<!--
يعود أصل كلمة البيرقراطية إلى بيرو (bureau)، أي مكتب، المستخدمة في بداية القرن الثامن عشر ليس للتعبير عن كلمة مكتب للكتابة فقط بل للتعبير عن أماكن العمل. وكلمة قراطية وهي مشتقه من الأصل الإغريقي كراتُس(κράτος) ومعناها السلطة والكلمة في مجموعها تعني قوة المكتب أو سلطة المكتب؛ فقد استخدمت كلمة البيرقراطية للدلالة على الرجال الذين يجلسون خلف المكاتب الحكومية ويمسكون بأيديهم بالسلطة، ولكن توسع هذا المفهوم ليشمل المؤسسات غير الحكومية كالمدارس والمستشفيات والمصانع والشركات وغيرها.
ويعد ماكس فيبر رائد في تقديمه للنموذج البيروقراطي، وهو الذي يشير إلى المؤسسة المثالية، وهي حالة الوصول إلى مؤسسة تكون فيها علاقات السلطة مدروسة مسبقاً بأسلوب علمي، ومقرّة كتعليمات رسمية ملزمة للجميع، ويعمل الكل على تنفيذ هذه التعليمات، مما يحقق الاستقرار والثبات لهذه المؤسسةـ حتى لو تغير أفرادها جميعهم. وكان فيبر يهدف إلى تحقيق تنظيم على أعلى قدر ممكن من الكفاءة (Highly efficient system)، وهو ما جعله يصف البيروقراطية بأنها النموذج المثالي (Ideal type) للتنظيمات الإدارية الضخمة.
ويقوم مفهوم البيروقراطية في جوهره على فكرة توزيع النشاطات والأعمال، وتوزيع السلطات،وطرق وأساليب محددة للعمل؛ بما يؤدى إلى سرعة الأداء في الأعمال وإنجازها بأقل جهد ووقت وتكلفة.
ولكن بمرور الزمن ، تحولت البيروقراطية في تطبيقاتها على يد العديد من الموظفين في العديد من المؤسسات العامة من هذا المفهوم الإيجابي الرائع إلى مفهوم سلبي مقيت؛ حيث أصبحت مرادفا للروتين الممل وللإجراءات المعقدة ، ومرادفا لتعدد اللجان وتفرعاتها من لجان رئيسية إلى لجان فرعية وانبثاق لجان من لجان، ومرادفا للبحث في تفاصيل شكلية دون الوصول مباشرة إلى الجوهر، ومرادفا للأوراق والأختام الكثيرة التي لا حصر لها ، ومرادفا لتعدد الخطابات والمراسلات بين الإدارات والدواوين الحكومية بشأن صغار الأمور ، ومرادفا للتعنت والجمود، ومرادفا لتعدد كبير في مستويات الإدارة من رئيس قسم إلى مدير إدارة إلى نائب مدير عام إلى مدير عام إلى وكيل وزارة مساعد إلى وكيل وزارة إلى وكيل أول وزارة إلى نائب وزير.
وهكذا حادت البيروقراطية في العديد من تطبيقاتها عن مقصدها الأساسي في مفهمومها وهو الفاعلية والكفاءة الإدارية أي إنجاز المهام بنجاح بأقل وقت وجهد؛ لتؤدي إلى البطء القاتل في اتخاذ القرارات؛ بما قد يؤدي إلى وفاة مريض أو مصاب في حادث تأخر إسعافه،وبما قد يؤدي إلى تعطيل مصالح الناس وأحلامهم وتطلعاتهم؛ مما يفضي في النهاية إلى قتل الهمم والأفكار الجديدة والإبداع والدافعية والحركة والإنتاجية والروح والرغبة في الحياة؛ لنصل إلى حالة من الجمود تتحرك فيها الأجسام حركة روتينية بدون روح.
وهكذا تصبح نتائج البيروقراطيةالسلبية في الإدارة الحكومية نتائج كارثية؛ حيث تؤدي إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية خطيرة؛ فتؤدي البيروقراطية السلبية إلى تراجع معدلات الأداء والتأخر عن التنمية والتقدم في الدولة ككل؛ حيث إن الإدارة الحكومية هي القائدة لمسيرة التنمية والتقدم.
<!--<!--<!--