يمثل العمل الإغاثي جزءا هاما في منظومة العمل الخيري في المنطقة العربية ، وتمثل التجربة المصرية في العمل الإغاثي حجر الزاوية في هذا المجال نظرا للبداية التي كانت مطلع القرن الماضي ولحجم التجارب اتي مرت بها المنظمات المصرية في مجال العمل الإغاثي والخبرة التي نشكلت عبر هذه السنوات الطويلة .

هذه التجربة أغرت مجموعة من الباحثين لاجراء بحث علمي عنها يبحث في الطريقة التي عملت بها المنظمات الاغاثية المصرية والعقبات التي واجهتها مع عمل دراسة حالة لإحدى التجارب الناجحة في هذا المجال وهي لجنة الاغاثة بنقابة الاطباء .

حيث تأسست أول تجربة إغاثية في مصر عام 1912 مع جمعية الهلال الأحمر التي شاركت بالإغاثة الطبية في حرب البلقان، كما أنشأ الإخوان المسلمون أثناء ثورة فلسطين ( 1935- 1937 ) أول لجنة إغاثية لتقديم المساعدات لمنكوبي فلسطين وعرفت باسم "اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين" وقد ترأسها مرشد الجماعة الإمام حسن البنا، كما أسس حسن البنا لجنة أخرى لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948 ( 5 سبتمبر ) ولكنها لم تجد أذانا صاغية لدى الحكومة المصرية حينئذ ! ثم مرت فترة الخمسينات والستينات حيث صراع السلطة الثورية في مصر مع الإسلاميين، والعمل الإغاثي والإنساني الإسلامي شبه متكلس أو هو كذلك فعلا، حتي جاءت الفترة من ( 1975 – 1985 ) لتشهد طفرة في العمل الإغاثي وإنشاء مؤسسات عديدة له في مختلف أنحاء العالم العربي ومنها مصر، في ظل صعود التحديات والمثيرات الخارجية له مثل الغزو السوفيتي لأفغانستان أوالغزو الإسرائيلي للبنان فضلا عن الرسوخ النسبي للمثلث المؤلم ( الفقر والجهل والمرض ) داخل المجتمع العربي الإسلامي كما كان هناك سبب ثقافي وهو أدلجة بعض المؤسسات الإغاثبة العالمية والغربية للعمل الإغاثي والإنساني في البلاد العربية والإسلامية، عن طريق الربط بينه وبين التبشير أو فساد بعض أو كثير من المتطوعين فيه، وقد انشئ مجلس إغاثة إسلامي للتنسيق والتوفيق بين جهود مختلف منظمات الإغاثة الإسلامية، وكان اجتماعها التأسيسي في القاهرة في 21 ، 22 سبتمبر 1988 يترأسه شيخ الأزهر، ويتولى أمانته وزير الأوقاف الأردني السابق الاستاذ أحمد كامل الشريف، ثم توالت المؤسسات التنسيقية من هذا القبيل كائتلاف الخير الذي ينشط الآن في الأرض المحتلة ( فلسطين ).

والمتابع لأنشطة الإغاثة الإنسانية الإسلامية يلاحظ ارتباطها في الغالب ببؤر الصراع في العالم العربي والإسلامي، ومن هنا يأتي الحضور المكثف للقضية الفلسطينية في أنشطة الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإغاثية، ولكن تتفاوت الخبرة في مصر مثلا بين الجمعيات الخيرية التي تساعد عن طريق الهلال الأحمر ولجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء التي سبقت أن اخترقت هذا المجال مبكرا في أفغانستان وفي البوسنة وفي بلاد عديدة، لذا نرى في تجربة العمل الإغاثي والإنساني والإسلامي في مصر الملامح الآتية:

* النشوء لأهداف دينية وإنسانية ، ما بين الدعوة وإسعاف المنكوبين في البلاد العربية والإسلامية ثم غيرها.

* تبني الإخوان المسلمين (التيار العريض من الإسلام السياسي) لهذه الجهود منذ وقت مبكر.

* تجاوب مختلف التوجهات والتيارات في مصر مع جهود الإغاثة في فلسطين – على وجه الخصوص – منذ وقت مبكر، وإن كان ثمة تفارق في آلية العمل حسب الخبرات المسبقة وشرعية العمل.

لجنة الاغاثة

أكدت الدراسة أن لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء المصرية هي أبرز هذه الحالات وأكثرها نشاطا لذا قمنا بعمل دراسة حالة لها بصورة مفصلة استعرضنا فيها تاريخها ونشأتها وتطورها ، فقد تأسست هذه اللجنة بعد دخول التيار الإسلامي لنقابة الأطباء عام 1984 كإحدي لجان النقابة وصدر قرار إنشائها من مجلس النقابة في 3 مايو عام 1985 واقتضى القرار المساهمة في تنظيم سفر الأطباء لإغاثة المهاجرين واللاجئين، وقد بدأت هذه اللجنة عملها في أفغانستان عن طريق التعاون مع مؤسسات إغاثية أخرى مثل لجنة الدعوة الإسلامية في الكويت بإمدادها بالأطباء في التخصصات المختلفة، وقد ظل عمل هذه اللجنة محدودا ومقتصرا على أفغانستان حتى اتسع ليشمل فلسطين بعد تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، فبدأ جمع التبرعات من أجلها، كما قامت اللجنة بأنشطة مشابهة في السودان أثناء فيضانات عام 1988، كما أعلنت اللجنة استعدادها لإمداد الكويت بفرق إغاثية أثناء حرب الخليج عام 1990 وقد سافر وفد من اللجنة إلى منطقة الرويشد الحدودية وشارك في تقديم الخدمات الطبية لأهلها ومنكوبيها.

كما قامت اللجنة بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بإرسال فرق طبية إلي منطقة الأكراد في شمال العراق، وعن طريق التعاون مع جامعة الدول العربية سافر وفد من اللجنة في 28 مايو 1992 إلي الصومال ، كما كان للجنة دورها المحلي داخل مصر في عدد من الكوارث مثل كوارث زاوية عبد القادر عام 1992. و أحداث السيول عام 1993، 1994..

ثم مرت اللجنة بمرحلة التوقف حيث تم اعتقال عدد من موظفي ونشطاء اللجنة وعلى رأسهم أمينها د. أشرف عبد الغفار وإصدار قرار عسكري يجرم جمع التبرعات ويقصرها فقط على الهلال الأحمر المصري ومصادرة جميع أموال اللجنة.

ثم عادت اللجنة مرة أخرى لممارسة نشاطها ، حيث استعادت دورها بقوة مع بدء الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 ، سواء في التعامل مع الجهات الرسمية أو منطقة المجال الإغاثي، فصارت لا تلزم سوى الجهات الرسمية سواء عن طريق وزارة الصحة المصرية أو مكاتب وزارة الخارجية المصرية بالدول والمناطق ( مجال الإغاثة ) والجمعيات الفاعلة بحق في هذه المناطق، أو حتى داخل مصر. فيذكر تقرير اللجنة في الفترة من يناير 2001 : يوليو 2002 أنها قدمت للشعب الفلسطيني دعما طبيا ودوائيا وصل حجمه حتى 31 / 7 / 2002 ما قيمته 12.552.828 جنيه مصري ( 42) كما قدمت للعراق أدوية قيمتها تقريبا 30000 جنيه مصري، كما قدمت إعانات مماثلة للسودان (خيام وأدوية قيمتها مائة ألف جنيه) وللبوسنة والهرسك 40 ألف دولار، وكوسوفا (أجهزة طبية بقيمة 30 ألف دولار) وإلى لاجئي اذربيجان بالتعاون مع الصندوق الفني لدول الكومنولث بوزارة الخارجية المصرية قدمت أدوية بـ 20 ألف دولار وتعد الآن عيادة طبية دائمة بها ... كما تقوم اللجنة بمشروعين إغاثيين إنسانيين داخل مقرها (رعاية المعاقين وإعانة الكوارث) قدمت خلالهما إعانات بما قيمته 350121 ألف جنيه مصري فيكون ما قدمته لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء المصرية فقط خلال هذا العام (خلال الفترة من أثناء وحتي 31 / 7 / 2002 ) ما يوازي 14.0922.949 جنيه مصري رغم ما تعانيه آليات العمل من معوقات سواء على المستوى الخارجي في شأن التصاريح والتضييق بعد الحادي عشر من سبتمبر خصوصا أو هاجس الارتباط بالإسلام السياسي علي المستوي الداخلي وتظل هذه التجربة قائمة رغم محاولات قتلها وكبحها كمظهر فذ لتحدي الفطرة الإنسانية والكرامة الأخلاقية في معاونة المحتاجين والتائقين للإعانة والإغاثة .

خلاصة الدراسة

يتأكد من الدراسة الميدانية سواء للجمعيات الخيرية الإسلامية أو ذات البعد الإغاثي والإنساني معها أن العمل الاجتماعي والخدمي جزء رئيس منها يتوازي لدى البعض مع خدمة القضية الفلسطينية لدي مؤسسات الإغاثة التي تتبع السبل والقنوات الشرعية في تحقيق مرادها .. بعيدا عن تحيزات لفصائل معينة أو اتجاهات محددة ... وامتلاك موقف مبدئي ومتوازن عن مختلف القضايا المصرية للشعب العربي والإسلامي ... قد نملك الاختلاف معه لكن لا نملك أيضا سوى احترام جهوده ورؤاه انطلاقا من فهم إنساني لقيمة وفكر الاختلاف بعيدا عن المقولات الصماء لصراع الحضارات أو الثقافات أو دمج الثنائيات المتفارقة كما يبدو دوما في حرب هذه المنظمات والجمعيات الإسلامية من ربطها بالإرهاب والمقاومة غير المشروعة ، وإن كان يتفارق بعضها عن البعض الآخر في الرؤى والأساليب والقدرة العملية والبناء المؤسسي والديمقراطي .. إلا أنها جميعا – مع اختلاف حالاتها - لها دور ملموس يستحق البحث والدراسة والحوار بعيدا عن أي إقصاء أيدولوجي أو ثقافي ..

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 105/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 569 مشاهدة
نشرت فى 4 يونيو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,878,210

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters