الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وتمثل الأساس الاجتماعي في تشكيل وبناء شخصيات أفراد المجتمع حيث تضفي على أبنائها خصائصها ووظيفتها. والمجتمع بوجه عام يتكون من أسر ولم يوجد مجتمع عبر التاريخ أقام بناءه على غير الأسر وبذلك تعدّ الأسرة عنوان قوة تماسك المجتمع أو ضعفه لأنها مأخوذة من الأسر وهو القوة والشدة ، فهي تمثل الدرع الحصين لأفرادها ، باعتبار أن كلا من الزوجين يعتبر درعا للآخر .
إن المهام المنوطة بالأسرة منذ نشأتها عديدة منها ما هو تربوي أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي وقد أكدت مجريات الأحداث التي تشهده المجتمعات البشرية دور الأسرة الكبير في عملية استتباب الأمن وبسط الطمأنينة التي تنعكس آثارها على الأفراد والمجتمعات سلباً أو إيجابا . وهذا ما يؤكد الحقيقة التي تقول إنّ قوة الأسرة هي قوة للمجتمع وضعفها ضعف له .
إن الأمن والأسرة يكمل أحدهم الآخر ويوجد بينهما الترابط الوثيق ، وذلك أنه لا حياة للأسرة إلا باستتباب الأمن ، ولا يمكن للأمن أن يتحقق إلا في بيئة أسرية مترابطة ، وجو اجتماعي نظيف ، يسوده التعاطف والتآلف ، والعمل على حب الخير بين أفراده ، كل ذلك ضمن عقيدة إيمانية راسخة ، واتباع منهج نبوي سديد ، هذا الإيمان هو الكفيل بتحقيق الأمن الشامل والدائم ، الذي يحمي المجتمع من المخاوف ، ويبعده عن الانحراف ، وارتكاب الجرائم .
إن هذا الدور لا يتحقق إلا في ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي ، والجسدي ، والغذائي ، والعقدي ، والاقتصادي ، والصحي بما يشبع حاجاتهم النفسية والتي ستنعكس بالرغبة الأكيدة في بث الطمأنينة في كيان المجتمع كله وهذا ما سيعود على الجميع بالخير الوفير.
وقد تناولت الدراسة موضوع البحث في النقاط الآتية :
• المقدمة في بيان أهمية الموضوع ، ومشكلة البحث ، وأهدافه ، وحدوده .
• بيان مفهوم الأسرة .
• بيان مفهوم الأمن .
• أهمية الأسرة .
• بناء الأسرة وتكوينها .
• الدور المنشود منها لتحقيق الأمن .
• أهداف تكوين الأسرة .
• أهمية الأمن ، والحاجة إليه ، وأقسامه .
• مكانة الأمن في الكتاب والسنة .
• وسائل الأسرة في تحقيق الأمن .
• تحقيق الأمن النفسي والجسدي .
• تحقيق الأمن الغذائي .
• تحقيق الأمن العقدي .
• تحقيق الأمن الاقتصادي .
• تحقيق الأمن الصحي .
الأسرة وأمن المجتمع .
• الخاتمة وفيها نتائج البحث .
• التوصيات .
• مصادر البحث .

مشكلة البحث
تقصير الأسرة عن دورها الأساسي، أو تخليها عنه، إما جهلاً أو استخدامها وسائل وأساليب خاطئة في التربية كاستخدام أساليب التخويف والإذلال والتسلط، أو فرض الطاعة العمياء، أو استخدام أساليب التدليل والإفراط في التساهل والاتكالية، مما نتج عنه جنوح الأولاد وانحلالهم وتشردهم وضياعهم، مما أدى إلى تمرد الأبناء على الآباء والأسر والمتجمعات
ويجيب عن التساؤل الآتي :
ماهي العواقب السيئة التي تترتب عن تخلي الأسرة عن دورها التربوي ؟.
أهداف البحث
1- بيان الوظائف الحقيقية للأسرة .
2- تكوين الوعي بخطورة وإهمال الأسرة لدورها التربوي المحقق للكفاية والأمن .
3- تحقيق الأمن في حياة الناس من أهداف الإسلام الكبرى التي تقوم الأسرة بنشره .
أهمية البحث
1- بيان أهمية الأمن ودور الأسرة في بسطه بين أفرادها.
2- الدعوة إلى تنمية وعي الأسرة المسلمة .
حدود البحث
اقتصرت هذه الدراسة على بيان دور الأسرة في الأمن والكفاية، مع بيان أهمية الأمن وضرورته والحاجة إليه للجميع.
معنى الأسرة لغة واصطلاحا
الأسرة في اللغة :
الأسرة مأخوذة من الأسر في أصلها ، والأسر لغة الدرع الحصين ، والأسرة : الخلقَ ، الأسر أيضا القوة والصبر وفي المعجم الوسيط : الأسر يعني القيد يقال أسره – أسرا – وإساراً: قيده .
والأسرة عشيرة الرجل وأهل بيته ، وأسرة الرجل عشيرته ورهطه الأدنون .
تشير الأسرة إلى القوة والشدة لأن أعضاءها يشدّ بعضهم بعضا كما تطلق على الأهل والعشيرة ، وتطلق على الجماعة الذي يضمهم هدف واحد كأسرة الآباء ، أو المحامين لكن لم يرد لفظ الأسرة في القرآن ، وإنما ورد الأهل والعشيرة قال تعالى على لسان نوح :  إن ابني من أهلي  ، وقوله :  وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها  ، وقوله :  وأنذر عشيرتك الأقربين 
معنى الأسرة اصطلاحا :
إن مصطلح الأسرة اكتنفه بعض الغموض لأن مدلوله لم يرد في القرآن بالرغم من أنه معروف لدى جميع الناس، ومع ذلك فقد عرّفه أهل الاختصاص فقالوا : الأسرة هي الجماعة التي ارتبط ركناها بالزواج الشرعي والتزمت بالحقوق والواجبات بين طرفيها ومانتج عنهما من ذرية وما اتصل بهما من أقارب .
كما عرفها محمد عقله بأنها : ( الوحدة الأولى للمجتمع ، وأولى مؤسساته التي تكون العلاقة فيها في الغالب مباشرة ، ويتم داخلها تنشئة الفرد اجتماعيا ، ويكتسب منها الكثير من معارفه ومهاراته وعواطفه واتجاهاته في الحياة ، ويجد فيها أمنه وسكينته ) .
ومن هنا نعلم أن الأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع حيث يتكون كل مجتمع من العديد من الأسر التي تنظم حياته وتسير أموره وتحقق حاجاته وميوله وعاداته وتقاليده .
معنى الأمن لغة واصطلاحا
معنى الأمن لغة :
وردت كلمة الأمن وما يشتق منها في القرآن في مواضع عديدة وبالمعنى الذي نقصده وهو يعني السلامة والاطمئنان النفسي مع انتفاء الخوف على حياة الإنسان .
الأمن لغة : تقيض الخوف قاله ابن سيده، وقال الجوهري : الأمن ضد الخوف . وهذا الاختلاف بين ابن سيده والجوهري بأنه ضد أو النقيض يدل حسب مراد علماء اللغة على أن الأمن لا يجتمع مع الخوف وأن وجود أحدهما يرفع وجود الآخر فالإنسان إما أن يكون آمنا وإما أن يكون خائفا.
فالأمن مصدر أمن يأمن ، أي اطمأنّ وزال خوفه ، وسكن قلبه ، وأمن البلد اطمئن به أهله ، فهو آمن وأمين قال تعالى:  إن المتقين في مقام أمين .
أي آمن من أمن الرجل أمانة فهو أمين وهو ضد الخائن ، فوصف به المكان استعارة . قال ابن فارس : ( الهمزة والميم والنون أصلا متقاربا :إحداهما : الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعناها سكون القلب . والآخر : التصديق . والمعنيان متقاربان 0 قال الخليل الأمنة من الأمن 0والأمان إعطاء الأمنة 0والأمانة ضد الخيانة 000 وبيت آمن ذو أمن قال تعالى :  رب اجعل هذا البلد آمنا  0 وبهذا يتضح أن معنى الأمن في اللغة الاطمئنان وسكون القلب وطمأنينة النفس وزوال الخوف، والسلامة،والسكن ،والأمن والأمانة والأمان .
كما أن مادة أمن ومشتقاتها جاءت في القرآن الكريم في أكثر من ثمانمائة مرة فالمؤمنون، والإيمان ،والأمانة، والذين آمنوا 0 كلها من الأمور المرتبطة حساً ومعنى بالإيمان ونتائجه .
الأمن في الاصطلاح :
إن تعريف الأمن الاصطلاحي لا يخرج كثيراْ عن معناه اللغوي حسب فهم السلف لذلك حيث تعددت عباراتهم اللغوية له من حيث مدلوله لثرائه اللغوي 0
فيرجع مفهومه عندهم إلى عدم الخيانة، والتصديق ، والحفظ0 الطمأنينة ، الدين ، الثقة، القوة، السلم ،الإجارة وطلب الحماية ومع ذلك حاول الجرجاني تعريفه بقوله: ( الأمن: عدم توقع مكروه في الزمان الآتي) ومن تعريفات الأمن ( اطمئنان الفرد والأسرة والمجتمع على أن يحيوا حياة طيبة في الدنيا ولا يخافون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم ونسلهم من أن يعتدى عليها000) .
كما عرف بأنه:( الشعور بالطمأنينة الذي يتحقق بحفظ مصالح الناس الدينية والبدنية والعقلية والاجتماعية والمالية وذلك من خلال الوسـائـل التـربوية والوقائية والزجرية التي شرعها الإسلام لذلك) لكن الملاحظ في هذه التعريفات أنها عبارة عن شروح وتفصيلات للموضوع المعرف، ومن شرط التعريف أن يكون جامعاْ مانعاْ مختصراْ، كأن يعرف (السكينة التي يشعر بها الفرد نتيجة لإشباع دوافعه العضوية والنفسية ) ويرى الباحث أن اقرب تعريف للأمن هو ( الشعور بالسلامة والاطمئنان للفرد والمجتمع وتحقيق مصالح الخلق ومتطلباتهم بحفظ الضرورات الخمس عبر وسـائل الشرع)0 من هذه التعريفات يتبيّن أن حقيقة الأمن هو طمأنينة النفس وسكينة القلب وزوال الخوف وبالتالي يصبح للأمن مفهوم شمولي متكامل يحيط بكل جوانب الأمن المختلفة وصوره المتعددة بما يحققه الحفاظ على مصالح كل الناس التي يخافون عليها ، ويحرصون على حفظها ورعايتها ،بجلب النفع وتحقيقه ،ودفع الضر وإزالته0
إن أي وسيلة زجرية أو وقائية قد توصل إلى الأمن ، لكنه يبقى محصوراْ في مظهره مما يتطلب أن تكون الوسيلة التربوية مما شرعه الله تعالى لعباده لأنه سبحانه أعلم بما يصلح الخلق ويحقق لهم الأمن  ألا يعلم من خلق وهو الطيف الخبير .
ولذا كانت أول وسيلة وأعظمها في تحقيقه هي وسيلة الحفاظ على التوحيد ونبذ الشرك كما قال تعالى: الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .
ومن مصطلحات البحث كلمة ( دور) وتعني :عود الشيء إلى ما كان عليه كما تعني النوبة والمرة والحركة .
ويقصد بدور الأسرة في الدراسة بيان الحقوق والواجبات والإرتباطات التي تقوم بها الأسرة داخل أفرادها لإحداث تغيير في بناء شخصية الفرد المسلم.
أهمية الأسرة
تعتبر الأسرة أهم خلية يتكون منها جسم المجتمع البشري إذا صلحت صلح المجتمع كله ، وإذا فسدة فسد المجتمع كله، في كنفها يتعلم النوع الإنساني أفضل أخلاقه .
إذ فيها ينشأ الفرد وفيها ، تنطبع سلوكياته ،وتبقى أثارها منفوشة فيه ، يحملها معه ، ويورثها ذريته من بعده
وتكمن أهميتها في الأمور الآتية:
1- هي أول لبنة في بناء المجتمع ،لأن الأسرة السوية الصالحة هي أساس الحياة الاجتماعية ، بل هي أساس المجتمع المتكامل، لأنه عبارة عن مجموعة من الأسر المتفاعلة0
2- تحقيق وظائف الإنسان الفطرية مثل غريزة البقاء، والتوازن في الدوافع الجنسية وتوثيق العلاقات والعواطف الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة .
3- تكسب الفرد اتجاهاته، وتكّون ميوله، وتميز شخصيته، وتحدد تصرفاته، بتعريفه بدنيه ، وعادات مجتمعه ولغته ، فيكون لها الأثر الذاتي ،والتكوين النفسي في تقويم السلوك وبعث الطمأنينة في نفس الطفل .
4- تعلم أفرادها كيفية التفاعل الاجتماعي بما تكسبهم من حرف تمكنهم من العيش في أمان مع المجتمع الذي ينتموا إليه 0
وبهذا نعلم أن الأسرة تستمد أهميتها وعلو شأنها لأنها البيتة الاجتماعية الأولى والوحيدة التي تستقبل الإنسان منذ ولادته ، وتستمر معه مدى حياته، تعاصر انتقاله من مرحلة إلى مرحلة مما يستدعي القول بعدم وجود نظام اجتماعي آخر يحدد مصير النوع الإنساني كله كما تحدده الأسرة .
بناء الأسرة وتكوينها
ورد في كتاب الله ذكر الأهل والعشيرة والعيلة، ولم يرد فيه الأسرة بلفظها وقد استنبط العلماء من مدلولات تلك الآيات الكريمة ثلاث تقسيمات للأسرة هي كالآتي :
1- الأسرة تتكون من الزوج والزوجة قال تعالى: ويا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة  .
2- الأسرة تتكون من الزوج والزوجة والذرية قال تعالى ولقد أرسلنا رسلاْ من قبلك وجعلنا لهم أزواجاْ وذرية .
3- الأسرة تتكون من الزوج والأولاد والأقارب قال تعالى:  يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراْ .
وإن كان المفهوم الأخير أوسع من سابقيه إلا أن المفهوم الأول هو الأصل في تكوين الأسرة ، وما جاء بعده فهو من ثماره وآثاره ولذلك يجدر القول بأن الأسرة في نشأتها تكونت من زوجين فهما بمثابة الأصول الثابتة لها 0
لكن السؤال المطروح من هما الزوجان ؟ وما هي صفات وخصائص كل
منهما ؟ يقول تعالى في كتابه:  ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاْ لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون 
بيّنت الآية إن الزوجة نعمة ورحمة لأنها من جنس الزوج فهي قطعة منه يسكن إليها وتسكن إليه ،يكمل كل منها نقص الآخر بما يحقق فطرته ، إذ فطرت المرأة على رقة في الشعور،ولين الجانب ،وجمال التقويم، مما يشبع شوق الرجل، ويرضي ذوقه، ويكفي حاجته، ويهيئ له أسباب الراحة ( أن المرأة سكن الرجل وراحته والظل الهادئ الجميل الذي يميل ويلجأ إليه بعد يوم مرهق من الجد والكدح، وهذا السكن لا يتحقق لو أن المرأة تركت مهمتها كزوج وأم لتشارك في العمل إلى جوار الرجل) .
إن ميدان المرأة الحقيقي هو التربية وغرس القيم في نفوس الصغار، فالأمومة شرف قصره الله على المرأة، وتتحقق عظمتها الحقيقية في إتقانها هذا الدور، أما تخليها عن هذا الدور، وتسابقها في ميدان لا يناسب طبيعتها بحجة إثبات الذات وتحدي الرجال، سبب لها متاعب جمّة ،وترتب عليه ما نراه من تفكك أسري ، ودمار أخلاقي ، وضياع الذرية، بحدوث تلكم الانحرافات السلوكية الكثيرة ، وعدم تحقق الأمن المنشود لها وللأسرة والزوج والأبناء ، مما انعكس سلبا على المجتمع، بانفتاح ثغرة كبيرة عليه، لا يتم التخلص منها إلا بالعودة الحميدة للمرأة في ميدانها الطبيعي .
إن المرأة التي حققت بعض النجاحات في مجالات العمل وأهملت دورها الأساسي كأم وزوجة لهي امرأة فاشلة لأنها ضيعت أولادها وبيتها ، وتخلت عن رسالتها الحقيقية 0
ما الدور الذي ننشده للأسرة لتحقيق الأمن
إن الأسرة التي نريدها هي الأسرة المتمسكة بعقيدتها الإسلامية السمحة قولاْ وسلوكا ، المعتزة بانتمائها لأمتها الإسلامية، المستوعبة لأصول دينها والمحافظة على الإلتزام به ، المبتعدة عن ضعيفه ،المنفتحة على العالم المعاصر بصدر رحب ، وعقل ناضج ، تفيد من تقدمه بما لا يتعارض مع عقيدتها وما تحمله من قيم نبيلة .
إنها الأسرة المتخلصة من عقدة التخلف بمختلف أشكاله ، الآخذة على نفسها بتدريب أفرادها بالتعبير عن الرأي في حدود احترام الآخرين .
إنها الأسرة التي تشيع في البيت الاستقرار والود والطمأنينة ، والتي تقوم بإبعاد ذويها عن كل ألوان العنف والكراهية والبغض ، ذلك أن معظم مشاكل المنحرفين الذين اعتادوا على الإجرام في الكبر، تعود إلى حرمانهم من الاستقرار العائلي ، إذ لم يجدوا بيتاْ هادئاْ فيه أب يحدب عليهم ، وأم تدرك معنى الشفقة فلا تفرط في الدلال ولا في القسوة . لأن إشاعة الود والعطف بين الأبناء، له الأثر البالغ في تكوينهم تكوينا سليما.
الناشئة التي نتطلع إليها
هم رجال القرن الحادي والعشرين الذين سيكونون في سباق مع الزمن ، وسيواجهون تحديات جسام بطغيان القيم المادية على القيم المعنوية وبالتقدم التقني الذي بات يقفز قفزات خيالية 0
بحيث يخرج مؤهلا مشاركا مع الآخرين، لا مستهلكا ْفحسب ويكون له دور في صنع القرار المصيري على الأقل قي نطاق أسرته ثم مجتمعه ،بعيدا ممن يسيطر على تفكيره ضيق الأفق 0
إننا نتطلع إلى ناشئة هم على وعي بواقعهم المتخلف، وقادرين على تجاوزه ، ساعين للمعرفة بأدق ما وصل إليه عصرهم من علوم وآداب ، ومتسلحين بالقيم الروحية والمعنوية التي تحدد معالم شخصياتهم الإسلامية
( وعلينا أن لا نجبرهم على بعض عاداتنا الاجتماعية التي لا علاقة لها بالدين أوبالاخلاق والتي ألفناها بحسب زماننا ، وإنما علينا أن نغرس فيهم حسن التلاؤم مع مجتمعهم المستقبلي، وذلك لأنهم قد خلقوا لزمان غير زماننا) .
أهداف تكوين الأسرة
يهدف الإسلام من تكوين الأسرة إلى تحقيق أهداف كبرى تشمل كل مناحي المجتمع الإسلامي، ولها الأثر العميق في حياة المسلمين وكيان الأمة المسلمة .
ويمكن إجمال هذه الأهداف في ثلاث نقاط رئيسية:
1- الهدف الاجتماعي الذي يتحقق به تماسك المجتمع وترابطه وتوثيق عرى الأخوة بين أفراده وجماعاته وشعوبه بالمصاهرة والنسب قال تعالى: وهو الذي خلق من الماء بشراْ فجعله نسباْ وصهراْ وكان ربك قديرا .
2- الهدف الخلقي اعتبر الإسلام بناء الأسرة وسيلة فعّالة لحماية أفرادها شيبا وشباباْ ، ذكوراْ وإناثا من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى،إن تحقيق هذا الهدف يكون بالإقبال على بناء الأسرة ، لأن عدم ذلك يحصل به ضرر على النفس باحتمال الانحراف عن طريق الفضيلة والطهر ، كما يؤدي إلى ضرر المجتمع بانتشار الفاحشة وذيوع المنكرات وتفشي الأمراض الخبيثة .
3- الهدف الروحي، إن بناء الأسرة خير وسيلة لتهذيب النفوس وتنمية
الفضائل التي تؤدي إلى قيام الحياة على التعاطف والتراحم والإيثار،حيث يتعود أفرادها على تحمل المسئوليات، والتعاون في أداء الواجبات .
ومن خلال تحقيق هذه الأهداف الكبرى، يمكن أن تحقق هناك أهداف أخرى في ظلال الأسرة، مثل إقامة شرع الله، وتحقيق مرضاته، لأنّ البيت المسلم ينبني على تحقيق العبودية لله تعالى، ولذلك ورد تعليل إباحة الطلاق حين تطلبه المرآة بالخوف من عدم إقامة حدود الله قال تعالى: فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به  .
كما أنّ الأسرة تحقق حفظ النوع الإنساني بإنجاب النسل ، ثم تتحمل المسئولية بتربيتهم وتوجيههم بما يسهم في بناء شخصيتهم السوية، لأن الإسلام جعل الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يقوم على رعاية الطفل ، واعتبر كل انحراف يصيب الناشئة مصدره الأول الأبوان ، لأنه يولد صافي السريرة ، سليم الفطرة ، قال عليه الصلاة والسلام: ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء) .
ولهذا أثبتت الإحصاءات العلمية أن تربية الملاجئ تؤثر على نمو الطفل واتزانه العاطفي ، كما أثبتت أن فترات الطفل هي سنواته الست الأولى ، وأن طفل الأسرة المستقرة المتوافقة ،غير طفل الأم العاملة المرهقة والمشتتة فكريا في أداء وظيفتها، كما أن نتائج التفكك الأسري في الغرب، سبب الجنوح والتشرد والجريمة والانحراف لمعظم الناشئة .
فالأسرة هي البيئة الأولى التي ينشأ فيها الأطفال صالحين كما أنها المجال الفريد لغرس عواطف حب الله ورسوله وحب المسلمين ، الذي تزول
معه كل عوامل الشحناء والصراعات المختلفة ، فيخرجوا إلى الحياة رجالاً عاملين نافعين يكونون لبناة صالحة للمجتمع .
أهمية الأمن
إن كلمة الأمن خفيفة على اللسان ، عميقة في الوجدان ، مطمئنة للجنان ، أنها نعمة عظمى، وغاية أسمى، يسعى إليها كل إنسان، بل هو مطلب أساسي لا تستقيم الحياة بدونه، وضعه الله جنباً لجنب مع مطلب الغذاء ، بل قدّمه عليه تارات لأهميته . قال تعالى :  وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله  وقال تعالى : أولم نمكّن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا 000
إن الأمن هو غاية المنى التي يسعى كل أحد للاستظلال بظلاله ولا حياة مع الخوف الذي تتحول الدنيا فيه إلى أرض مسبعة يفترس القوي فيها الضعيف ، وتصبح الحياة ظلمات بعضها فوق بعض .
إن الحياة مع الأمن تصير جنات، ظلالها وارفة ، يتبوأ الإنسان فيها حياة طيبة مباركة ، ويعيش عيشة راضية ، يثمر وينتج ، يصان عرضه وأرضه ، ودينه وماله ، ودمه،وأهله ونفسه وجميع من حوله ، يحمى ولا يهدد، يتفيأ ظلال الحرية، آمنا في جميع أحواله كل ذلك في ظل الإسلام بالعمل بكل ما يرضي الله، حتى يتم لهم الأمن في الآخرة بنيل رضا الله وثوابه . إن الأمن المطلوب هو الأمن على الحياة الطيبة في الدنيا، والأمن بحصول النجاة من غضب الله في الآخرة .
قال تعالى:  الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم
مهتدون  لماذا كان لهم ذلك ؟ لأنهم خافوا مقام ربهم فجعل الأمن عاقبة أمرهم لأنه جاء في الحديث القدسي:( لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين أبدا إن هو أمنني في الدنيا، أخفته يوم القيامة، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة) 
إن الأمن يلزم لكل نبضة حياة ، وحركة بناء ، ولكل كيان اجتماعي كبر أم صغر ، يحتاج إليه الأفراد كما تحتاجه الجماعات .
إذا حصل اختلال في مجال من مجالات الحياة كالقحط والكساد أو النقص في الأطباء أو المعلمين ، فإن الضرر الذي ينتج عن ذلك يكون محدودا على المجال الذي وقع عليه، وبالتالي يسهل احتواؤه والتغلب عليه لكن لو اضطرب ميزان الأمن واختل النظام العام فإن جميع نواحي الحياة تتأثر،فتسود الفوضى، ويحل الخوف والاضطراب، وينتشر الإجرام فتصبح مقدرات المجتمع بأيدي المجرمين مما يجعل تتوقف حركة البناء،وعجلة الإنتاج فيضطر الناس للهجرة إلى مجتمعات أكثر أمنا، هم ورؤوس أموالهم .


الحاجة إلى الأمن
إن الأمن حاجة إنسانية، وضرورة بشرية، وغريزة فطرية، لا تتحقق السعادة بدونه، ولا يدوم الاستقرار مع فقده، لأن مصالح الفرد والمجتمع مرهونة بتوفيره، ذلك لأن ( الأمن للفرد والمجتمع والدولة من أهم ما تقوم عليه الحياة ، إذ به يطمئن الناس على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم ويتجه تفكيرهم إلى ما يرفع شأن مجتمعهم وينهض بأمتهم ) .
إن الأمن يحقق راحة في البال، وانشراحا في الصدر، وشعورا بالسعادة واستظلالا بالطمأنينة والسكينة ، يشعر في ظلة المرء بأنه محمي مصان بفضل الله تعالى ثم بفضل من تسبب في استتبابه فينطلق في هذا الجو الآمن إلى عبادة ربه على الوجه الصحيح ، وإلى عمارة الكون بتحقيق مصالحه، أما إذا خيم الخوف وزال الأمن فإن المصالح تتعطل والقدرة على حسن العبادة تتزعزع لأنّ ( ثبات الأمن وتأكيده ، وتوفير الأمان وتعميمه هو المرتكز والأساس لكل عوامل البناء والتنمية، وتحقيق النهضة الشاملة وبدون ذلك يستوطن الخوف وتعم الفوضى ويشع الضياع فتفقد الأمة أساس البناء وأسباب البقاء ) .


إن حاجة الأمن تظهر في الأمور الآتية :
1- تكمن أهميته والحاجة إليه في أن الله تعالى لما أنزل آدم من الجنة بين له ما يتحقق به أسباب الأمن قال تعالى  قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون  .
2- إن أمن الإنسان على نفسه وماله وعرضه شرط في التكليف بالعبادات .
3- إن من لم يأمن على نفسه باستعمال الماء أو خاف لحوق الضرر به من الوصول إليه تنقل إلى التيمم .
4- يسقط عن المكلف استقبال القبلة عند عدم الأمن .
5- يشترط لوجوب الحج أمن الطريق .
6- كما أجاز الشرع التلفظ بكلمة الكفر عند عدم الأمن مادام القلب مطمئنا .
7- عد النبي عليه الصلاة والسلام الأمن من أعظم النعم وأحد حاجات الإنسان الأساسية إذ جاء عنه قوله ( من أصبح منكم آمنا في سرية معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا ) .


أقسام الأمن
يتفرع الأمن بالنسبة للإنسان إلى نوعين داخلي وخارجي، ذلك لأنه إحساس داخلي في النفس البشرية يدعمه الواقع العملي، ولهذا حذر الإسلام أتباعه من إطلاق الإشاعات، ومن إذاعة أنباء الأمن أو أنباء الخوف ، ونشرها بين الناس دون الرجوع إلى ولي الأمر، لأنّ الأولى تدعو إلى التراخي عن الاستعداد، وعدم أخذ الأسباب، والثانية تفت من عضض بعض الناس، ويأتي هنا دور الأسرة في توجيه أبنائها على عدم ترويج الإشاعات، حفظا للأمن الداخلي ، وصيانة للمجتمع من الداخل حتى لا يتسرب إليه الضعف أو الخوف والرعب ، فيحقق الأمنان ، طمأنينة النفس واستقرارها من كل أنواع الشرور والأذى التي يمكن أن تتعرض له.فيأمن الإنسان في دينيه وعرضه وماله وأهله وبيته وبيئته، وفي ظل ذلك يؤدي كل أحد واجبه على أحسن ما يكون الأداء .


أما باعتبار ما يؤول إليه فينقسم الأمن إلى قسمين هما :
1- الأمن في الدنيا، وهو الأمن المقيد .
2- الأمن في الآخرة ، وهو الأمن المطلق .
فالأول هو الاطمئنان الذي يحصل للإنسان على ضرورات الحياة وما يكملها ، بحيث لا يعتدي أحد على تلك الضرورات والمكملات، فإذا هم أحد بالاعتداء على شئ منها وجد ما يزجره من الزواجر التي وضعها الخالق عقابا شرعيا عاجلا أو عقابا أخرويا آجلا، وهذا القسم من الأمن حرص عليه جميع الأحياء لأنه محسوس ، عاجل ، والنفس مولعة بحب العاجل .
إن الأمن الدنيوي الذي يمنّ الله به على الأمم لا يدوم مع الكفران ، بل يبدلها الله به الخوف والجوع ، وسوء الحياة ، كما قال تعالى :  وضرب الله مثلا قرية كانت أمنت مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون 
ومن الأمم التي أمتن الله عليها بالأمن في الدنيا ثم بدّلها به خوفا لكفرانها مشركوا قريش حيث قال الله مبيّنا حال أمنهم :  فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . فلما أصروا على الكفر ومحاربة الله ورسوله ، أبدل أمنهم خوفا ، وغناهم فقرا ، وشبعهم جوعا ، وهو ما حكاه عنهم في آية سورة النحل السابقة .
إن الحديث عن الآمن الدنيوي وحده مفصولا عن الأمن الأخروي إنما هو حديث عن حلم بالسعادة في ساعة من الزمن ، من عمرنا القصير .
إن الإنسان مهما أوتي من نعمة ، ومن سلامة نفس وبدن ووفرة رزق ، لا يحس بالأمن الكامل ، أو الأمن بمعناه المطلق الذي ينافي كل خوف مهما كانت أسبابه .
لأن أمن الدنيا أمن مقيد، ولا يتحقق الأمن المطلق إلا بالاتصال بالمنهج الرباني .
القسم الثاني : الأمن الأخروي ، وهذا هو الأمن الحق إذا وفق الله له أمة من الأمم فهيأ لها أسبابه ، وحجب عنها موانعه ، يتحقق لها بتحققه أمن الدنيا وأمن الآخرة ، وأهم أسبابه الالتزام بمنهج الله وعبادته وحده لا شريك له ، فالأمة التي تؤمن بالله ، وتعمل صالحا ،هي الأمة الجديرة بالإستخلاف والتمكين ، والأمن في الأرض، فهي موعودة بالأمن التام يوم يخاف الناس ، وبهذا نعلم أن الأمن المطلق ، لا يوجد إلا في دار النعيم التي وعد الله بها عباده الصالحين قال تعالى:  ادخلوها بسلام آمنين  ففي الجنة لا يكون خوف ولا فزع ، ولا انقطاع ولا فناء .


مكانة الأمن في الكتاب والسنة
أثار القرآن الكريم انتباه الإنسان بشدة إلى حاجته الملحة للشعور بالأمن ، ليس فقط من مختلف الأخطار المحدقة بحياته ، بل أولا من عذاب الله ومكره ، ومن خسف الأرض، ومن الأعاصير والفيضانات ، ومن الرياح المحملة بالحصباء ومن الجوع والخوف والنقص في الأنفس والثمرات ، وأكد كتاب الله أن الأمن الحقيقي الكامل هو أمن الإنسان في الدار الآخرة ، والذي يتقرر بدءً ونهاية في هذه الدنيا فلا ينال أحد من الخلق الأمن إلا بسببين هما :
1- الإيمان بالله
2- العمل الصالح ، فلا سعادة للإنسان بدونهما في الدارين كما قال تعالى :
 الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب  .
إن الأمن النفسي الذي يتحقق بالدين الحق، يغلق منافذ الخوف كلها في نفس الإنسان المؤمن فلا يخاف إلا الله: لا يخاف من البشر ، ولا من المخلوقات الظاهر منها والخفي ، كما لا يخاف من المجهول أو الموت ولا ما بعده لأنه عرّف الحقيقة ، وانكشفت له الغاية من خلقه، وهذا ما أكده كتاب الله في قوله تعالى :  الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون  . بل قد قرن كتاب الله نعمة الأمن بنعمة الطعام في قوله تعالى :  فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . وجاء أيضا تقديم نعمة الأمن على نعمة الرزق في قول الله على لسان نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام :  رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات ...  . إن الفرد والأسرة والمجتمع يحتاجون إلى أمرين ضروريين هما الكفاية والأمن ، وقد أعطى كتاب الله الأمن درجة من الأهمية تناسب درجة الحاجة إليه والشواهد على ذلك كثيرة تتضح مع ما سبق من الآيات في الآيات الآتية : قال تعالى :  من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون  وقال تعالى :
 وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئا  وقال تعالى :  ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون  ، وقال تعالى :  إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة أعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير  .
إن هذه الآيات كلها تبين الشروط التي يمكن يحصل من خلالها الإنسان على الأمن الإلهي في الدنيا والآخرة .
ولا شك أن رب الأسرة يستعرض لأبنائه هذه الآيات ثم يترك لهم جو الحوار والنقاش حولها ، ويطلب منهم أن يضربوا القصص والأمثال من الواقع المشاهد لديهم . ثم يعقب على ذلك فيقول لهم يا أبنائي ( إن الله جعل الإيمان سببا للأمن وطيب الحياة والتمكين والاستخلاف في الأرض ونزول البركات من السماء، والثبات في الدنيا والآخرة وحصول الأجر الوفير في الآخرة ، وحسن العافية وتكفير السيئات ، وعدم الخزي والخذلان يوم القيامة) .
أما النصوص التي تدّل على الأمن في السنة النبوية فكثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر .
قوله × : ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) .
وقوله : ( من نظر إلى أخيه نظرةً يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة ) وقوله : ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) وقوله × : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) .
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام قوله : ( اللهم إني أسألك الأمن يوم الخوف ) .
ففي هذه الأحاديث دعوة من النبي عليه الصلاة والسلام وحث منه على كل عمل يبعث الأمن والاطمئنان في نفوس المسلمين ، كما فيها نهي عن كل فعل يبعث الخوف والرعب بين المسلمين قليلا كان ذلك أو كثيرا ، باعتبار أن الأمن من أجلّ النعم التي تفضل الله بها على عباده ، ولذلك نهى عليه والصلاة والسلام أن يروع المسلم أخاه المسلم .
بل جعل عليه الصلاة والسلام أن تحقق الأمن للإنسان بمثابة ملك الدنيا بأسرها ، فكل ما يملكه الإنسان في دنياه لا يستطيع الانتفاع به إلا إذا كان آمنا على نفسه ورزقه . قال عليه الصلاة والسلام: ( من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا ) .


دور الأسرة في تحقيق الأمن لأفرادها
الأمن التربوي
يأتي الطفل إلى هذه الدنيا كالصحيفة البيضاء النقية في عقله وفكره ومشاعره , وعنده الاستعداد الفطري لأي شيء يقدم إليه، ولذلك على الأبوين أن يتنبها لهذه النقطة ، ويدركا مدى خطورتها و أهميتها على نشأة الطفل ونموه ومستقبل حياته كلها . فبيدهما أن يأخذا به إلى مسار النجاة ويكون قرة عين لهما،وبيدهما أن يهملاه أوينحرفا به إلى دروب المهالك
ذلك أن الأسرة هي المؤسسة الأولى المسئولة عن التنشئة الاجتماعية للأطفال , ويرجع ذلك إلى أن الأسرة هي الجماعة الوحيدة التي تتفاعل مع الطفل لفترة طويلة من الزمن , في المرحلة الأساسية من حياة نموه ، ولذلك فهي تشكل عاداته ومواقفه , وتسهم في تكوين معتقداته عن طريق غرس القيم التي تؤمن بها .
إن قيام الأسرة بالوظيفة العضوية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أمر طبيعي لأن الطفل عند ولادته غير قادر على القيام بهذه الوظائف ، بل عاجز عن القيام بأي وظيفة تضمن له استمرارية الحياة ، لذا كان لزاما على الأسرة أن تقوم بهذه الوظائف .


وسائل الأسرة في تحقيق الأمن
يتوقع الناشئة ذكورا وإناثا أن تقوم الأسرة بإشباع حاجاتهم الجسمية و النفسية ، والاجتماعية ، والدينية والعقلية ، فهم في حاجة إلى الرعاية الأبوية التي توفر لهم الحماية والأمن وتجنبهم الأضرار الجسمية ، كما يحتاجون إلى التأييد والتشجيع الذي يحقق نموهم الذاتي والاجتماعي ، فهم يمرون في الأسرة بالخبرات الخاصة بأسلوب الحياة الذي يهيئهم للقيام بدورهم الإيجابي في شئونهم ، والإشباع لحاجاتهم، وحاجات الآخرين ، فيكتسبون المعلومات والمعارف الأولية عن العالم، وعن الناس الذين يعيشون من حوله ، وبالتالي يشاركون في حياة الأسرة. بممارسة اتخاذ القرارات، وتنمية المهارات، والاستفادة من أساليب التصرف، والسلوك في المواقف المختلفة .


الأسرة وتحقيق الأمن النفسي والجسدي للناشئة
تعد الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الطفولة الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظلها تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكافل، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هدي الأسرة وتوجيهها تتفتح ، وتفسر معنى الحياة الإنسانية وأهدافها، وتعرف كيف تتعامل مع الأحياء.
إن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتدريب للدور المطلوب من كل حي في مستقبل حياته، لأن وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره الذي ينتظره أعظم الأدوار، لأنه سيحمل أمانة الاستخلاف ودور المبتلى الممتحن بأمانة الله الملقاة على عاتقه لذا كان إعداده وتدريبه للمستقبل أدق وأطول و أشق، ومن هذا المنطلق كانت حاجته لملازمة والديه أشد من حاجة أي طفل لنوع من الأحياء الأخرى.
وقد أثبتت التجارب العملية أن أي مؤسسة أخرى غير مؤسسة الأسرة لا تعوض عنها ، ولا تقوم مقامها، وإن جادل الماديون في هذه الحقيقة وزعموا أن لا ضرورة للأسرة، وأن نشأة الطفل في محضن صناعي تساوي نشأته بين أبويه، بل يزيدون فيتحدثون عن إمكان صنع الأطفال بعيدا عن الأسرة وأعبائها الثقال، وكل ذلك مصادم للحقيقة والواقع، فالفطرة الإنسانية لا تقبل الزور، بل سرعان ما تنفضح الأنظمة المخادعة التي تشقي البشرية من حيث توهم إسعادها، فدور المحاضن والمدارس الداخلية لا توفر لكل طفل من العناية والرعاية ما توفره الأسرة لأفرادها تحت إشراف الأم ورعايتها، حنانا وحفاظا على جسده أولا ورفعا لمعنوياته ونفسياته ثانيا .
فالأسرة تعنى بولاية الطفل ورعايته، وتتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه، ويحافظ على سلامته وأمنه من جميع الأخطار التي يمكن أن تحدق به ،
إن الحفاظ على الطفل في صغره من كل أنواع المخاوف التي تسبب له الأذى كالهوام، والسقوط، والأدوات الحادة والجارحة، والنار وغيرها، من وظائف الأسرة نحوه، فالأبوان مسئولان عن حفظه والمحافظة عليه ماديا ومعنويا ، ومن ذلك الاهتمام بالعقبات التي تعترض سبيله، ومن أهمها الخوف الذي هو غريزة فطرية في الإنسان فلا بد من وجود الخوف باعتدال فيه، حتى تكون حياته آمنة ، لأن الطفل الذي لا يخاف أبدا لا بد أنه مصاب بانحراف في نفسه، فالخوف ضروري لبناء شخصية الطفل ووقايته من الحوادث ، والتعرض للمخاطر، كالابتعاد عن النار والآلات الجارحة ، والأدوات الكهربائية وغيرها .
ومن مهام الأسرة تدريب الطفل على الخوف من الله تعالى،وتعليمه أن الضر والنفع لا يأتي إلا من الله ، وإن أتى من غيره فيكون بتقدير من الله تعالى وبإذن منه . فتدربه الأسرة على العلاقة بينه وبين ربه ، وتخبره أن الله معه إن أحسن في عمله وحسّن خلقه مع الآخرين ، فالله يكافئه بالحسنات ويرفعه الدرجات العليا، وتغرس فيه المعية الإلهية، والحفظ الرباني له ، وإن أحس بخوف علّمه والداه الأدعية والأذكار التي تزيل عنه ذلك الخوف، وبذلك يرتبط بالإسلام منذ نعومة أظفاره ، ومن واجبات الأبوين نحو أطفالهما رعايتهم باستمرار، والاهتمام بطعامهم وشرابهم وألعابهم، وتوجيههم إلى ما يفيدهم من الألعاب دون إكراههم على شيء معين منها، لأنه بقليل من التوجيه يمكن أن يكون اللعب وسيلة ناجحة لغرس بعض الصفات الخلقية والسلوكية الهامة في الأطفال ذكورا كانوا أو إناثا .


الأسرة وتحقيق الأمن الغذائي
تتوقف حياة الإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت على ضروريات لا بد لـه منها،وهي التي تتمثل في الغذاء والكساء والمقر، بالإضافة إلى ما يتبع ذلك من الحاجيات التي تحقق له نوعا من الراحة وتلبي له متطلبات غريزته مثل التداوي والتعليم .
إن مطالب الحياة تنقسم إلى الضرورية والحاجية والتحسينية، يهمنا هنا الأول منها ومنه نتناول دور الأسرة في تأمين الأمن الغذائي لأفرادها.
أن المولود أول أمر يحتاج إليه منذ ولادته هو التغذية، وأفضل غذاء له في الفترة الأولى من حياته هو لبن أمه الذي أودع الله فيه عناصر التغذية، والمواد النافعة للرضيع، فقد أمر الله الأم بإرضاع ولدها من لبنها لينتفع به ويستفيد منه قال تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة.. .
إن الطفل بأمس الحاجة في العامين الأولين من حياته إلى الغذاء عن طريق الرضاع الذي ينمي لحمه وينشذ عظمه، والأب هو المسئول الأول عن الطفل ومرضعته سواء كانت أمه أو غيرها ، لأنها تغذي الصغير بلبنها، فوجب الإنفاق عليها لتتغذى وتغذي الصغير بدورها . فالله تعالى أوصاها في الآية السابقة برعاية جانب الطفل وتأمين الغذاء له ، ذلك أن حضانة الطفل والسهر على مصلحته، والقيام بشئونه واجب على الأم ، لأنها ذات قلب رقيق ، وهي وحدها التي تطيق ذلك وتصبر عليه ، ولهذا فالأم أحق بحضانة الطفل في حال انفصالها عن الأب لحنانها وعطفها وشفقتها على ولدها أكثر من غيرها حتى من الأب نفسه قال تعالى:..لا تضار والدة بولدها..  .
ولا شك أن لتأمين الرضاع للطفل أهمية بالغة في حياته النفسية والجسدية والأمنية والاجتماعية، حيث ( أثبتت الأبحاث العلمية أن الطفل الذي يرضع من ثدي أمه، لا يرضع الحليب فقط ، وإنما يرضع معه الحب والحنان، فيحس بدفء الأمومة وحنانها، وهذا يساعد الطفل على أن ينمو في صحة نفسية جيدة، ويكون بعيدا عن الإصابة بالأمراض النفسية في مراحل عمره اللاحقة) .
كما أن للغذاء الذي يحصل عليه المولود عن طريق الرضاعة الطبيعية دور في سلوكياته في مستقبل حياته فقد بينت الدراسات التي أجريت على بعض محترفي الإجرام في العالم أن كثيرا منهم قد حرموا من الرضاعة الطبيعية في طفولتهم
وهكذا نجد أن تأمين الغذاء والرضاعة والحضانة من الأسرة لأفرادها له دور بارز في التنشئة السليمة البعيدة عن الانحراف والعنف والجريمة مما يترتب عليه إيجاد أفراد صالحين مستقيمين يكوّنون لبنات أساسية لمجتمع متماسك تقوم علاقاته على التآلف والمحبة.


الأسرة وتحقيق الأمن العقدي
إن تحقيق الأمن من أولى القضايا في حياة الناس , لذلك بذلت فيه الطاقات وصرفت في تحقيقه الجهود .
ولا يمكن أن يتحقق الأمن الافي ظل عقيدة صحيحة تتفق مع فطرة الإنسان التي فطر عليها ، ولا تتمثل تلك العقيدة إلا في التي أنزلها الخالق إلى الخلق .
ويأتي أهمية دور الأسرة في غرس العقيدة الإسلامية في نفوس أفرادها ، بل ينبغي أن تعنى بتقديم التربية الإيمانية على غيرها لأن الدين : ( له أثره الواضح على النمو النفسي والصحة النفسية ، والعقيدة حين تتغلغل في النفس تدفعها إلى سلوك إيجابي ، والدين يساعد الفرد على الاستقرار ، والإيمان يؤدي إلى الأمان ، وينير الطريق أمام الفرد في طفولته ، عبر مراهقته إلى رشده ، ثم شيخوخته ) .
إن الأسرة المسلمة التي تولي الجانب الإيماني جل اهتمامها إنما تتبع طريق النبي × في تربية أصحابه رضوان الله عليهم ، فقد بدأ تربيتهم قبل كل شيء بالجانب الإيماني، فبدأ أولا بغرس العقيدة الصحيحة الصالحة في نفوسهم، ذلك أنه لا يمكن أن يتحقق للإنسان سعادة بلا سكينة لأنه لا توجد في الحياة نعمة أغلى ولا أفضل ولا أيمن من سكينة النفس، وطمأنينة القلب، قال تعالى: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم...  .
فلا تتحقق السكينة إلا بالإيمان بالله تعالى، الإيمان الصادق العميق في القلوب . لأن النفوس مجبولة عليه، ومع ذلك تحتاج أن تتعلم أصوله وجزئياته، وأصلح أوقات غرسه السنوات الأولى من حياة الطفل ، لأنه يصغي إلى المربي بكل جوارحه ويقبلها دون نقاش كما أن خياله الواسع يساعده على تخيل الجنة والنار ، وأهوال القيامة ، والملائكة ،وعالم الجن وغيرها 
إن غرس العقيدة في نفوس الناشئة يكون بوسائل عدة منها : تلقينه كلمة التوحيد ، كما كان السلف يعلمون أولادهم في أول حياتهم كلمة التوحيد ومنها تعليمه القرآن الكريم . لأنه أصل الدين وأساسه وفي حفظه أو حفظ جزء منه حفظ له ، فينشأون على الفطرة ، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة كما يعلمهم السيرة النبوية ، والمغازي ، وسير الصحابة والتابعين ، وحكايات الأبرار وقصص الصالحين .
كما على المربي أن يعلم ناشئته أصول الإيمان وحقائقه فيلقنه الإيمان بالله ، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره .
كما يعلمهم أركان الإسلام الخمس ، ومستلزماتها فيحفظهم الشهادتين ، وإقام الصلاة ببيان ما تشتمل عليه من أعمال العبادة من ذكر واستغفار ودعاء وتلاوة القرآن ، وإيتاء الزكاة ومحاسنها ببيان وجوب مساعدة المسلمين بعضهم لبعض .
وصوم رمضان وما فيه من تدريب عملي على كف الشهوات، وتربية الإرادة على الصبر ، وحج بيت الله الحرام وما فيه من تجرد وانخلاع عن الدنيا.
إن الأسرة التي تقوم بغرس العقيدة في نفوس أفراد ناشئتها لا شك أنها تملأ أوقات الفراغ لديهم بكل نافع ومفيد ، وبالتالي تجنبهم الوقوع في الانحراف ، وتبعدهم عن كل مظاهر العنف ، وتبني شخصياتهم على الخير والعمل الداؤب ، وبالتالي تحقق لهم الأمن في أنفسهم بتحقيق حاجاتهم الدينية والنفسية ، وهذا يدفعهم للشعور بحاجات المجتمع وقيمه بما يحقق له الأمن والاستقرار .

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 159/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
54 تصويتات / 14382 مشاهدة
نشرت فى 1 يونيو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,871,944

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters