تعد المواطنة عنصراً أساسياً من عناصر البناء الاجتماعي والسياسي فى المجتمعات المعاصرة، فهي تعبير عن العلاقة الحقيقية والإيجابية ما بين المجتمع والجهاز الإداري، وما بين الأفراد داخله؛ وبالتالي فهي تشكل معادلة من طرفين ، وأن أى إخلال فى هذه العلاقة إنما يعنى تشويهاً فى طبيعة هذا المفهوم.
وتُعرف المواطنة فى الإدارة العامة بأنها المشاركة الفاعلة للمواطن فى الشئون العامة ضمن المجتمع المحلى له، بينما يذهب البعض الآخر فى تعريفه للمواطنة من خلال تمييزه بين المواطنة والوطنية؛ فالمواطنة حق الشخص بالإشتراك فى تسيير المجتمع تسييراً مباشراً أو غير مباشر أى أن المواطنة تمنح حقوقاً ، بينما الوطنية تدل على انتماء الشخص إلى دولة قومية وإنها تخلق تضامناً فى أداء الواجبات.
وجوهر الإدارة العامة يكمن فى داخل مبادىء المواطنة إذ أن أساسه الثقافى يرجع لمفهوم الجمهور كممثل للمواطنين ، كما يعتمد وجوده المادى أو المالى على المواطنين كدافعين للضرائب، إضافة لأن التزاماته العملية تظل مرتبطة بتحقيق احتياجات وتوقعات المواطنين، وكذلك فإن العلاقة الفريدة بين الإدارة العامة والمواطنين فى المجتمعات المتقدمة دائماً ما تظل محتفظة بهويتها الجماهيرية مما يدعم شرعيتها ويبلور معاييرها الأخلاقية ويحدد أدوارها وواجباتها ؛ وفى هذا الصدد فهناك إتجاه ينظر إلى مفهوم المواطنة فى الإدارة العامة على أنه يعنى مفهوم المشاركة ويقصد بها تلك الأنشطة الإدارية التى يزاولها أعضاء المجتمع بهدف إختيار من يمثلهم والمساهمة فى صنع السياسات والقرارات بشكل مباشرأو غير مباشر.
ويرى اتجاه آخر أن علاقة المواطنة بالإدارة العامة تتمثل فى دور المواطنين فى تقييم السياسة العامة، وهذا التقييم يعتمد على عدد من المؤشرات مثل نتائج البرامج أو السياسة ، نوعية الخدمة وكيفية توصيلها للمستفيدين وتوقيتها ، وأهداف البرامج عند تقييمها .
ويركز الباحثون على بعدين لعلاقة المواطن بالإدارة العامة وهما:
البعد الأول : الأهداف التى أعلنتها الحكومة والسياسات والبرامج الفعلية .
البعد الثانى : رؤية المجتمع لإحتياجاته وما تحقق عن طريق هذه الأهداف .
فالمواطنة هى إطار يستوعب الجميع ، فهو يحافظ على حقوق الأقلية والأكثرية فى نطاق مفهوم المواطنة الجامعة؛ فكل مواطن له كامل الحقوق وعليه كل الواجبات، والمواطنة الحقيقية لا تتجاهل حقائق التركيبة الثقافية والإجتماعية والسياسية فى الوطن ولا تحدث تغييراً فى نسب مكوناتها، ولا تمارس تزييفاً للواقع ، وإنما تتعامل مع هذا الواقع من منطلق حقائقة الثابته بحيث توفر البيئة الصحيحة والخصبة لتكوين ثقافة الوطن التى تتشكل من تفاعل ثقافات أبناء الوطن، وهى التعبير الطبيعى عن حالة التنوع والتعدد الموجودة فى الوطن.
وتتعدد ابعاد المواطنة حيث يرى علماء الإدارة أن هناك ثلاثة أبعاد رئيسية للمواطنة وهى:
1- المواطنة كتعبير عن حالة وضعية أو قانونية : فالعلاقة بين الشعب والدولة هى ما يطلق عليه علاقة المواطنة ، وكل مواطنى الدولة الحديثة له مثل كل مواطن فيها من حقوق وعليه ما عليه من واجبات فالكل سواء فى أنهم مواطنون لدولة معينة .
2- المواطنة كمجموعة من الحقوق والواجبات : فالمواطنة تعنى المساواة فى الحقوق والواجبات بين أبناء الدولة بحيث يكون الجميع أبناء وطن واحد ولهم مصير واحد ، كما يشترك المواطنون بهذا المعنى فى صناعة وصياغة السياسة العامة والتى هى مجال عمل الإدارة العامة ، كما يشاركون فى إدارة الأجهزة الحكومية والمنظمات العامة .
3- المواطنة كأنشطة سياسية : فالمواطنة فى الدولة الحديثة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية ؛ حيث أن ذلك يتطلب المساواة التامة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم ، ومن ناحية أخرى يعنى الإلتزام واحترام القوانين من جانب المواطن واحترام حريات الآخرين والوفاء بما عليه من إلتزامات وواجبات تجاه المجتمع ، وفى نفس الوقت يعنى الإلتزام من جانب الدولة بتحقيق العدل والمساواة وبتطبيق القوانين والإلتزام بضرورة إشباع حاجات المواطنين وحماية المواطن من الاستغلال والنصب .
وتتنوع حقوق المواطن تجاه الإدارة العامة بين الرقابة ومحاسبة الأجهزة الحكومية أو المؤسسات العامة عن أدائها ومدى استجاباتها لتوقعات المواطنين ، ومن أهم هذه الحقوق:
- حق المواطن فى رقابة تصرفات الإدارة العامة كالرقابة على عدم ضياع الموارد وكفاءة استخدامها ، والرقابة على فعالية المخرجات فى إنجاز الأهداف.
- حق المواطن فى الحصول على الخدمات العامة .
- حق المواطن فى الحكم الصالح أو الرشيد.
- حق المواطن فى إعلام حر وبناء.
ويمكن تحديد أهم متطلبات المواطنة الفعالة فى ضرورة توافر العناصر الآتية:
- التوزيع العادل للثروة .
- تجنب الفرز الطائفى لمؤسسات المجتمع المدنى .
- عدم الاستئثار بالسلطة ومحاربة الفساد .