شهدت مصر الفترة الأخيرة سلسلة من الوقفات الفئوية لمختلف فئات المجتمع مطالبة إما بزيادة الأجور أو ترقيات أو مطالبات بنقل أو تحسين أوضاع العمل وذلك في مختلف القطاعات.
ولقد فجرت ثورة يناير ونجاح هذه الثورة هذا البركان من الوقفات الفئوية التي تعود إلى جذور بعيدة المدى من الاختلالات الهيكلية التي خلفتها المرحلة السابقة التي اتسمت بحركة ثبات وسكون شديد . ولقد أدت هذه الجذور إلى حالة غليان مكتومة داخل مختلف مؤسسات الدولة، وانفجر هذا البركان من الغليان عقب سقوط الغطاء الذي كان يعلوه وذلك مع سقوط النظام السابق . وأصبح الاعتقاد السائد لدى جزء عريض من المصريين بأن الفرصة مواتية للتغيير في كل المؤسسات لتحقيق مطالبهم الفئوية ، بينما يسود اعتقاد آخر لدى جزء عريض آخر من المصريين بأن التغيير الجذري الذي حدث لرأس النظام السابق يجب أن يصاحبه تغيير جذري آخر لدى مختلف مؤسسات الدولة.
وهكذا نجد أن هذه الوقفات الفئوية هي نتيجة منطقية للكبت السابق ، ولكن مع استمرار هذه الوقفات الفئوية أصبحنا نتجه بسرعة إلى حالة شلل أعنف من حالة الثبات والسكون التي خيمت بظلالها على الفترة السابقة، وذلك في أفضل سيناريو ، بينما السيناريو الأسوأ الذي بدأ يخيم علينا هو الآخر وهو سيناريو الفوضى والفتن والكوارث ، وهو الذي يقود إلى إسقاط الدولة المصرية وإلى الخراب للجميع لا قدر الله .
ومن ثم ، يجب أن نتوقف بقدر من الحكمة عن الاندفاع نحو الهاوية، ويجب أن نفكر في الحلول المنطقية التي تقول بضرورة التغيير التدريجي في مؤسسات الدولة وليس الراديكالي، فإذا كان الناس قد صبروا لسنوات طويلة بل لعشرات السنوات ؛ فمن المنطقي أن يصبروا لشهور أو لسنة ، خاصة وأنه سيتم تنفيذ بعض المطالب الممكنة في أقرب وقت، وكذلك فإنه في ظل الملاحقات القضائية المتتالية والمتسارعة من حجز على أموال ومنع من السفر وتحقيقات وحبس وتقديم للمحاكمات فلن يفكر مسئول في المناورة، كما يتعين الإيمان بأن المرء لا يستطيع الحصول على كل ما يريده فورا وفي وقت واحد. ومن الممكن أن يتم هذا التغيير التدريجي من خلال الخطوات التالية:
1- الاجتماع والحوار المفتوح القابل للتفاوض على مختلف المطالب ( في ظل انتظام العمل في المؤسسات حفاظا على مصالح الجماهير الذين هم أهالينا) بين قيادات المؤسسات والعاملين فيها أو ممثلين عنهم في حالة الأعداد الكبيرة ؛ وذلك من أجل الاتفاق على تلبية المطالب الفئوية التي لاقت القبول من الطرفين ؛ بحيث يتم وضعها في جدول زمني، مع البدء فورا في تلبية المطالب الممكنة والمتاحة التي من شأنها تهدئة الاحتقان داخل المؤسسات، مع المسارعة بإحداث تغييرات جوهرية وملموسة من جانب القيادات لتعبر عن تغير فكرهم ليتوائم مع هذه المرحلة الجديدة.
2- وفي حالة تعذر الاتفاق بين قيادات المؤسسات والعاملين فيه، يتم رفع الأمر إلى الوزير المختص ثم إلى رئيس مجلس الوزراء:د.عصام شرف الذي يحظى بشعبية جارفة بين جموع المواطنين ، بينما يتم إمهال الوزير المختص ثم رئيس مجلس الوزراء الوقت بعد الاتفاق لكي يتم تنفيذ المطالب التي تم الاتفاق على تلبيتها لكي يتم تنفيذها وفقا لجدول زمني ، وذلك مع التأكيد على انتظام العمل للحفاظ على مصالح الجماهير ومصالح مصر .
3- وفي حالة تعذر الاتفاق بين العاملين في المؤسسات ومجلس الوزراء ، يتم رفع الأمر إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يحظى هو الآخر بشعبية وثقة كبيرة لدى جموع المواطنين، كما يتعين إمهال المجلس الأعلى للقوات المسلحة الفرصة لدراسة الموقف والوقت لتنفيذ المطالب الممكنة التي يتم الاتفاق عليها وفقا لجدول زمني ، مع التأكيد على انتظام العمل للحفاظ على مصالح المواطنين وللحفاظ على مصر.
4- وفي حالة تعذر الاتفاق بين العاملين في المؤسسات والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، يمكن حينها اللجوء إلى وسائل الإعلام لإيصال أصوت أصحاب المطالب الفئوية ومطالبهم إلى المجتمع وللتأثير على القيادات العليا ، وذلك دون قذف أحد أو الخروج عن أداب الشعب المصري الأصيل.
وفي حالة عدم فعالية هذا الخيار قبل الأخير يمكن حينها اللجوء إلى الخيار الأخير وهو القيام بوقفة سلمية دون تعطيل حركة العمل والمرور والإنتاج السلعي أو الخدمي ؛ وذلك بغرض الإعلام عن مطالب مشروعة من خلال لافتات مهذبة، ودون استخدام أي عنف أو قذف أو إثارة بلبلة أو فوضى؛ فالمهم هو تعريف المجتمع والقيادات العليا بالمطالب المشروعة والتأثير عليهم لتحقيق هذه المطالب، وليس إشاعة الفوضى والإخلال بالأمن وبعجلة الإنتاج؛ لأن ذلك لا يساعد على تحقيق المطالب الفئوية.
فمصر بحاجة ماسة اليوم لكل نقطة عرق مواطن شريف للإنتاج ولبناء مصر الجديدة وليس هدم مصر ، و يبقى الضمان الأساسي لتطبيق أسلوب التغيير التدرجي هو أن الوقفات الإحتجاجية يمكن أن تتم في أي وقت وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء بمشيئة الله تعالى ؛ فأي قيادة داخل أي مؤسسة لم تعد تسطيع التسويف والتلاعب بالعاملين داخل المؤسسة ؛ بل إن إنتظام حركة العمل وعجلة الإنتاج السلعي والخدمي هو الضمان الأساسي لتحقيق المطالب الفئوية في ظل العدالة المنشودة لهذا العهد الجديد.