لماذا الحديث عن النية؟
لأن عليها مدار العمل من صلاح وفساد فالنية هي ركيزة العمل التي ينبني عليها قبوله من رفضه وهذا بدليل حديث رسول الله {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ....}
فالاهتمام بالنية وتحصيلها هو بغية كل عاقل يسعى لقبول عمله , إن العاقل لا يغره كثرة العمل بقدر ما يرغب في تحصيل قبوله وما الفائدة من عظمة العمل إن أعقبها كما قال تعالى{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا}
أهمية تجديد النية :
أنا الآن لن أتحدث عن أهمية النية إذ يكفي الحديث السابق في الدلالة على أهمية استصحابها قبل الشروع في أي عمل ويكفي من ذلك أنها ركن في كل الطاعات التي أمرنا الله بها إذ أن عدم تقديمها يبطل العمل من الأصل بل إنها الركن الأول المقدم فهي مفروضة أول الصلوات وعند الإحرام وتبييتها مطلوب عند صوم رمضان وفي الزكاة والصدقة وغيرها من أعمال البر.....
فالنية كالثوب الجديد يبدو زاهيا باهيا حين ترتديه أول مرة ثم يزول رونقه مع الغسيل الأول......ويذهب لونه الغسيل الثاني........
ويخرج الغسيل الثالث خيوطه......وهكذا إلا أن يصبح باليا أو ممزقا لايصلح للاستعمال هذا حال الثوب فهل ترضى أن يكون هذا حال نيتك؟؟
أقصد هل تسمح أن تضيع منك أعمال أنت في أمس الحاجة إليها يوم العرض بسبب أن نيتك بليت ؟
حين نهم بعمل ما لأول مرة تكون نياتنا صادقة صالحة نرجوا بها رضا الله ولكن مع الوقت قد تحيط بنا ظروف أو شبهات تنقص من إخلاص نيتنا هذا إن لم تذهب بها بالكلية وتجعلها نفاقا و رياءا والنية كما الثوب لا تبلى دفعة واحدة فلا يقولن مغتر نيتي خالصة والحمد لله أفلا خبرتها لتتأكد؟؟
أو تظن الشيطان يأتي ليقول لك :صم ليقال صائم أو قل ليقال قائم؟
أبدا...ما هذه حيلته ولو كان هكذا لصددناه منذ الوهلة الأولى مداخل الشيطان خفية فهو يأتيك دون شعور ويذهب بإخلاص قلبك شيئا فشيئا.
دعني أقول أن حديثي عن تجديد النية لا يقتصر فقط على تخليصها من شوائب الرياء والنفاق فهذا وإن كان مطلوبا وذو أهمية قصوى إلا أن الأحاديث عنه كثيرة والتصانيف فيه أكثر حديثي هنا لأصحاب الهمم للذين لا ينتظرون فساد النية لإصلاحها بل لا يسمحون بنزولها عن قمة الإخلاص قيد أنملة.
والحديث عن تجديد النية غايته تعاهدها الدائم لتبقى كما الأول خالصة صادقة تدعوك لكل خير وتجعلك تستسهل كل صعب .
اختبر نيتك
انظر إلى عملك هل ما زلت تشعر بلذته كما حين شرعت فيه ؟أم أنه صار آليا بلا طعم؟
ولنقرب الصورة أكثر.......
في حياتنا الدعوية أفعالنا هل هي بنفس النية التي بدأنا بها الدعوة أول مرة ؟
أم أن الهدف تغير؟ إبراز نشاط؟....زيادة شهرة؟؟اكتساب أجرة؟ هل هذه هي النية التي استصحبتها بداية؟؟
أجزم أنها لا فما الذي غيرها؟أو فالنقل ما الذي أبلاها؟
أنا أجيبك: عدم تعاهدها
أصلحناها ابتداءا ثم اتكلنا وغفلنا من كونها قد تبلى
جدد نيتك
غذها....... تعاهدها....لا تتركها للزمن ولا تغفل عنها احرص على أن تبقى كما أول مرة جديدة.....نقية .....زاهية....تدفعك للمزيد من العمل..... للمزيد من الطاعة....
دعها ترقى بك في سلم الفضائل فإنها إن بليت هوت بك إلى أدنى المنازل لا تجعلها تبلى اعزم الآن.............وجدد نيتك
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "من تعلم علما مما يُبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" . يعني: ريحها. [رواه أحمد وأبو داوود وابن ماجه وصححه الألباني]
إن أوَّل من تُسعَّر بهم النار قبل الكفار والمنافقين، هم الذين تعلموا العلم للتفاخر به ..
وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه .." فذكر منهم ".. ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟، قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .." [صحيح مسلم]
فلنجدد النية ونبتغي وجه الله وحده في طلب العلم ..
بأن نجعل غايتنا من العلم هي: التقرب من الله عزَّ وجلَّ، و ليس أن نكون مميزين بين الناس؛ فإنهم لن يغنوا عناِ من الله شيئًا ..
وتلك الرغبة في التباهي أمام الناس، هي التي تدفعنا لطلب العلم من كل مكان دون أن نعمل بما تعلمنا.
إن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لم يكونوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، إلا ليعملوا وينفذوا كل ما علموا .. ولم يكونوا يتجاوزون العشر آيات ، حتى يعملوا بما فيهن؛ ولهذا صاروا من صفوة خلق الله في الأرض .. قال الله تعالى {.. وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].