في عالمٍ يموجُ بالفتن, وتسوده قِيَمُ الباطل, لابدَّ أنْ يشعرَ الصالحون بالغربة, وإنْ لم يغادِرُوا الأوطان, وإنْ خالطهم الأهل والخلان. ألا وهي الغربة الروحيَّة, حيث ينتاب النَّفس الشعور بالوحشة والنّفور من واقع الحياة, مع ازدياد الناس في اللهو و المعاصي غير أنَّ ضعف القدرة على احتواء الواقع بغية التأثير فيه وتغييره, يدفع البعض من الملتزمين تأويل مفهوم الغربة الروحية على غير مُراده الرباني, واعتزال الحياة بالكُلية عندما تفسد البيئة من حولهم, بدعوى أن مخالطة الناس والانخراط في الأحداث يُفسد الإيمان ويفتن الإنسان عن دينه, فيقودهم هذا الفهم للاغتراب النفسي والانفصال عن الواقع, بما يُخرجهم إلى هامش الحياة ورحم الله شيخنا الجليل محمد الغزالي حين قال (ليس الغرباء هم التافهون من مسلمي زماننا، بل هم الرجال الذين رفضوا الهزائم النازلة وتوكلوا على الله في مدافعتها حتى تلاشت! وليست الغربة موقفاً سلبياً عاجزاً، إنها جهاد قائم دائم حتى تتغير الظروف الرديئة ويلقى الدين حظوظاً أفضل)…قذائف الحق - محمد الغزالى قال رسول الله (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا، فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: “الذين يصلحون إذا فسد الناس.) في رواية (الذين يحييون سنتي ويعلمونها الناس), فليس الغريب هو الصالح بل الُمصلح, أي المرء الذي يتعدى صلاحه خاصة النفس, ليؤدى دوراً إصلاحياً في المجتمع الذي يعيش فيه
المصدر: م. محمد عاشور
نشرت فى 7 ديسمبر 2012
بواسطة MediaCharity