فإن التعامل في السوق المالية الإسلامية ليس مقصوراً فقط على المؤسسات المالية والإسلامية ولكن يتعامل فيها المؤسسات الأخرى التقليدية بل غير المسلمين، فعلى سبيل المثال فإن البنك الإسلامي للتنمية أصدر صكوك إجارة عام 2003 بمبلغ 400 مليون دولار وطرحها للاكتتاب العام ومع أن العملية تمثل إصداراً إسلامياً إلا أنها جذبت مشترين من مؤسسات تقليدية اكتتبت في حوالي 70% من الإصدار ومنها بنوك مركزية من دول عديدة اكتتبت في حوالي 40% من ال 70% .
ج- من حيث أساليب وصور التعامل:
إن التعامل في السوق الإسلامية يتم وفقاً للأحكام الشرعية، وبالتالي تم الالتزام في إصدار الأوراق المالية والصكوك بالأحكام المنظمة للعقود الشرعية المؤسسة عليها مثل عقد المرابحة والمشاركة والمضاربة والسلم وإلاستصناع، كما يتم الالتزام في تداولها بالأحكام والقيم الإسلامية وبصور البيع المقبولة شرعاً، وبالتالي فلا يوجد فيها تعامل بالمشتقات حسبما يجري العمل في السوق التقليدية ولا بالمستقبليات بالصورة التي تتم بل بطريقة بيع السلم، ولا الشراء بالهامش أو البيع على المكشوف وبالجملة فكل ما ذكرناه من أساليب وصور التعامل التي تجرى في الأسواق التقليدية وأشرنا إلى عدم جوازها شرعاً لا يتم التعامل بها، ومع الأخذ في الاعتبار الالتزام بالقيم الإسلامية الخاصة بالصدق والأمانة وعدم الغش والتدليس.
المصدر: د/ محمد عبد الحليم
مدير مركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر
نشرت فى 26 سبتمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,800,175