كيف تتفادي التطبيق الخاطئ للبيروقراطية؟
د. ماهر الصواف
قدم ماكس فيبر البيروقراطية على أنها نظام لإدارة المنظمات العامة يضمن استقرارها ويحقق الموضوعية في إصدار القرارات وعدم تأثرها بالأهواء والمصالح الشخصية. فهو نظام يقوم علي تقنين إجراءات وقواعد العمل بشكل لائحي وقانوني يساعد علي استقرار نظم العمل بغض النظر عن الأشخاص القائمين به. والموظف في النظام البيروقراطي لا يتصرف كأنه مالك للوظيفة وإنما هو يتصرف وفق النظام الرسمي الذي يساعد علي تحقيق الأهداف بفعالية ، ويضمن في نفس الوقت العدالة والمساواة عند التعامل مع العملاء.
ولهذا يتبنى الجهاز الإداري للدولة في مصر هذا النظام وصدرت الكثير من القوانين واللوائح التي تنظم سير العمل، إلا أنه للأسف أظهر التطبيق بعض السلبيات وصارت البيروقراطية تُستـعمل اليوم وكأنّها مـرادفـة للتـعقيد و البطئ الإداري، فقد أدي الخوف من تحمل المسئولية والنقص في تأهيل العاملين والقيادات التأهيل المناسب الي تمسكهم بالتفسير الضيق للنصوص وحرفيتها حتي ولو كان ذلك ليس في صالح تحقيق الهدف المؤسسي والصالح العام.
وهكذا اصبح التطبيق الخاطئ للبيروقراطية يشكل خطرا علي الإنجازات وأداء الأعمال وحسن التعامل مع العملاء ، وأثر ذلك سلبا علي مستوي الفعالية في تقديم الخدمات العامة ، فقد تحول التمسك بحرفية النصوص هدف في حد ذاته له الأولوية علي حساب السعي لتحقيق الهدف المؤسسي ، بل فقد تحولت هذه القواعد والإجراءات أحيانا الي سلاح في يد الموظف يقيد بها حقوق المواطنين ويعطل تقديم الخدمة العامة، وقد يستغلها للاتجار بالوظيفة العامة.
ويجب الإشارة في هذا الصدد أن التطبيق الناجح للقواعد اللائحية وتفادي التطبيق الخاطئ للبيروقراطية، يستلزم مراعاة ما يلي:
أولاً ـ مراعاة الهدف المرسوم للقاعدة القانونية ومبرر وجودها :
فلكل قاعدة قانونية هدف ومبرر وضعت من أجلة ، وأن من واجبات الموظف العمل علي تطبيق القواعد القانونية بالشكل الذي يحقق الهدف المرسوم وليس إعاقة تحقيقه . إلا نه رغم المحاولات المتعددة لتبسيط إجراءات العمل بالمنظمات الحكومية ما زال النمط الغالب في إدارتها هو التعقيد وإعاقة تقديم الخدمات العامة واستخدام النصوص اللائحية كمبرر لذلك .
ثانيا : وضوح القواعد القانونية واللائحية وتأهيل للعاملين لتطبيقها بما يتفق مع رسالة المنظمة :
يتطلب التطبيق الناجح للقواعد القانونية بالمنظمات الحكومية تأهيل القيادات والعاملين بها للتعامل مع القواعد القانونية واللائحية واستخدام السلطة التقديرية المقررة لهم في حالة عدم وجود نص ينظم الأمر المطروح لاتخاذ قرار بشأنه ، إذ انه من الأصول القانونية العامة في هذه الحالة ان تجتهد السلطة المختصة وتتخد القرار المناسب إذا كان ذلك يساعد علي تحقيق رسالة المنظمة وأهدافها <!--.
ثالثا :- إعمال مبدأ الشفافية عند التطبيق
يعد من أهم العوامل التي تؤدي للتطبيق الناجح كذلك هو الشفافية وإعلام العملاء بالقواعد المطبقة ومبرراتها . كما يجب تجنب التطبيق الأعمى للنصوص الواردة في اللوائح الداخلية ، فقد يتعارض نص ما مع القواعد العامة الأعلى المقررة في هذا الشأن ، فلا حاجة للقول أن النصوص اللائحية هي من صنع البشر ، ومن غير المستبعد صياغة احد النصوص بشكل غير سليم وغير مقصود مما يؤدي إلي مخالفته نصوص القوانين الأعلى العامة . وفي مثل هذه الحالات يجب إعمال العقل في تفسير النص وان يبادر الموظف بعرض الأمر علي السلطة المختصة لتصحيح الوضع وشرح الأمر للعميل .
وأخيرا يجب الإشارة إلى أن القانون المدني المصري ينص في المادة الأولي منه علي : "انه إذا لم يوجد نص تشريعي حكم القاضي بمقتضي العرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضي مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم يوجد فبمقتضي القانون الطبيعي وقواعد العدالة" أي ان القاضي علية الاجتهاد والحكم في النزاع المعروض عليه.