(كان هناك طفل في العاشرة من عمره فَقَدَ ساقه اليسـرى في حادث سيارة، وأصبح كل أفراد العائلة في حالة حزن على ما حدث له، وكان أصدقاؤه ومدرسوه في المدرسة يعاملونه بطريقة مختلفة؛ لأنه معوَّق، فقرر الطفل ترك المدرسة وإكمال دراسته بالمنزل، وكان الطفل مولعًا بالسباحة.

وفي أحد الأيام عندما كان يسير على ضفة النيل بالقاهرة، لاحظ أن هناك مجموعة من المعوقين يتدربون على السباحة في نادٍ خاص لهذه اللعبة، وبالحديث معهم اتضح أنهم يشتركون في مسابقات سباحة للمعوقين، وبدون تردد انضم لهذا الفريق، وبدأ في التدريب معهم.

وفي عام 1978م حصل على الميدالىة الذهبية، وأصبح من أبطال مصـر للسباحة، وقاده حماسه المتأجج للعودة إلى المدرسة وحصل على درجات ممتازة، وبدأ أيضًا في ممارسة رياضات أخرى للمعوقين، وفي عام 1980م، اشترك في الأولمبياد الخاصة بالمعوقين، وكان مندهشًا لمستوى المهارات التي وصل إلىها المتسابقون الآخرون.

وفي عام 1981م حدثت نقطة تحول في حياة هذا الشاب، فقد قرر أن يعبر بحر المانش (القنال الإنجليزي) ونصحه من حوله بعدم القيام بهذه الخطوة؛ لأن درجة الحرارة هناك كانت ثلاث درجات مئوية فقط، وهناك تيار قوي في هذه المنطقة مما يشكل خطورة كبيرة عليه، وقال له النقاد إن المسافة لعبور القنال تتعدى الثلاثين كيلو مترًا، وأن كثيرًا من الأبطال الذين كانوا في أتم صحة قد فشلوا في عبور هذه المسافة.

وقيل له أيضًا إنه ما زال صغير السن ووزنه أقل من ستين كيلو جرامًا، وإنه معوَّق وأنهم لا يعتقدون أن باستطاعته عبور المانش، وأن هذا مستحيل.

ولكن الشاب لم يعبأ برأيهم، بل عاهد نفسه على أن ينجح في محاولته للعبور، وفي يوم من الأيام عُرض عليه أن يشترك في سباق لعبور القنال الإنجليزي (المانش)، بشـرط أن يتحمل هو جميع المصاريف، وبدون تردد وافق على الفور.

وفي عام 1982م بدأ في فترة تدريب لمدة ستة أشهر، ثم دخل تجربة التأهل للسباق، وكانت أدنى سرعة 3.5 كيلومتر/ساعة، ورغم أن سرعة الشاب كانت فقط ثلاثة كيلو متر في الساعة إلا أنه أقنع اللجنة المسئولة بقبوله للاشتراك.

وأخيرًا، سافر إلى إنجلترا، وبدأ في التدريب المكثف لمدة أربع ساعات يوميًّا، وكان كل شيء على ما يرام، وقبل السباق بيومين، أحس بألم شديد في أذنه، واكتشف الطبيب أن هناك كيسًا دهنيًّا ملتهبًا في أذنه، ولا يستطيع الاشتراك بسببه في السباق، وطلب الشاب من الطبيب أن يستأصل الكيس الدهني، وفعلًا تم إزالته بعملية جراحية وطلب الطبيب من الشاب أن يلتزم الراحة لمدة أسبوع على الأقل، مما يعني أنه لن يشترك في السباق.

شعر الشاب بأن حلم حياته على وشك الانهيار، ونصحه من حوله بأن يلتزم بنصائح الطبيب، وأن ينتظر حتى السباق التالي، ولكن الشاب قرر بإصرار أن يشترك في السباق مهما كانت النتيجة، وقامت اللجنة المشرفة على السباق بتعيين حكم خاص لمراقبة حالة الشاب خلال السباق.

وبدأ الشاب عام 1982م رحلة مصيرية على شاطئ دوفر في إنجلترا، وبعد 12 ساعة و39 دقيقة وصل للشاطئ الفرنـسي، وبإنجازه لهذا النجاح رغم شراسة المياه، والمتاعب الكثيرة التي واجهته، كان هو أسرع من أي سباح آخر حتى الأعلى لياقة والأتم صحة وجسمًا، وأصبح بذلك أول شخص معوق يعبر المانش.

وبعد أن فاز بهذا السباق قال: (أنا الآن أتساوى مع أي سباح آخر، بل أي شخص آخر، وأستطيع أن أقوم بأي عمل يقوم به أي شخص آخر، وباستطاعتي أن أنجزه حتى بطريقة أفضل)

هذا الشاب هو السباح المصري خالد حسان، ولكن تُرى ما الذي جعل خالد بطل مصر في السباحة يصر ذلك الإصرار العجيب على تحقيق هدفه؟ ما الذي جعله يتحمل تلك الصعاب، ويكابد تلك المشقات في صبر ودأب؟ إنها الإرادة ولاشك، هي التي بثَّت في عروقه تلك الطاقة الجبارة، وأطلقت العملاق الرابض في أعماقه ليحقق ذلك المستحيل.

ما هي الإرادة؟

الإرادة هي التي يعبر عنها علماء التنمية البشرية بالالتزام أو الانضباط، ويعرفه ستيفن كوفي فيقول: ( الانضباط هو أن تدفع الثمن الذي يتطلبه تحويل الرؤية إلى واقع، إن التعامل مع الحقائق القاسية الموجودة على أرض الواقع، وبذل ما يجب بذله لصنع الأحداث...إن الصفة التي تعاكس الانضباط والالتزام الذان يدفعان إلى التضحية هي الانغماس في الشهوات، أي التضحية بجلائل الأمور في سبيل لذة عابرة).[العادة الثامنة، ستيفن كوفي، ص 106-107].

الإرادة والالتزام، لماذا؟

ولكن لماذا كانت الإرادة،ضرورية لتحقيق الأهداف؟

1- الموهبة وحدها لا تكفي.

فالموهبة إن لم يتعدها صاحبها بالرعاية والتنمية والصقل القائمين على الالتزام والمثابرة، فإنها سرعان ما تذوي وتضمحل، كما أن جميع المهارات التي تكون مواهب لدى بعض الناس إنما يمكن تنميتها عند من لا يحملها بالإرادة والمثابرة والالتزام على التدريبات الخاصة بها، فالإرادة من الممكن أن تحل محل الموهبة، لكن العكس غير صحيح بالمرة.

ولذا؛ يقول راي كروك الرئيس السابق لسلسلة مطاعم ماكدونالد: (استمر دائمًا، لا يوجد في العالم شيء يمكنه أن يحل محل الإصرار، والموهبة وحدها لا تكفي، فهناك كم كبير من الفاشلين من ذوي المواهب، والذكاء وحده لا يكفي، فكثير من الأذكياء لم يجنوا شيئًا من وراء ذكائهم، والتعليم وحده لا يكفي، فالعالم مليء بالمتعلمين عديمي الجدوى، ولكن الإصرار والتصميم قادران على كل شيء) [مفاتيح النجاح العشرة، د.إبراهيم الفقي، ص (115 - 116)].

بل إن الإرادة علامة على النجاح والتميز، كما قيل: (الناجحون لا يتراجعون والمتراجعون لا ينجحون).

2- التغلب على العقبات.

إن طريق النجاح غالبا ما يكون محفوفا بالعقبات والتحديات، فإن لم تكن لديك الإرادة الكافية والالتزام الراسخ، فلن تستطيع أن تكمل طريقك، كما يقول مالتبي دي.بابكوك: ( إن أحد أكثر الأخطاء شيوعًا هي الظن بأن النجاح يتحقق نظرًا لعبقرية ما، أو سحر ما، أو شيء أو آخر لا نملكه، إن النجاح يتحقق بالثبات، والفشل يتحقق بالاستسلام، فإذا استقر رأيك على تعلم لغة جديدة أو ممارسة تمارين رياضية، هل ستنجح في جهودك هذه أم لا؟ هذا مرهون بقدر الشجاعة والمثابرة الذي يشتمل عليه قرارك، إن القرار الذي لن يثنيك عنه شيء، والقبضة التي لن تنفصم هي التي ستحقق لك النجاح)[لليوم أهميته، جون ماكسويل، ص158].

3- المعادلة الكونية: الإرادة = النجاح

ومن قبل ذلك بقرون يبين لنا الإمام ابن القيم أن معادلة: " الإرادة = النجاح " هي سنة كونية أجمع عليها العقلاء في كل الأمم، فيقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا). [مفتاح دار السعادة، ابن القيم، (2/15)].

وإذًا فالذي يبدو لنا أن الإرادة ضرورية جدًّا للعمل، بل هي الباعث عليه، والقوة المحركة إليه، كما قال الجنيد رحمه الله: (عليكم بحفظ الهمة، فإن حفظ الهمة مقدمة الأشياء)[ حلية الأولياء، أبو نعيم، (4/380).]، فلا يستطيع أحد مهما كانت إمكاناته ومواهبه أن يحقق أهدافًا كبيرة بدون قوة الإرادة.

ولذا قال بعضهم:

وما نيل المطــــــالب بالتمني               ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا

وما استعصى على قــــوم منال        إذا الإقدام كان لهم ركابًا

وقال آخر:

فقل للمرجى معالي الأمور          بغير اجتهاد رجوت المحال

     و ها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول عن نفسه، وهو يفسر سر تلك الإنجازات الضخمة التي تحققت في عهد خلافته رضي الله عنه: (والله، ما نمت فحلمت ولا توهمت فسهوت، وإني لعلى السبيل ما زغت).[ تاريخ دمشق، ابن عساكر، (30/415).]

ثم جاء الفاروق الذي سار على درب صاحبه فقال: (الراحة للرجال غفلة) .[أدب الدنيا والدين، الماوردي، (1/121).]

مما سبق ، يتبين لنا أن الإرادة القوية ضرورة لا غنى عنها لكل من يريد أن يحقق نجاحًا ضخمًا، والحمد لله تعالى أن الإرادة كغيرها من الصفات يمكن تنميتها بالتدريب والمران، بل إن هناك برامج عملية، ووسائل علمية مجربة توصل إلىها علماء النفس وخبراء التنمية البشرية يمكن من خلالها تقوية عضلة الإرادة في نفس الإنسان، حتى تصل بحمد الله تعالى إلى الحد المطلوب.

ونهديك في المقال القادم البرنامج العملي الذي يمكنك من خلاله أن تحصل على إرادة فولاذية بإذن الله تعالى.

أهم المراجع:

1- العملاق الذي بداخلك، هشام مصطفى عبد العزيز، وصويان شايع الهاجري.

2- لليوم أهميته: جون ما كسويل.

3- مفاتيح النجاح العشرة: د.إبراهيم الفقي.

4- العادة الثامنة، من الفعالية إلى العظمة: ستيفن كوفي.

5- الرقائق، محمد أحمد الراشد.

 

المصدر: فريد مناع
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 116/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
39 تصويتات / 2171 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,772,178

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters