السحاب قبل أن يمطر، هذا هو معنى اسمها: مزنة. أطلقه عليها والدها الذى أراد لها اسما «مختلفا» ليس كمثل اسمه الشائع: على حسن.
مزنة، أخت لمهند، وكلاهما ثلاثينى العمر. حصل الفتى على اسمه فى وقت لم يكن هذا الاسم شائعا بين أبناء الطبقة المتوسطة المصرية، أما أختها الأصغر فهى ميسان، أى المتبخترة.
وفى إطار الخروج على المألوف ايضا فإن على حسن الذى يدرس علوم السياحة ومنيرة الهمشرى، زوجته التى تدرس الأدب اليونانى، وتأثرت بها مزنة فدرست ايضا الادب اليونانى، ذهبا إلى السعودية فى سبعينيات القرن الماضى، لم يطلبا من مزنة وميسان ارتداء الحجاب أو الالتزام بتقاليد وموروثات ثقافية خليجية أخرى عادت بها مئات الألوف من الأسر المصرية التى ذهبت للسعودية بحال وعادت فى حال آخر.
«مذكرات إنجى أفلاطون» كانت الهدية التى حصلت عليها مزنة من والدها بعد عودتها لمصر فى سن الخامسة عشرة. قال لها: حتى تعلمى أنك لست المرأة الوحيدة القادرة على التحدى.
وكانت تلك أول فصول ارتباط مزنة، سكندرية الأصل والملامح والطبائع، الفتاة القادرة على المجابهة والمحبة للتجربة، بالشأن النسوى الذى يتمثل اليوم فى عملها مع مجموعة من الفتيات وبعض من الشباب فى مركز «نظرة للدراسات النسوية»، ومقره فى وسط مدينة القاهرة التى اختارتها مزنة مقرا للحياة بعد ان تراكمت الكثير من الآلام والاحباطات الشخصية فى الإسكندرية.
والى نص الحوار الذى لا يلتزم بالشكل التقليدى:
«نظرة للدراسات النسوية» يعمل عن إطلاق حركة نسوية مصرية شابة، تتجاوز فى مفاهيمها ما استن على توصيفه بكلاسيكيات القضايا النسوية مثل تخفيف المعاناة التى نجدها فى مدونات الأحوال الشخصية للنساء من الأقباط والمسلمات إلى ضمان الدخول الكامل للمرأة فى الشأن العام، ربما ببطء ولكن بثقة.
البنات بتتربى بطريقة والأولاد بيتربوا بطريقة وبتفضل الطريقة دى عايشة معانا وبنفضل دايما حتى لو عندنا حرية، بنتحرك فى الأغلب فى إطار من الحماية المفروضة علينا أو التى نلجأ لها بوصفنا نساء، لكن النهاردة نحن نسعى لإقامة حركة نسوية شابة تسهم فى ضمان دخول المرأة بشكل كامل فى المجال العام، بمعنى إنها تكون جزءا فاعلا، وليس مجرد جزء إضافى، من النشاط السياسى ومن الأنشطة الطلابية ومن العمل الحقوقى.
طبعا فيه بالفعل العديد من النساء فى هذه المجالات ولكن المطلوب ان يكون ذلك الأمر العادى الذى لا يصبح محلا لسؤال صحفى مثل ذلك الذى كان يتردد عقب الثورة مباشرة عن كيف وصلت النساء لميدان التحرير.
النساء كانوا فى ميدان التحرير لأنهم اصلا موجودون فى الحياة ومهمومون بالوطن حتى لو كانت مشاركتهم فى ميدان التحرير لم تكن متوقعة بالنظر إلى ما تنشأ عليه النساء، وكثير من النساء اللائى ذهبن إلى الميدان كانوا فى صراع مع الموروث الثقافى فى المجتمع بل وفى داخلهن حول تلك المشاركة، ولكنها حدثت بالفعل وهذا فى رأيى ممارسة حقيقية للأفكار النسوية التى هى بالأساس أسلوب فى الحياة وليس مجرد تعديل مدونات الأحوال الشخصية.
كما أن النسوية ليست الارتباط بقضايا بعينها ولكنها الاهتمام بكل القضايا مع الأخذ فى الاعتبار منظور النوع (الجندر).
كل قضية مجتمعية ترتبط بالنساء، المسألة الاكثر شيوعا وهى القضية المسماة الفتنة الطائفية ترتبط فى جزء كبير منها بالنساء، حيث إن المشكلات تنطلق أحيانا كثيرة نتيجة علاقات غرامية استدعت تحولا دينيا أو زواجا مختلطا بين الأديان، وهذا أمر لا يرتبط فقط بمسألة حرية العقيدة والحريات الشخصية فى المجتمع بصفة عامة ولكن أيضا بأن المجتمع ينظر للنساء على أنه يجب التحكم فى مصائرهن وهو ما يصل فى كثير من الأحيان إلى قتل هؤلاء النساء، إنهاء لمحاولة كسرهن القيود، كما أن هناك أمرا يتعلق بصعوبة حصول النساء القبطيات على الطلاق مما قد يدفعهن للتحول الدينى بحثا عن الخروج من علاقات زوجية فاشلة، وهنا فإن التعامل مع هذه المشكلة يتطلب أن ننظر فى إتاحة الزواج المدنى إلى جانب الزواج الدينى ليكون أمام النساء والرجال الاختيار.
الحديث عن العنف ضد المرأة أمر مهم، لكنه يتطلب طرح التساؤل حول الصورة التى تتم بها تنشئة البنات والاولاد والتى تؤسس لفكرة ان جسد المرأة مباح للعنف، فيأتى الرجل ويضرب زوجته، فتقول سيدة إن كل الرجال يضربون النساء، ويأتى أحد ضباط الشرطة العسكرية ليفرض على فتيات معتصمات فى ميدان التحرير كشف عذرية عقابا لرفضهن فض الاعتصام، فيقول البعض: ليه البنات دى أصلا تبات خارج بيوتها.
الحقيقة أن الشخصى مرتبط بالعام وحياتنا الشخصية تؤثر كثيرا فى الحياة العامة.
الموضوع مش موضوع قوانين فقط ولا كوتة للسيدات فى البرلمان، أنا مش شايفة مثلا إن الستات اللى دخلوا البرلمان بعد انتخابات 2010 (المثيرة للجدل بسبب فجاجة التزوير بها) ممثلات لقضايا المرأة المصرية، فى رأيى ان الـ64 سيدة اللائى حصلن على مقاعد اضافية فى البرلمان كن ممثلات للحزب الحاكم ــ بالأساس.
كنت أفضل أن تكون هناك 4 أو 6 سيدات فقط فى البرلمان يحصلن على مقاعد بالانتخاب ولو بعد معاناة ومشوار سياسى طويل لأن هذا ما يمثل المعنى الحقيقى لدخول النساء الشأن العام وليس لوضعهن فى صورة المجال العام ليكن موجودات ولكن غير موجودات فى الوقت ذاته.
الأمر نفسه ينسحب على مسألة مثل بتر جزء من الأعضاء التناسلية للنساء (المعروف باسم ختان البنات)، الموضوع ده محل حديث طويل من قبل الدولة وحملة دعاية وإعلانات وكمان قوانين، لكن الحقيقة أن معدلات تراجع هذا الانتهاك البدنى لا تتوافق مع حجم الحملات والقوانين، والحقيقة أيضا أن الخطأ أنه تم التركيز بصورة كبيرة على الحملات والقوانين، دون بذل نفس القدر من الجهد فى التوعية التى تتطلب الكثير من العمل على الأرض ومن مشاركة شخصيات مقبولة مجتمعيا عوضا عن أن يأتى الحديث من الدولة التى ربطت قضايا المرأة بها.
«نظرة للدراسات النسوية» هو عنوان لإطلاق حركة نسوية شابة تسعى لتنفيذ هذا المفهوم، هى عنوان لأن فيه بنات فى الدنيا بتعمل حاجات مختلفة، وكمان فيه شباب بيعملوا حاجات مختلفة لأننا مش بنات بس، احنا بنات وأولاد.
الآن نحن نسعى لمساعدة عدد من النساء، نحو 30 سيدة، لهن خلفية فى العمل النقابى العمالى استعدادا للتنافس على مقاعد فى مجلس الشعب القادم على أساس برنامج انتخابى لا يقتصر بحال على ما يعرفه البعض بـ«قضايا المرأة» ولكنه أيضا لا يشمل «اعتذارا ضمنيا» لكون المرشحة سيدة، ولكن بالطبع هناك مشكلات تتعلق بالشأن العام وهى أن أحدا لا يعلم على وجه التحديد أو اليقين موعد الانتخابات ولا تقسيمة الدوائر الانتخابية، وبالتالى فهناك صعوبات فى وضع خطة العمل لحملات انتخابية، وهذا دليل آخر على ان قضايا النساء هى جزء من القضايا العامة بل إنها جزء حقيقى من الشأن السياسى، وهذا فى رأيى خطأ وقعت فيه قطاعات من الحركة النسوية عبر عقود عند فصلت نفسها عن القضايا العامة.
لست مستاءة بالذات من عدم وجود النساء فى الحكومة الحالية بصورة واضحة لأنه ليس المهم وجود وجوه نسائية ولكن المهم على أن يتم تضمين المنظور النسوى فى السياسات الجديدة، وما يهمنى أكثر هو وجود واضح للنساء والفتيات فى الكثير إن لم يكن كل التجمعات السياسية الجديدة والأحزاب السياسية الجديدة.
أخشى من بقاء العسكر فى الحكم، وهو سيناريو اعتبره واردا بالطبع، ولكننى لا أخشى على مستقبل النساء لو جاء الإسلاميون للحكم ولا اتفق مع الخوف المنطلق من أنه لو جاء الإسلاميون للحكم سيأكلوننا، ولا اتقبل الحديث عن أن مصر ستكون مثل إيران وأن النساء ستكن مقهورات لأن النساء فى ايران لسنا مقهورات على الإطلاق والحركة النسوية فى إيران هى دليل على ذلك ــ رغم فرض سياقات ما للثياب عليهن.
خشيتى الحقيقية من حكم العسكر وليس حكم الإسلاميين ولو رجعنا لنماذج لدولة يحكمها التيار الإسلامى مثل إيران أستطيع أن أقارن بين حكم الرئيس الإيرانى الحالى وحكم رئيس إيرانى آخر كان إصلاحيا وأستطيع أن أقول إن الكل فى إيران يعلم أن الرئيس الحالى سيذهب حتما بعد هذه المدة لأنها مدته الثانية ولكن انظرى إلى باكستان حيث يحكم العسكر فيأتون ولا يذهبون كما أنهم فى حكمهم يتحالفون مع الإسلاميين المتشددين ليحصلوا على دعمهم، على حساب المجتمع وبالتأكيد على حساب النساء بالأكثر.
المصدر: الشروق / دينا عزت
نشرت فى 16 أغسطس 2011
بواسطة TAHAGIBBA
TAHA GIBBA
الابتسامة هي اساس العمل في الحياة والحب هو روح الحياة والعمل الصادق شعارنا الدائم في كل ما نعمل فية حتي يتم النجاح وليعلم الجميع ان الاتحاد قوة والنجاح لا ياتي من فراغ »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
755,851
ساحة النقاش