من المعلوم أن قضية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية أصبحت في العصر الذي نعيش من القضايا التي تشغل العالم بأسرة, وذلك نظرا للمركز القانوني الذي أصبح الفرد يتمتع به, وفق منظومة القانون الدولي حيث أصبح الفرد احد أشخاص القانون الدولي ولم تعد القضايا المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم تندرج في إطار السيادة الوطنية لكل دولة على حده, وأصبح الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان مقياس دولة التقدم والديمقراطية.

وإذا كان للدولة دور في حماية حقوق الإنسان من خلال أجهزتها المختلفة, فان لمنظمات المجتمع المدني دور لايقل أهمية عن دور الحكومات وهذا ما سنتطرق إليه من خلال المحاور التالية:-

(أولا):  تطور مفهوم المجتمع المدني ومكوناته:-

1- تعريف المجتمع المدني:-

يطلق مسمى المجتمع المدني على مجموعة المنظمات التطوعية, التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة, لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة بذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة والتنوع والاختلاف.

كما يمكن تعريف "المجتمع المدني" على أنه بلورة أنماط من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وهذه العلاقات تكون محصلة تفاعل بين القوى والتكوينات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، وهي ليست ذات طبيعة واحدة، فقد تكون تعاونية أو تصارعية أو تنافسية وذلك طبقا لدرجة الإتقان العام داخل المجتمع وطبقا لدرجة التباين بين القوى المختلفة من حيث مصالحها أو تصوراتها، وبالتالي فالمجتمع المدني لا يتم بالضرورة بالتجانس.

إن مفهوم المجتمع المدني لا يعني فقط مفهوم الرابطة الاجتماعية كأساس للاجتماع، بل إنه يرتبط أيضا بمفهوم القانون والعقد الاجتماعي وهو بذلك يجسد مفهوم السياسة الحديثة بوصفها نابعة من المجتمع البشري، وبالتالي فإن لفظيّ دولة ومجتمع مدني تتطابقان ولا يمكن الفصل بينهما.

2- عناصر التعريف :-

تتألف العناصر الرئيسية لمفهوم المجتمع المدني من المكونات التالية:-

‌أ-         الفعل الإرادي أو التطوعي:-

تختلف منظمات المجتمع المدني عن الجماعات القريبة مثل الأسرة أو العشيرة أو القبيلة التي لا دخل للفرد في اختيار عضويتها، والتي تكون مفروضة عليه بحكم الميلاد أو الإرث.

‌ب-      التنظيم:-

المجتمع المدني منظم وهو بذلك مختلف عن المجتمع بشكل عام إذ أنه يجمع ويخلق نسقا من المنظمات أو المؤسسات التى تعمل بصورة منهجية، وبالإذعان لمعايير منطقية ويقبل الأفراد والجماعات عضويتها بمحض إرادتهم، ولكن بشروط وقواعد يتم التراضي بشأنها وقبولها.

‌ج-       العنصر الأخلاقي السلوكي:-

وهو عنصر ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين، وعلى حق الآخرين في أن يكونوا منظمات مدنية تحقق وتحمي وتدافع عن مصالحهم المادية والمعنوية ومصالح الفئات والقضايا التي يؤمنون بها، والالتزام في إدارة الخلاف داخل وبين منظمات المجتمع المدني وبينها وبين الدولة بالوسائل السلمية وفي ضوء قيم الاحترام والتسامح والتنافس والصراع السلمي.

‌د-        الاستقلالية:-

وهي عنصر أساسي لتمكين منظمات المجتمع المدني من القيام بدورها وتحقيق أهدافها، واستقلالية منظمات المجتمع المدني تتطلب استقلاليتها تنظيميا وإداريا وماليا عن إدارات الدولة الرسمية، وهذا ما يميزها عن إدارات الحكومة والمؤسسات العامة, وفي كل الأحوال يجب أن تكون استقلالية منظمات المجتمع المدني بأبعادها المختلفة حقيقة واقعية وليست مجرد استقلالية شكلية فقط من حيث الأطر التنظيمية والهيكلية والأنظمة الداخلية لتلك المنظمات، بل يجب أن تكون هذه الاستقلالية ممارسة على ارض الواقع.

 هـ- الشفافية:-

يجب أن تكون رؤية ورسالة وأهداف منظمات المجتمع المدني ومصادر تمويلها واضحة ومشروعة، كما يجب أن تكون هناك آلية واضحة لمساءلة ومحاسبة الهيئات القيادية لتلك المنظمات من قبل هيئاتها العامة.

و‌-   المصداقية:-

وهي تأتي من ثقة الجمهور بالدور الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني، وهي التي تبني وتعزز شرعية تلك المنظمات وهو ما يعرف بشرعية الأداء والإنجاز.

3- مكونات المجتمع المدني:-

يتفق معظم المهتمين في دراسة المجتمع المدني على أنه يتكون من مجموعة من المكونات، الا أن هناك بعض المكونات  التي لازال الخلاف عليها قائماً، فالمكونات المتفق عليها هي:

          ‌أ-         المنظمات غير الحكومية

       ‌ب-      النقابات والتنظيمات المهنية

        ‌ج-       الإتحادات العمالية

         ‌د-        النوادي ومراكز الشباب

          ‌ه-        المنظمات الشعبية

         ‌و-        الحركات الاجتماعية

أما المكونات الخلافية فهي:-

أ‌.                  الأحزاب السياسية:-

وقد ثار جدل كبير فيما إذا كان يمكن اعتبار الأحزاب السياسية جزء من منظمات المجتمع المدني أم لا، ومرد هذا الجدل كون أن من أهداف الأحزاب السياسية الوصول الى السلطة أو المشاركة فيها وقد تنقلب الأحزاب على المجتمع المدني لتحقيق وضمان استمرارها في الحكم، إلا أن هذا المنطق وإن كان يستقيم مع الواقع العملي والتجارب العملية للأحزاب في دول العالم الثالث وبالأخص في العالم العربي، إلا أن العديد من

التجارب في العالم أثبتت بأنه يمكن الفصل بين مؤسسة الحزب كحزب وبين الحزب كحزب حاكم.

ب‌.               الصحافة الحرة المستقلة:-

 ولعل الجدل حول اعتبارها جزء من منظمات المجتمع المدني جاء من صعوبات عملية أكثر من عدم توفر عناصر وشروط المجتمع المدني للصحافة حيث أن العمل الصحفي يتأثر كثيرا بالعوامل السياسية وأجندات القوى المختلفة.

4- خصائص ومهام منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان:

هناك خصائص عامة لابد أن تتمتع بها منظمات المجتمع المدني بصورة عامة، كما أن هناك خصائص إضافية يستوجب ضمان وجودها لدى المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بشكل خاص.

ومن أبرز الخصائص العامة لمنظمات المجتمع المدني مايلي:

          ‌أ-         البناء المؤسسي الذي يضمن التحقيق الأمثل لأهداف المنظمة.

   ‌ب-  الاستقلالية كشرط أساسي لتمكين المنظمة من تحقيق أهدافها, ويقصد بالاستقلالية استقلال هيئاتها المالية والتنفيذية عن الادارة الرسمية للدولة.

        ‌ج-       المرونة والقدرة على التكيف مع التطورات في المجتمع أو البيئة التي تعمل بها.

         ‌د-        العمل التطوعي الذي يساعد على استغلال الدعم والموارد المالية بالشكل الأمثل.

          ‌ه-        عدم السعي الى جني الأرباح المالية وتوزيعها على المنتسبين اليها أو القائمين عليها.

         ‌و-        التجانس بين العاملين في هذه المنظمات من حيث التوافق على الأهداف، ولا يعني ذلك عدم الاختلاف أو التعددية.

         ‌ز-       المصداقية، حيث تستمد هذه المنظمات شرعيتها من ثقة الناس بها وبدورها.

        ‌ح-       الشفافية، من حيث وضوح ومشروعية أهداف المنظمة ومصادر تمويلها وطبيعة تنظيمها. 

أماالخصائص الخاصة  بمنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الانسان فهناك عناصر أساسية لابد من توافرها ومنها:

    ‌أ-   الاعتماد على المعلومات الموثوقة والدقيقة والحديثة التي تعكس واقع حقوق الانسان في الدولة بشكل موضوعي غير مبالغ فيه.

   ‌ب-  التواصل مع الحكومة كأداة أساسية تمكن المنظمات من الحصول على المعلومات وإحداث التغييرات في سبيل تعزيز وحماية حقوق الانسان.

        ‌ج-       التمثيل أو انضمام الأعضاء الى المنظمات لضمان تمثيل أوسع لها في مختلف المجالات. 

   ‌د-   التشبيك والتعاون مع المنظمات الأخرى المشابهة مما يتيح الاستغلال الأمثل للمصادر والحد  من الازدواجية في العمل.                

          ‌ه-        جذب اهتمام وسائل الاعلام المختلفة وتأكيد دورها في مجال تعزيز الوعي بحقوق الانسان.

   ‌و-   احترام سيادة القانون لضمان عدم التعرض الى أي انتقاد أو تدخل من قبل أي جهة، وضرورة احترام قوانين الدولة التي تعمل بها المنظمة.

   ‌ز-   المرونة، وتعدد وسائل التعبير من الحوار الدبلوماسي الى تشكيل جماعات الضغط وتنظيم المسيرات وإصدار التقارير تبعاً لطبيعة الانتهاك .

        ‌ح-       الموضوعية في تحديد الأهداف على ضوء الظروف العامة.

        ‌ط-       اختيار التوقيت المناسب للدفاع عن قضية محددة واخذ اتجاهات الرأي العام حولهابعين الاعتبار.

5- المهام الأساسية لمنظمات المجتمع المدني في مجال حقوق الإنسان فهي:

          ‌أ-         تقصي الحقائق من خلال جمع المعلومات وتحليلها.

       ‌ب-      مراقبة تطبيق الدولة لالتزاماتها الدولية فيما يتعلق بحقوق الانسان.

        ‌ج-       استخدام كافة الوسائل لرصد وتوثيق حالة حقوق الانسان.

         ‌د-        العمل على تعزيز مبادىء الديمقراطية وحقوق الانسان من خلال نشر ثقافة حقوق الانسان وتعزيزها.

          ‌ه-        تقديم العون والمساعدة لضحايا انتهاكات حقوق الانسان بما في ذلك المساعدة القانونية.

         ‌و-        حشد الدعم والتأييد لقضايا حقوق الانسان بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية الأخرى.

6- التحديات والمعيقات:

ان أهم التحديات التي تعترض طريق منظمات المجتمع المدني في سعيها للنهوض بمسؤولياتها تتمثل في الثقافة السائدة التي تحكم نظرة مؤسسات الدولة تجاه المنظمات غير الحكومية.

وبالرغم من أن الدولة  قد أخذت تنظر الى منظمات  المجتمع المدني كشريك لها وشرعت في التعامل معه على هذا الأساس ، الا أنها على الصعيد العملي الواقعي ماتزال تنظر الى هذه المنظمات نظرة توجس وحذر، وتخضعها للمراقبة ، وتقيد نشاطاتها من خلال فرض تشريعات  وإجراءات تهدف الى ضبط حركتها تحت سقف السياسات الرسمية. من الأمثلة على ذلك تدخل بعض الجهات الحكومية المختصة في نتائج انتخابات الهيئات الإدارية لمنظمات المجتمع المدني، واتخاذ قرارات بحل منظمات أخرى دون سابق إنذار.

ويواجه المجتمع المدني في العديد من بلدان العالم الثالث عدداً من التحديات والمعيقات التي لابد من ايلائها اهتماماً خاصاً والتي تتلخص بالقضايا التالية:  الديمقراطية والحكم الصالح، الاستدامة، ضعف الدور السياسي، التحالفات الوطنية.

أ . الديمقراطية والحكم الصالح :

 بالرغم من كون المجتمع المدني دعامة رئيسية للتحول الديمقراطي والانفتاح السياسي، الا أن العديد من منظمات المجتمع المدني تفتقر الى الديمقراطية ولمبادىء الإدارة الرشيدة والحكم الصالح كالمشاركة والمساءلة والشفافية, ويتجلى ذلك في مظاهر عديدة منها غياب الانتخابات الدورية التنافسية واختيار القيادات بالتزكية، ضعف قاعدة العضوية في العديد من منظمات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب السياسية، إلزامية العضوية في قطاع كبير من قطاعات المجتمع المدني كالنقابات المهنية مقابل مبدأ الطوعية، عدم ممارسة الهيئات العامة للمجتمع المدني الصلاحيات المخولة لها.

ب. الاستدامة:

 تعتبر الاستدامة التحدي الأبرز أمام منظمات المجتمع المدني، إذ أن أعداداً كبيرة من منظمات المجتمع المدني في بعض البلدان ولاسيما الجمعيات الخيرية والهيئات الاجتماعية والمنتديات الثقافية تظهر وتنشط لفترة قصيرة ثم تذوي وتختفي. 

 

ج. ضعف الدور السياسي:

 يلاحظ أن منظمات المجتمع المدني يتنازعها تياران مستقلان أولهما مقاومة اتخاذ أي موقف سياسي، والآخر استغلال صفتها المهنية كواجهة لممارسة العمل السياسي, وقد يعزى السبب في ذلك الى أن الحكومات قد سعت في بعض البلدان الى منع نشطاء الأحزاب من الحصول على مناصب قيادية في منظمات المجتمع المدني كالنقابات العمالية والجمعيات الخيرية والهيئات الثقافية والرياضية.

د . ضعف التحالفات الوطنية:

 بالرغم من انضواء معظم قطاعات المجتمع المدني في العديد من البلدان تحت  شبكات إقليمية أو دولية، الا أن جهودها في اقامة تحالفات وشبكات وطنية كانت أقل نجاحاً, وقد يعود السبب في ذلك الى هيمنة الأشكال التقليدية من المظلات الوطنية مثل الاتحادات العامة التي تجمع منظمات متشابهة كالنقابات العمالية والجمعيات الخيرية والهيئات المهنية, وعجزت منظمات حقوق الانسان والتنمية الديمقراطية عن القيام بدورها في بلورة صيغة للعمل المشترك رغم حاجتها الى ذلك من أجل حماية نفسها أمام الضغوط الحكومية، أو للنهوض بأعباء مراقبة حقوق الآنسان بالتعاون مع المنظمات المشابهة.  

اما معيقات قيام شراكة فاعلة بين منظمات المجتمع المدني والحكومات فتتمثل بما يلي:

    ‌أ-   تعدد المرجعيات المعنية بتسجيل المنظمات غير الحكومية من هيئات وجمعيات اجتماعية، واختلاف أنماط الرقابة والإشراف الرسمي عليها.

   ‌ب-  قدم التشريعات الناظمة لعمل الجمعيات، وهي بحاجة الى تعديلات جوهرية استجابة لمتطلبات المعايير الدولية الناظمة لعمل مؤسسات المجتمع المدني.

        ‌ج-       ضعف القدرة على الابتكار والتجديد في صياغة الأهداف ووسائل العمل. 

   ‌د-   ضعف أشكال التنسيق والتعاون بين المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية من جهة، وبينها وبين المنظمات غير الحكومية الدولية والأجنبية من جهة أخرى، مما يشكل عائقاً أمام امكانية انتشار تلك المنظمات ويقلل من كفاءتها التنفيذية.

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 133/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 9083 مشاهدة
نشرت فى 5 يونيو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,876,161

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters