مفهوم السعادة:

 

يعرف البعض حال السعادة بضدها ويقولون: بضدها تتميز الاشياء ، والأحوال التي ضد السعادة كثيرة منها: الألم والهم والغم والضيق والكرب والعسر والحسرة والإكتئاب والحزن والقلق والقنوط والتوتر والضجر والملل والسأم والخوف والإحباط والأسف والخزي والعار والوحدة والغربة والشعور بالحقارة والدونية والشك والتشاؤم، فالسعادة عندهم خلو الانسان من هذه الأحوال ، ويعرف هذا المفهوم للسعادة بالمفهوم السلبي مقابل المفهوم الايجابي ، وهو كون حال المرء في غبطة وسرور وبهجة وابتهاج وارتياح وانشراح ولذة أو طمأنينة واستقرار بال أو رضا أو قناعة. ولقد تعددت المفاهيم المتقابلة للسعادة فهنالك مفهوم للسعادة يجعل من الضروري أن تكون السعادة ممتدة حتى تشمل حياة الفرد كلها وكل جوانبها ، ومفهوم للسعادة يصف حال الفرد متلبساً بها متحققة له ، ومفهوم يشير الي أنها ستتحقق له في المستقبل ، فهي الآن بالقوة وأن شروطها ستتحقق بالفعل ، وبهذا المعنى نصف الرجل التقي الصالح الذي يمر بأحوال إبتلاء وحزن بأنه سعيد ، لما سيؤول إليه حاله في الآخرة ، وهنالك تقسيم شائع بين الدارسين()16() لمفهوم السعادة وهو السعادة بالمعنى الذي استخدمه أرسطوطاليس “Eudacmnia” ومعناها المعاصر ، فالمعنى الأول يشير الي شعور باللذة يصاحب نشاطاً يتصف بالفضيلة والمعنى الثاني مجرد شعور باللذة يتمثل في حاله سيكولوجية معينة. وهناك نظرة تعد السعادة أمراً ذاتياً “Subjective” ولكنها تشترك بالإضافة لتحقيق رغبات الفرد أن يكون ما تحقق يتفق مع معايير الحياة الطيبة التي يلزم الشخص نفسه بها. وهذه النظرة تختلف عن النظرة التي تعد معايير السعادة موضوعية وخارج الذات )17(وهنالك معنى رابع نسبة ابن مسكويه إلى أفلاطون وهي حال تتصف بها النفس ، ولو كانت لا تشعر بلذة ومبتلاة بأعظم البلايا، وابن مسكويه كما تقدم عرف السعادة تعريفات عدة ، كل تعريف يمثل مستوى أدنى تلبي فيه رغبات البدن والحس ولكن بإعتدال، بالإضافة إلى الالتزام بالفضيلة.

 

مستوى أوسط لا يكترث فيه الفرد برغبات الجسد وشهوات النفس؛ إلا ما تدعو إليه الضرورة.

 

والمرتبة العليا في الدنيا هي مرتبة الفضيلة الإلهية المحضة وحالة فناء الإرادة؛ وفي هذه الحالة لا يتأثر الإنسان بالابتلاء ويؤدي الفعل لذات الفعل لا لحظ ناتج عنه.

 

ومستوى رابع يمثل سعادة الآخرة الصافية التي لا تشوبها شائبة وذكر ابن مسكويه أن هنالك سلسلة متصلة "Continumum" من مستويات السعادة

 

ولقد عرف سيد محمد نقيب العطاس السعادة بطريقة مماثلة لتعريف ابن مسكويه؛ فجعل لها ثلاثة مستويات لم يكن من ضمن هذه المستويات مجرد الشعور باللذة؛ فجعل المستوى الأول متصلاً بالأحوال السيكولوجية والدنيوية والتي يمكن وصفها بأنها عواطف وأحاسيس يتم إشباعها عن طريق السلوك القويم المتناغم مع الفضيلة؛ والمستوى الثاني هو مستوى التحمل واختبار استقامة الفرد في السراء والضراء وفي هذا المستوى تضمحل احتياجات الفرد ، والمستوى الثالث تمثله السعادة في الآخرة وقمة سعادة هذا المستوى رؤية الله سبحانه وتعالى )18(

 

سنذكر بعض الملاحظات المختصرة على هذه التعريفات ، فالتعريف المعاصر للسعادة – بانها مجرد أحاسيس وعواطف -تعريف ذاتي لا يقصى الأحاسيس والشعور الناتجة عن النشاطات الهابطة ، ولا يلتزم هذا التعريف بوجوب موافقة شعور الفضيلة ، وتعريف مرتبة الفضيلة المحضة مثالي قد لا تتحقق أحواله في واقع الأمر. أما تعريف السعادة المتحققة في الحياة الآخرة بأنها سعادة مطلقة أمر جائز جاءت به الأخبار الصحيحة ، وسوف نرد على اعتراضات جان كزانوف التي تتخيل وجود سعادة مطلقة ، أما تعريف السعادة – بأنها حال يمكن أن يتصف به الفرد في حال التحمل الذي قد يصبه ألم والذي يخلو من الشعور باللذة – فإنه يصعب قبوله.

 

والتعريف الذي نختاره والذي هو موافق للسنة هو التعريف الأول: الذي تلبي فيه رغبات البدن والحس باعتدال؛ بالإضافة للالتزام بالفضيلة.

 

السعادة والغاية القصوى للإنسان:

 

الغاية القصوى هي الغاية التي يطلبها الإنسان لذاتها؛ وليست وسيلة لغيرها إذا سألنا طالباً وقلنا له: لماذا تريد أن تذاكر؟ يقول لأنجح وأتحصل على شهادة جامعية وإذا سألناه: لماذا تريد الشهادة الجامعية؟ يقول لأني أريد أن أجد وظيفة.

 

ويرى ابن حزم أن الذي يطرد الهم – حقيقة – العمل للآخرة. إن ما نشاهده من سلوك كثير من الناس يؤيد نظرية ابن حزم هذه إلى حد كبير؛ فإن الطالب يعود من الدراسة وله هم قضاء الواجبات واستذكار الدروس وهم النجاح؛ والكبار لهم هموم العمل وتوفير حاجات الأسرة والقيام بواجبات الصلات الاجتماعية والمحافظة على الصحة وتحسين أوضاعهم المالية والأدبية وغيرها من أسباب طرد هموم الدنيا والآخرة، فهم عادة لا يفكرون في الأشياء التي تجلب لهم اللذة والسعادة؛ ولكن يفكرون في طرد وقضاء الحاجات؛ هذا لا يعني أن تحقق هذه الأغراض لا يصاحبه لذة وشعور بالرضا والسعادة، ولا يعني – وهنا قد نخالف ابن حزم – أن جانبا مما نقوم به من نشاط قد نؤديه بغرض اللذة والمتعة. من ناحية أخرى فإنه قد تكون لبعض الناس كالدعاة والمصلحين وغيرهم هموم تشغل جل تفكيرهم فلا تدع لهم مجالاً للتفكير في الحصول على متع الحياة والناس يختلفون’ فيرى بعضهم أننا يجب أن نوجه الطاقات في مؤسسات الدولة – الطبية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وفي الجمعيات الخيرية والإصلاحية لطرد هموم الناس أكثر من جلب اللذات لهم ’ فنحارب المرض والفقر والجهل والإدمان ونحل مشكلات الأسرة والشباب الخ …

 

صحيح – كما ذكر ابن حزم – أن ما يشغل معظم الناس طرد الهموم عن أنفسهم أكثر من جلب المنافع لها ’ لكننا – كما ذكرنا – نجد بعض الناس يخطط ويهدف إلي تحقيق لذاته ’ كما أن معظم الناس يهدف في أوقات حياته إلى تحقيق لذات معينة مثلا باختيار مكان لقضاء عطلته السنوية أو قضاء عطلة نهاية الأسبوع ’ ولكننا نجد بعض الناس كالدعاة والمصلحين والمجاهدين لا يعيرون أمر جلب اللذات بالاً فنجد أحدهم لا يأكل إلا إذا شعر بالجوع والضعف ’ ولا يذهب لينام إلا إذا شعر بالتعب والنعاس.

 

وأخيراً هنالك سؤال يمكن طرحه وهو هل هدف الإنسان هو نيل السعادة سواء كان ذلك بمفهومها الإيجابي أو السلبي؟ على الرغم من أن مفهوم السعادة مفهوم فضفاض.فإنه من الصعب أن نصف شخصاً بالسعادة دون أن يحس بشعور إيجابي من لذة أو متعة أو ارتياح ، ومن الصعب أن نصفه بالسعادة وهو في حالة ألم وعناء إلا إذا اعتبرنا ما سيؤول إليه حاله ’ ولكن من ناحية أخرى فإن الإنسان قد يسعى لتحقيق قيمة خلقية أو دينية تحت ظروف ألم ومشقة ومعاناة مثل قيمة العدالة ’ وقد يريد تحقيق العدالة من أجل العدالة ذاتها.

 

ولا ينبغي أن يقال إنه فعلها ليزيل عن نفسه عدم الرضا الناتج من عدم تحقيقهاأو أن يقال إن عدم الرضا إذا لم يفعلها يكون أكبر من المعاناة الناتجة من فعلها. ولا يقال أنه فعلها لما لم يجد راحة في تحقيقها. وقد يلزم من فعل الفضيلة في واقع الأمر راحة ومن عدم فعلها ألم ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا قصد الفاعل ولا هدفه من تحقيقها. إن كان سببه الذي يعنيه هو تحقيق فضيلة العدالة في ذاتها لما لا يلزم عنها من نتائج. والغريب أن ابن مسكويه قد أشار إلى هذا المعنى ، ولكنه عده ضمن مراتب السعادة ، وكذلك عده محمد نقيب العطاس معنى من معاني السعادة، إلا أن آخرين قد اشترطوا في السعادة شرط اتفاقها مع الفضيلة، بالإضافة إلى ذلك انتاجها لذة وهذا الذي اعتمدناه.

 

هل معايير السعادة موضوعية أم ذاتية؟

 

هناك من يرى أن معايير السعادة موضوعية ومن يرى أن معاييرها يجب ان تكون ذاتية ، فالقائلون بالمعايير الذاتية للسعادة يرون أن الحكم على شخص بالسعادة يجب أن يكون بمعرفة ذلك الشخص وشعوره ، فإذا اعتقد وشعر بالسعادة فإنه يكون في الحقيقة سعيداً بغض النظر عن رأينا فيه.

 

أما القائلون بموضوعية معايير السعادة فيرون أن الإنسان قد يعتقد أنه سعيد، ولكن يكون في حقيقة الأمر غير سعيد؛ فشعوره بالسعادة ليس مبرراً كافياً لكي نطلق عليه صفة السعادة، لأنه قد يكون غالطاً أو مخدوعاً.

 

واعترض بعض القائلين بأن معايير السعادة ذاتية على القائلين بموضوعيتها بحجج عدة منها أنها كانت سبباً في التدخل في حياة الآخرين وسلب حرياتهم والتعدي على إنسانيتهم والسيادة على ذواتهم ، وأنها نوع من الاستعلاء الزائف، وتمثل الموضوعية عند كثير من فلاسفة ما بعد الحداثة ضيق الأفق والتعصب والعنصرية والعرقية والغرور والسطحية وعدم الأمانة العلمية والتسلط والهمجيةوعدم التسامح

 

ويقولون إن الفرد أقدر الناس على معرفة رغباته وما يسعده وأن التدخل في شئونه بحجة إسعاده كثيراً ما يقود إلى تعاسته وحرمانه ، ولا حق لأحد أن يقول لغيره هذا يسعدك على الرغم من أن الآخر لا يشعر بأن هذا الشيء يسعده.

 

ويقولون أيضاً إذا كان هنالك ما يسعد الناس فاذكروه لنا بالتحديد وبينوا لنا لماذا أختلف الناس حول السعادة؛ فمنهم من يراها في الأمور الروحية؛ ومنهم من يراها في الأمور العقلية؛ومنهم من يراها في الأمور الحسية؛ إن بعض أصحاب اتجاه الذاتية لبراليون وبعضهم نسبيون وبعضهم لا عقلانيين.

 

نقول في الرد على الذاتيين ، وبالله التوفيق ، ليس ضرورياً أن يناقض القول بالموضوعية التسامح والحرية ، أما القول بأن الناس اختلفوا حول ماهيتها فهو ليس بحجة ، لأنه من الممكن أن يكون من بين المختلفين من هو على حق، أما المطالبة بتحديد الأشياء التي تسعد الناس؛ فطلب معقول ، ولكن قد تكون الإجابة عنه صعبة. سنجيب عن هذا السؤال ضمن ذكر الحجج التي تعضد القول بالموضوعية عموماً.

 

إن للإنسان طبيعة معينة تميزه عن غيره من المخلوقات ، وإن هنالك نشاطات وأفعالاً تناسب هذه الطبيعة ونشاطات لا تناسبها ، وهذه الطبيعة تجعل للإنسان حاجات ومطالب.. وتجعله بالضرورة يصبو لتحقيق هذه الحاجات ويكون في حالة توتر مادامت لم تحقق له ، وعند تحققها يزول توتره ويحس بالرضا

 

هنالك لذات تحصل من نشاطات هابطة كتناول المخدرات والممارسات الجنسية القبيحة والتلذذ بضرر أو تعذيب الآخرين ولا يجد ممارسوها غضاضة في ممارستها.

 

يمكن مقارنة اللذات والسعادة؛ فهنالك طريقة حياة ونشاطات تحدث سعادة أعظم من طريقة حياة أخرى. والدليل على ذلك أن الفرد إذا جربها سيفضلها ويحكم على أنها أعظم من غيرها.

 

هنالك أشياء يكاد يجمع الناس على أنها من أسباب السعادة مثل الصحة والمحبة والصلاة الحسنة بالآخرين.

 

على الرغم من أن للسعادة معايير موضوعية إلا انه لا يجوز وصف شخص بأنه سعيد دون أن يشعر هو بالسعادة.

 

مقومات السعادة وأسبابها:

 

تعرف السعادة بأنها رضا عام عن الحياة بتحقق الرغبات والأهداف والمقاصد أو بتحقق الذات ، وهذا الرضا يتمثل في الرضا عن الحياة الاقتصادية ، ومعناها تحقق الضروريات والحاجات والكماليات والشعور بالصحة والرضا عن الحياة الأسرية والعلاقة الزوجية ،والرضا عن العمل والعلاقات الاجتماعية الصادقة، ورضا الفرد عن سلوكه وتصرفاته الأخلاقية والدينية وأداء الواجبات المتصلة بهما والرضا عن الوضع السياسي والاجتماعي عامة، والأمن على النفس والعرض والمال والأمن العقدي بزوال الجهل والشكوك والأوهام والثبات على بعض المعارف عن الكون والإنسان والمجتمع.

 

الحياة الاقتصادية: تحقق الضروريات والحاجات والكماليات بالأكل والشرب والملبس والمسكن وسبل التنقل والعلاج والتعليم ووسائل الترفيه وقضاء وقت الفراغ. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إشارة إلى هذا النوع من مقومات السعادة "أربعة من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء ")19(

 

الصحة: إن من أهم مقومات السعادة الصحة فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يسلمه من عوائق السعادة والأمور السلبية كالمرض والفقر ، فكان من دعائه (اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في سمعي ، اللهم عافني في بصري ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، لا إله إلا أنت).)20(

 

والصحة عبارة عن سلامة الجوارح والحواس والخلو من الأمراض والعاهات وعدم الضعف والعجز؛ كما أن من أهم مقومات السعادة الضرورية الصحة العقلية والنفسية.)21(

 

العلاقة الزوجية: يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الزواج من سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني")22( "هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك" )23( "تزوجوا الولود الودود" )24(إن المتزوجين أكبر سعادة – بوجه عام – من العزاب والأرامل والمطلقين )25(.

 

ولكن ليس ما يسعد الزواج؛ ولكن نوعية الزواج. والرجال يحصلون على إشباع أكثر من الزواج إذا ما قورنوا بالنساء. )26(ومما يساعد على السعادة الزوجية استعداد الزوجين للمساعدة العملية والصحية وكثرة الوقت الذي يقضيه الزوجان معاً، والاتفاق على المسائل المشتركة كالأمور المادية والبحث عن الحلول للمشاكل التي تطرأ على العلاقة والدعم المتبادل.)27(

 

الصداقة والإخاء: الإخاء ضروري لحياة الفرد ولبناء المجتمع ومؤسساته ، وضروري للبناء الحضاري للأمة الإسلامية ، وعليه تعتمد سعادة الفرد والمجتمع.فالإنسان لا يمكن أن يحقق ذاته ورغباته إلا في جماعة ولا يستطيع تحقيق القيم الخلقية إلا في جماعة ، وقد قيل الإنسان كثير وقوي بإخوانه وأصدقائه. وإن كل شخص محتاج إلى صديق عند حسن الحال وسوء الحال ، فعند سوء الحال محتاج إلى معونة الإخوان وتسليتهم عند الهموم ، فالأخ يبث همومه لأخيه ، فينفس عنها ، وعند حسن الحال يفرح بهم ويأنس بهم ، فالأخ زينة الإنسان يجد في حبه للآخرين وعونه لهم سعادة لا تدانيها سعادة ، لأنه يشعر بأنه سبب سعادتهم وتخفيف آلامهم ، يقول صلى الله عليه وسلم "ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله " )28( قال الغزالي: الأخوة محبة والمحبة تتبع المؤاءمة والموافقة ، وإن أخوة الإسلام تنتج من العقيدة والفكر المشترك ومن وحدة الهدف والغاية ولعل أول ما يوفره الأصدقاء بعضهم لبعض التحسين الفوري للحالة المعنوية بالمساعدة العملية والدعم الاجتماعي في صورة تعاطف أو نصائح والمشاركة في الأنشطة)29( فالإسلام يحث على السلام عليه إذا لقيه؛ وعيادته إذا مرض ويتفقده؛ ويواسيه؛ وينصحه؛ ويدافع عنه ، كما يحث على الدعاء والوفاء والإخلاص له وإظهار المحبة له "أن يخبره إذا أحبه أنه يحبه" فاكتساب الأصدقاء والحفاظ عليهم يعتمد على القدرة على التدعيم وأداء الالتزام والمجاملة والتعبير عن المحبة.)30(

 

السيرة الحسنة بين الناس: إن من الأمور التي تدخل السعادة والرضا في نفس الإنسان؛ السمعة الحسن والسيرة الطيبة بين الناس، لكن المؤمن لا يبتغي ابتداء من أعماله ثناء الناس عليه، ولكن ثناء الناس عليه قد يلزم من أفعاله دون قصد منه لذلك ،وواجب على أفراد المجتمع الثناء على المحسنين منهم. ويختلف مفهوم السيرة الحسنة عن مفهوم الشهرة والصيت التي يعبرون عنها بأنها شعور الشخص باعتراف الناس بما قدم من أعمال واللذة الناتجة ، والتي باعثة للعمل ، فإذا ساعد الفقراء فإنه يفعل ذلك لكي يقال إنه شخص محسن، وإذا ألقى حديثاً أو كتب كتاباً أو بحثاً فإنه يريد أن يقال إنه عالم أو مفكر أو أديب أو غيرها من عبارات الثناء والمدح ، وقد تصل رغبة الإنسان لنيل المكانة والشرف إلى حبه العلو والسيطرة والحصول على القوة والنفوذ؛ هذه الرغبات كاذبة ومنحرفة وينهي عنها الدين ، فالإسلام ينهي عن التطلع إلى الشهرة والصيت وحب العلو ويحث أن يكون العمل لله.

 

لقد انتشر بين المسلمين طلب الشهرة والصيت والمكانة ، وصارت حظوظ الدنيا هي التي تدفع معظمهم للعمل ، وعلى هذا نربي ابناءنا وإلى هذا تهدف معظم وسائل أعلامنا ومؤسساتنا ،ولكي نتغلب على هذا الداء العضال نحتاج إلى جهاد للنفس كبير وإلى تربية أبنائنا وأنفسنا لكي نخلص العمل لله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به)31( " ويقول "إن الله تعالى يحب العبد التقي الغني الخفي".)32(

 

وفي القرآن: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص:83).

 

العمل: يعتمد الرضا عن العمل على العلاقات الإنسانية داخل التدرج الوظيفي ، فالمرؤوسون يكونون أكثر سعادة في ظل أساليب معينة من الإشراف ، وخاصة تلك التي تتصف بالتقدير من جانب المشرف والتشجيع على المشاركة في اتخاذ القرار ، ومما يسبب عدم الإرتياح في العمل ممارسة المشرفين على العمل ضغوطاً من أجل مزيد من العمل أو عندما يعطون أوامر تلقائية دون استشارة العاملين.)33( ومن أسباب الرضا عن العمل الأجر المجزي والمقدرة والكفاءة على أدائه والرغبة فيه.

 

وكذلك تعتمد السعادة على حسن العلاقة بين الفرد والأقارب والجيران والأطفال والآباء والناس، والشعور بالنجاح والإنجاز يؤدي إلى السعادة؛ وكلما حقق الإنسان أهم رغباته ازدادت سعادته، ولكن إذا قارنا سعادة الأفراد بعضهم ببعض فإن الرضا بالحال قد يكون في مستوى أدنى من الإنجاز؛ فمستوى الحياة ونوعيتها والإنجاز الذي يحققه الفرد يحدد قوة السعادة وشدتها؛ فقديماً قال سقراط: أريد أن أكون سقراطاً غير راض من أن أكون حيواناً راضياً. فنوعية الحياة تؤثر في مستوى السعادة؛ لكن هنالك تعقيداً في هذه العلاقة ، لأن نوع النشاط نفسه قد يحدث سعادات متفاوته باختلاف الأشخاص ، لأن بعض التجارب تحتاج إلى من يتذوقها ، ويحدث ذلك عادة بممارستها والتعود عليها ، وقد يحتاج إلى نوع من المجاهدة والصبر عليها في بداية الأمر. وقد اختلف المفكرون في النشاط الذي يحدث أعظم قدر من السعادة؛ فمنهم من رأى السعادة في تحقيق اللذات الحسية ، ومن رآها في قمع الشهوات بالكلية والزهد في الحياة المادية حتى يحيا حياة روحية خالصة ، ومنهم من يرى السعادة في حياة الفكر والتأمل والنظر ، لكن السعادة في اعتقادنا لا تقتصر على جانب واحد من حياة الإنسان؛ فإنها تشمل كل جوانب حياته المادية والعقلية والروحية والسلوكية والذوقية ، فجانب الحياة المادي ينبغي أن يشمل ما هو ضروري وحاجى وكمالي، ويتحقق الجانب النفسي من حياة الإنسان مثلاً بصحته النفسية بزوال الخوف والشعور بالأمن والطمأنينة ووجود علاقات اجتماعية للفرد وصداقات؛ وذلك بمشاركته للآخرين أفراحهم وأتراحهم ومشاركتهم له في ذلك وفي محبته لهم، ومحبتهم له وتتمثل الصحة النفسية في الإتزان الإنفعالي والعاطفي؛ وذلك بتجنب الغضب والحسد والحقد مثلاً وأن يتجنب كل عاطفة رذيلة، وألا تخلو نفسه من العواطف المناسبة في المواقف المثيرة لتلك العواطف، بأن يتسم بالرحمة والشفقة والمحبة وغيرها من العواطف النبيلة.

 

ويشمل جانب الحياة الذوقية تذوق الجمال والفن والأدب ويعد هذا الجانب من الحياة عادة جانباً كمالياً ، ويختلف الناس في السعي لتحقيقه وطلبه. ويتمثل جانب الحياة العقليةفي التأمل والفكر والنظر وسعي الإنسان لإكتساب العلم والمعرفة ورغبته في الكشف عن الحقائق وفي حل المسائل والمعضلات والمشكلات وغوامض الأموروفي زوال الشكوك والتخلص من التيه الفكري والحيرة؛ إنها الرغبة في الأمن العقدي والمعرفة ، النافعة واللذة المصاحبة لتلك المعرفة وأعلى مراتب الأمن العقدي هي معرفة الله ومعرفة ما شرع وأخبر.

 

وهنالك المقومات الروحية التي تشمل العبادات الظاهرة كالصلاة والصوم والحج والزكاة والعبادات الباطنية كالإيمان وإخلاص النيه والتوجه بالعمل لله سبحانه وتعالى وما يتبع تلك العبادات والطاعات من أحوال وتجارب ولذات وما يشعر به المؤمن من متعة وطمأنينة وأنس ورضا نتيجة لذلك. * فلا ينبغي أن يركز الإنسان على الجانب الروحي دون المادي ولا المادي دون الروحي ولا العقلي أو الذوقي دون الجوانب الأخرى ، لأن الإنسان يحتاج إلى تلبية كل الجوانب الأخرى ، لأن الإنسان يحتاج إلى تلبية كل الجوانب ، فإن الإنسان لا يمكن أن يحيا حياة عقلية أو ذوقية بحته؛ فمن المجرب والمشاهد أنه إذا نال من إحداها معيناً فإنه قد يمله ويكون عائد الاستمتاع به متناقضاً. ولقد نهى الرسول e الصحابة الذين أرادوا ترك الأكل والنوم والزواج.وإن طبيعة الإنسان تحتم عليه تلبية كل الجوانب.من ناحية أخرى فإن الناس متفاوتون في رغبتهم وتذوقهم لجانب دون جانب؛ كما أن بعض الجوانب قد يكون أكثر لذة ومتعة من الجوانب الآخرى.فقد ذكر أحد العباد عن جانب العبادة مقارناً له بجانب الثروة والماديات فقال: لو علم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.وقد يحتاج الإنسان إلى شيء من الممارسة والتعود حتى يتذوق جانباً من الجوانب.

 

ويشمل الجانب الأخلاقي والسلوكي التزام الإنسان بالقيم الأخلاقية كالصدق والعدل والإحسان والطهارة والعفة والشجاعة والأمانة والرحمة؛ إن الالتزام بهذا الجانب يحدث رضى وسعادة في نفس صاحبه ويحدث آثاراً حسنة في حياته وحياة غيره من الناس.كما أن من مقومات السعادة أن يعيش الإنسان في مجتمع فاضل تتحقق فيه قيم معينة كقيم التكافل والأخوة والمحبة والرحمة والشورى والعدل والطهارة والوحدة والنجدة والتناصح والتآزر والتناصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيثار والإيمان والحرية والتقوى والعلم والمعرفة وغيرها من القيم النبيلة.

 

ولكن مهما حقق الإنسان من مقومات الحياة المادية والذوقية والروحية والسلوكية والعقلية والنفسية ، ومهما حقق من رغبات وأهداف ، ومهما حقق من نجاح ، فإنه لن يشعر بالسعادة إذا لم يصاحب ما حقق وأنجز شعور بالرضا والقناعة؛ لأن مطالب الإنسان قد لا تنتهي؛ ولأن الإنسان قد يهتم بتحقيق أمر يرى فيه قمة سعادته كالحصول على درجة علمية معينة أو الزواج من فتاة معينة؛ ولكنه عندما يحصل على مقصوده تقل رغبته فيه ولا يحس بسعادة وهو حاصل له، ولكن الإنسان القانع الراضي يحس بالنعم التي أنعم الله بها عليه فيكون سعيداً بذلك.

 

وسائل السعادة:

 

إن مقدرة الفرد على تحقيق رغباته وأهدافه ومقاصده لا تعتمد فقط على سعيه وجهده؛ ولكنها تعتمد أيضاً على قدراته وعلى الظروف المحيطة به. من ناحية أخرى فإنه السعي يتطلب*.

 

-اكتساب العلم بما يسعد

 

محبة الإنسان لما علم

 

معرفة الأسباب التي تحقق ما علم وأحب

 

السعي لتحقيق هذه الأسباب

 

الصبر ومجاهدة النفس في السعي لتحقيق هذه الأسباب.

 

قال ابن القيم "ومعلوم أن كمال العبد هو بأن يكون عارفاً بالنعيم الذي يطلبه والعمل الذي يوصل إليه ، وأن يكون مع ذلك فيه إدارة جازمة لذلك العمل ومحبة صادقة لذلك النعيم ، وإلا فالعلم بالمطلوب وطريقه لا يحصل إن لم يقترن بذلك العمل ، والإرادة الجازمة لا توجب وجود المراد إلا إذا لازمها الصبر "

 

على المسلم أن يسعى بشتى الوسائل لنيل السعادة ويرجو الله ويدعوه أن يتم له ذلك في الدنيا والآخرة ، وفي الدعاء (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة:201) وعلى الإنسان أن يسعى بالفكر والروية قبل العمل ، وعليه أن يكتسب المعرفة ، يقول ابن القيم "إن الإنسان قد يحب الضار وقد يحب النافع" إن النافع يعلم بالشرع والعقل ، ولكن أصدق الطريقين إليه الشرع لخفاء صفات الأفعال وأحوالها ونتائجها ، وأن العالم بذلك على التفاصيل ليس هو إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فأعلم الناس وأصحهم عقلاً ورأياً واستحساناً من كان عقله واستحسانه وقياسه موافقاً للسنة.* وأن يبذل الجهد والمثابرة والصبر ، يقول الله تعالى: ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153) وأن يقابل إحباطات الحياة وإبتلاءاتها بروح عالية ما وسعه ذلك ، وأن يكون أمله في الله كبيراً "ولا يقنط من رحمته")يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87) وأن يكون في حال رجاء دائم في أن يحقق الله له خيري الدنيا والآخرة (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)(النساء: من الآية104) وأن يستشير في أموره أهل الرأي والمشورة وأن يستخير الله عندما يقدم على أي أمر من الأمور فإذا أخذ بالأسباب توكل على الله وأقدم ولم يتردد وكان قوى الإرادة والعزيمة؛ وأن يلح ويكثر من الدعاء (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186) ولقد وردت أدعية كثيرة يجدها القارئ في كتب الأذكار المختلفة. ومن أسباب السعادة لزوم الاستغفار قال صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ".* إن ما يؤلم الإنسان وينقص سعادته اقترافه الذنوب وشعوره بالذنب ، لكن المؤمن يزول منه هذا الشعور عندما يقرأ قول الله تعالى:)(َلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة:104) فالله سبحانه وتعالى يمدح التائبيين المستغفرين ويعدهم بالمغفرة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) ومن أسباب السعادة الإيمان بالله والتوكل عليه يقول الغزالي "إن التوكل هو ثمرة التوحيد وهو عبارة عن اعتبار المؤمن أنه لا فاعل إلا الله واعتقاده أن الله متصف بتمام العلم وتمام القدرة على كفاية العباد وأنه يتصف بتمام العناية والعطف والرحمة ". * ولا يعنى بالتوكل ترك السعي.

 

وإذا قرر الإنسان وعزم بعد التروي والمشورة والاستخارة فلا يتردد ويتوكل على الله ويشرع في تنفيذه ما عزم عليه قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية159) ومن أسباب السعادة الطموح قدر المقدرات وترقية المقدرات.

 

ينبغي على الفرد معرفة مقدراته وإمكاناته ومحاولة استثمارها ، وعليه ألا يتطلع إلى تحقيق أهداف لا تتناسب مع هذه المقدرات والإمكانيات ، فإن ذلك سوف يشعره بالإحباط والفشل. ولكن هذا لا يعني ألا يجتهد ويسعى إلى تحسين مقدراته بالعلم والتدريب وغيرها من الوسائل فالحياة الخالية من الطموحات والأهداف والرغبات حياة خاملة ومملة؛ فينبغي ألا يكون الإنسان في حالة طموح كاذب ، أو حالة خمول معقد ، ومن أسباب السعادة والنجاح الالتزام بقدر الطاقة ، فينبغي للفرد ألا يلتزم بالقيام بأعمال كثيرة لا يستطيع الوفاء بها كلها، أو أعمال يمكنه القيام بها ولكن ترهقه وتؤثر في حسن أدائه لها، أو تجعله يقصر في واجبات أخرى ، فالإنسان عادة يقبل ويلزم نفيه بالقيام بأعمال كثيرة فوق طاقته إرضاء لمن يطلب مساعدته أو رغبة منه في تحقيق أكبر عدد من الأهداف في أقل زمن ممكن ، ومن أسباب السعادة تنويع الأهداف فيحسن للفرد أن ينوع من أهدافه وغاياته ولا يجعل له هدفاً واحداً ، لأنه قد يفشل في تحقيق هذا الهدف. فإذا نوع من أهدافه في أقل زمن ممكن. ومن أسباب السعادة تنويع الأهداف فيحسن للفرد أن ينوع من أهدافه وغاياته ولا يجعل له هدفاً واحداً ، لأنه قد يفشل في تحقيق هذا الهدف. فإذا نوع من أهدافه وحدث أن فشل في واحد منها فإنه قد ينجح في تحقيق هدف آخر ، فإن في ذلك سلوى عظيمة له "علماً بأن الأهداف الأساسية قد لا تتغير".

 

ومن أهم أسباب السعادة تكيف الفرد مع الظروف والمجتمع الذي يعيش فيه ، وهذا التكيف بالنسبة للمسلم محكوم بقواعد الإسلام السمحة ، فليس للمسلم أن يتكيف مع أي مجتمع وبأي شكل من الأشكال ، وليس على حساب المبادئ والقيم والمثل الإسلامية.

 

إن من أهم أسباب السعادة كذلك مقدرة الفرد على التوفيق بين رغباته وأهدافه. ويمكن أن يتم هذا التوفيق بأن يكون له نظام لدرء التعارض بين رغباته وأهدافه وواجباته. وهذا قد يكون بالتخلي عن بعضها أو بوضعها في ترتيب بحسب أوليتها ، أو أن يجمع بينها بطريقة من الطرق. فالفرد قد يرى من الواجب عليه إرضاء أسرته وخدمتها وصرف جل وقته في ذلك ، وقد تكون له رغبة في الوقت نفسه في تحقيق طموحاته الشخصية ، وقد يرى أنه من الواجب عليه خدمة مجتمعه ، أو تحقيق مبادئ وأهداف معينة في الحياة وقد تتعارض هذه الواجبات والرغبات والأهداف مع بعضها.

 

إن أفضل طريقة لدرء التعارض بين الرغبات والواجبات هي الاحتكام لقوانين الشريعة الإسلامية، وإلى داعي العقل فيما لم يرد فيه نص شرعي؛ فإذا عجز عقله استشار أهل الرأي والاختصاص والحكمة ، فإذا صعب اتخاذ قرار معين يقرأ دعاء صلاة الاستخارة.)34( فيقدم على ما يجد نفسه تميل إليه متوكلاً على الله سبحانه وتعالى.فالإنسان قد لا يستطيع أن يهتدي 4في كثير من الأمور بعقله وتجاربه إلى أختيار بديل من بين البدائل المختلفة لقلة المعلومات ، أو لصعوبة تقييم الموقف ، أو لشعور قوى في نفسه يدعوه إلى فعل أمرين متناقضين ، أو لغيرها من الأسباب؛ إما إذا كانت هنالك جهة يثق في حكمتها وجميل اختيارها فإنه سيلجأ إليها وهو راض. وهذا اللجوء يزيل القلق ويخفف من الصراع الناتج من اتخاذ القرار.

 

أما إذا كان النزاع بين رغبات النفس وواجبات الدين؛ فإن الإنسان يحتاج للتغلب على النزاع الناشئ في نفسه إلى مجاهداتها؛ وقد يعاني الفرد في البداية الطريق ، ولكن النفس تسكن وتسعد بطاعة ربها وتوكلها واعتمادها عليه ورضاها بما أوجب وحكم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب: من الآية36).

 

لا شك أن معرفة حكم الله قد تحتاج في بعض الحالات إلى جهد كبير وقد يقع الامر المراد معرفة حكم الله فيه تحت نصوص قد يبدو أنها متعارضة؛ فيحتاج المجتهد إلى التوفيق بينهما ، ولكن سلواه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:""إذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد ثم أخطأ فله أجر.)35(

 

تجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما كانت النفس مستقرة على فعل الخير ولا صراع في داخلها كان ذلك أفضل ، ولكن من ناحية أخرى فإن الذي تنازعه نفسه لفعل الشر ويختار الخير أفضل سعيد؛ باعتبار ما سيؤول إليه حاله في الآخرة ، وباعتبار أنه إذا تجاوز هذه الحالة واستقرت نفسه على فعل الخير سعيد سعادة حقيقة ، إن التخلص من صراع النفس بالاستجابة لدواعي الشهوة والرغبة الحرام "والمدمرة في حقيقة الأمر"أو إزالة الصراع بغرض التكيف مع المجتمع الذي يمارس الحرام ، قد يحدث راحة ، ولكنها تكون راحة زائفة وكاذبة وفي مستوى أدنى الحياة الروحية والخلقية التي يقاوم الإنسان فيها دواعي الشهوة والهوى. إن رفض دواعي الشهوة رفضاً كاملاً حلالاً كانت أم حراماً ورفض التكيف مع المجتمع مهما كان كان والتنطع في التعامل معه أمر غير طبيعي وغير سليم.

 

فإن المؤمن يجب أن تستقر نفسه في امر إشباع رغباته وعلاقاته بأفراد مجتمعه على ما تسمح به الشريعة الإسلامية وما تتطلبه ، إن من أهم أسباب الصراع النفسي عند كثير من شباب المسلمين وشيبهم جهلهم بأحكام الشرع وعدم معرفتهم بما هو مشروع وحلال من شهوات النفس ورغباتها وماهو حرام ، علاج هذا هو التفقه في الدين ومعرفة أحكام الشرع.

 

ومن أسباب السعادة أن ينظر الإنسان إلى محاسن الآخرين ويغض النظر عن مساوئهم قال رسول الله: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضى منها آخر" لأنه إذا تتبع عوراتهم ونقائضهم لم تنم بينه وبينهم محبة وتصعب عليه معايشتهم ، هذا لا يعني عدم إسداء النصح لهم ولا يعني ترك أمرهم بالمعرف ونهيهم عن النكر.

 

ومن أسباب السعادة: أن ينظر الفرد إلى من دونه وليس لمن فوقه، وإلى ما حقق وليس إلى ما لم يحقق، وتذوق نعم الله التي لا تحصى، وشكر الله على تلك النعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(ابراهيم: من الآية7). وعلى الفرد ألا يؤخر عمل اليوم لغد ، وأن يفرغ من واجباته أولاً بأول فالإنسان عادة إذا واجهه عمل صعب أو غير محبب أخره لغد ، لأن النفس عادة تخلد إلى الراحة ، ولكن تأخير ما لابد منه يزيد من مشكلاته ومصاعبه خاصة إذا ظهرت له أعمال أخرى تحتاج إلى وقت وجهد كبير ، فعليه بالصبر والمجاهدة حتى ينجز ما ينبغي عليه عمله. ومن أسباب السعادة تعود النظام والحفاظ على الصحة وصدق الالتزام والشجاعة والمرونة والتفاؤل والثقة بالنفس ووضوح الهدف وقوة الدوافع الداخلية والتحكم في السلوك والشعور بالمسئولية. وعلى الرغم من أننا ذكرنا عدداً لا بأس به من العوامل المساعدة على تحقيق السعادة ، ولكن كان ذلك دون استقصاء لكل العوامل والأسباب.

 

دور الجماعة والدولة في سعادة الفرد:

 

كان تركيزنا فيما سبق من حديث على الدور الذي يمكن أن يقوم به الفرد في تحقيق السعادة ، ولقد كانت الحلول والنصائح التي قدمناها موجهة للفرد.

 

لا شك أن للفرد دوراً كبيراً في تحقيق السعادة لنفسه ولغيره ، ولكن من ناحية أخرى لا يخفى ما للجماعة والدولة من دون الضروريات من المأكل والمشرب والملبس والمركب والزواج والعلاج وغيرها من ضروريات الحياة وحاجتها وكمالياتها، ولا شك أن المجتمع الذي يقوم على أساس من العقيدة الصحيحة ، والذي يوفر الأمن لأفراده ، والذي تسوده روح العدالة والحرية والمساواة والتعاون والمحبة والتكافل والتساند والإحسان والرحمة والشفقة والعفة والطهارة والفضيلة والعمل والبذل والتضحية والعزة والكرامة والشورى وغيرها من قيم الإسلام ومثله وفضائله ، وتنفي فيه الرذيلة ، وينتفي فيه الظلم والتفرقة والعنصرية والحسد والأنانية والبغض والغل والانتهازية والتكبر والاستعلاء والاستغلال ، لا شك أن هذا المجتمع يخلق للفرد حالة أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وعقدية وتؤدي إلى سعادته. وهذا الحالة تتهيأ للفرد من كل المجتمع الإسلامي.

 

إمكانية السعادة:

 

تعتمد إمكانية السعادة على تعريفها وعلى إمكانية حدوث أسبابها؛ فالسعادة قد تعرف بطرقة يلزم منها استحالة تجريبية؛ فإذا عرفنا السعادة بأنها صافية وغير مشوبة بالهموم والغموم والآلام فإنه سيكون من المستحيل تحققها في الدنيا ، فالسعادة الصافية غير ممكن حدوثها في الدنيا ، ونعني بالسعادة الصافية السعادة بمعنى تحقق الراحة الكاملة والمتعة الكاملة والمتعة الكاملة وتحقيق جميع الرغبات وإنتفاء جميع الاحزان والهموم والمتاعب والآلام والأمراض والمصائب والمكدرات.

 

وتحقق السعادة يعتمد على تحقق أسبابها ، وهناك ثلاثة أنوع من أسباب السعادة: استعداد الفرد وما يملك من مقدرات لنيل السعادة ، والظروف الخارجية التي تؤثر في نيل السعادة ، وسعى الفرد لتحقيقها.والاستعداد فيه ما هو مكتسب وفيه ما هو غير مكتسب؛ فالاستعداد غير المكتسب قد يكون استعداد جسمياً أو عقلياً أو نفسياً ، والاستعداد المكتسب هو الذي يكتسبه الفرد بإرادته وجهده وسعيه. والظروف الخارجية فيها ما يمكن أن يتحكم فيه ظروفهم واستعداداتهم مواتية لنيل السعادة وبعض الناس تكون استعداداتهم وظروفهم غير مواتية لنيل السعادة. فالاستعدادات والظروف أقدار ، فالسؤال هل يمكن للفرد أن يتحكم فيها بإرادته وبسعيه مهما كانت استعداداته وظروفه. أن السعادة شيء داخلي لا يؤثر فيها عامل خارجي ، وتخضع لإرادة الإنسان ، فالإنسان يمكنه أن يتغلب على كل مشكلة وكل صعوبة تواجهه ويقبل كل مكروه يقع عليه؛ إنه يمكن أن يرضي بالفقر والحرمان والأمراض والآلام مهما كانت. وسنناقش هذه المسألة عند الحديث عن مفارقة الرضا وعند الحديث عن مفهوم الإبتلاء.

 

خصائص السعادة:

 

اعتماداً على ما تقدم ذكره يمكن ذكر بعض خصائص السعادة بإيجاز على النحو التالي:

 

 - إن للسعادة معايير موضوعية يمكن بموجبها الحكم على سعادة الأفراد والجماعات.

 

 - تتحقق السعادة بأمور متنوعة "مادية ، نفسية ، عقلية ، روحية ، ذوقية ، وسلوكية".

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 95/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 1150 مشاهدة
نشرت فى 15 مايو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,879,182

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters