أعذار الغياب و«الفسحة» وهيبة المعلم قبل 60 عاماً

ما زالت صور بدايات التعليم والمدارس النظامية حاضرة في ذاكرة كبار السن في بلادنا، كما لا زالت أطلال مدارس الكتاتيب وخلوات تعليم البنات والبنين في المساجد وبعض الدور شامخة في معظم مدن ومحافظات وقرى المملكة، بل ها هم الأهالي في معظم المدن والمناطق يحتفظون بالبنايات القديمة لمدارسهم الأولى التي بنيت من الطين أو الحجر كشاهد حي يوثق لمرحة مضت وأيام خلت؛ كان التعليم فيها شبه مقصور على تعلّم العلوم الشرعية واللغة العربية وشيئاً من الحساب والتاريخ.. هذه العلوم التي تلقاها الأجداد وربما الآباء صنعت جيلاً استثنائياً ساهم في اختزال مرحلة البناء والتأسيس، بل نهض بفضل من الله بمؤسسات البلاد وتنميتها.

 

ورغم انتشار الأمية وثقل المهام التي تحملّها المتعلمون آنذاك، إلاّ أن أمانة العلم والعمل كانت حاضرة في قلوب ذلك الجيل الذي جد وكد وتعب واجتهد بما حباه الله سبحانه من طاقة، استطاع من خلالها التكيف مع ظروف البدايات ومواجهة الصعوبات وقلّة الإمكانات؛ ليساهم في بناء حاضر تعددت فيه فرص التعليم وانتشرت فيه المؤسسات التربوية والتعليمية لتترجم حجم هذه الأمانة الثقيلة التي حملها ذلك الجيل النقي ليسلمها لأبناء هذا الجيل.

 

كانت المدارس قبل سبعين عاماً نادرة بندرة المعلمين حينها.. وكان "المطوع" يبذل - بما حباه الله من علم - جهداً مضاعفاً لتعليم الصغار القرآن الكريم والهجاء والحديث الشريف، ولا بأس بشيء من الحساب والجبر والشعر والأدب ونزراً من السير والتاريخ يلقيها عليهم رجل من بينهم وفي قريتهم إن لم يكن عماً فهو خال، وإن لم يكن الأخير فهو من أبناء قريتهم وفي ربقة قرابتهم، يباشرون حضروهم بعد صلاة الفجر في المسجد، وإن لم يتسن لهم زاروه في منزله أو منزل أحد وجهاء البلد من الذين يقيمون في منازلهم باحة لتعليم الصغار.

 

أعذار الطلاب

 

في أواسط الستينات الهجرية بدأت ملامح العمل لنشر التعليم والمدارس، وكانت الحاجة لنشر دور العلم في المدن الكبرى ضرورة استدعتها توفر المعلمين في القرى التي تحظى في الغالب بصورٍ مثلى للعمل، والتكافل الاجتماعي والتي من خلالها يتم توفير ما يحتاجه المعلم عوضاً عن وقته الذي قضاه في تعليم أبناء القرية.

 

ولأنه لم يكن ثمة هواتف جوال، أو رسائل "sms" تفيد أولياء الأمور بعدم حضور أبنائهم للمدرسة، فقد كان فرّاش المدرسة يستلم كشف الغياب من مدير المدرسة، ويغدو ليطرق منازل المتخلفين عن الحضور، ويسأل عن أعذارهم من ولي أمرهم، وقد يفاجأ أحياناً أن ولي الأمر يزعم أن ولده خرج من عنده إلى المدرسة، وبعد التحقق من أمره يجده مختبئاً في سطح المنزل أو عند "أم الجيران" التي أكرمت وفادته ب"القريض" و"الإقط" والشاي "المنعنش"، وكان الفرّاش ينقل لمدير المدرسة أعذار الطلاب، كما سمعها من والديهم بالحرف الواحد فهذا "مصخن"، وهذا "ضيّع نعاله"، وذاك أنسته عودة والده من السفر حضور المدرسة لينقلها الفرّاش، كما سمعها من والدته "أبوه جاء من السفر والولد لاهي"، أو ذاك الطالب "مشغول"، أو "طالع على عسيب النخل"، و"يشمّر النخل"، و"مدهنته أمه.. وريحته فيكس"، أو "رايح لخواله مع أمه"، و"يتلوا من بطنه"، و"ثوبه منشق ونخيطه"، بل هناك كتابات أخرى للفرّاش في كشف الغياب، مثل: "الظاهر ما له عذر"، و"آصلهم واشوف"..

 

ويحدث أحياناً أن يعود الفرّاش إلى المدرسة مصطحباً معه بعض الطلبة الذين عجزت أمهاتهم عن إقناعهم بالحضور؛ ليقوم الفرّاش بما يجب القيام به وسط مدامع الصغار ونظرات الأم الحنون.

 

الفسحة

 

في البدايات الأولى لم تكن ثمة مطاعم ولا وجود حينها للمخابز الآلية، فكانت الأمهات تزود أبناءها بما تجده من خبز البر، وما يتوفر لها من الجبن والحلاوة الطحينية؛ كي يضاهي ابنها بهذه الوجبة وجبة إفطار ابن مدرس الحساب "فادي" الذي تزوده والدته بفطيرة الزعتر، و"الجبن العكاوي" الذي يسمع به زملاؤه ولم يشاهدوه.

 

هيبة المعلم

 

كانت هيبة المعلم تسبق حضوره لغرفة الفصل وكان تعلّم جدول الضرب والقواعد النحوية في ذلك الزمان يمثل شبحاً لدى بعض الطلبة، لا سيما إذا صاحبه أستاذ ذو بأس شديد لا يعرف الصفح والغفران ولا تفارقه عصا الخيزران، يعرفه الطلاب من نظرته وهو شديدٌ إذا غضب عنيدٌ إذا خوصم، يستحضر الطلاب فلكته وعصاه وقرصته لأذانهم قبل منامهم و في منازلهم فيحفظون ما كلهم فيه وألزمهم به، وإن لم يفعلوا فيحتالون بأنواع من الأعذار والأوجاع كيما يحظوا بموافقة آبائهم على الغياب.

طلائع الجيل الجديد

 

ما أن بدأت الدولة في تشيد المدارس إلاّ وبدأت طلائع الطلبة تتوافد على دور العلم، وكانت المدرسة السعودية التي أنشاها المؤسس "رحمه الله" في الحجاز أواسط الأربعينات الهجرية من أوائل دور العلم في العهد السعودي؛ سبقها مدارس أهلية عريقة كانت منتشرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، وفي الرياض كانت المدرسة التذكارية التي أنشئت أواسط الستينات الهجرية بعد عودة الملك عبد العزيز من مصر، تلتها عدة مدارس ما يزال كبار السن يذكرون بداياتها كمدرسة الخالدية وابن الأثير والسعودية ومعهد الأنجال "العاصمة النموذجي" وغيرها من المدارس الحكومة، وكذلك المدارس الخاصة التي بدأت أيضاً انتشارها بالرياض مند بدايات التعليم الأولى.

 

تطور حال التعليم وبدأ الطلاب بالجلوس على المقاعد والكراسي الخشبية يجتمع كل ثلاثة طلاب في طاولة خشبية عرضها قرابة المتر ونصف المتر؛ بعد أن كان الطلاب يلتفون حول مدرسهم حلقة واحدة يعلمهم "بَ نا صاب، بِ خفاض، بْ جزم"، وكانت لهم مع الصيف حكاية ومع البرد حكايات، وقد استقدمت الدولة حينها عدداً من المدرسين العرب من مصر والشام مع إخوانهم من المواطنين من خريجي معاهد التعليم الابتدائي والمتوسط؛ ليقودوا دفة التعليم في العقود الأخيرة من الألفية السابقة التي أنهى التعليم النظامي بنهايتها قرابة خمسين عاماً على إنشاء وزارة المعارف التي تسمى الآن وزارة التربية والتعليم

المصدر: http://www.halqat.com/Article-682.html ملتقى الحلقات القران الكريم
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 82 مشاهدة
نشرت فى 20 فبراير 2014 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

900,829

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.