التَّواضُع رِدَاءُ المُؤمِن

لا شك أن خُلق التواضع من أعظم الأخلاق الكريمة والشمائل الحميدة التي يتحلى بها المؤمن الكريم الشهم ؛
فيضفي على إخوانه المسلمين المحبة والمودة والألفة ويرضي ربه ويقتدي برسوله صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين .
ولقد عني الشرع بهذا الخلق العظيم وحث على التخلق به قال تعالى موصياً نبيه صلى الله عليه وسلم :
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ

آل عمران ﴿١٥٩﴾
وأوصى لقمان ابنه وقال تعالى :
﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ

لفمان ﴿١٨﴾
وقال صلى الله عليه وسلم :
{إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا ؛ حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ
}
رواه مسلم
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا فِي رَأْسِهِ حَكَمة بِيَدِ مَلَكٍ , فَإِذَا تَوَاضَعَ قِيلَ لِلْمَلَكِ : ارْفَعْ حَكَمَته , وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ : ضَعْ حكمته
}
[الطبراني].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشد الناس تواضعاً خافضاً لجناحه رحيماً بأصحابه ؛
فقد كان يمشي في حاجة الوليدة السوداء وكان يركب الحمار ؛
ولما فقد خادمة المسجد حزن وقصد قبرها فصلى عليها وكان يباشر الفقراء والمساكين ويخالط الأعراب لأجل تعليمهم وإرشادهم ويسلم على الصبيان .
وكان متواضعاً في طعامه وهيئته ومسكنه يأكل على الأرض ويفترش الحصير ويتوسد الرمل ليس له حاجب يمنع الناس عنه وبالجملة فقد كانت حاله كحال المساكين المتواضعين المتذللين ليست كحال الملوك الجبارين المتغطرسين .
واقتبس هذا الخُلق منه أصحابه لا سيما الشيخين أبوبكر وعمر فقد كانا رضي الله عنهما غاية في التواضع ؛
كان أبوبكر يعمل في السوق ويخرج إلى بيت في ضاحية المدينة لامرأة عمياء فيكنس بيتها ويحلب شاتها ويحضر لهم الماء ويصلح حالهم ؛
وهكذا كان عمر لم يتغير حاله بعد الخلافة استمر على طريقته في التواضع والزهد والورع .
مفهوم التواضع


التواضع مأخوذ من مادة (وضع
)، التي تدل على الخفض للشيء وحطه ،
يقال : وضعته بالأرض وضعا ، ووضعت المرأة ولدها .
وأما في الاصطلاح فهو : إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه .
وقيل : هو تعظيم من فوقه لفضله .
قال الجنيد بن محمد : "التواضع هو خفض الجناح ولين الجانب
".
وهو
تذلل في القلب وافتقار يكسب الجوارح خضوعاً وسكوناً فيجمل صاحبه على احترام الناس وتقديرهم وحسن التعامل معهم على حدٍ سواء لا يفرق بينهم في التعامل ما داموا مسلمين ولا ينظر إليهم باعتبارات خاصة .
ويحمل صاحبه أيضاً على قبول الحق مهما كان من أي شخص ولو كان أدنى منه منزلة .
قال الحسن : (التواضع : أن تخرج من منزلك فلا تلقى مسلماً إلا رأيت له عليك فضلاً
) .
وضد التواضع صفة الكبر
.
مفهوم الكبر :

هو العلو في الأرض والاستطالة والترفع عن الخلق واعتقاد الأفضلية عليهم وازدراء الناس وانتقاصهم ورد الحق إذا لم يوافق الهوى أو صدر من صغير أو مخالف .
والكبر كبيرة من كبائر الذنوب وسبب موجب لدخول النار والذل والصغار يوم القيامة .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ
}
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
رواه مسلم
‏عَنْ ‏ ‏عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏جَدِّهِ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ قَالَ ‏:
{‏يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ ‏ ‏يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى ‏بُولَسَ ‏تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ ‏ ‏عُصَارَةِ ‏ ‏أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ
}‏
‏قَالَ ‏ ‏أَبُو عِيسَى ‏ ‏هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ‏
رواه الترمذي.
( بَوْلَسَ
) ‏هُوَ بِفَتْحِ بَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ لَامٍ .
وَفِي الْقَامُوسِ : بُولَسُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ سِجْنُ جَهَنَّمَ
،
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ : هُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ اللَّامِ
. اِنْتَهَى ‏
وللتواضع أمارات وقرائن تدل على تحلي المرء به
:

أن يكون بشوشاً متحفياً بالخلق باذلاً السلام لكل أحد ومتبسطاً بالحديث مع جميع الناس ؛
يخالط الناس في نواديهم ومجالسهم ومساجدهم لا يأنف من ذلك ؛
يصبر على أذاهم ويقبل نصيحتهم ويتجاوز عن مخطئهم ويشاركهم في أفراحهم وأحزانهم .
إن المتواضع
لعباد الله قد تواضع ليقينه بفقره وذله لله وعجزه وحاجته لعطاء الله واعتقاده بأن العزة لله والكبرياء لا يصلح إلا له والجبروت لا يليق إلا به .
أما العبد المخلوق فلا يصلح له ولا يناسبه إلا التواضع والانكسار وخفض الجناح ،
فهو متواضع لله حقا منكسر بين يديه فقير لغناه قد خفض بصر قلبه وذلت جوارحه لله ؛ ومن التواضع لله التواضع لعباد الله .
والعزة الحقيقية تكتسب عن طريق التواضع
ولهذا روي في السنة :
عَنْ رَكْبٍ الْمِصْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{
طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ ، وَأَنْفَقَ مَالًا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ،
وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ ،
طُوبَى لِمَنْ طَابَ كَسْبُهُ وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ ، وَكَرُمَتْ عَلَانِيَتُهُ ، وَعَزَلَ عَنْ النَّاسِ شَرَّهُ ،
طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ
}
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ دَرَجَةً يَرْفَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ دَرَجَةً يَضَعُهُ اللَّهُ دَرَجَةً حَتَّى يَجْعَلَهُ فِي أَسْفَلِ سَافِلِينَ
}
زَادَ ابْنُ حِبَّانَ
رواه أحمد.

إن كمال التواضع
يكون في المرء حال الغني والرئاسة والجاه والعلم وغير ذلك في الحال التي تكون دواعي الكبر والفخر والخيلاء متوفرة فيه ،
فإذا تواضع الإنسان في مثل هذه الحال ولم يغتر بما فيه كان دليلاً على صلابة إيمانه وشكره لله وقوة عزيمته .
أما من كان عادماً لذلك ولم يوجد فيه ما يقتضي الكبر كان التواضع في حده سهل التحصيل ولم يكن في منزلة الأول ؛
ولذلك ورد الوعيد الشديد في العائل المستكبر .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتواضع حال النصر والفخر فلما دخل مكة كان مطأطئ الرأس غير فخور .

والتواضع
يكون محموداً إذا أورث المحبة والتواد والسلام والإصلاح وجمع الكلمة وائتلاف القلوب والتعاون على البر والتقوى .
أما إذا كان يترتب على ذلك سكوت عن أخذ الحق أو ظلم وضيم من الغير أو تعرض للمهانة فليس ذلك من التواضع المحمود شرعاً بل هو ضعف وخور في النفس فلا يليق التواضع أمام الكافر ؛
ولهذا كان الكبر والخيلاء محموداً في ساحة القتال ونهى المسلم عن إكرام الكافر في الطريق .
ولا يحسن التواضع أيضاً أمام الفاجر الهاتك لستر الله المجاهر للمعاصي والفجور لأن ذلك يفضي إلى مداهنته وإقراره واستمراره في سبيل الباطل .

إن التواضع
في المرء قد يكون مجبولاً عليه في أصل طبعه وخلقته وقد يكون مكتسباً ؛
فينبغي على من وجد في نفسه ترفع وكبر أن يجاهد نفسه في صرف هذا الخلق المذموم وتحليه بالخلق الحسن ؛
ولا يعذر أحد على التكبر لأنه مأمور شرعاً باجتناب الأخلاق الرديئة وامتثال الأخلاق الطيبة وإنما الحلم بالتحلم .

إن الواجب على العالم والغني والأمير أن يتواضع لله ولعباده شكراً لما أنعم الله عليه .
فشكر النعمة في حق الغني تواضعه لعباد الله وبذل ماله في المعروف وقضاء حوائجهم ؛
قال بشر بن الحارث : (ما رأيتُ أحسنَ من غنيّ جالسٍ بين يدَي فقير
)
وشكر النعمة في حق العالم تواضعه لعباد الله وبذل العلم للجاهل والمتعلم وتزكيته والقيام بحقوق العلم .
وشكر النعمة في حق الأمير تواضعه لعباد الله وبذل الجاه والرئاسة في العدل وإيصال الحقوق لأهلها .

إنه يقبح بالعالم من رزق علم الشريعة وفتح عليه أن يتكبر ويترك التواضع
ويحمله العلم على التيه والترفع على عباد الله وازدراء الناس واعتقاد أنهم جهلة وذمهم في كثير من المناسبات والمجالس .
ولا شك أن من كانت هذه حاله حرم البركة في علمه وقل توفيقه وأعرض الناس عنه وكان علمه وبالاً عليه يوم القيامة وسبباً لدخوله في الوعيد والذم الوارد في الشرع. وقد أكثر السلف من التشنيع بذلك .
إنه من المؤسف أن تجد بعض الأغنياء هداهم الله لا يصلون في المساجد أنفة منهم عن مخالطة العوام والعمال ،
وبعضهم لا يغشى مجالس الناس ولا يأكل طعامهم ولا يدعو المساكين إلى وليمته استكبارا وعلواً .
ومن المؤسف أن ترى بعض القضاة والعلماء هداهم الله يتكبرون عن سماع الحق وإسداء النصيحة لهم وإن كانت وفق الأدب الشرعي ؛
وترى بعضهم لا يجلس إلا في صدر المجلس ويستأثر بالكلام وحده وإن كان في حضرة غيره من أهل العلم ؛
وشديد الغضب إذا روجع في العلم وكثير الزجر والتعنيف بالطلاب .
ومن المؤسف أن ترى بعض الأمراء هداهم الله متكبراً يستفز عباد الله ويزدريهم ويعاملهم معاملة الخدم بالسباب والشتائم والإهانة وربما ضربهم لأدنى سبب وتسلط على أموالهم وحقوقهم .
وأنه من المؤسف أن ترى بعض أهل الحسب أشراف الناس متكبرين
متغطرسين يزدرون ويحتقرون عباد الله ويعتقدون أنهم هم الأفضل على غيرهم في كل شيء ؛
فترى الرجل منهم مفاخراً بمناقب أجداده وشمائلهم في كل مجلس كحال أهل الجاهلية .
وصور الكبر ومشاهده كثيرة في الناس كل على حسب جاهه ومنزلته والله المستعان .

لقد كان السلف الصالح شديدي التواضع والانكسار لله والأمثلة على ذلك كثيرة جداً ؛
فهذا ابن عباس
رضي الله عنه يأخذ بركاب زيد بن ثابت الأنصاري ويقول :
(هكذا أُمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا
)
وقال مجاهد : (ربما أمسك لي ابن عباس أو ابن عمر بالركاب
)
وهذا الإمام أحمد
لما ذكر نسبه في مجلس كان من الموالي طأطأ رأسه ولم يفخر بنسبه .
ولما دخل عليه الأشراف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليهم وقبلهم تواضعاً لله مع عظم شرفه وشهرته وإمامته في الناس .
وقد كان شيخنا عبدا لعزيز بن باز
بقية السلف الصالح رحمه الله آية في التواضع في ملبسه وكلامه وتصرفاته ومعاملته للخلق ؛
يعامل جميع الناس على حد سواء في الرفق والاحتفاء والبشر والاهتمام بأحاديثهم فلا يفرق بين غني وفقير وبين عالم وجاهل وشريف ووضيع ؛
لا يعنف أحداً ولا يترفع على أحد مع عظم منزلته ورئاسته وقوة سلطانه ؛
وقد أثر مسلكه هذا على طلبة العلم والعلماء و أحيا في نفوسهم خُلق النبي صلى الله عليه وسلم وهديه .

إن التواضع
صفة من صفات الكمال التي تُجمل المرء وتزينه وتحببه للخلق وتجعل له قبولاً في الأرض ؛
وإنها تدل على قوة العزيمة ونفاذ البصيرة والثقة بالنفس ؛
وترك التواضع
يدل على ضعف الشخصية ونقص في النفس لأن المتكبر يستر ويغطي بكبره بعض عيوبه .
إن هناك أمور ووسائل تحمل المرء على التواضع وتعينه على ذلك :

أولاً
: أن يفكر العبد في أصل جوهره وحقيقته التي خلق عليها وأنه من تراب طبيعتها السكون والتذلل فلا يليق به التكبر.
ثانياً
: أن يتأمل في عجزه وفقره لله وحاجته لعطاء الله وهذا يدل على أن حاله لا تصلح للكبر والتكبر.
ثالثاً
: أن يتأمل في نقص طبيعته واعترائها مظاهر الذم فهو يحمل الفضلات في جوفه ويعتريه الخوف والمرض وغيره من مظاهر النقص البين ومن كانت هذه حاله كان التواضع هو اللائق به .
رابعاً
: أن يفكر في صفة الله وغناه المطلق وصفة قدرته وعلمه الواسع وأن الكبر والخيلاء من أعظم صفاته فلا يليق للبشر أن ينازعوا الله في شيء من صفاته .
خامساً
: أن يتدبر في حاله في الدنيا وأنه مفارقها عما قريب وراحل عنها إلى قبر مظلم لا أثاث فيه ولا متعة بل يساكنه الدود وهوام الأرض ثم يقوم يوم القيام عارياً متجرداً من كل شيء فلم الفخر والخيلاء والتكبر على ماذا .
سادساً
: أن يتدارس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين وصحابته الكرام والأئمة الصالحين الذي عرفوا بالتواضع والسكون .
سابعاً
: أن يصاحب الفقراء والمساكين أحياناً والأولياء الصالحين الذين تواضعوا لله ولم تغيرهم المظاهر والمفاخر فإن صحبتهم تسكن النفس وتذللها في طاعة الله وتجعل المرء هيناً ليناً مع إخوانه المسلمين .
ولا يداوم على صحبة الأغنياء وأهل الدنيا والرئاسات فإن ملازمة صحبتهم تكسب النفس علواً وفخراً وتحمل المرء على الترفع على عباد الله وازدرائهم .
ثامناً
: يستحب لمن وجد في نفسه الكبر والتعالي أن يباشر بنفسه الأعمال اليسيرة التي تكسر نفسه وتذللها وتذهب عنها العلو ؛
كالخروج إلى الأسواق الشعبية ومخالطة المساكين وحمل المتاع وتنظيف البيت ومعاونة الأهل ومساعدة الضعفاء في أمورهم الخاصة ؛
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتولى بنفسه الشريفة أعمال المنزل ويعين زوجاته فيخصف نعله ويغسل ثوبه .
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما :
(رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عاتقه قربة ماء ،
فقلت : يا أمير المؤمنين ، ألا ينبغي لك هذا
.
فقال : (لما أتاني الوفود سامعين مطيعين القبائل بأمرائها وعظمائها دخلت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها
).
تاسعاً
: الابتعاد أحياناً عن مظاهر الشهرة والترف التي تؤثر في النفس والخروج أحياناً بالمظاهر البسيطة والمتواضعة فإن ذلك له أثر عظيم في تهذيب النفس .

هذا وإن التجمل بحسن الثياب والمسكن والطعام لا حرج فيه ولا ينافي التواضع في شيء ولا يُذَم الإنسان على فعل ذلك لما روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
{لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ
.
قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً
.
قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ
}
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
فلا يدخل اللباس والمتاع والمسكن في باب التواضع والكبر من حيث الأصل إلا إذا اقترن بفعل شيء من ذلك قرينة تدل على الكبر وترك التواضع
؛
فإنه ينهى عن ذلك لأجل تلك القرينة لا أصل الفعل وإن كان في الغالب أن عدم الترف يدعو إلى التواضع والبعد عن مظاهر الترف توجب التواضع للعبد .
ولذلك فقد نهي في السنة الصحيحة عن تصرفات معينة لأجل ما اشتملت عليه من الكبر ؛
فقد ورد النهي عن :
-
جر الإزار تحت الكعبين .
-
الإسراف في الطعام والشراب .
-
نهي المرء عن حبه ورغبته في قيام الناس له إذا دخل ليسلموا عليه .
-
التبختر في المشي والتمايل ونهي أيضاً عن اتخاذ الخيل والمراكب بطراً ورياءً وغير ذلك مما يدل على الكبر والفخر والخيلاء .
والحاصل أنه يباح للإنسان جميع التصرفات العادية إلا إذا اشتمل هذا التصرف وتضمن شيئاً من الكبر فإنه محرم لأجل هذه العلة .
أما إذا كان المرء متواضعا كريم الطبع يحب التجمل والتزين في مظهره فلا يذم في ذلك ولا ينكر عليه .

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 106/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 2345 مشاهدة
نشرت فى 1 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,771,949

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters