التعامل مع النقد :
لا شك أن الإنسان في مسيرة حياته يلقى محباً ومبغضاً ومؤيداً وناقداً، والنقد يختلف باختلاف أهداف ودوافع من صدر منه، فيمكن أن يصدر من عدو أو صديق قريب أو بعيد.
والواجب على الإنسان أن يعوِّد نفسه على الحِلمْ وسعة الصدر، والصبر على الأذى، وعدم الغضب لأتفه الأسباب، وإذا غضب أن يكون متحكماً فيه وإلاّ لضر الإنسان نفسه قبل غيره ولنشر حوله أجواء من الكراهية والتوجس وصادر آراء الآخرين وحريتهم في التعبير عنها، وفي ذلك من الضرر الاجتماعي ما لا يوصف.
ويُمكن أن يقسم النقد إلى قسمين :
أ) نقد بناء موضوعي :
وهو الذي يخلو من التجريح الشخصي، ويركزعلى جوانب النقص في العمل بدون مبالغة ويبين كيفية استكمالها ويشيد بجوانب الكمال في العمل.
المواقف من النقد البناء :
1- إيجاد الأجواء المناسبة والمشجعة على النقد البناء.
2- الفرح والترحيب به والبحث عنه ( رحم الله من أهدى لنا عيوبنا).
3- النظر فيه بإمعان وروية مع غض النظر عن قائله.
4- السعي لاستكمال النقص وتصويب الأخطاء التي اشار إليها الناقد.
ب) نقد ظالم مغرض :
وهو الذي يستغل النقص في العمل لمصادرة العمل بالكلية والنيل ممن قام به وتجريحه والتشفي منه ورميه بما ليس فيه مع عدم الاهتمام بتصويب العمل أو التبني لما فيه من كمال وحق.
الموقف من النقد الظالم :
1- محاولة معرفة أسباب هذه النقد ( حسد – أنانية – خوف من العمل – انتصار للنفس وأخذ بالبثأر – أو غير ذلك ).
2- السعي لإزالة الأسباب إن أمكن ذلك.
3- معرفة الأهداف من النقد وإحسان التعامل معها.
4- عدم الاشتغال بالرد على النقد إلاّ بقدر ما قد يعيق العمل أو يشوه صورته.
5- عدم الانشغال بالانتصار للنفس وترك العمل ونسيانه.
6- الاستفادة من النقد في تصويب العمل وإصلاحه ومعالجة جوانب النقص فيه.
7- احتساب الإنسان ما يصيبه من الأذى وما يتعرض له من النقد عند الله سبحانه وتعالى.
وليتذكر الإنسان دائماً قوله سبحانه وتعالى : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ) الآية، فما كان لله يبقى ويدوم وما كان لغيره يذهب ويزول.
***
تجنب تصيُّد عيوب الآخرين وانشغل بإصلاح عيوبك
البعض يتصيد العيوب من باب الضحك والتعليق
والبعض
إبليس يوهمه أن تصيد العيوب من باب النهي عن المنكر
حتى يصبح عادة و هواية يصعب الإقلاع عنها
قال أبو هريرة –رضي الله عنه-:
”يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه و ينسى الجذع أو الجذل في عينه“
و قال ابن حبان:
”إن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه و تعب بدنه و تعذر عليه ترك عيوب نفسه
يقول احد الحكماء : مررت على كثير فاستفدت منهم ثمانية حَكم:
إن كنت في الصلاة فاحفظ قلبك.
وان كنت في مجالس الناس فاحفظ لسانك.
وان كنت في بيوت الناس فاحفظ بصرك.
وان كنت على الطعام فاحفظ معدتك.
اثنان لاتذكرهما أبدا: - إساءة الناس لك. واحسانك إلى الناس.
واثنان لا تنساهما أبدا: - الـله عز وجل. والدار الآخرة
* بيان خطورة هذا النوع من النقد على الدعوة .
- التحذير منه ومحاولة تقديم العلاج لهذا النوع من النقد.
* تعريف النقد:
لغة: يطلق على معنيين:
أ- المعنى الأول :
تمييز الجيد من الرديء، والحسن من القبيح، وهذا الذي يمكن أن نسميه النقد البناء.
ويمكن تعريفه بأنه: بيان الأخطاء ومحاولة تقويمها.
ب- المعنى الثاني:
العيب والتجريح، وهذا هو الذي يمكن أن نسميه النقد غير البناء، أو النقد المذموم.
* حكم النقد :
النقد كما سمعتم يمكن أن يكون نقداً بناءاً ممدوحاً، ويمكن أن يكون نقداً غير بناء فهو نقد مذموم.
أما النقد البناء فهو مشروع ويأخذ مشروعيته من أنه لا يخلو من أمور ثلاثة: فهو إما أن يكون نصيحة :
والنصيحة مأمور بها، وقد ورد الحث على إبدائها في أكثر من حديث كما ورد
(( عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ )) .
أو يكون النقد أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر:
وتعلمون أيضاً الآيات والأحاديث الواردة في ذلك مثل قول الله تعالى:
((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)) (سورة آل عمران 110).
وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ )) .
وقد يكون النقد داخلاً في محاسبة النفس:
وهذا نوع من أنواع النقد وهو ما يسمى بالنقد الذاتي ومحاسبة النفس، تعرفون مشروعيتها في مثل قول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ))
(سورة الحشر: 18) .
وعن شداد بن أوس قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله )) .
ومعنى دان نفسه : أي حاسبها .
وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه قال: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية).
إذاً أيها الأخوة يتلخص مما سبق ، أن النقد البناء مشروع، وحكمه يختلف بحسب اختلاف الشيء المنتقد،
فربما يكون النقد واجباً، وربما يكون مستحباً، فمثلاً عندما نرى إنساناً قد تلبس بمنكر فهنا انتقاده هو عبارة
عن إنكار هذا المنكر، فيكون النقد في هذه الحالة واجباً.
وربما ترى إنساناً مستقيماً صالحاً قد تساهل في نافلة فتنتقده، فانتقاده هنا نصيحة لله وأمر بالمعروف
ويكون في مثل هذه المثال حكم النقد مستحباً.
وهذا أيها الأخوة مجرد تمثيل، لا يفهم منه أن النقد إذا كان نصيحة أو كان أمراً بالمعروف أن يكون حكمه
مستحباً، لا فربما يكون واجباً لأنَّ الشيء المنصوح به أو المأمور به يكون واجباً.
على العموم أيها الأخوة نستطيع أن نقول أن النقد البناء يأخذ حكمه من حكم الشيء المنتقد به، هذا في النقد البناء، أما النقد غير البناء فسيأتي الكلام عنه إن شاء الله.
* أهمية النقد :
1- إن الإنسان من طبيعته الخطأ، وتنبيهه للخطأ هو نصح له أو أمر له بالمعروف ونهي له عن المنكر، وهذا
هو النقد، فيأخذ أهميته من أهميتهما.
2- عن طريق النقد البناء يتم تصحيح الأخطاء حيث إن غياب النقد يعني تراكم الأخطاء، فالخطأ الذي لا يصحح
يستمر، وخطأ مع خطأ مع ثالث يجعلها تتراكم فيصعب الإصلاح حينئذ.
3- يجعل الإنسان إيجابياً في بيئته إذا كان نقده بناءاً، حيث يترتب على نقده تصحيح المسار أما الساكت فهو
سلبي لا يستفاد منه.
4- عن طريق النقد البناء يبرئ الإنسان ذمته ويخرج من التبعة بإنكار المنكر الذي رآه أو أمره بالمعروف، رأى
أنه قصر فيه ونحو ذلك، فمثل هذا لو سكت لأثم، فإذا نقد وبين الخطأ برئت ذمته، وبالتالي تزكو نفسه
وتسمو.
* أنواع النقد :
يمكن أيها الأخوة أن تقسم باعتبارات متعددة:
فمثلاً :
من ناحية نوعية النقد: ينقسم النقد إلى
1- نقد بناء :
وهو الذي عن طريق يتم بيان الأخطاء ويحاول إصلاحها.
2- نقد غير بناء :
وعنه كلام خاص سيأتي إنشاء الله.
الاعتبار الثاني من اعتبارات أنواع النقد:
من ناحية الموجّه إليه النقد :
الأصل في النقد أن يوجه إلى الآخرين، والكلام في هذا الموضوع في الغالب نصيب على هذا، ولكن يمكن أن
يكون النقد ذاتياً بالمعنى أنك تنقد نفسك، وهذا الذي يعني محاسبة النفس، وهذا النوع من النقد أيها الأخوة
مهم جداً أن تنقد نفسك هذا مهم وذلك لما يلي:
أ - يدل هذا النوع من النقد على الشجاعة والقدرة على الاعتراف بالخطأ، وبالتالي القدرة على التصحيح.
ب - نقد الآخرين لك مع أهميته لا يكون كنقدك لنفسك، وذلك لأنك أنت أدرى بنفسك، ولاسيما في الأعمال
القلبية فلا أحد يدري أنك عملت هذا العمل من أجل غرض دنيوي أو لإرضاء فلان، أو لكسب إعجاب الآخرين،
أو للفت الأنظار إليك، كل هذا لا يعرفه عنك الآخرون، ولذا لا يمكن أن ينتقدونك فيه ولكنك أنت تعرف وتدرك
ذلك فتوجه إلى نفسك النقد.
ج- يشغلك عيبك عن عيوب الناس، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
إذن ينقسم النقد من ناحية الموجّه إليه النقد إلى نقد الآخرين، ونقد الذات.
الاعتبار الثالث من اعتبارات أنواع النقد :
من ناحية الأسلوب بالمستخدم :
حيث إن النقد يمكن أن ينقسم إلى:
1- نقد غير مباشر:
ومكن أن نسميه : (النقد العام) وهذا مثاله (( ما بال أقوام)) .
وكقوله تعالى في سورة براءة : ((وَمِنْهُمْ )) ((وَمِنْهُمْ)) ولم يذكر أسماء ،
وهذا أيها الأخوة مفيد في ما إذا كان المراد بالنقد الظاهرة أو العمل، بغض النظر عمن عمله، فنحن نريد من
نقد هذا الشيء تحذير الناس من عمل هذا العمل ولا يتعلق بالعامل لهذا العمل أي غرض ، فمثلاً ليس النقاب
أو التبرج والسفور لا يهمنا أن فلانة تبرجت أو فلانة فعلت كذا وكذا، بقدر ما يهمنا التحذير من هذا العمل، فهنا
تنقد الظاهرة، تنقد العمل دون أن تقول فلاناً هو الذي عمل كذا.
وهذا النوع من النقد هو الغالب في منهج الإسلام.
2- نقد مباشر:
وهو النقد الخاص كأن تنتقد إنساناً بعينه، وهذا إنما يستعمل فيما إذا كان لذكر هذا الإنسان فائدة، كما لو كان
مبتدعاً وقد لبّس على عوام الناس، أو كان صاحب فجور قد أعجب به الناس لحسن كتابته أو جودة أسلوبه، أو جرأته فهذا ينقد بعينه.
وهذا الأسلوب مع إنه ليس هو الأسلوب الشائع في منهج الإسلام إلا أن له أهميته ، وذلك لأن الناس أحياناً
لا ينتبهون للنقد غير المباشر بل وربما صرفوه عن هذا الإنسان الخطر على الأمة ، فإذا قيل إن العمل الفلاني
حرام ولم يدرك الناس ولاسيما العامة، أن هذا الشخص ربما يدس لهم السم في العسل، ويدعو إلى أمور لا
يدركون خطورتها، بينما إذا حذر من الشخص بعينه أضحوا لا يتقبلون منه إلا بعد التمحيص.
كذلك أمر آخر ربما إذا نقدت الظاهرة أو العمل يصرفه السامع عن نفسه بحجة ليس هو المعني، وهذا كما لو
تكلمت مثلاً عن التقصير في عمل ما، ربما إذا سمعت تقول نسأل الله العافية، تظن أن المقصود غيرك بينما
إذا وجّه إليك الكلام مباشرة انتبهت.
قد يكون النقد المباشر أيها الإخوة لفئة معينة، كما لو نقد فئة الصالحين المستقيمين مثلاً نقداً مباشراً فهذا وإن لم يذكر فيه أسماء إلا أنه يعد نقداً مباشراً.
والنقد المباشر مع أنه ليس هو المنهج الغالب في استعمال الشريعة إلا أن له أصلاً كما جاء ( ما ينقم ابن جميل إلا إن كان فقيراً فأغناه الله ) فسماه باسمه.