العمل الخيري إنما هو ثمرة من ثمرات الإيمان الراسخ والعقيدة الصحيحة، والمسلم يترجم إيمانه بالله وتقواه له بالعمل في شتى مجالات الخير والبر، قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (3) سورة البقرة.
إن العمل الخيري سبيل لإيصال رسالة جميع الديانات والأنظمة؛ إذ من الملاحظ أن جميع الديانات السماوية والمذاهب والأنظمة الوضعية تتخذ من العمل الخيري والإنساني سبيلاً لإيصال رسالتها والتأثير على المجتمعات، كما أنها تستخدم في سبيل ذلك الإمكانات الضخمة والمصروفات العالية وأحدث وسائل التقنية المتاحة من الحاسب الآلي و قنوات البث الفضائية.
واقع العمل الخيري وقضايا الأمة
والآن في ظل هذه الأحداث المتسارعة والنكبات المتوالية على المسلمين وإثارة التهم في حرب الإفك على الإسلام... ما هو واقع العمل الخيري الإسلامي؟
سياسة تجفيف منابع الدين
اتبع الغرب استراتيجية ما يسمى بتجفيف المنابع سواء منها المادية والفكرية والاجتماعية. فأصبح الإعلام الغربي يمارس أسلوب التشويه ويشير بأصابع الاتهام لبث مشاعر الشك وفقدان الثقة في تمويل ودعم المؤسسات والأعمال الخيرية..
وفعلاً انعكس ذلك بإحجام الكثير من المحسنين أفراداً وجماعات عن العطاء والدعم وهو مما ينذر بالخطر ويحتاج إلى جهود جادة لدفع الشبهات وإبطال الدعاوى والتصدي لهذه الفتنة ومقاومتها، ولا سيما أن المؤسسات الخيرية هي من أقوى خطوط الدفاع عن الإسلام وشعوب الإسلام على حد سواء في السلم والحرب.
كما أن المؤسسات الخيرية هي أقوى الوسائل لنشر الدين ونصرة قضايا المسلمين.
*أين أدلة الاتهام؟
تلك الحملات الإعلامية المغرضة اتسمت بالتعميم وعدم الوضوح؛ بل بالكذب والتمويه في كثير من الأحيان، وتلك الدعاوى والتهم لا تستند على أي دليل أو برهان ولم تقدم في هذا الشأن أي حقائق أو وثائق تثبت ذلك.
والمتأمل يجد أن بلاد الحرمين ـ حرسها الله وحماها - برسالتها السماوية وأعمالها الخيرية وأنشطتها الدعوية وعلاقتها الإسلامية والإنسانية في ظل توجيهات قيادتها الرشيدة ـ مستهدفة من قبل تلك الحملات المغرضة.
ويتساءل وزير الداخلية الأمير نايف - وفقه الله ـ:
"من يستطيع أن يقول إن هذه الأعمال لا تذهب إلى مستحقيها؟ وهل هناك دليل واحد على هذا؟"
ورئيس جمعية الحقوقيين البريطانية يقول:
"إن كل ما قدم من اتهامات لا يمكن أن يقف في المحكمة".
ويقابل هذا التحجيم والتضييق للعمل الخيري الإسلامي تنشيط وتفعيل نظيره من العمل الخيري الغربي.
* مقارنة حجم العمل الخيري العربي بنظيره الغربي
وأدق ما يدل على ذلك: الأرقام والإحصاءات التي تبرز تمدد وتكاثر الجمعيات والمنظمات الخيرية في الغرب والجامعات والمدارس والمناهج الدينية..
إن المنظمات الخيرية في كل أقطار العالم العربي لا تتجاوز مجموع المنظمات الخيرية في ولايتين فقط من الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تعدت المنظمات الخيرية في أمريكا مليون جمعية ومنظمة غير ربحية، وقد قام 47% منها على أساس ديني.
*بيانات وإحصاءات توضح حجم التمدد والتطور للمؤسسات والجمعيات الخيرية في الغرب ومقدار التبرعات والعطايا لتلك المؤسسات
*212 مليار دولار حجم التبرعات في عام 2002 م في أمريكا، 38% منها لأغراض دينية. ويعني
حوالي 80 مليار دولار، وهذا غير ميزانيات مجلس الكنائس العالمي.
*90 مليون متطوع في جميع الأعمال الدينية والإغاثية الإنسانية بواقع خمس ساعات أسبوعياً في التطوع في جميع التخصصات.
* 32000 مؤسسة وقفية مانحة تمنح الأعطيات والأموال وتساند الجمعيات، وآخر مؤسسة هي مؤسسة "بل غيتس" الوقفية مع زوجته بوقف مقداره يزيد عن 24 مليار دولار.
* 80 مليون أصولي من المسيحيين المولودين من جديد يدفع معظمهم التزاماً دينياً مقداره 5% من دخله الثابت غير التبرعات والضرائب، و 11 مليون موظف يعملون في هذه الجمعيات.
* رابطة الجامعات غير الربحية تضم حوالي 100 جامعة أمريكية فيها تخصصات للعمل غير الربحي وتخصصات في العمل الخيري الدقيق وآلاف المجالس والهيئات الأهلية المستقلة التي تشرف على الأعمال الخيرية في أمريكا. أما في إسرائيل فقد بلغت ميزانية المشروعات التي تدخل في هذا الإطار 11 مليار دولار في السنة الواحدة.
* يوجد في إسرائيل وحدها أكثر من 35000 منظمة غير ربحية، وهي تفوق منظمات وجمعيات العالم العربي بأسره!
نماذج من عطاء الأفراد
أكبر متبرعين في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2001 م :
1. بيل غيتس وميلندا (5) مليارات دولار.
2. جوردون إي مور وبيتي (5) مليارات دولار .
أكبر متبرعين في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002م :
1.عقارات وليم هويليت(6) مليارات دولار .
2. بيل غيتس وميلندا (زوجته) (2) مليار دولار.
إن عطاء الأفراد يشكل أعلى نسبة في مصادر التمويل حيث يصل إلى 16،72 مليار دولار، مما يدل على قوة وانتشار المشاركة.
وإن الفرد الأمريكي في ولايات الجنوب الأمريكي التي تسمى "ولايات الحزام الإنجيلي" ينفق 4070 دولاراً سنوياً على الأعمال الخيرية.
*نماذج من عطاء المؤسسات
ومن أشهر هذه المؤسسات الوقفية:
• مؤسسة "بيل ومليندا غيتس" الوقفية (مالك ما يكروسوفت) ويبلغ رأسمالها 24،2 مليار دولار.
• مؤسسة " فورد" 10،8 مليار دولار.
• صندوق "جيه بول غيتي" 8 مليار دولار.
• مؤسسة "ديفيد ولو سيل بكارد" 6،2 مليار دولار.
* مقارنة في عدد الجمعيات بين الدول العربية والدول الغربية :
الدول الغربية:
الولايات المتحدة (1،514000) جمعية خيرية .
بريطانيا فيها (350،000) جمعية خيرية .
فرنسا فيها (600،000 ) جمعية خيرية .
المانيا فيها (800000) جمــعـية خيرية .
وفي الدول العربية:
سوريا فيها (627) جمعية خيرية فقط.
تونس فيها (5686) جمعـيـة خيرية.
والأردن فيها (627) جمعــيـة خيرية فقط .
هل يرضيكن ـ أخواتي الفاضلات ـ أن يسبقكن غيركن في البذل والعطاء، حيث يدفع الأصوليون النصارى في أمريكا وعددهم يتجاوز 80 مليون 5% من دخلهم الصافي للمنظمات الخيرية غير الربحية، وذلك قبل تسديدهم للضرائب، إضافة لتسديد معظم الضرائب لتلك المؤسسات.
* أين الإنفاق على إخواننا من ذوي الحاجات والأزمات؟!
* أين الإنفاق في ميادين الدعوة إلى الله؟!
* أين الإنفاق في سبيل نصرة قضايا الإسلام والمسلمين؟!
أم أن لها فضول الثروات رغم أنها من أساس الخيرات؟!
أيرضيكن ـ أخواتي ـ أن يسبقكن غيركن من اليهود والنصارى في الإنفاق والأوقاف، وقد تجرد كثير منهم من ماله أو من جزء كبير من ماله؟
اقرأن عن "سورس" اليهودي الأمريكي الذي فتح بأمواله 33 فرعاً لأعماله الخيرية، وخص منها 28 فرعاً في بلادكم الإسلامية، ومن أبرز أعماله: برنامج المنح الدراسية لآلاف الطلاب المسلمين.
قفن عند تبرع: "موناهان" الأمريكي الذي تبرع بكل ثرواته (دومينوز بيتزا) لصالح الكاثوليك، بل وتبرع ببيوته وقصره ويخوته؛ وذلك تجاوباً وتفاعلاً منه بعد قراءته لكتاب احد القساوسة.
* تذكري أن ما تقدمينه إنما هو لنفسك قال الله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} (92) سورة آل عمران.
ومتى وصلت إلى هذا المستوى، كنت مؤهلة لمكافأة الرحمن بأمر عظيم، ألا وهو البر.
أقبلي إلى الإنفاق لتأمني من شر ذلك اليوم العظيم.. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} سورة الإنسان
ثم استمعي إلى نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم وهو يدعوك إلى الإنفاق فيقول: "قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك" "ما نقصت صدقة من مال" "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، و لا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل".
فما أنفقت من نفقة فهي حوالة سريعة تؤدي ـ بإذن الله ـ لرفع الرصيد العام هناك في حساب الآخرة.
*من هم أحب الناس إلى الله؟!
"أحب الناس إلي أنفعهم ـ (أي للناس) ـ وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أن تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً لو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، اثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" (حديث صحيح).
ما هي أفضل الأعمال؟
"أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المسلم سروراً أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً".
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ "من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه الله، ومن أحسن إليهم أحسن الله إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه".
*هل تعرفين حبة تزن الجبال؟
قال يحي بن معاذ ـ رحمه الله تعالى ـ "ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا حبة من صدقة".
وهل أنت مثل امرأة طلحة بن عبيدالله.. جاءه ذات يوم مال من "حضرموت"، فبات ليلته يتململ؛ فقالت له زوجته "أم كلثوم بنت أبي بكر": مالك منذ الليلة؟ فقال: ما ظن رجل بربه يبيت وهذا المال في بيته، قالت: أين أنت من المحتاجين من قومك وأخلائك؟ فإذا أصبحت فاقسمه بينهم فقال: رحمك الله، إنك موفقة بنت موفق، فلما أصبح دعا بجفان فقسمه بين المهاجرين والأنصار.
أو مثل امرأة العز بن عبدالسلام.. عندما حدثت ضائقة بدمشق فكانت البساتين تباع بثمن قليل فأعطت زوجها مصاغها، وقالت اشتر لنا بستاناً، فأخذ المصاغ وتصدق بثمنه، فسألته زوجته هل اشتريت لنا بستاناً؟ قال: نعم بستاناً في الجنة، فقالت جزاك الله خيراً.
* الله الذي قد أعطاكم الكثير ويطلب منكم إقراضه اليسير ليضاعفه لكم:
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (245) سورة البقرة.
* لئلا تكون أموالكم لغيركم غنماً وعليكم غرماً. فلكم في سلفكم أسوة فقد كانوا سباقين لكل أنواع البر والإحسان، وهذا حق المال وتزكيته وإنماؤه.
* إن المال مال الله ـ ليس لكم ـ فأنتم مستخلفون فيه فناظر ماذا تعملون.
* إنكم محتاجون إلى مؤسسات القطاع الخيري أكثر من احتياجها لكم، لأنها تحقق بالنيابة عنكم فريضة التكافل والتعاون والتآخي، وفريضة التداعي لآلام الجسد الإسلامي الواحد.
* قال الشعبي: "من لم ير نفسه إلى ثواب الصدقة أحوج من الفقير على صدقته، فقد أبطل صدقته، وضرب بها وجهه"
استمعي إلى هذا الهتاف الآسر المؤثر من الملك جل في علاه وهو يقول لعباده المحاويج الفقراء إليه وهو الغني عنهم {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}. فماذا ننتظر؟!
وأخيراً
* فإننا بحاجة إلى أن نزكي ونطهر أنفسنا وأموالنا وأن نقابل الإحسان بالإحسان {وأحسن كما أحسن الله إليك}....
* وعلينا أن نقابل قوة التبرعات من قبلهم بقوة الأوقاف والهبات من قبلنا، وأن نتجاوز بأعمالنا وثقتنا مراحل الشكوك وهاجس الاتهام وأن نتخلص من حب الذات، وتقديس المال، وتكديس الثروات، لننقذ أنفسنا قبل غيرنا.
اللهم يا غني يا كريم: قنا شح أنفسنا ووفقنا لفعل الخير ولبذل الصدقات وحب إخواننا المساكين..
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين.
________________
المصدر: مرجع الإحصائيات: كتاب "القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب" للدكتور: محمد السلومي.
نشرت فى 31 مايو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,877,039