يمكن أن يعرف علم الاقتصاد بأنه علم اجتماع يدرس التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية التي بطبيعتها محدودة نسبة إلى ما يراد لها أن تشبعه من حاجات وتلبية رغبات. ويتحقق التوظيف الأمثل للموارد المتاحة عندما يتعقق من استخدامها أعلى عائد أو منفعة ممكنة وفي ظل أقل التكاليف و المحافظة على الموارد من الهدر وإذا منع الهدر زاد ما يمكن أن تشبعه الموارد من حاجات أفراد المجتمع وما تلبيه من رغبات حتى وان كانت تلك الموارد في المساحة محدودة جدا.
ولتحقيق التوظيف الأمثل للموارد المحدودة التي يمتلكها أي مجتمع لابد له من وضع قوائم لأولويات ما يريد تحقيقه. لماذا؟ لأنه لا ولن يستطيع الحصول على كل شيء في نفس الوقت. ثم إن عليه أن يحدد كيفية الحصول على الأشياء لأن طريقة الحصول على السلع والخدمات أو غيرها تساهم إما في توفير الموارد أو هدرها. وكذلك عليه أيضآ أن يحقق كل من الأهداف المنشودة والتوزيع العادل، فيحدد الأشخاص أو الجهات التي لها الأولوية قبل غيرها إما لشدة حاجتها أو لغير ذلك، أي إن على المجتمع تحديد كيفية توزيعه لعوائد استخدامه لموارده.
وخلاصة القول إن على المجتمع الذي يطمح إلى التوظيف الأمثل لموارده أن يحدد كل ما يتعلق باستخدام هذه الموارد، فيقوم بتحديد نوعية السلع والخدمات التي سينتجها أو يحصل عليها كماً وكيفية الحصول عليها وكيفية توزيعها. ومما لاشك فيه أن المجتمعات تختلف فيما بينها في تحديد هذه الأشياء، فمثلأ ما قد يراه مجتمع ما أولوية قد لا يجعله مجتمع آخر في قائمته أصلأ لأنه يراه حراماً أو لأنه خلاف العادات أو الظروف المناخية أو غيرها كما أن المجتمعات كذلك تختلف في طرق توزيعها لما تملكه، فما يراه مجتمع عدلاً قد يراه غيره من أشد الظلم وهكذا. أما سبب هذه الاختلافات بين المجتمعات فيعود إلى الأسس التي تتخذ مختلف المجتمعات قراراتها الرئيسة بناء عليها وهي مجموعة العقائد والمبادئ والعادات والتقاليد والظروف وما إليها مما يمكنني تسميته (بالنظام الاقتصادي) وهو ما تختلف فيه الأمم والمجتمعات فيختلف تبعاً لذلك كثير مما يتعلق بالاستهلاك والإنتاج والتوزيع، وأن إغفال النظام الاقتصادي لأي مجتمع عند اتخاذ قرارات الاستثمار أو الاستهلاك أو الإنتاج أو التوزيع كفيل بفشل مثل هذه القرارات وعدم تحقيقها للتوظيف الأمثل لموارد ذلك المجتمع وبالتالي فشلها في زيادة منفعته وهذا خلاف الرشد في استخدام الموارد المتاحة للمجتمع لأنها في الحقيقة أهدرت ببعدها عن حل أهم مشكلاته وذهابها إلى الأقل إلحاحاً أو إلى ما لا نفع فيه أصلاً.
الآثار المتوقعة للتغيرات في الاقتصاد العالمي على التبرعات للجمعيات الخيرية:
كلما كان الاقتصاد أكثر قوة كلما كان أقل عرضة للتأثر بالمتغيرات الاقتصادية العالمية والعكس صحيح ولكن ماذا نعني بالقوة الاقتصادية؟ أن كل مجتمع يحتاج ويسعى إلى إشباع حاجات أفراد مجتمعه وتلبية رغباتهم، فهناك الحاجة إلى كل من الغذاء واللباس والمسكن والتعليم والعلاج وغيرها وكلها تحتاج إلى إشباع وتلبية. ولا يمكن إشباعها إلا بالإنتاج الذي هو عبارة عن السلع والخدمات والإنتاج الذي هو مخرج مختلف للعمليات الإنتاجية لا يمكن الحصول عليه إلا بتوظيف عناصر الإنتاج والتي هي الموارد الاقتصادية التي يمكن حصرها في ثلاثة أنواع:
1- العمل: وهو كل مجهود ذهني أو عضلي لازم للإنتاج.
2- الموارد الطبيعية: وهي ما تدخل في العمليات الإنتاجية على خلقتها التي خلقها الله تعالى عليها كالتربة الزراعية والماء والشمس وغير ذلك.
3- الأصول المنتجة: كالآلات والمباني و الطرق ووسائل المواصلات والاتصالات وغيرها مما قام الإنسان بإنتاجه بخلط جهوده مع الموارد الطبيعية ثم عاد ليستخدمه في عمليات إنتاجية لاحقاً.
وكلما كبر حجم هذه الموارد لدى أي اقتصاد كلما كان دليلاً على قوته ومن ناحية أخرى كلما تنوعت الموارد سواء في توفير الأنواع الثلاثة من الموارد أو تنوع الأصناف داخل النوع الواحد من الثلاثة- بحيث تتمكن الموارد إنتاج سلع وخدمات متعددة كلما كان ذلك مؤشراً على القوة الاقتصادية أيضاً، لأنها تمكن الاقتصاد من تنويع مصادر دخله وعدم الاعتماد على مصدر واحد أو مصادر قليلة تجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية لو حدثت مشكلات في عرض سلعة أو خدمة ما فإذا كان يملك موارد متعددة أمكنه الاعتماد على السلع والخدمات الأخرى ولهذا فإن تنوع مصادر الدخل يعتبر من مظاهر القوة الاقتصادية بعكس حال البلدان التي تعتمد على سلعة وحيدة أي مصدر وحيد للدخل فما يحدث في سوق تلك السلعة أو الخدمة يعرض اقتصاد تلك الدولة إلى آثار اقتصادية كبيرة تبعاً لطلب العالم أو لقدرة الدولة على عرضها مما ينعكس على حجم دخل ذلك المجتمع كما أن اتصاف أفراد مجتمع ما بالشراهة وعدم القناعة (مما يعني زيادة معدلات استهلاكهم للسلع والخدمات نسبة إلى ما لديهم من موارد) يجعل ذلك المجتمع ضعيف اقتصادياً مقارنة بمجتمع قنوع بعيد عن الإسراف والتبذير له نفس حجم الموارد وذلك لأن ما سيبقى للاستثمار والادخار في المجتمع المترف سيكون بالتأكيد أقل.
كما أن نوعية الموارد وتميزها يمكن اعتباره من أسباب القوة الاقتصادية فالعامل ذو التدريب العالي والتعليم الجيد والقدرة على التعامل مع مختلف التقنيات الحديثة ذات الإنتاجية الأكبر هو عنصر القوة. أما قلة الموارد كماً أو نوعاً فإنها غالباً ما تؤدي إلى الاعتماد على الاستيراد من الخارج سواء الحصول على الموارد أو المنتجات مما يجعل ما يحدث في الاقتصاد العالمي يؤثر بشكل أسرع وأكبر في تلك الدول نظراً لاعتمادها الكبير على العالم الخارجي في الحصول على ما تحتاج من إنتاج أو عناصر إنتاج.
والنظام الاقتصادي الدولي الجديد يسعى عن طريق العولمة إلى جعل الاقتصاديات الوطنية أكثر انفتاحاً على الاقتصاد العالمي وأكثر عرضة لمنافسة الأسواق الأجنبية حتى داخل الأسواق المحلية يجعلها أقل اعتماداً على النفس فيما يتعلق بتلبية حاجاتها لأنها ستتخصص في قليل من المنتجات مما لها فيه ميزة فقط وهذا مما يجعلها أكثر عرضة للتأثر بما يحدث في الاقتصاد العالمي.
إذا فكلما ضعف الاقتصاد أو أزداد انتشار العولمة كلما أزداد تأثير ما يحدث خارج الحدود على ما يحدث داخلها، ومن ذلك الآثار المتوقعة على (الدخل القومي) الذي هو عبارة عن مجموع دخول جميع أفراد المجتمع الناتجة عن مشاركتهم في جميع العمليات الإنتاجية التي قام بها المجتمع خلال سنة. وإذا تأثرت هذه الدخول الناتجة بما تتفق عليه سيتأثر، فيتأثر استهلاك الناس ومدخراتهم واستثماراتهم وما يحصل عليه القطاع العام منهم مقابل خدمات أو غير ذلك وعليه فإن ما تذهب إلى الجمعيات الخيرية سيتأثر سواء سلباً أو إيجاباً وسواء أكان في شكل زكاة أو تبرعات. ولأن المصدر الرئيسي للدخل في منطقة الخليج هو البترول والطلب على البترول طلب عالمي. فإن ما يحدث في أسواقه العالمية يؤثر مباشرة على الدخول المحلية وبالتالي التبرعات لكن هل من المتوقع زيادة الطلب على البترول وبالتالي زيادة الدخل أو العكس؟
لو نظرنا إلى جانب واحد فقط من هذا الموضوع المتشابك وهو حقيقة أن النظام الاقتصادي الذي تحاول أن تنشره العولمة في مختلف أنحاء العالم هو النظام الاقتصادي الرأس مالي وليس النظام الاقتصادي الإسلامي ولاحتى الشيوعي ولأن هذا النظام من طبيعته إحداث ما يسمى بالدورات الاقتصادية في الاقتصادات التي تتبناه. ومن نتائج هذه الدورات أنه مهما حدث من ازدهار اقتصادي ورخاء في الدول الرأس مالية فإنه لا بد من أن يعقبه كساد وركود وشدة ولو خرج هذا الاقتصاد من شدته ومر بفترة ازدهار فإنه لا بد من أن يعود إلى الكساد والشدة مرة أخرى وذلك في خلال تسع أو عشر سنوات فقط وهكذا. إن أسباب ذلك تكمن في صلب مبادئ الرأس مالية وليس هذا مجالنا وعليه فلو تحسن الطلب على النفط والدخول فإن ذلك لا يستمر فإذا من المتوقع تذبذب الدخول عبر الزمن وبالتالي تذبذب التبرعات تبعاً لها. وعليه فيكون من الرشد محاولة تخفيف أثر هذه التذبذبات عن مصادر تمويل أعمال الجمعيات الخيرية. ومن أفضل طرق التخفيف (الإكثار ثباتاً مما يجنب خطر جعل نشاطات البر موسمية أو تعريضها للانقطاع عندما يكون الناس في أشد حالات الحاجة إليها وذلك عند الأزمات.
ومما يخفف أثر التذبذبات أيضاً قيام الجمعيات بمشاريع استثمارية مباشرة وكذلك تبني مشاريع تعليم وتدريب المحتاج صيد السمك كما يقال فينفع نفسه وغيره بدلاً من تعويده على صيد السمك له في كل مرة يحتاج فيها إلى غذاء والفرق بين المنهجين واضح، أي تحويله من مستهلك وعالة إلى منتج لنفسه وأهله وربما غيرهم ومن أمثلة ذلك: ما تتبناه بعض الجمعيات الخيرية في الخارج من برامج مثل ( مشروع منيحة الشاة ) حيث يعطي الفقير عشر شياه مثلاً لينتفع بها، ويكون له نصف إنتاجها الذي يقوم عليه هو بنفسه ، والنصف الآخر يؤخذ منه ليجمع إلى إنتاج غيره لتعطي عشر شياه أخرى لمحتاج آخر وهكذا. فمثلأ هذا البرنامج له عدة مزايا متعددة حيث يبعد أثر التذبذب في الدخول والتبرعات ويجعل المحتاج منتجا ليس لنفسه بل ولغيره ويجعل البرنامج مكتفياً ذاتياً إذا أحسنت إدارته وأحسن اختيار ما يستثمر فيه ثم قد يمتد إلى ما شاء الله تعالى. وطبعاً مثل هذا المشروع بتفاصيله قد لا ينجح إلا في المجتمعات القروية أو في البادية لكن المهم هنا هو فكرة المشروع التي يمكن أن تطبق في المهن الصغيرة والأعمال التجارية صغيرة رأسي المالي ونحو ذلك خاصة إذا دعمت بمراكز للتدريب وأصبح المحتاج يكسب لقمة عيشه بنفسه.
ومما يحسن أداء الجمعيات ويخفف من آثار تذبذب التبرعات ممارسة الرشد الاقتصادي في ممارسة أعمال الجمعيات ومن ذلك تقسيم برامج وأعمال الجمعيات إلى برامج تقشفية تغطي الإنفاقات الأشد ضرورة في حال شح الموارد وإلى برامج توسيعية تضاف عند توسع الموارد وازدياد التبرعات وذلك وفق معايير دقيقة.
والمقارنة بين المجتمعات في حجم الإنفاق على البر لا يعطي دلائل كبيرة المعنى وأن الإنفاق على الخير والبر دين وإيمان ودرجات التدين تختلف بين المجتمعات إلا أن مثل هذا الإنفاق يتأثر بعوامل كثيرة متشابكة بل وقد تكون غير متوقعة.
فقد تزداد التبرعات في وقت الشدة الاقتصادية- وكان من المتوقع خلاف ذلك ربما لأن هذه الشدة تسببت في رفع الوعي الديني والخوف من الله تعالى أو نحو ذلك وقد تتحسن الظروف الاقتصادية ولا تزداد التبرعات ربما للانغماس في الترف أو لانخفاض مستوى الثقة في التعامل أو لغير ذلك من العوامل المثبطة. إلا أنه قد يخرج بدرس من المقارنات العالمية في هذا المجال يمكن أن يلخص في الأثر القائل ( نعوذ بالله من جلد الفاجر وعجز الثقة ) وهي مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
أولاً : لنسأل ما الرشد؟
من شروط الرشد ألا تنفق ما في يدك أو ما تحت يدك إلأ على ما يعود عليك أو على غيرك بمنفعة حقيقية دنيوية أو أخروية ولكن هذا لشى منتهى الأمر، فإنه لا يكفي أن يحقق إنفاقك منفعة فحسب بل لا بد أن حقق أعلى منفعة ممكنة وبأقل ما يمكن من خسارة في الموارد التي بين يديك. إذآ فليس تحقيق أي منفعة فقط هو الرشد بل تحقيق أعلى ما يمكن من المنافع في ظل الظروف المحيالة وبأقل تكاليف أو موارد مستخدمة.
ثانياً : كيف يمكن أن نقيس التكاليف لكي نعرف حجم ما تحقق من منفعة؟
قد لا تتضح الخسارة أو التكلفة المترتبة بكمية الموارد أو النقود التي بذلت لتحقيتي منفعة ما. لكن يمكن أن تقيس بشكل مقبول حجم التكلفة الحقيقية لمشروع ما بعيداً عن المقاييس المادية البحتة بما يسمى تكلفة الفرص البديلة. وهذا المقياس لا ينظر إلى التكلفة أو الهدر في الموارد من ناحية الكمية أي حجم الموارد فحسب ولكن ينظر إلى ما فقد من منافع بسبب إقامة ذلك المشروع أو بسبب الهدر وقد يكون الهدر مبلغاً زهيداً من ناحية الكمية فقد يكون مثلاً لشيء سوى عشرين ريالاً فهو من ناحية الكمية لا شيء تقريباً في وقتنا الحالي، ولكن مبدأ تكلفة الفرصة البديلة يقول إننا خسرنا العشرين ريالأ والتي تكفي ربما إطعام أسرة كاملة من الخبز لمدة شهر وعندها تتبين التكلفة الحقيقية لهدر هذه الريالات القليلة أو قد تكون نتيجة إهدار هذه العشرين ريالأ حرمان خمسة أطفال من الحصول على تطعيم ضد مرض شلل الأطفال وما قد يترتب على ذلك من مآسي وعليه فإن تالبية مثل هذا المبدأ من الرشد الاقتصادي يؤدي إلى الحرص على إرسال الموارد إلى حيث لا يوجد أي هدر ولو كان ضئيلاً مما يؤدي إلى توليد الثقة.
ثالثاً: هناك علاقة كما قلنا بين عناصر الإنتاج (الموارد) وبين الإنتاج (تقديم السلع و ا لخدمات)
فإذا زادت العناصر زاد الإنتاج والعكس وبالنسبة للجمعيات الخيرية فإن إنتاجها عبارة عن تقديم الخدمات للمحتاجين فيعتبر ما تقوم به نوعآ من الإنتاج الذي له علاقة مباشرة بالموارد المتاحة للجمعيات التي ستخدمها كعناصر إنتاج لتقديم خدماتها المختلفة. وعليه فإن هناك حاجة إلى ترشيد استخدام موارد الجمعيات والى حسن إدارة و إلى قرارات رشيدة- ومن ذلك على سبيل المثال- أنه غالباً ما يتوفر للجمعيات الخيرية رصيد من العمل التطوعي وهو ما لا يتوفر للقطاعات الأخرى وقد يكون في درجة عالية من المهارة وسبب ذلك الوازع الديني وطلب الآخرة مما يؤدي إلى تعاطف الناس مع أهداف البر وعمل الخير، فمن الرشد عدم هدر الجهود التطوعية والبحث عنها وحفزها وتوظيفها التوظيف الأمثل، لأنها وان كانت تقدم بلا مقابل مادي إلا أن قيمتها السوقية مرتفعة هذا لو كان بالإمكان تقييمها في السوق وهو أمر غير ممكن لأنها تتميز بالإخلاص. وقد يكون من متطلبات التوظيف الأمثل أن يعمد إلى تقييم أعمال الجمعيات إلى برامج أو أجزاء صغيرة واضحة المعالم بحيث يقوم بها أفراد غير متفرغين لساعة أو ساعتين في الأسبوع ونحو ذلك أو فقط في المواسم ويلزم لنجاح ذلك برامج إعلامية جيدة الإيضاح والاستقطاب.
وبالنسبة للخدمات ولكي ترقى إلى مستوى جيد في الترشيد وتحقيق الأهداف فقد تتطلب الكثير من التنسيق للاستفادة من المستودعات والمخازن المتاحة والتنسيق لاستقبال التبرعات العينية حسب جداول زمنية محددة والتنسيق من أجل مقايضة بعض السلع وربما بيعها لاستخدام العوائد في مجالات أكثر فائدة وفق مبدأ تكلفة الفرصة البديلة.
رابعاً: لا بد من دراسة حجم الإنفاق الفعلي على خدمات الجمعيات الخيرية وحجم العرض أو الإمكانيات الفعلية لهذه الخدمات أي ما يمكنها تقديمه وعندها يمكن تقدير حجم الفائض أو عجز الخدمات وهذا يساعد على معرفة حال الجمعيات ويساعد على معرفة حجم التمويل المطلوب ويساعد في مجال التفكير في طرق استمرار التمويل والإقناع بالتمويل عن طريق أهل الخير وإقناعهم بإطلاعهم على الوضع الحقيقي الموثق في ظل الجمعيات، كما يساعد على وضع الأولويات.
خامساً: قد يكون من الرشد تقديم المساعدات العينية ولو عن طريق القسائم بدلأ من النقود إذا كان هناك خوف من سوء استخدام النقود. وهي طريقة مستخدمة في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية ولها بعض التطبيقات في المملكة وهي طريقة قد تغني عن الحاجة إلى المخازن والمستودعات والكثير من الموظفين وغير ذلك.
سادساً: الأمة فيها خير كثير لكنها تحتاج إلى جهد في ثلاثة اتجاهات لزيادة موارد أعمال البر:
أ) برامج دعوية من أجل حفز الإيمان بالله واليوم الآخر الذي يدفع الإنسان إلى أن يؤدي ما عليه من واجبات مالية أو أن تجود نفسه بما يزيد عن الواجب حينما تسري فيه روح الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له الجسد بالحمى والسهر.
ب) جهد إعلامي حقيقي وموثق يكشف حجم الحاجة وحجم الإمكانيات يصاحب الجهد الدعوي ويسلط الضوء على مواطن الألم.
ت) زرع الثقة في الجمعيات عن طريق الأعمال قبل الأقوال. الثقة في مصارف الأموال والثقة في حسن الإدارة والثقة في العاملين وحسن اختيارهم ... الخ. ووسائل زرع الثقة متعددة وأهميتها بالغة فقد تكون هي البوابة إلى قلوب الناس في هذا المجال. وقد يكفي ربما تصرف واحد غامض مع قليل من الشائعات لفقد الثقة. والصراحة والوضوح أحد أهم هذه الحلول.
مستوى الكفاف :
قبل الحديث مباشرة عن مستوى الكفاف، لنبدأ الحديث عن مجالات الإنفاق حيث يمكن تقسيم مجالات الإنفاق أو السلع والخدمات التي ينفق الأفراد والمجتمعات أموالهم عليها إلى خمسة أصناف:
1- السلع والخدمات الضرورية:
وهي ما يؤدي فقده إلى ضرر شديد قد يودي بالحياة أو بإحدى الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والنسل والمال وذلك مثل الماء والغذاء.
2- السلع والخدمات الحاجية:
وهي التي يؤدي فقدها إلى ضيق الحياة الشديد وعسرها وذلك مثل توفير الكهرباء والسيارة في هذا العصر.
3- السلع والخدمات الكمالية:
وهي التي فقدها لا يؤدي إلى ضيق الحياة وعسرها ولكن توفرها يجعل الحياة أكثر راحة ويسراً مثل التكييف المركزي لبعض المناطق مقارنة بالتكييف الوحدوي أو أجهزة التحكم عن بعد أو التشغيل الآلي بدلأ من اليدوي لبعض الأجهزة ونحو ذلك.
4- السلع والخدمات الاسرافية:
وهي تلك التي يكون الإنفاق عليها في الأصل مباحاً لأنها ذات نفع ولكن إذا زاد الإنفاق عليها بما يزيد عن تحقيق النفع فيذهب هدراً بدون أن يحقق نفعاً لأحد، صار هذا الإنفاق إسرافاً والإسراف ممنوع في الإسلام.
قال تعالي: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) الفرقان (67). وقال جل وعلا (وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الأعراف (31). وذلك مثل فوائض الولائم.
5- السلع والخدمات التبذيرية:
هناك من يرى أن الإسراف والتبذير شيء واحد لكن إن كان الإسراف هو الزيادة عن حد المنفعة في الإنفاق على سلع أصلها مباح فإن التبذير يمكن أن يعرف بأنه أي إنفاق ولو قل على ما ليس فيه نفع معتبر. فكل إنفاق على حرام أو غير مباح فهـو تبذير ولو كان ريالأ واحداً. قال تعالى: (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)الإسراء (26-27).
وحد الكفاف- الذي يسمى خط الفقر- يختلف من مكان إلى آخر ومن زمان إلى زمان تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية بل والدينية. فما قد يعد كمالياً في مجتمع ما قد يكون إسرافاً في مجتمع آخر وربما تبذيراً. وما قد يكون كمالياً في زمن الأباء قد يكون ضرورياً في زمن الأبناء وهكذا.
وحد الكفاف من الناحية العينية يمكن تحديده بتوفير سلعة من السلع والخدمات تغطي الحد الأدنى من مستوى المعيشة المقبول في المجتمع. وتحديده عينيا أكثر ثباتاً من تحديده من الناحية المالية وذلك أن هذه السلة تتذبذب تكلفة توفيرها مالياً تبعا لتذبذب مستويات الأسعار ومعدلات التضخم السائدة محلياً وربما عالمياً. وعليه فمن مصلحة الفقير أن يحصل على كميات عينية عند سيادة أجواء تضخمية ذلك أن إعطاءه القيمة المالية قد لا تضمن له الحصول على الكفاف مع ارتفاع معدلات التضخم والعكس صحيح عندما تميل الأسعار إلى الانخفاض فقد يتحصل على وفر.
وأي سلعة من السلع أو الخدمات التي توفر الحد الأدنى من مستوى المعيشة- أي حد الكفاف تحوي الأصناف الستة التالية وهي : الغذاء الكساء، الدواء، المأوى التعليم، النقل. ومن يعجز عن توفير الحد الأدنى من هذه السلع فإن القطاع العام والجمعيات الخيرية تسعى لتوفيره له. وقد يقتصر عند الضرورة على الضروريات أو على الغذاء والكساء والدواء فقط ويقتصر على الضروري منها فقط.
ويمكن التأثير على مستوى حد الكفاف إذا صاحب خدمات جمعيات البر برامج توعية مكثفة لنشر روح القناعة ونبذ المحاكاة والتقليد الأعمى وتعديل بعض السلوكيات الغذائية والاستهلاكية الخاطئة التي تكاليفها عالية عند مقارنتها بالمنافع المتحصلة منها مقارنة بالبدائل التي يمكن أن تقوم مقامها. فمثلأ في مجال الغذاء تكلفة وجبة إفطار مغذية لأسرة كاملة قد لا تتجاوز بضعة ريالات بشرط ألا تصر الأسرة على التقليد والاستجابة لبرامج غسيل المخ التجارية التي تسوق الأغذية قليلة الفائدة الغذائية غالية الأثمان دون مبرر منطقي.
ونفس الكلام يمكن أن يقال عن الملبس وكذلك المسكن وغير ذلك كثير فمن ناحية المسكن- على سبيل المثال فإن سبب مشكلاته الرئيسة هو الإصرار على النموذج الغربي باهض تكاليف الإنشاء والتشغيل وعديم الاستفادة من خصائص البيئة ووفرتها ومتطلباتها. وإلا فهناك مجتمعات قد تنشئ عشرة مساكن نموذجية من حيث متطلبات المسكن بتكلفة إنشاء واحد من مساكننا.
أما دون برامج التوعية فإن على الجمعيات أن تخضع وتستجيب للسلوكيات الموجودة في المجتمعات بعجرها وبجرها مما يرفع التكاليف ويزيد الطلب على الموارد ويسبب الأزمات.
نشرت فى 31 مايو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,875,467