وقفات قرآنية {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ}

خالد سعد النجار

{وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} في الحرد أربعة أقوال: الأول أنه المنع، الثاني أنه القصد، الثالث أنه الغضب، الرابع أن الحرد اسم الجنة


{وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} في الحرد أربعة أقوال: الأول أنه المنع، الثاني أنه القصد، الثالث أنه الغضب، الرابع أن الحرد اسم الجنة، {وقَادِرِينَ} يحتمل أن يكون من القدرة، أي قادرين في زعمهم أو من التقدير: بمعنى التضييق أي ضيقوا على المساكين (التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: 1/2442).

الحرد: المنع عن حدة وغضب، قال عز وجل: {وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك، ونزل فلان حريدًا أي متمنعًا عن مخالطة القوم، وهو حريد المحل. وحاردت السنة منعت قطرها والناقة منعت درها وحرد غضب وحرده كذا وبعير أحرد في إحدى يديه حرد والحردية حظيرة من قصب (المفردات في غريب القرآن: 1/113). أي وساروا في أول النهار إلى حديقتهم على قصدهم السيِّئ في منع المساكين من ثمار الحديقة، وهم في غاية القدرة على تنفيذه في زعمهم (التفسير الميسر: 10/227).

{وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ} أي على نكدٍ لا غيرِ من حاردتِ السَّنةُ إذَا لم يكُنْ فيها مطرٌ وحاردتِ الإبلُ إذا منعتْ دَرَّهَا، والمَعْنَى أنَّهم أرادُوا أنْ يتنكدُوا على المساكينِ ويحرمُوهُم وهم قادرونَ على نفعِهِم فغَدوا بحالٍ لا يقدرونَ فيها إلا على النكدِ والحرمانِ وذلكَ أنَّهُم طلبُوا حرمانَ المساكينِ فتعجلُوا الحرمانَ والمسكنَةَ أوْ وغَدَوا على مُحاردةِ جَنَّتِهِم وذهابِ خيرِهَا قادرينَ بدلَ كونِهِم قادرينَ على إصابةِ خيرِهَا ومنافِعِهَا أي غَدَوا حاصلينَ على النكدِ والحرمانِ مكانَ كونِهِم قادرينَ على الانتفاعِ، وقيلَ الحردِ الحردِ وقدْ قُرِىءَ بذلكَ أي لم يقدرُوا إلا على حنقِ بعضِهِم لبعضٍ لقولِه تعالَى: {يَتَلَاوَمُونَ} وقيل الحرْدُ القصدُ والسرعةُ أي غَدَوا قاصدينَ إلى جنتهِم بسرعةٍ قادرينَ عند أنفسِهِم على صِرامِهَا وقيلَ هو علمٌ للجنةِ (تفسير أبي السعود، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم: 6/362 ).

والحرد: يطلق على المنع وعلى القصد القوي، أي السرعة وعلى الغضب. وفي إيثار كلمة {حَرْدٍ} في الآية نكتة من نكت الإعجاز المتعلق بشرف اللفظ ورشاقته من حيث المعنى، ومن جهة تعلق المجرور به بما يناسب كل معنى من معانيه، أي بأن يتعلق {عَلَى حَرْدٍ} بـ {قَادِرِينَ}، أو بقوله: {غَدَوْا}، فإذا علق بـ {قَادِرِينَ}، فتقديم المتعلق يفيد تخصيصًا، أي قادرين على المنع، أي منع الخير أو منع ثمر جنتهم غير قادرين على النفع. والتعبير بقادرين على الحرد دون أن يقول: وغدوا حادرين تهكم لأن شأن فعل القدرة أن يذكر في الأفعال التي يشق على الناس إتيانها قال تعالى: {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} [البقرة:264] وقال: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] فقوله: {عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} على هذا الاحتمال من باب قولهم: فلان لا يملك إلا الحرمان أو لا يقدر إلا على الخيبة.

وإذا حمل الحرد على معنى السرعة والقصد كان {عَلَى حَرْدٍ} متعلقًا بـ {غَدَوْا} مبينًا لنوع الغدو، أي غدوا غدو سرعة واعتناء، فتكون {عَلَى} بمعنى باء المصاحبة، والمعنى: غدوا بسرعة ونشاط، ويكون قادرين حالًا من ضمير {غَدَوْا} حالًا مقدرة، أي مقدرين أنهم قادرون على تحقيق ما أرادوا. وفي الكلام تعريض بأنهم خابوا دل عليه قوله بعده {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} [القلم:26]،وقوله قبله {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ} [القلم:19].

وإذا أريد بالحرد الغضب والحنق فإنه يقال: حرد بالتحريك وحرد بسكون الراء ويتعلق المجرور بـ {قَادِرِينَ} وتقديمه للحصر، أي غدوا لا قدرة لهم إلا على الحنق والغضب على المساكين لأنهم يقتحمون عليهم جنتهم كل يوم فتحيلوا عليهم بالتبكير إلى جذاذها، أي لم يقدروا إلا على الغضب والحنق ولم يقدروا على ما أرادوه من اجتناء ثمر الجنة.

وعن السدي: أن {حَرْدٍ} اسم قريتهم، أي جنتهم. وأحسب أنه تفسير ملفق وكأن صاحبه تصيده من فعلي {اغْدُوا} و {غَدَوْا} (التحرير والتنوير: 29/80).

اتفق أئمة الأدب على أن وقوع اللفظ المتنافر في أثناء الكلام الفصيح لا يزيل عنه وصف الفصاحة، فإن العرب لم يعيبوا معلقة امرئ القيس ولا معلقة طرفة. قال أبو العباس المبرد: "وقد يضطر الشاعر المفلق، والخطيب المصقع، والكاتب البليغ فيقع في كلام أحدهم المعنى المستغلق واللفظ المستكره، فإذا انعطفت عليه جنبتا الكلام غطتا على عواره وسترتا من شينه".

وأما ما يعرض للهجات العرب فذلك شيء تفاوتت في مضماره جياد ألسنتهم، وكان المجلي فيها لسان قريش ومن حولها من القبائل المذكورة في المقدمة السادسة، وهو مما فسر به حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف، ولذلك جاء القرآن بأحسن اللهجات وأخفها وتجنب المكروه من اللهجات، وهذا من أسباب تيسير تلقي الأسماع له ورسوخه فيها. قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17].

ومما أعده في هذه الناحية صراحة كلماته باستعمال أقرب الكلمات في لغة العرب دلالة على المعاني المقصودة، وأشملها لمعان عديدة مقصودة بحيث لا يوجد في كلمات القرآن كلمة تقصر دلالتها عن جميع المقصود منها في حالة تركيبها، ولا تجدها مستعملة إلا في حقائقها مثل إيثار كلمة (حرد) في قوله تعالى: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم:25] إذ كان جميع معاني الحرد صالحًا للإرادة في ذلك الغرض، أو مجازات أو استعارات أو نحوها مما تنصب عليه القرائن في الكلام (التحرير والتنوير: 1/111).

وإذا كان القدر لا ينافي الأسباب الكونية والشرعية فهو لا ينافي أن يكون للعبد إرادة وقدرة يكون بهما فعله، فهو مريد قادر فاعل لقوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة} [آل عمران:152]. وقوله: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم:25]، وقوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66]. وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46].

لكنه غير مستقل بإرادته وقدرته وفعله، كما لا تستقل الأسباب بالتأثير في مسبباتها لقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29] ولأن إرادته وقدرته وفعله من صفاته وهو مخلوق، فتكون هذه الصفات مخلوقة أيضاً، لأن الصفات تابعة للموصوف، فخالق الأعيان خالق لأوصافها (تقريب التدمرية لابن عثيمين: 1/99).


المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

البحث
المصدر: طريق الاسلام
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 18 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

896,600

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.