حين قرر الاسلام حرية الافراد في نشاطهم الاقتصادي وملكيتهم الخاصة بغير حدود لم يغفل أن يضع القيود لكيفية استعمالها وشرعيتها عن طريق تدخل الدولة لمراقبة سلامة المعاملات وتحقيق التنمية الاقتصادية والصالح العام.. ومع تكرار هروب بعض رجال الأعمال بأموالهم للرج مما يعوق الحركة الاقتصادية نتساءل: ما السند الشرعي لتدخل الدولة لعودة الأموال الهاربة التي هي اصلا اموال للبنوك التي تجمع من أجل تكافل افراد المجتمع والتوفيق بين المصلحة العامة والخاصة* في ذلك يوضح الدكتور شوقي الساهي الاستاذ بجامعة الأزهر أن الاسلام حرص علي مداومة صاحب المال لاستثمار أمواله ليعود النفع له أولا ثم المجتمع ثانيا ومن حق ولي الأمر في الدولة التدخل لحمل المالك علي مداومة استثمار ماله لمنع الضرر وحماية المصلحة العامة لأنلدولة تطبق مبادئ الشريعة في تحقيق اهدافها لخير المجتمع الانساني ومسئولياتها الكاملة عن أموال الرعية وتصرفها منوط بالمصلحة ودرء المفاسد وحتي لاتتحكم اقليه في مقدرات الأمة وليس هذا تقييدا لحرية المستثمرين إنما هو توجيه تستدعيه حاجة الامة وفي ضوء الظروف والملابسات الخاصة بالبلد إضافة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نجد أن عودة الأموال الهاربة اتباع لما تمليه السياسة الشرعية لمن في يدهم قدرة التدخل.* وأضاف عن تحريم الاسلام استثمار المال بطرق غير مشروعةان الاسلام حرم امتلاك ماينجم عن استغلال المال فيما هو غير مشروع بل اجاز مصادرته وضمه الي بيت المال وكان الهدف من ذلك تضييق الأبواب التي تؤدي عادة إلي تضخم الثروات في يد بعض الأفراد ذلك أن الطرق المشروعة كثيرة لاينجم عنها في الغالب إلا الربح المعتدل المتفق مع تعاليم الاسلام ومبادئه أما الأرباح الفاحشة فانما تكون عادة غير مشروعة لهذا يجب ان يكون الاستثمار من أجل غرض إنساني لقيام العلاقات الاقتصادية بين الناس علي دعائم التكافل والتعاطف والتواصي بالصدق والعدل والاحسان حتي لانري صراعا للطبقات بعضها مع بعض مما يجعل الحياة تضطرب.
** إذا كانت البنوك ضرورة اقتصادية لها اثرها الفعال في سير أموال الدولة وتوجيه اقتصادها فما وظائفها التي يرضاها الشرع* يجب ألا يتربع أي مصرف علي كرسي المرابي القديم, فالمصارف التي تسمي بأسماء مختلفة ليس لها من هذه الأسماء إلا الخبرة في كيفية الاستيلاء علي الأموال العامة وتسخيرها لأهواء بعض رجال الأعمال في صورة قروض يكنزها البعض أو يهرب بها لهذا تدخل الدولة ضروري جالات الاستثمار, وهذا المعني نعرفة من ابو يوسف حين خاطب هارون الرشيد قائلا واعمل ماتري انه أصلح للمسلمين وأعم نفعا لخاصتهم وعامتهم فالانتفاع بالأموال يحتاج لرسم الخطط الاقتصادية ولولي الأمر المسلم أن يتدخل بما يدرأ عن المجتمع الضرر العام وتدخله من قبيلطبيق القواعد الشرعية التي تقرر أن التصرف علي الرعية منوط بالمصلحة ويتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.ونؤكد أن دعم البنوك في مشروعات نافعة أمر واجب اما القروض التي تسدد بزيادة فهي ربا محرم وذلك إذا تم سدادها فالمقرض آثم ولا عذر له والمقترض آثم كذلك إلا عند الضرورة والضرورات تبيح المحظورات وتقدر بقدرها.
المادي والروحي
* ويبرز الدكتور شوقي الفنجري رئيس مجلس الدولة الأسبق وأستاذ الاقتصاد الاسلامي..نقطة مهمة يغفل عنها الكثيرون وهي ان الاسلام لايعرف الفصل بين ماهو مادي وماهو روحي ولا يفرق بين ماهو دنيوي وأخروي فكل نشاط مادي أو دنيوي يباشره الانسان هو في نظر الاسلام ة مادام كان مشروعا وكان يتجه إلي الله تعالي والايمان ليس مجردا بل هو بل محدد بالعمل والانتاج لقوله تعالي( وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ومرتبط بالعدل وحسن التوزيع فقال سبحانه( لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو بين الناس) وقد أرشدنا كذلك الرسول صلي الله عليه وسلم في قوله لأن يمشي أحدكم في سبيل قضاء حاجة أخيه افضل من ان يعتكف في مسجدي هذا شهرين ونجد أنه في ظل الاقتصاديات الوضعية تكون الرقابة في مباشرة النشاط الاقتصادي اساسا رقابة خارجية مناطها القانون, أماقتصاد الاسلامي فانه الي جانب رقابة القانون أو الشريعة إلا أنه يحرص في نفس الوقت علي إقامة رقابة أخري ذاتية اساسها عقيدة الايمان بالله وحساب اليوم الآخر ولاشك ان في ذلك ضمانة قوية لسلامة السلوك الاجتماعي للمستثمر أو صاحب المال لشعور الفرد المؤمن بأنه إذا استطاع أن يفلت من رقابة ومساءلة القانون بتهريب أمواله للخارج فإنه لن يفلت من رقابة ومساءلة الله تعالي فالوازع الديني في توجيه النشاط الاقتصادي باستشعار المسلم تعاليم الاسلام عن رغبة واختيار بغير حاجه إلي سلطان الدولة لإنفاذه فنجد الكثير في ظل النظم الاقتصادية الوضعية يتهرب من التزاماته للبنوك أو للأفراد وينحرف بنشاطه كلما غفلت عين الدولة أو عجزت أجهزتها عن رقابته ومساءلته.
ونشأ الصراع المادي المسعوربين بعض رجال الأعمال بعد أن أصبحت المادة مقصودة لذاتها بغض النظر عن اثارها علي الاخرين فالمال في الاسلام ليس غاية في ذاته, المسلم إذا كان مكلفا بطلبه وتثميره وتنميته فهو لا يطلبه لذاته وإنما باعتباره وسيلته الفعالة في رحلته إلالله تعالي يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحا فملاقيه وقوله تعالي ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم وقوله صلي الله عليه وسلم: نعم العون علي تقوي الله المال ونعم المال الصالح للرجل الصالح فالهدف من النشاط الاقتصادي هو تعمير الدنيا واحياؤها وان ينعم الجميع بخاتها وليس هو التحكم أو السيطرة الاقتصادية أو استئثار فئة بخيرات الدنيا دون غيرهم.
منهاج إصلاح
* وذكر انه حين نختار منهاجا للاصلاح ينبغي ان نعتبر الظروف الموضوعية للأمة وتركيبها النفسي والتاريخي, وان تحقيق أي تغيير أو اصلاح مرهون بإثبات ان الاسلام يؤيده أو علي الاقل لايعارفالوضع الحالي يحتم أن يكون اقتصادنا اسلاميا لأنه يحقق العدالة الاجتماعية ويحفظ التوازن الاقتصادي بين افراد المجتمع الاسلامي ولايعطي فرصة لاستغلال فئة معينة بأموال البنوك والافراد وذلك مصداقا لقوله تعالي كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم بمعني انه لايجوز أن يكون المال متداولا بين فئة من افراد المجتمع تحصل عليه بقروض او بطرق غير مشروعة مما يجعلها تستأثر بخيرات المجتمع دون اخري بل تضر بمصالحهم.
فحين احترم الاسلام الملكية الخاصة لم يطلقها بلا قيد لضمان عدم الاستغلال أو الاحتكار أو الربا مصداقا لقوله تعالي( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل..) وقوله تعالي( وأحل الله البيع وحرم الفقد كلف الله عباده بعمارة الدنيا فسخر لهم السموات والأرض وقال في ذلك سبحانه وتعالي(.. فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون..) ومما يؤسف له ان هناك قصورا ظاهرا في الكشف عن الأصول الاقتصادية الاسلامية بلغة اليوم والعصغم الاتفاق علي أن حاجات المجتمع المتغيرة تحتاج منا إلي وقفة قبل الندم والتحسر علي ضياع الاقتصاد بين هاربين بأموالهم أو كانزين له.
تهريب الأموال
** مع ضعف الوازع الديني والخلقي لبعض المستثمرين فما حدود تدخل الدولةحين يبغي صاحب المال الاستغلال والاحتكار أو تهريب الأموال المقترضة وتدخل الدولة وحدوده من الصعب تحديده إذ مرده ظروف الزمان والمكان بحسب ماتقتضيه المصلحة العامة لأن الاسانيد الشرعية متعددة ومتغايرة تبعا لما يفرضه الاسلام علي الدولة من إلتزامات في مجالات التنمية والضمان الاجتماعي, فالتدخل من أولي الامر ينقبض وينبسط تبعا لمستوي السلوك الخلقي السائد في المجتمع لكن عند تعرض المجتمع لتهديد كيانه وهروب أمواله فلابد من التدخل وهذا لايعني مصادرة أو معارضة أو حتي منافسة لحرية الافراد أو حقهم في القيام بمختلف أوجه نشاط الاقتصادي إنما من أجل الصالح العام كأن يعجز أصحاب الأموال عن القيام بنشاط مشروع فإن ثبت انحراف أي استثمار وحدث إضرار بالمجموع فلابد من التدخل من جانب الدولة.
* وأشار إلي أن الدين الاسلامي يرشدنا إلي أن المال وديعة بين ايدي اصحابها ويجب بالانتفاع بها في توازن بين المصلحة الفردية ومصلحة المجتمع وإذا أخل المالك بمسئوليات هذه الخلافة( لان الانسان هو خليفة الله في أرضه), حق للدولة التدخل فأولو الأمر حماةمع وأمواله وعلي المستثمرين تذكر الصدق في المعاملة ولقد كان اثرياء المسلمين يتسابقون تطوعا في القيام بأخص التزامات الدولة.
المصدر: ميرفت عبدالتواب .
نشرت فى 27 يوليو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,878,937