يعتبر شارلز هاندي عبقري النظام جديد في الحياة، ليس في الإدارة فحسب ولكن في المجتمع العريض أيضًا، أما رؤيته العريضة وخياله وتصوراته فتشرح أسباب الشعبية التي تتمتع بها كتبه، ومما لاشك فيه أن النظرة الثاقبة والعملية الذي تمتع بها "هاندي" ومعرفته بما يجري في المؤسسات تعزز من توقعاته حول كيفية وأسباب قيامها بالتغيير، فما هي قصة حياتة ذلك الشخص الذي يطلق عليه "رائد التطوير في العمل"؟

أولًا ـ السيرة الذاتية:

(إذا كانت رغباتك محدودة وصغيرة، فستكون أنت كذلك؛ وإذا كان طموحك لا حدود له، فستكون عظيمًا).

جيمس ألين.

ولد شارلز هاندي في سنة 1932م في بلدة كيلدار في إيرلندا الشمالية، عبر هاندي الأطلنطي إلى بوسطن بعد تخرجه من كلية أوريل في أوكسفورد بدرجة امتياز للدراسة في كلية الإدارة التابعة لمؤسسة "ماساشوسيتس" التكنولوجية، وبعد عودته من الولايات المتحدة عمل لدى مؤسستين عالميتين كبيرتين هما: "شل الملكية الهولندية" في قسمي التسويق وشئون الموظفين، و"المؤسسة الأنغلوالأمريكية للمناجم" كخبير اقتصادي.

وبالرغم من تميزه في الجانب التطبيقي من علم الإدارة، وفي الممارسة الإدارية العملية، لكن العَالَم الأكاديمي جذبه فانضم إلى مدرسة التجارة الجديدة في لندن سنة 1967م وأصبح بروفسيرًا في سنة 1972م وبقى في منصبه حتى سنة 1994م.

حيث كان هاندي دائمًا ما يؤكد إنه وجد عمله مع شل مثيرًا للانفعال، لكنه ـ رغم ذلك ـ بقي لفترة عشرة أعوام يعمل في بلده وفي الخارج كمدير للتسويق، ورغم أن تجاربه في شركة النفط كانت مخيبة للآمال، فإنها قدمت له الكثير من المواد لكتاباته اللاحقة، وبالنسبة إلى عمله في الشركة الأنغلوأميركية الذي استمر لمدة عام تقريبًا، فقد أدى إلى توليد مطحنة عالية الإنتاج.

بدأ هاندي كتاباته في سنة 1976م بنشر كتاب له بعنوان: "فهم المؤسسات"، ويقدم هاندي أيضًا برامج إذاعية منتظمة تحت عنوان "فكرة اليوم"، بالإضافة إلى مشاركته في برامج أخرى مثل برنامج "توداي" الذي بثته هيئة الإذاعة البريطانية "بي. بي. سي"، والذي يعالج فيها الشئون الفلسفية والحياتية، كما أنه نشر مجموعة من هذه الأفكار في كتاب خاص.

وبالنسبة لآرائه حول الإدارة فهي متجذرة بقوة في المنطق والتجربة، سواءً من خلال تجاربه أو تجارب الآخرين، أو من خلال الدارسة، في سنة 1987م طلب منه إجراء فحص شامل للتطوير الإداري في الولايات المتحدة الامريكية واليابان وبريطانيا وأوروبا، وقد أضافت هذه الدراسة ثقلًا كبيرًا على مخزونه من المعلومات.

وكذلك فإن عمله كمدير تنفيذي وأكاديمي قد تأثر جدًا بعمله كمستشار لعدد من المؤسسات المختلفة، ومعظمها لا تتوخى الربح؛ لأنها تعمل في المجالات التعليمية والصحية والحكومية والحقل التطوعي.

ومع تطوير هاندي لأفكاره حول طبيعة ومسلكية المؤسسات، فإن جميع هذه المؤثرات المختلفة الآنفة الذكر لعبت دورها إلى جانب الأفكار الأصلية حول الحياة الإنسانية واحتياجاتها، وخلافًا للعديد من الكتَّاب حول الإدارة، فقد أظهر اهتمامًا حقيقيًا بصحة المجتمع والفرد، يوازي هذا الاهتمام عنده اهتمامه العميق في تحسين فعالية المصلحة التجارية، وبما أنه يعتبر نفسه فردًا ملتزمًا، فليس من المدهش أن يحبذ أو يؤصف بـ " الكاتب والمعلم والمذيع المستقل".

ثانيًا ـ الحياة بالإدارة:

(إن النجاح هو راحة البال التي هي النتيجة المباشرة للرضا عن الذات، النابع من يقين المرء ببذله كل ما في جهده ليكون أفضل ما يمكن أن يكونه).

جون وودن.

هاندي لا يولد الأفكار فحسب، بل يعيشها، لقد استخدم حياته الشخصية كقاعدة اختبار لأفكاره وتوقعاته حول الطرق الجديدة لتنظيم توازن مقبول من العمل والترفيه، علمًا أن زوجته إليزابيث عملت كشريك كامل معه في العمل، فلقد تزوجا في سنة 1962م، ولهما ابن وابنة، ويتنقل هاندي وزوجته باستمرار بين ثلاثة منازل في: لندن، ونورفولك، وجيانتي في توسكانا، ويعيشان حياة منظمة على نحو كبير للغاية، تتيح لهما الاهتمام بأعمالهما: تعمل اليزابيث كرسامة فوتوغرافية، بينما يسعى هاندي دائمًا إلى ضمان حصولها على الوقت الكافي لعملها.

يقول هاندي: (لقد قسمنا أدوارنا ثم قسمنا أوقاتنا بطريقة منظمة جدًا)، ويقول ابنه سكوت: (يمضي والدي في كل سنة مائة يوم في العمل، ومائة يوم في الكتابة، ومائة يوم في الأعمال الخيرية وخمسة وستين يومًا في قضاء الإجازات ... وأعتقد أن والدتي تقرر كيف يقضيان الأشهر الستة من السنة، بينما يقرر والدي كيفية قضاء الأشهر الستة الأخرى، وأعتقد أنهما افترقا لمدة تسعة أيام فقط منذ زواجهما).

ويضيف هاندي قائلًا: (بعدما نقسم أدوارنا العملية وأوقاتنا وأماكننا، فإننا نقوم بتخصيص بعض الأوقات لأصناف مختلفة من العمل) أي أنه يقبل فقط المهمات العامة خلال أشهر الشتاء، بينما تأخذ زوجته مهام التصوير منذ آذار وحتى تشرين الأول، وقد علقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بالقول إن (هاندي يبدو وكأنه يتحدث عن مشروع إداري جديد وليس عن الزواج)، ولكن الزواج هو في الواقع ترتيب عملي، حيث تقوم "ليز هاندي" بمرافقة زوجها في الرحلات، وتنظم له مواعيده، وتجيب على مكالماته الهاتفية، وتتفاوض على عقود عمله وتقرر من الذي يستحق أن يراه.

وهاندي يبدو مقتنعًا بأنه يتوجب على الناس الآخرين تعلم "فن الإدارة الذاتية"، حيث يقول: (نحن جميعًا نترك المؤسسات في وقت مبكر، وعلى الأرجح أننا سوف نكون لنحو ثلاثين سنة لوحدنا، لذا؛ أعتقد أنه بدءًا من سن الخمسين وما فوق يتوجب على كل رجل وكل امرأة تعلم إدارة حياته).

وكما هو معروف فإن مهارات الإدارة الذاتية لهاندي لا تشتمل على زيادة رصيده المالي فحسب، ولكن عندما تولت زوجته هذا الأمر فإن أحوالهما المالية تحسنت على نحو كبير للغاية، مع العلم أنه في سنة 1997م كان هاندي قانعًا بدخل سنوي مقداره 50 ألف جنية استرليني لسائر أيام حياته.

هذا المبلغ الزهيد نسبيًّا يمثل رسوم محاضرتين أو ثلاث محاضرات يلقيها عمالقة ليسوا أكثر شهرة على الصعيد الدولي من هاندي، لكن ربح أموال أقل يعطي هاندي مزيدًا من الوقت لاهتماماته غير العملية: فهو يهوي الذهاب إلى المسرح والطهي والسفر، ويؤكد أن نمط حايته (هو صفقة لمن هم في الخمسينيات من أعمارهم، وللذين هم أكبر سنًا أيضًا)، ولكن يجب أن يتم التخطيط والتعامل مع نمط الحياة مثلما يتم التعامل بجدية مع الوظيفة.

ثالثًا ـ فيلسوف اجتماعي:

(شعاري هو أن أواصل الحركة باستمرار، سواءً كنت أواجه المتاعب، أو أشعر بمشاعر سيئة، أو تنخفض معنوياتي، الشئ الوحيد الذي أفعله هو أن أواصل الحركة باستمرار).

هانك اهرون.

لقد كان لهاندي في الواقع وظيفة مركزية واحدة: فيلسوف اجتماعي يتبنى وجهة نظر عريضة استثنائية للمجتمع، وهو رجل المؤسسات بالإضافة إلى كونه مواطنًا عاديًا، وفي الوقت الذي يسترسل فيه في الفلسفة في كتبه ومحاضراته وبرامجه الإذاعية ومقالاته، فإن أفكاره وحياته تشكلان وحدة كاملة غير مجزأة، والأكثر من ذلك أن فلسفته ونمط حياته لا ينبعان من حججه فحسب، بل أيضًا من شخصيته.

وهاندي مقتنع بأن الحياة (ليست فقط من أجل الربح وإلا فإننا سوف نخسر جميعًا)، وبعد أن نظر حوله، شاهد أن الإدارة والسيطرة قد أخذتا تنهاران، وكتب يقول إن (النظام العالمي الجديد قد ينتهي بعدم وجود نظام)، وربما ذلك قريبًا مما يعانيه العالم من الأزمة المالية والتي كان أحد أسبابها الجشع والطمع.

رابعًَا ـ التوازن بين العمل والحياة شعاره:

وكأن شارلز هاندي الموازن بين العمل والحياة، قد استقى قواعد ذلك من عملاق آخر من عمالقة الإدارة الحديثة، وهو جاك ويلش قائد شركة جنرال إلكتريك سابقًا، ومنها تلك القواعد الهامة:

القاعدة الأولى:

ركز تفكيرك على المهمة التي تقوم بها، إن العمل يحتاج إلى 150% من جهدك وتركيزك، وكذلك المنزل، ولكي تخفف من وطأة الحصار النفسي وتشتت الذهن، ينبغي أن تدعم أداءك بغض النظر عما تفعل، وينبغي أن تركز على المكان الذي تتواجد به والأشخاص الذين تعمل معهم، بعبارة أخرى نظم تفكيرك وجهدك.

القاعدة الثانية:

صمم على رفض أي شيء قد يؤدي لإرباك خططك الخاصة بالموازنة بين العمل والحياة، قطعًا سيجد معظم الناس ترتيبات للموازنة بين العمل والحياة والتي تنجح معهم، والنقطة الأساسية هي الالتزام بها، إن كلمة "لا" تحررك من قيود كثيرة، جربها على أي شيء وكل شيء ليس جزءًا من خطتك التي وضعتها لتحقيق الموازنة بين الحياة والعمل.

القاعدة الثالثة:

تأكد من أن خطتك للموازنة بين العمل والحياة تراعي مشاعرك أنت نفسك، حينما يظن المرء أن الجميع سعداء إلا هو، فإن هذا يعتبر أكثر الأفكار تدميرًا له، فالإنسان الكفء هو من يجد خطة متكاملة للموازنة بين عمله وحياته تسمح له ببذل الجهد والتركيز الكافيين في العمل وكذلك مع الأسرة وأيضًا في مؤسسة أو مؤسستين تطوعيتين.

القاعدة الرابعة والأخيرة:

وختامًا احرص على أن تكون خطتك للموازنة بين العمل والحياة مراعية لأحلامك وطموحاتك، وإذا كانت تلك الأحلام والطموحات تتمثل في العمل الكثير، فافعل ذلك، وإذا كانت تتمثل في قضاء كل ليلة بالمنزل، فافعل ذلك أيضًا، نعم عليك أن تكون مسئولًا عمن حولك، ولكن لا يمكنك أن تحيى طبقًا لما يريده شخص آخر بدعوى الموازنة بين الحياة والعمل.

أهم المراجع:

1-  سلسلة عمالقة الإدارة .. شارلز هاندي، روبرت هللر.

2-  الفوز، جاك ويلش وسوزي ويلش.

3-  أفضل ما قيل عن سحر التحفيز، كاثرين كارفليس.

4-  لليوم أهميته، جون سي. ماكسويل.

5-  أفضل ما قيل عن الالتزام بالامتياز، كاثرين كارفليس.

 

المصدر: محمد أحمد العطار
  • Currently 110/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
36 تصويتات / 1404 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,722,093

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters