بدأت حركة حماية المستهلك نتيجة للعديد من الممارسات اللاإنسانية التي كان يمارسها المنتجون والتجار والوسطاء ضد المستهلكين في السوق بعيداً عن القيم الاجتماعية والضوابط الأخلاقية. وبذلك نشأت فكرة حماية المستهلك وتوسعت حركتها في المجتمعات المتقدمة جراء الضغط الذي مارسه المستهلكون على حكوماتهم من أجل التدخل وفرض القوانين لحمايتهم مما يُعرف بجشع المضاربين من التجار والصناع..
إن أول قانون لحماية المستهلك صدر في الولايات المتحدة سنة 1873، ثم توالى بعد ذلك صدور القوانين واتخاذ الإجراءات من قبل الكثير من دول العالم بغية حماية المستهلك وحقوقه، سواء تعلق الأمر بما يختص بقوته المعيشي اليومي، أو باقي مناحي الحياة بما فيها حقه في بيئة سليمة وصحية.
إن حماية المستهلك وحقوقه ليست شعارات مبتذلة، بل تستلزم جهوداً جماعية كبيرة بعدما تعرضت إلى الإهمال والانتهاكات، وصرنا نراها اليوم تفرض حضورها، بل دخلت في صراع مع وسائل الدعاية والإعلان، (وللأسف الشديد بدعم من وسائل الإعلام ). ونظرا لضرورة هذه الوسائل وأهميتها في تعريف المستهلكين بالمنتجات الجديدة ومزاياها، فإنها تمارس في كثير من الأحيان عملية تضليل واضحة للمستهلكين الذين قد يٌقبلون جراء ذلك على استهلاك سلعة معينة ولكنها قد لا تكون بالمواصفات المعلن عنها، مما يؤدي إلى وقوع المستهلكين في فخ تضليل الإعلان الذي قد يٌلحق بهم أضراراً صحية أو اقتصادية..
ولأجل ذلك وجب التذكير بحقوق المستهلك كما نصت عليها المنظمة الدولية للمستهلكين:
- الحق في تأمين الاحتياجات الأساسية من تغذية وملبس ومسكن وعلاج وتعليم وصحة.
- الحق في توفر السلامة في المنتج وذلك بضمان حماية المستهلك من السلع والخدمات التي تشكل خطورة على صحته أو حياته.
- الحق في الحصول على المعلومة الصحيحة لاتخاذ الخيار المناسب وحمايته من التدليس والغش.
- الحق في الاختيار أي أن يكون المستهلك حراً في اختيار البضاعة أو الخدمة التي يرغب فيها من خلال توفر بضائع وخدمات متنوعة تضمن له المقارنة بين الأسعار والجودة.
- الحق في التمثيل والمشاركة وذلك من خلال توفير الأطر المناسبة للاستماع إلى آراء المستهلكين وإشراكهم في وضع السياسات التي تهمهم.
- الحق في التعويض، وهو أن يحصل المستهلك على التعويض العادل عند حصول الضرر وأن تتم مساعدته على التقاضي المجاني إن اقتضى الأمر لفض الإشكاليات البسيطة.
- الحق في التثقيف.
- الحق في العيش في بيئة نظيفة.
فإذا كانت الدولة من بين الجهات التي يقع عليها عبء مسؤولية حماية المستهلك من جميع الأضرار التي قد تلحق به، فإنها تتحمل ذلك بشكل مباشر عن طريق القوانين التي تشرعها مؤسساتها الرقابية، - ونحن اليوم في المغرب أمام قانون جديد يقضي بتحديد تدابير لحماية المستهلكين – الذي ينصص صراحة على أنه يهدف إلى تحقيق من جملة ما يهدف إليه، إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتنيها أو يستعملها.
ومن هنا يمكن أن تمارس وسائل الإعلام التابعة للقطب العمومي والمستقلة على حد السواء، بأشكالها المختلفة (المرئية والمسموعة والمقروءة) دوراً ملموساً في تثقيف المستهلكين ونشر الوعي بينهم وتعزيزه وتحذيرهم من كل الممارسات التي يمكن اعتبارها جشعا تؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للمواطن أولا، وتؤذي صحتهم من خلال بيعهم سلعا منتهية الصلاحية، وأخرى مهربة بدون أية مراقبة، وثالثة بأسعار غير محددة بدعوى انفتاح السوق وحرية الأسعار وما بعرف بــ" الله يجيب الغفلة بين البايع والشاري".
إن الدعاية لأي منتج والإعلان عنه يتم - غالباً - عن طريق وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة، ذلك أن الدعاية والإعلان بالنسبة للشركات المنتجة هي تكاليف تتحملها من أجل الترويج لمنتجاتها، بينما بالنسبة للإعلام هي أرباح و أحد مصادر إيراداته، وهذا يعني أن الإعلان يَستخدم الإعلام كوسيلة تنفذُ من خلالها إلى المستهلكين، ومع إيماننا بمراعاة المؤسسات الإعلامية لكلا الطرفين في هذا الجانب، الشركات المنتجة وشرائح المجتمع المستهلكة ، فذلك لأننا لا نريد للإعلام أن يخسر زبائنه من المُعلنين عن مُنتجاتهم، كما لا نرضى أن يشارك في غش المستهلكين وتضليلهم، وقد تكون هذه المعادلة صعبة بالنسبة للإعلام ولكن مسؤولية حماية المستهلك ضرورة لا يمكن تجاهلها.
إننا كإعلاميين، وكمواطنين قبل أن نكون إعلاميين، ندعو إلى الانحياز للمستهلك الذي يعاني باستمرار من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مثل البطالة والفقر وتدني المستوى المعيشي، ناهيك عن الزيادات في الأسعار وعدم مراقبتها إلى جانب مدى جودة ما يقدم للمستهلك، سواء تعلق الأمر بما هو معيشي استهلاكي، أو ما له علاقة بالصحة البدنية و البيئية وكل ما يتصل بحياة الفرد داخل المجتمع.
إن الإعلام مسؤولية ورسالة، وهو الأقدر على ممارسة دوره في التثقيف والتوعية وكشف الحقائق وعرض المعلومات بشفافية متناهية، الأمر الذي يجعله نافذة لنقل هموم المستهلكين وآرائهم وترجمة احتياجاتهم وبيان حقوقهم المشروعة أمام المسؤولين في كل ومختلف أجهزة الدولة أولا، وثانيا الشركات المـنتجة والتجار والوسطاء وكل من له علاقة مباشرة أو غير مباشرة، من أجل مساعدة المواطن المستهلك في حفظ الحقوق والابتعاد عن المساهمة في التضليل، لا بل والـكشف على كل حالات الغش والخداع والتضليل التي من الممكن أن يتـعرض لها المستهلكون.
وفي هذا السياق، نؤكد أننا قمنا ولازلنا وسنظل، كوسيلة إعلامية باتت معروفة بالدور المنوط بها في هذا الإطار، وذلك من خلال عدة برامج توعوية وأخرى حوارية، تطرقنا فيها للدور الخاص بأجهزة الرقابة – وقد شاركت معنا في العديد من المحطات – ، وبدور مؤسسات المجتمع المدني في حماية المستهلك، كما كانت لنا إسهامات متعددة في توعية المواطن بحقوقه وبواجباته. ويمكن أن نذكر هنا من باب الاستئناس برامج قاربت الموضوع من زوايا عديدة، سواء حسب طبيعة ومقامات المراحل ( أعياد، رمضان، حملات تحسيسية...) أو من خلال تغييرات أو حيثيات ظرفية، لامسنا من خلالها جوانب عديدة كما الأمر في برنامج نبض المواطن، أو برنامج المستهلك وبرنامج لقاء مفتوح ومع التجار.. إضافة إلى مساهمتنا في إبراز دور الأفراد في المجتمع كمستهلكين بغض النظر عن صفاتهم أو أعمالهم وأنشطتهم، وذلك بترجمة شعار حماية المستهلك مسؤولية الجميع على أرض الواقع، لنشر الوعي بحقوق المستهلك، وبلورة السلوك الإيجابي لدى أفراد المجتمع لخدمة قضايا المستهلك.