إن الملاحظ على مسلك النملة أنها لم تحذر فقط، ولكنها قدمت الحل العملي الذي يريح الأمة من عناء التفكير في المخرج من المآزق: (ادخلوا مساكنكم)، فإنها لم تطلق صيحات التحذير وتكتف بهذا الإنجاز، بل قدمت لهم حلًا عمليًا وهو الدخول إلى المساكن، وهذا كما رأت النملة الحل الأمثل نظرًا لأن الفرار إلى أي جهة على سطح الأرض يفوت على النمل الفرصة في النجاة أمام هذه الجحافل العسكرية القادمة،فقدمت حلًا سريعًا سهلًا يتلاءم وطبيعة النمل وإمكاناتها.
إن تقديم الحلول العملية للأمة هو الأمر العظيم الذي يفتقر إليه كثير من الدعاة، فمن اليسير أن تعظ الناس وتحثهم على الإيمان والطاعة والالتزام بشرع الله، لكن ذلك وحده لا يكفي، لابد من تقديم حلول عملية مع الحلول الإيمانية. ولقد كان للإعلام المغرض دوره في الترويج لفكرة أن الدعاة من أهل السنة لا يملكون تقديم حلول عملية للأمة بينما يجدونها بحوزة العلمانيين، وفي أحد الأفلام القديمة الشهيرة، لجأ اللص الذي يفر من الظروف الصعبة التي مر بها وجعلت منه مجرمًا، لجأ إلى شيخ يتعبد في زاويته، وطلب منه تقديم حل للخروج مما هو فيه، فإذا بالشيخ لا يزيد على أن يقول له توضأ وصل، أراد الإعلام بذلك أن يبث اليأس في نفوس الناس من أن أهل الصلاح لا يملكون لحل الأزمات سوى الأمر بالصلاة وتلاوة القرآن. ولم يكن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته الكرام، فعن عمر رضي الله عنه أنه رأى إبلاً جرباء فسألهم : ماذا تصنعون لعلاج هذه الإبل؟ قالوا: عندنا عجوز صالحة نذهب إليها فتدعو لها ! فقال رضي الله عنه: اجعلوا مع دعاء العجوز شيئاً من القطران). فعلى الدعاة إلى الله الانصهار مع مجتمعاتهم وعدم الاقتصار على الكلام النظري، وإنما يشفع بتقديم حلول عملية، فإذا ما تكلم الداعية عن العمل وقيمته في الإسلام، ونبذ البطالة، فعليه أن يقترح على العاطلين حلولًا عملية تتجلى مثلًا في اقتراح مشروعات يسيرة صغيرة في متناول الناس، فهذا هو منهج الإسلام الصحيح في التعامل مع مشاكل الناس في المجتمع الإسلامي، وهكذا علمتني النملة.