حياة قلب حول الخشوع في الصلاة - تأملات في سورة الفاتحة
"الحمد لله رب العالمين"
إن من دقة الميزان يوم القيامة أنه لا يعتمد على عدد الحسنات والسيئات فقط بل يعتمد الكيف ، فرب رجل له مئة حسنة وخمسون سيئة إلا أن ميزانه يخف ويهلك لخطورة ونوعية السيئات التى ارتكبها ؛ ولهذا ورد عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان.... " إلى آخر الحديث الذى رواه مسلم.
ولتستشعر عظمة من تعبد وتحمد فقد أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم : " أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه الأرض السابعة والعرش على منكبه وهو يقول : سبحانك أين كنت ، وأين تكون " كما أخبر صلى الله عليه وسلم عن ملائكة البيت المعمور؛ فكل يوم يدخل البيت المعمور سبعين ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ... ولذا أغشى على النبى صلى الله عليه وسلم حينما رأى النبى جبريل لأول مرة.
" الرحمن الرحيم "
مظاهر رحمة الله كثيرة ، حتى إن خلق النار ذاتها هو من مظاهر رحمة الله فبها يخوف الله عباده حتى يستقيموا، وكذلك البلايا والمصائب فبها يطهر الله عباده...... لذا قال ابن عطاء : عطاء الناس منع ومنع الله عطاء وربنا سبحانه يعلم ما يصلح عباده فيقول ابن القيم " إذا أراد الله بعبد خيرا ألقاه فى ذنب يكسره " وتحكى لنا السيرة موقف الصحابى أبوحذيفة فقد خالف أمر رسول الله كما روى لنا ابن عباس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : يَوْمَ بَدْرٍ : " مَنْ لَقِيَ مِنْكُمُ الْعَبَّاسَ فَلْيَكُفَّ فَإِنَّهُ أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا " قَالَ : فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ : أَيُقْتَلُ آبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ ، وَاللَّهِ إِنْ لَقِيتُهُ لَأَلْجِمَنَّهُ السَّيْفَ - قَالَ : عَمَّارٌ : لَأَلْحِمَنَّهُ بِالْحَاءِ . وَقَالَ الْحَسَنُ بِالْجِيمِ - فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِعُمَرَ : يَا أَبَا حَفْصٍ ، - قَالَ : عُمَرُ : إِنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ بِأَبِي حَفْصٍ - " أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ ؟ " ....والشاهد أن هذا الذنب وتلك المخالفة جعلت أبا حذيفة يعاهد نفسه أن يكفر عن ذنبه، وجاءت معركة اليمامة؛ ليكفر عن ذنبه فكان أبو حذيفة ومولاه سالم في أول صفوف الجيش الإسلامي المتجه إلى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وتحقق لأبي حذيفة ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله فارتقى شهيدًا وعلى وجهه ابتسامة لما رأى من منزلته عند ربه.
"مالك يوم الدين "
بعد حمد الله والثناء عليه يأتى هذا اللون الجديد من الثناء على الله فمضاعفة الحمد ثناء ومضاعفة الثناء تمجيد وهو ما لا يجوز إلا فى حق الله.
وحينما تقرأ هذه الآية تفكر فى يوم القيامة ، تفكر فى طول ذلك اليوم وعطشه وترقبه ودنو الشمس من الرؤوس وغرق العباد فى عرقهم وكذلك الميزان والعرض والصراط والقنطرة.
بعد قراءة هذه الآيات الثلاث نخلص لعبرة مفادها أن نقدم التحلية قبل التخلية وأن الأمر بالمعرف ينهى المنكر تدريجيا من الحياة ، لذا قال ابن القيم : " إن القلب إذا امتلأ بشىء لم يعد فيه متسع لسواه " لذا قدم الله الثناء فى هذه الايات ثم ذكر بعد ذلك أصناف من ضل عن سبيله حتى يلفت أنظار المؤمنين إلى أن البعد عن هؤلاء وعن سبيلهم هو فقط بالتحلية التى أساسها معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته.
"إياك نعبد وإياك نستعين"
هذه الآية مفصلية فى السورة وهنا التفات فى الخطاب لأنه بعد الثناء على الله يرتقى العبد فيكون أهلا لمخاطبة الله ، ثم هو كذلك يدل على القرب من الله.
إياك تقدمت الفعل للدلاة على إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى .... لذا يقول يحيى بن معاذ " لا يكون مخلصا حتى يكون مع الناس كالرضيع لا يضيره مدحه الناس أم ذموه".
وإياك نستعين ... جاءت بعد العبادة لتقديم حق الله أولا ... ثم إن العبادة أشمل والاستعانة هى نوع من العبادة ... والمؤمن لا يطلب الاختبار فلا يدرى إن اختبر أيثبت أم لا....لذا يقول الله معلما عباده " وإيا ك نستعين " ولذلك أكثر من شاهد فى القرآن ومنها كذلك أواخر البقرة : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا لا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به .." وهذا درس لنا فى العبادة والاستعانة .
والاستعانة بالله تقتضى التعامل مع النافلة على أنها علاج وبغيره لن يشفى قلبه ؛ فلا بد من هذه الروح لعلاج الأثر التدميرى للمعصية ... لذا قال أحد السلف :" اجعلوا المعاصى كفرا واجعلوا النوافل فرائض ".
الوصايا :
أولاً: الاجتهاد خلال الاسبوع أن يؤذن كل منا فى أقرب مسجد إلى بيته لينال ثواب المؤذنين.
ثانيا ً : الاجتهاد فى الاستيقاظ قبيل الفجر ولندع بالدعاء المأثور الذى يرويه عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ."والحديث في صحيح البخاري
وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً