فضل حفظ القرآن
استفاضت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغب في حفظ القرآن، أي قراءته عن ظهر قلب، بحيث لا يخلو جوف المسلم من شيء من كتاب الله. كما في الحديث الذي رواه ابن عباس مرفوعا:
"إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب"
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكرم أصحاب القرآن وحملته، ويعرف لهم منازلهم، ويقدمهم على غيرهم.
فعن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وهم ذوو عدد، فاستقرأهم: كل رجل منهم- يعني ما معه من القرآن- فأتى على رجل من أحدثهم سنا، فقال: "ما معك يا فلان؟" قال: معي كذا وكذا، وسورة البقرة، فقال: "أمعك سورة البقرة؟" قال: نعم. قال: "اذهب فأنت أميرهم!"
فقال رجل من أشرافهم: والله ما منعني أن أتعلم البقرة إلا خشية ألا أقوم بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا القرآن واقرءوه، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه، كمثل جراب محشو مسكا، يفوح ريحه في كل مكان. ومن تعلمه فيرقد – وهو في جوفه – فمثله كمثل جراب أوكي على مسك".
وإذا كان هذا في حال الحياة، فقد كان عليه الصلاة والسلام بعد الموت، يقدم في اللحد على غيره من كان أكثر أخذا للقرآن، كما صح في شهداء أحد.
وكان يبعث إلى القبائل (القراء) من أصحابه، ليعلموهم فرائض الإسلام وآدابه، لأنهم -بما معهم من كتاب الله – أقدر على القيام بهذه المهمة. ومن هؤلاء الصحابة: السبعون الذين استشهدوا في واقعة (بئر معونة) المعروفة في السيرة. وقد غدر بهم المشركون.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول القرآن: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزداد بكل آية حسنة".
وليست مثوبة الله في الآخرة مقصورة على صاحب القرآن وحده، بل إن نورها ليشمل أبويه، وينالهما قبس منه ببركة القرآن.
فعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ القرآن، وتعلمه وعمل به، ألبس يوم القيامة تاجا من نور، ضوءه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين، لا تقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن".
وإنما نال الوالدان هذا التكريم الإلهي، لأنهما أسهما في توجيه ولدهما إلى القرآن منذ صغره، وفي هذا تحريض للآباء والأمهات على توجيه أولادهم إلى حفظ القرآن في الصغر.
وقال ابن مسعود: "إن أصفر البيوت، بيت ليس فيه شيء من كتاب الله".
ومعنى (أصفرهما) – بالفاء- أي أخلاها من الخير والبركة، من الصفر وهو الخلو. (ومنه أخذ الصفر في الحساب، وهو يعني العدم إذا كان وحده) .
وذكره المنذري في الترغيب والترهيب بلفظ "أصغر البيوت" بالغين لا بالفاء، ومعناه: أهون البيوت منزلة، وأدناها قيمة.
---------------------------------؛
تعاملنا مع القرآن الكريم