التسبيب الوجوبى لقياس كفاية أداء الموظفين

ودور رقابة القضاء الادارى على قرارات قياس كفاية الاداء

 

قرر المشرع المصري فى المادة 28 من قانون العاملين المدنيين بالدولة اعتبار الأداء العادي هو المعيار الذى يؤخذ أساساً كقياس كفاية الأداء ويكون تقدير الكفاية بمرتبة ممتاز او جيد جداً او جيد او متوسط او ضعيف ويجب أن يكون التقدير بمرتبتى ممتاز وضعيف مسببا ومحدداً لعناصر التميز او الضعف التى أدت إليه ولا يجوز اعتماد التقرير إلا باستيفاء ذلك .

ويبدو أن المشرع يستهدف تسبيب قرار قياس الكفاية فى حالة التقدير بمرتبة ضعيف كضمانة للموظف حتى يمكنه أن يتبين أوجه الضعف فيعمل ذاتياً على تحسين أدائه مستقبلاً من ناحية ، وأن يتبين من ناحية أخرى حقيقة الأسباب وراء هذا التقدير فيستطيع التظلم منها والطعن عليها بالإلغاء فى حالة تبينه عدم صحتها أما اشتراط التسبيب فى حالة التقدير بمرتبة امتياز فيبدو أن المشرع استهدف ضمان موضوعية هذا التقدير بما يرتبه من آثار مالية منها جواز استحقاق الموظف لعلاوة تشجيعية نتيجة حصوله على مرتبه امتياز على مدار سنتين متتاليين او إمكانية ترقية بالاختيار .. كما أن التسبيب فى هذه الحالة ، يبين لباقى الموظفين المعايير التى على أساسها ، يمكن للباقين تحسين أدائهم وباعتبار أن الموظف الحاصل على تقدير امتياز سوف يشكل قدوة لباقى زملائه .

ولقد قرر المشرع عدم جواز اعتماد التقارير فى هاتين الحالتين أن لم تكن مسببة ، والسؤال ماذا لو تم مخالفة ما قرره المشرع وتم اعتماد التقارير بالمخالفة لذلك . فى تقديرى ، فإن نص المشرع هنا لن يتجاوز قيمة الحبر على الورق لأنه لم يفرض أى جزاء على أعضاء اللجنة او السلطة المختصة عند المخالفة ، وليس هناك أى ضمان سوى فى حالة واحدة منهما ، وهى التقدير بمرتبة ضعيف التى سوف يكون من مصلحة الموظف ذاته التظلم والطعن على قرار التقرير فى هذه الحالة وهو ما قد يؤدى بالفعل إلى إلغاء القرار .

أما الموظف الذى قدرت كفايته بمرتبة امتياز دون أن يكون القرار مسبباً فإنه بالطبع لن يطعن لأن ذلك جاء فى مصلحته وبالتالى فإن القرار سوف يظل موجوداً مرتباً كافة اثاره بالرغم من عدم التسبيب .

من ناحية أخرى ، وفى ظل القانونين الملغيين رقم 46 لسنة 1964 (م31) و 58 لسنة 1971 (م37) كان المشرع ينص على إلزام لجنة شئون العاملين بتسبيب قرارها عند تعديل تقرير الكفاية . غير أن المشرع فى القانون الحالى رقم 47 / 1978 معدلاً بالقانون 115 / 1983 ، لم ينص على ضرورة تسبيب قرار تخفيض مرتبة الكفاية الذى يقوم به رئيس المصلحة او لجنة شئون العاملين . ولهذا فقد تغير مسلك قضاء مجلس الدولة المصرى تبعاً لذلك.

ففى ظل القانون الملغى ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلى " إن القانون قد ألزم المدير المحلى ورئيس المصلحة عند إجراء أى منهما تعديل على تقدير الرئيس المباشر أن يبين أسباب ومبررات هذا التعديل ، كما اوجب على لجنة شئون العاملين حينما ترغب فى تعديل تقدير الرؤساء المباشرين ، فى مراحل التقرير السرى أن يكون ذلك بناء على قرار مسبب ، والمشرع بذلك قد أرسى ضمانه جوهرية للموظف حرصاً على ضرورة مراعاتها عند تقدير كفايته ، مستهدفاً حمايته ضد كل حكم مصطنع من شأنه المساس بمستقبله الوظيفى ، لما للتقارير السرية من آثار قانونية بعيدة المدى لها فاعليتها سواء فى الترقية اومنح العلاوات الدورية او الاستمرار فى الخدمة " [1]

وتأكيداٌ للمعنى السابق ، أضافت هذه المحكمة فى حكم آخر قائلة " ... فإذا حصل تعديل فى تقرير الرئيس المباشر سواء من المدير المحلى او رئيس المصلحة ، بالمخالفة لهذه ، الاوضاع التى رسمها القانون ، والقرار الوزارى المنفذ له ، وقع هذا التعديل باطلاً ، ولا ينتج أثره لمخالفته لقانون ولإغفاله إجراءٌ جوهرياً سنه ونظمه القانون " .

ولقد غيرت المحكمة الإدارية العليا اتجاهها السابق فى ظل القانون الحالى فتخلت عن التمسك بضرورة تسبيب التعديل ، فذهبت إلى القول بأن القانون 47 لسنة 1978 فى المادة 28 منه ، قد أغفل النص على ضرورة تسبيب قرار تخفيض مرتبة الكفاية ، الذى يقوم به رئيس المصلحة او لجنة شئون العاملين ، باعتبار أن قيامها بتخفيض عناصر التقرير ، يعد فى حد ذاته تسبيباً كافياً لهذا القرار ، وإن تقدير الدرجة التى يستحقها الموظف عن كل عنصر من العناصر الواردة فى التقرير السنوى لدرجة الكفاية – هو أمر يترخص فيه الرئيس المباشر ، والمدير المحلى ، ولجنة شئون العاملين – كل فى حدود اختصاصه- ولا رقابه للقضاء عليهم فى ذلك . وقد قامت المحكمة أخذاً بنظرها السالف ، بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري الذى قضى بإلغاء خفض كفاية المدعى ، لعدم تسبيب اللجنة تعديلها لتقدير الرئيس المباشر بالخفض [2]

وتعليقاً على هذا الحكم قرر بعض الفقه [3] وبحق ، إنه " كان من المأمول أن تتبنى المحكمة الإدارية العليا وقد خلا القانون رقم 47 لسنة 1978 من نص مماثل لما ورد بالقانون رقم 58 لسنة 1971 ، باعتبار أن ضرورة التسبيب تمثل ضمانة جوهرية للعامل ، فضلاً عن أن التسبيب يتيح للمحكمة أن تبسط رقابتها على ما تبديه الجهة الإدارية من أسباب لخفض كفاية العامل ، أما بعد قضائها سالف البيان فلا مناص من استبعاد عدم تسبيب تعديل تقرير الكفاية ، من مجال الإجراءات الشكلية التى يترتب على تخلفها بطلان التقرير لعيب شكلى فى قرار التعديل ، يمكن حمل حكم المحكمة الإدارية العليا على هذا النحو . وعليه يمكن الرجوع إلى القاعدة الأصولية التى توجب أن يكون لكل قرار سبب صحيح وقائم ، فالمحكمة يمكنها أن تلزم جهة الإدارة بتقديم أسباب قرار التعديل ، وهو ما يقع فى نطاق سلطتها الإجرائية او يمكن للمحكمة أن تستشف سبب قرار تعديل تقرير كفاية المدى ، من واقع ما تقدمه الجهة الإدارية ، من مذكرات فى مراحل تداول الدعوى وهو ما فعلته محكمة القضاء الإدارى – فى الدعوى رقم 3213 لسنة 40 ق جلسة 12/11/1987 حيث استشفت سبب تعديل تقرير كفاية المدعى من مذكرات جهة الإدارة وانتهت إلى عدم صحة هذه الأسباب .

 

والواقع أن قضاء الإدارية العليا على النحو السابق ذكره إنما يمكن أن يستشف منه الآتى:

 

   - أن المحكمة الإدارية العليا كمثل حال مجلس الدولة الفرنسى قبل 1978 – 1979 ، تقوم بدور المدافع عن مبدأ السرية وعدم التسبيب وكلاهما يشكلان رغبة حميمية وغريزية لدى السلطة بصفة عامة وينبغى أن يتغير دور مجلس الدولة فى هذا الشأن وأن يعلم أن السرية وعدم التسبيب كلاهما يشكلان بيئة خصبة للانحراف وعدم المشروعية وإعاقة حركة التنمية والتقدم .

    - إن مجلس الدولة يساير المشرع ، حتى ولو كان هذا المشرع مخطئاً ، وهذا يتنافى ما ينبغى أن يكون عليه دور القضاء الإدارى على وجه الخصوص من اعتباره قضاء أنشاء وخلق وإبداع للقواعد القانونية التى ترسى بيئة جيدة للإدارة من أجل إدارة تتميز بالشفافية والابتكار وحسن وجودة أنشطة وأعمال المرفق العام وما يؤديه ذلك إلى زيادة فى معدلات التنمية والتقدم . ولا يقبل القول فى هذا الصدد أن دور القضاء تطبيق القانون فقط حتى ولو كان هذا القانون مجافياً للمنطق او معوقاً للتقدم والديمقراطية ، لأن مثل هذا القول – خاصة فى مصر – يتنافى مع حق القضاء بصفة عامة ومجلس الدولة بصفة خاصة فى التصدى لعدم دستورية القوانين واللوائح ، ووقف الدعوى وإحالة القضية إلى المحكمة الدستورية العليا للتصدى للنصوص التشريعية واللائحية التى يشوبها عيب عدم الدستورية .

       ويقودنا هذا الغرض ، أن المشرع هكذا ، يمكن أن يكون مخطئاً وبالتالى فهو محل لإمكانية النقد ، وكذلك القضاء يمكن أن يكون مخطئاً ، وبالتالى ينبغى أن يخضع وأن يكون محل للنقد ، وربما هذا يدعونا للمناداة بضرورة إنشاء مفوض برلمانى (امبودسمان) على غرار الامبودسمان السويدى والذى يمتد نطاق رقابته وإشرافه على السلطة التنفيذية والسلطة القضائية على حد سواء ، والذى فى وجوده يمكننا القول وبحق بأن كافة سلطات الدولة تخضع لمبدأ المشروعية القانونية كما يمكن محاسبة كافة السلطات عن أخطائها ليست الأخطاء القانونية فحسب او ما يسمى بالمشروعية القانونية وإنما أيضاً المشروعية الفنية والاقتصادية والمالية والتقنية أى القرار الجيد والحكم الجيد Governance فى إدارة كافة الشئون العامة للسلطات الثلاث فى الدولة ، وخضوعها للفحص العام ورقابة ونقد الجماهير.

وفى هذا المقام تحضرنا التجربة الرائده للاتحاد الاوربى فى هذا الشأن ، حيث تم إنشاء المحكمة الاوربية لحقوق الإنسان بموجب المادة (19) من الاتفاقية الاوربية لحقوق الإنسان والتى يدخل ضمن اختصاصاتها ، وفقا لنص المادة (34) تلقى الطلبات من أى شخص او منظمة غير حكومية او مجموعة أفراد تدعى أنها ضحية انتهاك من جانب أحد الأطراف السامية المتعاقدة ( أى سلطات أية دولة فى الإتحاد) للحقوق المنصوص عليها فى الاتفاقية او فى البروتوكولات الملحقة بها . وتتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن لا تعرقل بأية وسيلة سبيل الممارسة الفعلية لهذا الحق .

كما نصت المادة (35) على المعايير الشكلية لقبول الطلبات المشار إليها من الأفراد او المنظمات غير الحكومية والتى تمثلت فى الآتى :

1- لا يجوز للمحكمة أن تنظر فى الأمر إلا بعد أن تكون جميع سبل الإنصاف المحلية قد استنفدت وفقا لقواعد القانون الدولى المتعرف بها عموماً ، وفى غضون فترة ستة أشهر من تاريخ اتخاذ قرار نهائى بشأنه .

2-  لا تنظر المحكمة فى أى طلب يقدم بمقتضى المادة (34).

أ – إذا كان غفلا من الاسم ، او .

ب- إذا كان مطابقا فى جوهره لأمرسبق للمحكمة أن نظرت فيه او سبق تقديمه فى إطار إجراء تحقيق او تسوية دولة أخرى ولا يتضمن أى معلومات مناسبة جديدة .

وبموجب النصوص الأخرى للإتفاقيه [4] ، ويمكن القول بأن هذه المحكمة تمثل –وبحق- قضاءاً أعلى فوق قضاء دول الإتحاد الاوربى  فى مجال حقوق الإنسان وقضايا العدالة بصفة عامة .

 على أى حال -فإن الباحث يأمل- أن يكون لمجلس الدولة المصرى دور أكثر إيجابية وقضاء إنشائى نحو دعم أكبر لمبدأ الشفافية والتسبيب فى إدارة الشئون العامة ، خاصة فى المرحلة المقبلة من أجل خلق بيئة عالية التحفيز وأكثر ملائمة لعمليات التنمية الشاملة . وللحاق بالفكر التقدمى والحضارى فى مجال النظم القانونية والاقتصادية والفنية وغيرها فى الدول المتقدمة .

المصدر: [1] - المحكمة الإدارية العليا ، الطعن رقم 365 لسنة 15 ق ، جلسة 24/1 1973 ، مجموعة المبادئ فى خمسة عشر عاماً ، ص2592 . [2] - المحكمة الإدارية العليا ، الطعن 898 لسنة 30 جلسة 15/12/1985 وأيضاً الطعن رقم 624 لسنة 32 ق جلسة 7/2/1988 . [3] - د. محمد ماهر أبو العينين ، الرقابة على القرارات التقديرية ، مرجع سبق ذكره ، ص94 . [4] - انظر : - European convention on Human rights, 1950 . www.com.int
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 74/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
24 تصويتات / 5223 مشاهدة
نشرت فى 7 مارس 2011 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

808,684

ابحث