عنوان الخطبة

شهادة الزور

اسم الخطيب

سعد بن عبد الله العجمة الغامدي

رقم الخطيب

112

رقم الخطبة

5712

اسم المسجد

سعيد الجندول

تاريخ الخطبة

10/6/1424

ملخص الخطبة

1- تعريف شهادة الزور. 2- مفاسد شهادة الزور. 3- الأدلة على تحريم شهادة الزور. 4- شمولية شهادة الزور. 5- من صور شهادة الزور.

الخطبة الأولى

أما بعد: فمع كبيرة من كبائر الذنوب انتشرت بين المسلمين وفي مجتمعاتهم حيث تَهَاوَنَ بأمرها كثيرٌ منهم واتخذوها مَطِيَّةً للوصول لكثير من الأغراض الدنيئة في دينهم ودنياهم، إنها شهادة الزور.

والزور هو الكذب الذي قد سُوِّيَ وحُسِّنَ في الظاهر لِيُحْسَبَ أنه صدقٌ، وهو وصف الشيء على خلاف ما هو به وعليه فيشمل الكذب والباطل، هذا إذا اقتصر على المقصود بجانب من جوانبه التي إذا أضيف لها الشهادة أصبح المتبادر إليها في أذهان كثيرين بأن شهادة الزور التي هي الشهادة بالكذب ليتم التوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال. وشهادة الزور وقول الزور وعمل الزور كلها بمعنى متقارب.

والأصل في الشهادة أن تكون مُسَانِدَةً لجانب الحقّ ومُعِينَةً للقضاة على إقامة العدل بين الناس، والحكم على الجناة الذين تنحرف بهم أهواؤهم وشهواتهم فيظلمون أو يبغون أو يأكلون أموال الناس بالباطل، فإذا تحوّلت الشهادة عن وظيفتها حتى تصبح سندًا للباطل ومُضَلِّلَةً للقضاة حتى يُحْكَمَ بغير الحق استنادًا إلى ما تضمنته من إثبات فحينئذٍ تحمل إِثْمَ جريمتيْن عظيمتيْن في وقت واحد: الأولى: عدم تأديتها وظيفتها الطبيعية الأولى الموافقة للفطرة السليمة، والثانية: قيامها بجريمة تُهْضَمُ فيها الحقوقُ ويُظْلَمُ فيها الْبُرَآءُ ويُسْتعانُ بها على الظلم والبغي والإثم والعدوان، وقد نهى الله المسلمين عن الظلم أيًا كان وعن التعاون على الإثم والعدوان بعدما أمرهم بالتعاون على البر والتقوى وعدم التعدي على أي شخص أو مجموعة مهما بلغت العداوة والبغضاء فقال تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة: 2].

إن شهادةَ الزُّورِ مَفْسَدَةٌ للدين والدنيا وللفرد وللمجتمع على حدّ سواء إلى جانب كونها معصية لله ورسوله، وهي كذب وبهتان وضياع للحقوق وإسقاط للعدالة، وزعزعة للثقة والأمانة والأمن أيضًا في المجتمع، وإِرْبَاكٌ للأحكام وإشغال للمسؤولين على اختلاف مسؤولياتهم. وشهادة الزور تعدل الشرك بالله كما ورد في الحديث: ((عدلت شهادة الزور الشرك بالله)). قال ابن حجر رحمه الله معقّبًا على ما ذكره الإمام البخاري رحمه الله في باب: ما قيل في شهادة الزور لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان: 72]: "أشار البخاري رحمه الله بذلك إلى أن الآية سِيقَتْ في ذم متعاطي شهادة الزور، وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها".

ولِعِظَمِ قُبْحِ شهادةِ الزورِ وتأكيد تحريم قول الزور وشهادته كان الرسول متكئًا عندما أخبر عن عدد من كبائر الذنوب ثم جلس عندما ذكر قول الزور وشهادة الزور وأصبح يرددها حتى قال مَنْ سَمِعَهُ: لَيْتَهُ سَكَتَ، فهذا يَدُلّ على أن الذي يدفع ويحمل الشخص على قول الزور وشهادته أشياء متعددة، منها: العداوةُ والبغضاءُ والحسدُ والغلُّ والحقدُ والانتقامُ وغيرُ ذلك، فلما كانت مفسدةُ الزور متعديةً إلى غير الشاهد بخلاف الشرك المقتصر مفسدته على الشخص غالبًا لذلك كان الاهتمام بذلك من رسول الله وتعظيم أمره بعد الاعتدال في هيئته عليه الصلاة والسلام من الاتكاء إلى الجلوس وإعادة أداة التنبيه مرة أخرى بقوله: ((ألا))، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي : ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متكئًا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور وشهادة الزور)) فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. وعن أيمن بن خزيم الأسدي رضي الله عنه أن النبي قام خطيبًا فقال: ((أيها الناس، عدلت شهادة الزور إشراكًا بالله)) ثم قرأ رسول الله : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج: 30] رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة. وورد في الحديث المتفق على صحته عن أنس رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله عن الكبائر، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور)). وروى البخاري رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).

وشاهدُ الزُّورِ يرتكبُ عظائمَ ومفاسد عليه وعلى غيره توجب له النار، روى الحاكم رحمه الله بسند صحيح أن النبي قال: ((لن تزول قدم شاهد الزور حتى يوجب الله له النار)). وقال رسول الله : ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أنْ يكونَ أَلْحَنَ بحجته من بعض فأقضي له بِنَحْوِ ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار)) متفق عليه. ألحن: أي أعلم.

فشهادة الزور تسبب لشاهد الزور وللمشهود له دخول النار وعذابها، إلى جانب أنها في الدنيا تطمس معالم العدل والإنصاف، وتعين الظالم على ظلمه، وتُضَيِّعُ حقوقَ الناس، وتظلم بعضهم على حساب بعض، وتعطي الحق لغير مستحقه، وتسبب زرع الأحقاد والضغائن في القلوب، وتعصف بالمجتمع وتدمِّره وتقوِّض أركانَه وتزعزع استقراره، وهذه النتائج قد تغيب على كثير من شهود الزور، وقد يعلمها بعضهم، ولكن الدوافع والأسباب التي أوقعتهم فيها قد تكون من أجل مصلحةٍ شخصيةٍ أو رغبةٍ في مالٍ أو جاهٍ أو لأجل الصداقة أو القرابة أو العداوة للطرف الثاني أو المحاباة والمجاملة أو الخوف من صاحب المنصب والجاه أو السلطة، وقد تكون سَلَفًا وقرْضَةً أي: أن شخصًا شهد زورًا لشخص في يوم ما وبذلك فهو يردُّ له شهادتَه ويُكَافِئُهُ، وقد تكون مقابل مبالغ مالية زهيدة، فتجدهم يقفون عند أبواب المحاكم وغيرها، وغالبًا ما تكون الشهادة حَمِيَّةً جاهلية كما هو مشاهد الآن في القرى والهجر وكذلك المدن وأحياؤها حيث يشهد عدد من الأشخاص من قبيلة أو من قبائل متقاربة على شخص ما، ويقولون قولتهم الجاهلية المضادة لتعاليم الإسلام وهي باللهجة العامية: "الله يلعن لِحْيةً ما تحمي الرفيق"، أو: "لُعِنَتْ ذِمّة ما تحمي الرفيق وابن العم"، وكأنهم لم يقرؤوا آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 135]، وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة: 8]، وقال تعالى: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ [الزخرف: 19].

فعلى هذا الصنف من الناس أن يتذكروا العواقب في الدنيا والآخرة، وأُذَكِّرُهُمْ بالآيات القرآنية التالية وما جاء فيها من التهديد والوعيد والعواقب المؤلمة، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58]، وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج: 10]، وقال تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ [فصلت: 19- 24]، وقال عز وجل: يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنَ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [غافر: 16-20].

وأُذَكِّرُ الذين يُشِيعُونَ الفاحشةَ في المؤمنين والمؤمنات ويحبون إشاعتها أذكِّرهم بهذه الآيات وأطلب منهم قراءة سورة النور وتفسيرها من أول آية فيها، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19]، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 23-25].

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أمة خير الأنام، وأبان لنا الشرائع والأحكام ورتّب عليها جزيل الفضل والإنعام، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.

أما بعد: فيتبادر إلى أذهان كثير من الناس أن شهادة الزور مقصورة على تلك التي يذهب إليها شاهد الزور في المحاكم وغيرها مع فلان من الناس من أجل اقْتِطَاعِ جزءٍ من أرض فلانٍ أو أَخْذِهَا بالكامل أو اقتطاع أي مال نقدي أو غيره أو الشهادة على شخص في أمور أخرى باطلة، والحقيقة أن هذا المفهومَ السائدَ مفهومٌ خاطئٌ وحصرٌ وقصرٌ لا أساسَ له من الصحة في دين الإسلام حيث إن شهادة الزور أشمل وأوسع من ذلك، ويدخل فيها تلك الشهادة التي يطلبها شخص من أجل إعانة زواج أو غيرها من الإعانات والمساعدات حيث يطلبُ الشهادةَ بالتوقيع على الأوراق ليس على ذلك فقط، أو تلك الشهادة التي يطلبها أي شخص من إمام المسجد أو غيره بالشهادة على أنه يؤدي الصلاة في المسجد والحالُ يدلُّ على غير ذلك، أو أن فلانًا تَجَاوَزَ واجْتَازَ الاختبارَ ونجح فيه في أي مجال من المجالات سواء الشهادات الدراسية أو رخص القيادة أو شهادة مهنة معينة للحصول على عمل ووظيفة قد يُسِيءُ فيها ذلك الشخصُ ويَجُرُّ على البشر مَآسِيَ لا تَنْدَمِلُ مثل المهن الصحية وخاصة التخصصات الطبية، ولو نقف عند الشهادات المزورة في مجال رخص السائقين وأرباب الصناعات الأخرى والأطباء وغيرهم لطال بنا المقام ولكن الإشارة كافية.

ومن شهادة الزور ذلك التوقيع لأي مسؤول في أي إدارة حكومية بأن فلانًا تم انتدابه لمدة شهر أو أقل من ذلك أو أكثر وهو قد ذهب للاصطياف أو أنه جالس لديهم في الإدارة، أو الشهادة لفلان بأنه استأجر سيارة بمبلغ معين ولمدة معلومة أيضًا والواقع خلاف ذلك، ويتهاون الناس بالتوقيع على ذلك وهم يعلمون علم اليقين أن ذلك غير صحيح ولكن من باب المجاملة والصحبة والصداقة وغيرها، والحقيقة أن ذلك شهادة زور وتزوير من الطرفين وكذب وأكل للمال بالباطل.

ومن شهادة الزور تلك التقارير السرية في كل الإدارات والتي تُرْفَعُ عن الموظفين والتي لا يَصْدُقُ فيها كَاتِبُوهَا ومُعِدُّوهَا والذين يُوَقِّعونَ عليها أخيرًا، وتلك التي تُرْفَعُ ومنها: الْمُسْتَخْلَصَاتُ لِلْمُسْتَحَقَّاتِ في الجهات الحكومية والتي فيها من الكذب والتدليس والتزوير الشيء الكثير ليعطوا المؤسسات والشركات ما لا يستحقون من الأموال العامة، وتلك التقارير التي يعدها الموظفون السِّرِّيُّونَ في الجهات الأمنية عن الأشخاص والهيئات وهي مخالفة للواقع، وقد يستغل بعضُ ضعاف النفوس أشخاصًا يعرفونهم أو لهم قرابة وعلاقة معهم ليكتبوا عن شخص معين ما يريدون من افتراءات وكذب، وتلك التقارير التي يقدمها ذلك الشخص لجهته على خلاف الواقع تعتبر من شهادة الزور التي يتحمل إثمها هو شَخْصِيًّا ومَنْ نَاصَرَهُمْ وأوقعوه في ذلك الكذب والبهتان ليصلوا إلى أهدافهم اللئيمة باستغلال صاحب منصب وكلمة مسموعة لدى جهته الأمنية.

ومن شهادة الزور تلك الأوراق التي يوقع عليها مجموعة ضد شخص معين كتبها أحد مرضى النفوس لخلافٍ مُعَيَّنٍ معه ولِحِقْدٍ دَفِينٍ في نفسه ثم وقّعوا معه، أحدهم مجاملة، وآخر لأنه جار، وثالث من أجل الثقة فيه، ورابع حمية جاهلية، وخامس يوقع عنه وعن غيره مساعدة للطرف الأول وانتقامًا من الطرف الثاني، وما علم أولئك أنهم شهودُ زورٍ، وعلى المسلم والمؤمن الحق في مثل هذه الأحوال أن يطلب إحالة ذلك للقضاء الشرعي ليحكم بالكتاب والسنة ويطبق عليهم حكم الله وحكم رسوله محمد ، وليعلم المسلم أنَّ من حقه الطَّعْنَ في شهادة الحاقد والخائن وغيرهم وما أكثرهم في هذا الزمان من أجل إقامة شرع الله عليهم وردع غيرهم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زانٍ ولا زانية ولا ذي غِمْرٍ ـ بكسر الغين: الحقد ـ على أخيه))، وفي رواية: أن رسول الله رَدَّ شهادة الخائن والخائنة وذي الغِمر على أخيه، وردّ شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم. والقانع هو السائل المستطعم، وقيل: هو المنقطع إلى القوم يخدمهم وهو أَجِيرٌ لديهم، ويدخل في ذلك الوكيل عن فرد أو أفراد، وهذا جانب واحد من معنى الزور وشهادته.

والزور وقول الزور وعمله أمور متعددة تحتاج لخطب وإن كان لا بد من الإشارة إلى المزورين للبطاقات والجوازات وانتحال الشخصيات والعملات، وخاصة لأولئك المجرمين الذي أساؤوا للإسلام وارتكبوا كبائر الذنوب ظنًا منهم بأنهم خدموا الإسلام وأهله، وما علموا أنَّ إِسَاءَاتِهِمْ أَكْبَرُ مما يتصوره أي عاقل، فهم طرقوا باب الإصلاح وما علموا أنهم مفسدون، قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة: 12]، وقال عز وجل: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 220].

فواجب المسلم أن يتقي الله تعالى ويبتعد عن شهادات الزور أيًا كانت ولا يتهاون بشأنها في أي مجال أو يعتبر أنها مجرد توقيع، بل عليه أن لا يشهد إلا على مثل عين الشمس التي يراها في رابعة النهار، وواجب عليه أن يؤدي الشهادة ويقيمها لله تعالى ويُدْلِيَ بها ولا يَكْتُمَهَا وإنْ لمْ تُطْلَبْ منه خاصة في بعض الأماكن والحالات والمواقف التي لا يعلم عنه صاحبُ الحق أو ليس له دليلٌ وإثباتٌ على ذلك أو أن الحق في جهة معينة يتناوب عليها موظفون ثم انتهت علاقتهم بذلك وجاء غيرهم، ومثال ذلك هناك أراضٍ حكوميةٌ في مخططات في بعض المدن اشترتها تلك الإدارات بملايين الريالات ثم قام بعض ضعاف النفوس بالإيماء لمسؤولي البلدية بتشجيرها، وتعاقب الموظفون على ذلك القسم المسؤول عن حقوق تلك الإدارة، وبعد عدة سنوات تَقَدَّمَ الْمُزَوِّرُونَ لأي جهة أو شخصية اعتبارية لأخذ تلك الأراضي منحةً أو شراءً، لذلك فإن الشخص الذي يعلم حقيقة الأمر لا يجوز له كتمان الشهادة، بل عليه أنْ يُؤَدِّيَها ويُخَلِّصَ الظالمين لأنفسهم أولاً ولغيرهم والذين يستولون على الحقوق العامة خاصة بعد أنْ تَجَرَّأَ على هذه الأفعال كثيرٌ من الظالمين من أصحاب رؤوس الأموال ومكاتب العقار بأسماء اعتبارية قد لا يعلمون عن ذلك شيئًا من أجل إخافة الناس بهذه الأسماء حتى لا يطالبوا بإعادة الحقوق لمستحقيها، وأيضًا ذلك الذي يحضر أو يعلم أن لشخص قد توفي أموالاً أو حقوقًا أو أراضي ولا يعلم الورثة عن ذلك، فعليه أن يدلي بشهادته ويقوم بها كما أمر الله عز وجل، ولا ينتظر أحدٌ أن يعلن الأشخاصُ ممن يعرف ويعلم عن أملاك أو حقوق للمتوفين أو عليهم، ولا ينتظر أي شخص لإعلان الدولة عن ذلك لأخذ نسبة معينة كما هو حاصل في الأوقاف وظهرت أملاك لها كانت مجهولة، ولو استدعى الأمر ذلك فعلى الجهات المعنية أن تفعله، مع أنه يجب على المسلم أن يقوم بذلك ويأثم بكتمانه للشهادة، ولا يَقُلْ: إنه لا بد أنْ يُطْلَبَ منه ذلك، فالفرق شاسع بين من يعلم عن الشاهد بالحق ويعرف مكانه ويستطيع استدعاءه في أي وقت للإدلاء بشهادته وبين الجهة أو الأشخاص الذين لا يعلمون عن الشاهد أصلاً ولا عن الحق الذي لهم أيضًا، قال تعالى: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة: 283]، وقال عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 140]، وقال تعالى: وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ [المائدة: 106]، وقال سبحانه: وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا [البقرة: 282]، وقال عز وجل: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق: 2]، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ [المعارج: 33].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله، وارضَ عن الخلفاء الراشدين الأربعة وعن الصحابة أجمعين...

المصدر: المنبر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 190 مشاهدة
نشرت فى 14 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

927,218

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.