يلاحظ على المحاولات الأولى لتأسيس علم للإدارة العامة أنها لم تقدم أطروحات لنماذج علمية للإدارة العامة.

 ولقد ارتبط اسم Woodrow Wilson بشكل أكبر بأول  محاولة قوية وجادة لتأسيس حقل معرفي مستقل للإدارة العامة؛ حيث طرح في عام 1887 أربعة أفكار: الفصل بين السياسة والإدارة العامة، والنظر إلى الحكومة من منظور تجاري، والتحليل المقارن بين المنظمات السياسية والخاصة، وتحقيق الإدارة الفعالة من خلال تدريب الموظفين العموميين وتقويم أداء أعمالهم.  

  فلقد تبنى Wilson التوجه الاقتصادي للإدارة العامة الذي فصل الإدارة العامة عن العلوم السياسية ليدخلها في فلك علم الاقتصاد على المستوى الجزئي Micro وليجعلها تدور في فلك إدارة الأعمال.

 وساد حقل الإدارة العامة في النصف الأول من القرن العشرين عدة نماذج واتجاهات فكرية من الإدارة العلمية والبيروقراطية ومبادئ الإدارة والعلاقات الإنسانية وإدارة الموارد البشرية وصنع القرار والقيادة.

 وفي الواقع أن وجود خصوصية لعلم الإدارة العامة لم تظهر بجلاء في هذه النماذج والاتجاهات التي سادت حقل الإدارة العامة عبر النصف الأول من القرن العشرين، حيث إن هذه النماذج والتوجهات لم تعبر عن خصوصية هذا العلم بقدر ما كانت تعبيرا عن تأسيس علم للإدارة. فهذه النماذج هي في النهاية تعبير عن مبادئ وأسس لعلم الإدارة دون توضيح جانب العمومية الذي يتميز به حقل الإدارة العامة. فهي تنطبق على الإدارة العامة وإدارة الأعمال. كما أن نموذج البيروقراطية كما وضعه Max Weber يتعامل مع الإدارة بشكل مجرد دون تحديد إذا كانت عامة أو خاصة. وهكذا كان حقل الإدارة العامة بمثابة جزء من العلوم الإدارية بدون نماذج علمية تختص بحقل الإدارة العامة.

 ويمكن إرجاع هذا الوضع إلى أن الليبرالية الكلاسيكية هي التي كانت سائدة في السياسات العامة الاقتصادية للدول الغربية أو في الدول التي كانت تحتلها. ومن ثم، كانت إدارة الأعمال بالمفاهيم التجارية والاقتصادية هي السائدة حيث كان للإدارة العامة على مستوى الممارسة دورا محدودا جدا. وهو الأمر الذي يمكن أن يدعم ادعاءين علميين :أولهما -إن علم الإدارة العامة علم تطبيقي يهتم بما هو كائن وليس بما يجب أن يكون، ثانيهما إن الإدارة العامة على مستوى الممارسة هي متغير تابع للسياسات العامة.

 وانحصرت دراسات الإدارة العامة في فتراتها الأولى حول نظرية التنظيم التي ترتبط بالعلوم الإدارية ككل وحول نظم الخدمة المدنية التي ارتبطت بالقانون. ومن ثم يظهر الاتجاه المعياري لحقل الإدارة العامة في هذه الفترة، وذلك في التركيز على مبادئ الإدارة والنظم النموذجية القانونية للعمل الإداري.

 وجاءت الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، لتطلق نهايتها حدثين هامين كان لهما تأثير كبير على دور الإدارة العامة : أولهما تفكك الإمبراطوريات الغربية واستقلال العديد من دول العالم الثالث، وثانيهما المطالبة بالتأمين الاجتماعي في الاقتصاديات الصناعية.

 ويمكن القول أن حقل الإدارة العامة بدأ في الظهور كعلم له استقلاليته مع خمسينيات القرن العشرين، وذلك مع هذه توجه السياسات العامة الاقتصادية الليبرالية نحو تدخل الإدارة الحكومية في الاقتصاد بعد الحرب العالمية الثانية لإصلاح ما أفسدته هذه الحرب، كما أسهم تبني دول العالم الثالث المستقلة حديثا في ذلك الوقت لسياسات عامة اقتصادية اجتماعية للقيام بالتنمية في ظهور أول نماذج علم الإدارة العامة وهو نموذج إدارة التنمية.

 ومن ثم، يمكن الحديث عن أن النشأة الحقيقية لعلم الإدارة العامة تأثرت بشكل رئيسي بتوجهات السياسات الاقتصادية نحو توسيع دور الإدارة الحكومية على حساب القطاع الخاص، وذلك لحل المشكلات الاقتصادية التي واجهتها الدول الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

المصدر: -د.أحمد رشيد ، نظرية الإدارة العامة (القاهرة: دار النهضة العربية 1993) - د.أحمد رشيد ، التنظيم الإداري وتحليل النظم (القاهرة: دار النهضة العربية ،1997) -د.خليل درويش، محاضرات مقرر الإدارة العامة المقارنة تمهيدي دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، عام 2003/2004 . - تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم لعام 1997 (القاهرة: مركز الأهرام للترجمة والنشر،1997) - موسوعة ويكبيديا الحرة .
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 1164/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
240 تصويتات / 3598 مشاهدة
نشرت فى 3 مارس 2011 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

818,221

ابحث