د. محمد ناصر الخوالدة .                  وعد بلفورإستراتيجية التوتر الدائم

 

ولدت الصهيونية سياسيا اثر سلسلة المذابح والقوانين الجائرة ضد اليهود في روسيا القيصرية، لقد كانت مشاركة اليهود في الحركات الثورية المناوئة للقيصر وللحكومة الروسية سببا في تسليط الظلم عليهم والتنكيل بهم وبرزت ظاهرة معاداة السامية في بلدانها خشية تدني مستوى المعيشة فيها. برزت بالتالي ضرورة حل هذه المشكلة خارج الأقطار الأوروبية الاستعمارية. وانسجاما مع خطة الاستعمار بدأت الدول الأوروبية الاستعمارية تبحث عن حلول تخدم مصالحها، ومع تبلور الصهيونية اليهودية السياسية بعد مؤتمر بازل أخذت كل من ألمانيا وبريطانيا تتنافسان على استخدام موجات الهجرة اليهودية من روسيا كل لمصلحتها. وأخذت فلسطين شكل المكان الأمثل لاستغلال موقعها الاستراتيجي العالمي. وتصاعدت أهمية فلسطين إبان الحرب العالمية الأولى وفي نهايتها حيث كان التسابق بين غليوم الثاني وحكومة لويد جورج على من سيتبنى الحركة الصهيونية ويربط مصيرها على ارض فلسطين بسياسته. كان الصهاينة اليهود قد توزعوا في جهتين أولاهما ألمانية تسعى لوعد من غليوم الثاني بوطن قومي في فلسطين تحت رعاية وحماية ألمانيا حليفة تركيا وثانيتهما بريطانية وتسعى لنفس الهدف تحت رعاية وحماية بريطانيا.

ومع سقوط الحكم القيصري في آذار 1917 وبداية حكومة كيرنسكي الانتقالية بدأت مشاريع ومسودات الوعود تشق طريقها بألفاظ متباينة المعاني والمقاصد وتتراوح بين صيغة أن "ينشأ في فلسطين ملاذ لضحايا الاضطهاد اليهودية" (1). كما جاء في الصيغة التمهيدية التي أعدتها وزارة الخارجية البريطانية في زيران 1917 وبين أن "تقبل الحكومة البريطانية مبدأ الاعتراف بفلسطين وطنا قوميا للشعب اليهودي وحق الشعب اليهودي في بناء صرح حياته القومية بفلسطين تحت ظل حماية تجري إقامتها عند إبرام الصلح وعقب انتهاء الحرب إلى النجاح" (2)، كما جاء في المسودة التمهيدية الصهيونية في 12 تموز 1917. التي أشارت أيضا إلى "منح الاستقلال الداخلي للقومية اليهودية في فلسطين وحرية الهجرة اليهودية" (3).

ومع تباشير الثورة البلشفية في بداية نوفمبر 1917، تنبه البريطانيون إلى نوايا غليوم الثاني حيال فلسطين فأسرعوا بإصدار تصريح بلفور في 2 نوفمبر 1917…. وفي اليوم التالي للتصريح (3 نوفمبر) "ناقش ممثل وزارة الخارجية البريطانية مع الزعماء الصهاينة التدابير اللازمة لمكافحة البلشفية ولاجل صرف الجماهير اليهودية عن المشاركة في الحركة الثورية، وتقرر إيفاد قادة المنظمة الصهيونية العالمية بصورة عاجلة إلى روسيا وهم ناحوم سوكولوف، فلاديمير جابوتنسكي ويمئيل تشيلنوف وحاييم وايزمن" (4).

لقد هددت ثورة أكتوبر ومن ثم قضت على اكبر حلقة في الشبكة العالمية للمنظمة الصهيونية. وهذا هو السبب الذي جعل الصهاينة والبرجوازيين من حيث عقيدتهم ووضعهم المادي يستقبلون السلطة السوفييتية بروح عدائية. فالعداء للشيوعية هو السبب الذي جعل كل الاوساط الإمبريالية وكل التيارات السياسية البرجوازية اليهودية الكبرى تقدم للصهاينة باستمرار كل المساعدة والدعم. إن تحطيم الاساس الإيديولوجي للاشتراكية والشيوعية يعتمد على دور الصهيونية في منع يهود روسيا والاتحاد السوفييتي من الاندماج وعزلهم وهجرتهم كمنشقين عن السوفيت.

ولذلك نرى جميع الأحزاب اليهودية ومن ضمنهم الصهاينة والبونديين قد هبوا هبة صريحة وحازمة في وجه البلاشفة عندما استولوا على السلطة في روسيا ولم يكن العداء الصهيوني سلبيا وانما كان فعالا وهجوميا فقد تلاقت على مائدة أكتوبر أهداف الصهيونية السياسية والإمبريالية العالمية فولد وعد بلفور الذي يرسم في فلسطين بؤرة توتر دائم ليس على المستوى المحلي فحسب وانما يمتد بأياديه إلى قلب النظام السوفيتي الذي تلتقي مصلحة الصهيونية والإمبريالية على تدميره والإطاحة به.

لقد جاء التقاء مصالح واهداف الصهيونية اليهودية مع الصهيونية الإمبريالية غير اليهودية بعد سلسلة طويلة من المحاولات التي كانت حسابات كل طرف منهما لا تصب مباشرة في طاحونة الطرف الآخر إلى أن استل بلفور سيفا ذا شعبيتين احد نصليه انغرس في فلسطين لذبح شعبها وانغرس النصل الآخر في بلاد العرب والمسلمين  لتقطيع أوصال تلك البلدان   . العدو الأول للرأسمالية والإمبريالية العالمية. لقد كانت الصهيونية ضرورة حتمية للدول الاستعمارية الرأسمالية وهي تنتقل إلى اعلى مراحلها… إلى مرحلة الإمبريالية وبين شعبتي سيف بلفور الذي انتقل فيما بعد إلى امريكا كان اليهود انفسهم اول الضحايا وسيظلون كذلك إلى أن يتمكنوا من التخلص من الصهيونية، العدو الأول لليهود وللدين اليهودي ولتوضيح ذلك لا بد من عودة إلى الوراء.

جاءت الثورة الصناعية حاملة معها بوادر عالم جديد مليء بالمكشوفات العلمية وبمحاولات العلماء تسخير الطبيعة وما تحتويه من اجل مصلحة الإنسان. فقد تحطمت على يدها قيود الرق والإقطاع وما يمثلانه من امتهان لكرامة الإنسان وتبعيته التي جعلته جزءا من ممتلكات النبلاء والإقطاعيين. ومع اكتشاف الآلة وتطورها وتعدد مصادر الطاقة برز نوع من الانتاج جديد كما برزت علاقات للإنتاج الجديدة. فلم يعد العبيد اقنانا أو يعملون في مزارع النبلاء وانما تفتحت أمامهم آفاق جديدة مغمورة بأضواء الاستقلال الذاتي وبالحرية الفردية فتعلموا انتاج السلع بأنواعها المختلفة بعيدا عن صعوبات الحرث والبذر والري والحصاد الذي لا ينالهم منه غير الطوى والجوى ولقمة تقف في حلوقهم لغياب الماء. ومع تطور الآلة والطاقة برز تطور الانتاج من ناحيتي النوع والكم. وبرزت بالتالي آفاق انتاج سلع من نوع جديد، سلع ضرورية للتصدير، سلع تبادلية تحتاج لاسواق استهلاكية وبدأت معادة الضروريات تفرض نفسها.

- لا يمكن لصناعة أن تزدهر بدون أسواق لتصريف البضائع المنتجة.

- لا يمكن لصناعة أن تزدهر بدون توفر المواد الخام الضرورية لانتاجها.

- لا يمكن لصناعة بدون الايدي العاملة النشيطة والمبادرة لانتاجها.

- ولا يمكن لصناعة أن تزدهر بدون طرق تجارية آمنة تضمن وصول البضائع إلى الأسواق ووصول المواد الخام إلى المصانع.

وكان لا بد من عصر جديد لكي يفتح ذراعيه لاحتضان عصر الثورة الصناعية. واطل الاستعمار برأسه مجيبا… أنا لها، وكان لا بد من قوانين تحكم طبيعة المسيرة الاستعمارية وتبرر وجودها. وأرسى عصر الاستعمار قوانينه الخاصة. وكان لا بد له بادئ ذي بدء أن يضع الأساس الأخلاقي لتبرير جرائمه فكان قانون التفوق أول قوانين الاستعمار. واعتبر هذا التفوق عبئا على الرجل الأبيض يتطلب منه أن يضحي ويبذل جهدا مضاعفا من اجل رسالته الحضارية ومسؤولياته التاريخية الناتجة عن تفوقه. وعلى سدة قانون التفوق العنصري تربع قانون المصلحة ثاني قوانين الاستعمار. والمقصود به تأكيد مصلحة الدول الاستعمارية واتخاذ الشكل الأكثر ملائمة لتحقيق أقصى درجات الاستغلال. وتنطلق المصلحة من التفوق ولا تؤمن بالمبادئ والمثل. فما يخدم مصلحة الاستعمار في لحظة ما يجب التمسك به وإذا تعارض مع المصلحة بعد لحظات فلا بأس من تركه جانبا ومحاربته.

وانطلاقا من قانون المصلحة الاستعماري هذا نجد نابليون يعطي الوعد بإنشاء دولة لليهود في فلسطين. ويدعوهم "لاعادة بناء الهيكل باعتبارهم ورثة إسرائيل الشرعيين" (5) وذلك في آذار عام 1799. حيث كان يحلم باقامة دولة تابعة له في فلسطين لتشكل شوكة في حلق غريمته إنجلترا ولتصبح أداته في السيطرة على مصر وطرق المواصلات إلى الشرق. وبعد أن فشلت حملة نابليون إلى مصر عاد إلى أوروبا وحقق فيها انتصارات باهرة. وتألق تاج الامبراطورية على رأسه ولكنه ظل يحلم بمشروعه وخشي أن يستفيد الإنجليز من فكرته ببناء دولة لليهود في فلسطين. ولكي يسد الطريق عليهم وانطلاقا من قانون المصلحة الاستعماري دعا في عام 1807 إلى اجتماع السان هدرن وهو المجلس الكهنوتي الاعلى لليهود في أوروبا. وجعل الكهنة يتخذون قرارا يعلنون فيه إن اليهود ينتمون إلى قوميات البلاد التي يعيشون فيها وان اليهودية هي دينهم فقط، ومع هزيمة نابليون في واترلو ظهر خطر جديد يهدد الدول الاستعمارية، كان ذلك بروز نجم محمد علي وابنه إبراهيم باشا اللذين اندفعا في خطة جريئة لتوحيد المنطقة العربية. وما أن وصلت جيوش إبراهيم باشا إلى الأناضول حتى هبت كل أوروبا الاستعمارية لحماية الرجل المريض - تركيا من الخطر الذي شكله تحرك محمد علي. حتى فرنسا التي كانت حليفة لمحمد علي والتي قامت بمساعدته في تطوير جيشه وقفت إلى جانب الدول الاستعمارية في مؤتمر لندن عام 1840. انطلاقا من قانون المصلحة الاستعماري الذي يؤكد على المصالح المشتركة للدول الاستعمارية التي وان كانت تتناحر فيما بينها، إلا أنها تتفق عند بروز عنصر غريب من شأنه أن يضعضع مصالح الدول الاستعمارية وإذا كان التناحر هو سمة العلاقة بين الدول الاستعمارية فان العلاقة بين هذه الدول ومستعمراتها يحكمها قانون السيطرة ثالث قوانين الاستعمار، وتأخذ السيطرة أشكالا مختلفة تتناسب مع طبيعة الدولة الاستعمارية والبلاد المستعمرة ويلعب قانون المصلحة دوره في انتقاء شكل السيطرة الذي يضمن المصلحة القصوى. والى المدى الأقصى. كما أن السيطرة قد تنتقل من شكل إلى آخر لتتناسب مع طبيعة المرحلة ولتضمن استمرار الاستغلال.

وتشكل قوانين الاستعمار الثلاثة بترابطها، النظرية الاستعمارية. فانطلاقا من التفوق الذي يشكل المبدأ والمنطلق سعيا وراء تحقيق الاستغلال والمصلحة وهي ما يشكل الهدف لا بد من السيطرة. وهو الأسلوب الاستعماري لتحقيق تكامل نظريته. وفي كل النظريات التي توضع موضع التطبيق فان الإبداع لا يكمن في تحديد الأهداف أو المبادئ. وانما في استخدام الأساليب الصحيحة التي تحقق هذه الأهداف وهنا تتميز الدول الاستعمارية عن بعضها البعض وهنا تكمن عبقرية التوازن بين الرغبات والإمكانيات القادرة على تحقيقها. وهنا يبرز التوقيت الصحيح في استخدام أسلوب ما إن عدم استخدامه - فإذا كانت السيطرة عبر الاحتلال المباشر مفيدة في بعض الأحيان فأنها قد لا تكون الأكثر فائدة. وقد يكون استمرار الاحتلال المباشر مضرا. ولكن التجزئة - والتخلف والتبعية تظل الأساليب الأنجع لفرض السيطرة الاستعمارية لأطول مدى ولقد مارست كل الدول الاستعمارية هذه الأساليب متجمعة أو متلاحقة. لقد استخدمت بريطانيا أسلوب التدخل المباشر لتفرض انسحاب جيوش إبراهيم باشا إلى مصر. ومع استشعار بريطانيا للخطر الذي شكله طموح محمد علي وابنه إبراهيم باشا في بناء دولة مستقلة تضم مصر وسوريا الكبرى وشبه الجزيرة العربية كان لا بد من ابتكار أسلوب جديد لمعالجة هذه الظاهرة. وعلى السطح برزت أحلام نابليون التي لم يتوان الفايكونت بالمرستون رئيس بريطانيا باختطافها وعرضها على السلطان العثماني عبر رسالة إلى السفير البريطاني في القسطنطينية، يقول فيها "… إن عودة الشعب اليهودي بموافقة وحماية ودعوة السلطان سوف يقف حائلا دون أية مخططات شيطانية مقبلة لمحمد علي أو خليفته"(6).

وكما ذهبت أحلام نابليون أدراج الرياح فقد اصطدمت أيضا طموحات بالمرستون بالواقع، ذلك لان اليهود أنفسهم لم يكونوا معنيين ولا راغبين بما يطرح عليهم، فلقد كانت حركة الاندماج اليهودية (هسكلاة) في أوج نشاطها وكان مجرد دعوتهم لمغادرة أوطانهم ليذهبوا إلى بلاد أخرى لا تربطهم بها أية مصالح يضربهم كمواطنين في البلاد التي ينتمون إليها. ولم يستسلم خلفاء بالمرستون للواقع خاصة بعد افتتاح قناة السويس فعادوا للتمسك بمخططهم الصهيوني الاستعماري والدعوة لتوطين اليهود في فلسطين. ولقد تمكن ديزرائيلي رئيس وزراء بريطانيا من شراء حصة الخديوي من قناة السويس عام 1875 وكان ديزرائيلي ووزير خارجيته اللورد سالزبري يتبنيان مشروع بالمرستون فشجعا اللورد لورنس أولي قانت بالتفاوض مع الحكومة العثمانية حول ارض يمكن لليهود استيطانها ولكن الأحداث تلاحقت ففي عام 1880 فاز حزب الأحرار في الانتخابات وتولى غلادستون محل ديزرائيلي وفي عام 1881 وقعت المذابح المعادية لليهود في روسيا اثر اغتيال القيصر. وقد نتج عن هذه المذابح هجرة واسعة من يهود روسيا إلى أوروبا الشرقية والغربية مما أسرع في انهيار حركة الاندماج كما إن صدور قوانين أيار في روسيا عام 1882 والتي تضيق الخناق على حياة اليهود زادت في هذه الهجرة. وتشكلت مراكز يهودية متبنية دعوة ليوبنسكر في كتابه (التحرر الذاتي) وظهرت منظمة أحباء صهيون، الداعية إلى الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها. وبحث الصهاينة اليهود عن صهاينة بريطانيا أمثال (بالمرستون وشافنسري وديزرائيلي وسالزبري)… فلم يجدوهم… لقد احتلت بريطانيا مصر، عام 1882 واستخدمت لسيطرتها أسلوب الاحتلال المباشر. فكان لا بد لليهود الصهاينة أن يبحثوا عن داعم جديد بعد أن أخذت حركتهم السياسية تتبلور باتجاه المؤتمر الصهيوني الأول وبادر هرتزل بالاتصال المباشر بصادوق خان الحاخام الأكبر في تركيا معلنا انه يعتبر نفسه وحركته صديقين للسلطان (وانه مستعد لوضع الصحافة اليهودية في خدمة تركيا وطلب أن يحضر مناقشات المؤتمر مندوب عن جلالة السلطان ليقف بنفسه على الأدلة الساطعة على التزام المؤتمر بهذا التعهد وأكد "إن اليهود المشتتين إذا نالوا الموافقة على توطن فلسطين فانهم سيصبحون رعايا مخلصين لجلالة السلطان بشرط تمتعهم بحماية مؤكدة ومضمونة" (7).

وفي مواجهة دعاة الهجرة إلى امريكا من اليهود والذين كانوا يعتبرونها اورشليمهم ويعتبرون واشنطن بمثابة ارض صهيون. سعى هرتزل إلى التقرب من الإمبراطور غليوم لدعم مشروعه وقد تحقق له اللقاء على رأس وفد صهيوني مع الإمبراطور في مدينة القدس التي كان الإمبراطور يزورها عام 1898. وقد اكد الإمبراطور للوفد الصهيوني بان "المساعي الصهيونية في فلسطين التي تحترم سيادة حليفته تركيا تستطيع أن تعتمد على رعايته الكاملة" وقد ترجم الإمبراطور وعده بهذه الرعاية بتوثيق العلاقة بين المستوطنين والصهاينة والمستوطنين الألمان من جماعة هوفمان الذين بدأوا عام 1870 بإنشاء مستعمرات زراعية ألمانية في القدس وحيفا ويافا تنفذا لمشروع القائد العسكري الألماني مولتكه يجعل فلسطين مستعمرة ألمانية.

وكانت أهمية فلسطين بالنسبة لبريطانيا تعود لاعتبارها بوابة مصر وقناة السويس ولذلك فان بريطانيا كانت تخشى من ولاء دولة اليهود لاعدائها وخصومها ولذلك عمدت في عهد رئيس الوزراء سالزبري ووزير المستعمرات تشامبرلين بتوجيه المؤتمر الصهيوني إلى اماكن اخرى للاستيطان واستيعاب تدفق المهاجرين اليهود من روسيا ورومانيا الذين كان معظمهم يتجه نحو بريطانيا والولايات المتحدة.

"وكان تشامبرلين كغيره من الصهاينة الانجليز غير اليهود يحبذ سياسة الحد من تدفق تيار المهاجرين اليهود إلى بريطانيا بسبب الكوارث التي تصيب الطبقة العاملة الانجليزية نتيجة الهجرة غير المقيدة" (8). وفي عام 1902 تشكلت اللجنة الملكية لهجرة الغرباء لتجد حلا يضع حدا لهذه الهجرة غير المقيدة. واستمعت اللجنة إلى عدد كبير من الشهادات كانت اهمها شهادة هرتزل الذي قدم للجنة حلا عمليا على اسس صهيونية، لقد قال في شهادته.

"لا شيء يحل المشكلة التي دعت اللجنة لبحثها وتقديم الرأي بشأنها سوى تحويل تيار الهجرة الذي سيستمر بقوة متزايدة من أوروبا الشرقية، إن يهود أوروبا الشرقية لا يستطيعون أن يبقوا حيث هم، وأين سيذهبون؟. إذا كنتم ترون أن بقاءهم هنا غير مرغوب فيه، فلا بد من ايجاد مكان آخر يهاجرون إليه دون أن تثير هجرتهم له المشاكل التي تواجههم هنا. لن نبرز هذه المشاكل إذا وجد وطن لهم يتم الاعتراف به قانونيا وطنا يهوديا"(9).

وبعد بضعة اشهر من شهادة هرتزل هذه استقبله تشامبرلين وكان هذا هو اول لقاء بين الصهيونية السياسية اليهودية والصهيونية الانجليزية غير اليهودية، وكان تشامبرلين يهدف من سيطرته المباشرة على الصهاينة اليهود بتوجيههم لخدمة الاستراتيجية الاستعمارية البريطانية من جهة وابعادهم عن بريطانيا من جهة ثانية، وجاء تشامبرلين على هرتزل باستعمار السويس في سيناء. ولم يكن العرض مناسبا لطموحات هرتزل والصهيونية ولكن تشامبرلين عاد وعرض على هرتزل أوغندا عام 1902 ومع أن العرض احدث إرباكا وشق المؤتمر الصهيوني السادس إلا انه لم يمت بشكل كامل إلا بموت هرتزل نفسه في العام التالي وبالتمسك بفلسطين وحدها في المؤتمر الصهيوني السابع.

كانت بريطانيا العظمى اكبر الدول الاستعمارية وأكثرها خشية من المستقبل ولمواجهته بصورة علمية قام رئيس الوزراء البريطاني السير هنري كامبل بنرمان بتشكيل لجنة الاستعمار عام 1907. وقد ضمت نخبة من أساتذة الجامعات في شتى العلوم والمجالات كالاقتصاد والتجارة والبترول والزراعة والتاريخ. والاجتماع… كما ضمت هذه اللجنة اجتماع أعلام السياسة في الدول الاستعمارية فرنسا بلجيكا هولندا، البرتغال، إيطاليا أسبانيا وبريطانيا. وكانت كلمة بنرمان في الافتتاح تشكل تحديدا واضحا لمهمة اللجنة حيث قال: "… إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حد ما ثم تنحل رويدا ثم تزول. والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة فهنالك إمبراطوريات روما وأثينا والهند والصين وقبلها بابل وأشور والفراعنة وغيرها، فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره. أو تؤخر مصيره. وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفذت مواردها وشاخت معالمها بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية؟. هذه هي مهمتكم ايها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا…"(10).

كان واضحا أن على اللجنة تحديد الأساليب التي تمنع سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية القائمة والتي تؤمن سيطرتها الدائمة من اجل استغلال اشمل وأطول.

وأساليب الاستعمار المعروفة للسيطرة لا يمكن استبعادها وان كان مطلوبا تطويرها وملاءمتها لواقع كل حالة. فالاستعمار التقليدي بحاجة إلى ثوب جديد يستبدل الجيوش والاحتلال المباشر. بقواعد عسكرية أو بانتداب مؤقت. ليتطور إلى شكل حكومات عميلة ومنظمات دولية خاضعة أو شركات متعددة الجنسيات.

وكان أهم ما واجه لجنة الاستعمار هو وضع منطقة البحر الأبيض المتوسط وخاصة شرقه وجنوبه. حيث يمتد العالم العربي في وحدة جغرافية من المحيط إلى الخليج ووحدة تاريخية عريقة تؤكدها لغة مشتركة ودين مشترك وثقافة مشتركة وآمال بالمستقبل واحدة موحدة ناهيك عن سيطرته الكاملة على ثرواته الطبيعية وموارده البشرية التي إن تحققت فأنها ستشكل للاستعمار الضربة القاضية.

وأجمعت كل الدول على إن مصالحها المشتركة تكمن في بقاء هذا الجزء في حالة تجزئة وتخلف ولكي يستمر ضمان ذلك على المدى الطويل كان لا بد من استخدام أسلوب استعماري جديد يضمن ديمومة السيطرة على هذه المنطقة. ولقد استوحت لجنة الاستعمار اكتشافها من ملفات نابليون وبالمرستون وديزرائيلي الذين نادوا بإقامة كيان صهيوني في فلسطين يشكل حاجزا بشريا يعمل لخدمة الاستعمار ولئن كانت صرخاتهم في البرية قد ذهبت سدى لعدم إصغاء اليهود الذين كان الاندماج يشدهم إلى الأوطان التي ينتمون إليها. إلا أن صراخ المذابح في روسيا وما تلاه من هجرات ومؤتمرات صهيونية يعمل على استيطان فلسطين جعلت لجنة الاستعمار تكتشف ان الحل الوحيد يكمن في فرض حالة التوتر الدائم في المنطقة وكما استرعت قناة السويس بوصفها المعبر الأساسي لطرق الاستعمار فقد شد رأس الرجاء الصالح أيضا انتباه إنجلترا التي كانت تخشى من حرب تسد في وجهها قناة السويس. ومن هنا كانت بداية الترابط بين الشكل والأسلوب الجديد للاستعمار. الاستعمار الاستيطاني، الجسم الغريب الذي يشكل حالة التوتر الدائم والذي يشكل حالة استعمار مركزه تجمع في بؤرتها كل قوانين الاستعمار بشكل سافر. فقانون التفوق العنصري يترجم نفسه بوضوح في شعار (شعب الله المختار) وفي ممارسة التمييز العنصري كما أن قانون المصلحة يترجم نفسه على المدى الاستراتيجي باعتباره يحقق مصلحة دائمة متعددة الأبعاد والأشكال، أم السيطرة فتتحقق عبر أنابيب الدعم اللانهائي من قوى الإمبريالية فتتكرس بها أشكال وأساليب السيطرة الأخرى من تجزئة وتبعية وتخلف وترتاح الإمبريالية من أشكال الاحتلال المباشر السافر.

وسارعت بريطانيا بزرع بؤرة التوتر الأولى في جنوب أفريقيا ضاربة عرض الحائط بحقوق سكان أفريقيا الأصليين. كان القرار البريطاني بإصدار قانون تأسيس اتحاد جنوب إفريقيا عام 1909 ثم جاء القرار البريطاني بإصدار وعد بلفور الذي يزرع بؤرة توتر دائم في فلسطين لتلبي متطلبات لجنة الاستعمار التي جاء في تقريرها "أن الخطر يكمن في هذه المنطقة بالذات وبصورة خاصة في تحررها وتثقيف شعوبها وتطويرها وتوحيد اتجاهاتها، لذلك فعلى الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخرها وتجزئتها وابقاء شعوبها مفككة جاهلة متناحرة. وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من الارتباط الفكري والروحي أو التاريخي. وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها بعضها عن بعض. وكوسيلة أساسية مستعجلة ولدرء الخطر توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي غريب بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة" (11).

     لقد كانت المراسلات بين بلفور والرئيس الأمريكي ولسون هي حددت الصيغة النهائية لوعد بلفور والتي اتبعها ولسون بإعلانه في آب 1918 ليس بالإشارة إلى وطن قومي يهودي في فلسطين وانما بتأسيس دولة يهودية حيث قال "اعتقد إن الأمم الحليفة قد قررت وضع حجر الأساس للدولة اليهودية في فلسطين بتأييد تام من حكومتنا وشعبنا" (12).

لقد بدأت الصهيونية معركتها الأولى تحت شعارات مختلفة تقوم أساسا على جوهر  هجرة ما يسمى اليهود من البلدان التي هم مواطنين فيه وما يسميه البيت الأبيض حقوق الإنسان.  

 

لقد بدا التحالف الصهيوني الإمبريالي منذ توقيع وعد بلفور وبلغ ذروته في إعلان التحالف الاستراتيجي بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.  

 

حدث هذا في الوقت الذي ربط فيه الصهاينة مصير اليهود في العالم بخطة الإمبريالية ضاربين عرض الحائط بالمآسي التي ستواجه اليهود نتيجة هذه الخطة. لقد أعلن وعد بلفور بداية استراتيجية التوتر الدائم. واصبح الهدف الذي أعلنته الصهيونية اليهودية في مؤتمراتها وهو - إقامة دولة يهودية في فلسطين - مجرد أسلوب من أساليب الإمبريالية لفرض سيطرتها ولكنه يتمتع بصفة الأسلوب الاستراتيجي الطويل الأمد لالتزامه بضرورة الاستمرار والديمومة. ولقد تشبثت الدول الإمبريالية بهذا الأسلوب بعد تزايد أهمية دوره نتيجة لكميات النفط الهائلة التي اكتشفت في المنطقة.

واستمرت المعركة الإمبريالية الصهيونية على جبهة فلسطين . فعلى ارض فلسطين بدأت المعركة حامية الوطيس بين شعب اعزل يناضل دفاعا عن أرضه وحقه في الوجود وتقرير المصير وبين غزو استيطاني إجلائي يستهدف طرد الناس من وطنهم مدعما بانتداب شرس.

 

 

ولم تتوقف المعركة أثناء الحرب العالمية بل أخذت شكلا غريبا. ففي الوقت الذي كان فيه النازيون يرتكبون المجاز ضد فقراء اليهود. كان الصهاينة يقيمون الاتصالات ويعقدون الاتفاقيات مع النازيين لضمان هجرة اليهود الألمان إلى فلسطين.

"ونظرا لأن فلسطين لم تكن لتستوعب كل اليهود الخارجين من البلدان التي تقع تحتس سيطرة النازية، فقد كان هناك اقتراح بنقلهم إلى مدغشقر على أن تمول نقلهم وأقامتهم مجموعات أصحاب الملايين اليهود.

ألا أن هذه الاقتراحات جميعا التي كانت ضمن مشروع "شاخت" لم يكتب لها النجاح ولم تر النور… والسؤال الذي لا بد أن نطرحه هو، لماذا نجحت اتفاقية هعفارا الفلسطينية بينما فشلت هعفارا الدولية ؟ مع العلم أن الهدف الظاهر لكلا الاتفاقيتين هو إنقاذ اليهود. وسؤال آخر يرد أيضا يتعلق بالجهات التي وقفت في طريق تنفيذ هعفارا الدولية أو من هي الجهات صاحبة المصلحة في تعطيل مثل هذه الاتفاقية؟.

للإجابة على هذه الأسئلة نورد هنا النقاط التالية:

1- ترى اليهودية العالمية أن أية هجرة لغير فلسطين (الوطن القومي اليهودي) هي غير ذات فائدة أو جدوى، ولذلك فانها لن تكون مشجعة للخوض فيها او مناقشتها لان مثل هذه الهجرة ستصيب المشروع الصهيوني بالضرر الفادح.

2- إن مشكلة إنقاذ اليهود - بصفتهم الإنسانية - لا تشغل بال الحركة الصهيونية طالما إن هذا الإنقاذ لن يحقق الهدف المنشود وبالتالي فإن أية تضحية في غير هذا المنحى تذهب إدراج الرياح.

3- كان واضحا من نتائج مؤتمر ايفيان أن الدول الغربية التي اشتركت فيه لم تكن راغبة في استقبال أعداد من المهاجرين اليهود على أراضيها، ولذلك فإن كل دولة من هذه الدول تذرعت بأسباب لتؤكد أنها غير قادرة على استقبال أحد. وطالما أن هذه الدول غير راغبة في ذلك فإن المنظمات الصهيونية واليهودية العالمية لا تستطيع أن تخرج على إرادتها، هذا إذا افترضنا أن لديها الرغبة في ذلك" (19).

"إلا أن شاخت نفسه يلقي باللائمة على الدول الغربية ويعتبرها السبب الأساسي في وضع العراقيل بوجه مشروعه، ففي آخر خطاباته عام 1939 قال: إن القوى الغربية أضاعت فرصة عظيمة برفضها مشروعه حين كان يحظى بدعم هتلر وتأـييده ولو نفذ هذا المشروع لما فقد يهودي ألماني واحد حياته" (20).

هكذا ينفذ الصهاينة دورهم كعدو رقم واحد لليهود الذين لا ينصاعون لأرادتهم كأدوات للسياسة الإمبريالية فانهم يعتبرون أن كل شعوب دول العالم ضد اليهود خاصة الاتحاد السوفيتي متناسين حقيقة الدور العظيم الذي لعبه الاتحاد السوفيتي لإنقاذ ملايين اليهود من مجزرة النازية التي كانت الصهيونية تحاول أن تلقيهم بين أنيابها.

 

وتستمر المعركة على ارض فلسطين وتضع الدول الاستعمارية والإمبريالية كل ثقلها لتنفيذ خطة الاستعمار واعلان ولادة الكيان الصهيوني تحت اسم "دولة إسرائيل" وتصبح الصهيونية اليهودية سياسة دولة هي في حقيقتها ترسانة أسلحة وقاعدة عسكرية للإمبريالية الأمريكية. وتستمر المعركة ضد  الشعب الفلسطيني بشكل جديد وسافر بألأستخدام كافة الوسائل  من اغتيالات وتضليل للرأي العام العالمي تحت شعار الإرهاب الفلسطيني و حق الأمن للشعب الإسرائيلي وتستمر المعركة ضد الشعب الفلسطيني… وضد الأمة العربية ويتمطى الكيان الصهيوني بأسلحته الأمريكية ويتوسع ويحتل ويرتكب جرائم… . وتلعب الصهيونية دورا قذرا في هذا المجال مبنيا على التزوير والخداع والتضليل للمواطنين اليهود أنفسهم . وعلى الإرهاب والبطش ضد المواطنين الفلسطينيين والعرب في الأراضي المحتلة وخارجها.

  إن المغامرة السياسية واحتلال الأراضي العربية والعدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني والمتمثل  في جرائم الاغتيال واعمال العنف والتعذيب  إن المسؤولية عن كل هذه الجرائم تتحمله الدوائر الإسرائيلية الحاكمة وزعماء الصهيونية الدولية…                

 

 

وتستمر المعركة ضد بؤرة التوتر الدائم في فلسطين ويصعد  الشعب الفلسطيني من مجابهته للصهيونية  بدعم المقاومة الفلسطينية وبمبادراته من اجل سلام عادل ووطيد في منطقة الشرق الأوسط يضمن الحقوق المشروعة والثابتة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة على ارض فلسطين وعاصمتها القدس. وان تحقيق هذا السلام لا يتم بالاستسلام عبر الصفقات المنفردة… مثل كامب ديفيد أو الحكم الذاتي وانما عبر مؤتمر دولي تشارك فيه منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني على قدم المساواة مع كافة الأطراف المعنية والدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

وتستمر المعركة ضد بؤرة التوتر الدائم في الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة، ويتصاعد الكفاح المسلح على طريق النصر مؤكدا أن اندحار بؤرة التوتر المغروسة في جسم الوطن العربي لا يمكن أن يجابه بالضعف والمساومة وانما بالمقاومة والكفاح وبخلق توتر دائم في الكيان الصهيوني يجعله ينصاع للإرادة الدولية ويحوله من حام لمصالح الإمبريالية في المنطقة إلى سبب مباشر بتهديدها المستمر على طريق تصفيتها النهائية. إن عدو التوتر الدائم هو السلام الوطيد الدائم. ولقد جاء في بيان اللجنة الاجتماعية السوفيتية لمناهضة الصهيونية الصادر بعنوان "الصهيونية خطر على سلام وان الشعوب" "إن اكثر فصائل الإمبريالية رجعية تستخدم الصهيونية الدولية بنشاط في هجومها الشامل على السلام وأمن الشعوب وعلى التقدم الاجتماعي… وان نهج إسرائيل السياسي والنشاط التخريبي الذي تمارسه مراكز الصهيونية الدولية يخضعان للمصالح الاستراتيجية للإمبريالية، وان الصهيونية بحكم جوهرها وأغراضها العدوانية ليس من مصلحتها لا السلام، لا الاستقرار ولا تعزيز الثقة بين الشعوب" (23).

هذه هي استراتيجية التوتر الدائم التي أعلنها وعد بلفور… ولكن ارادة الشعب الفلسطيني في الاستمرار ومواصلة الكفاح بكافة أشكاله مدعما بكل قوى التحرر والتقدم والسلام أعداء الإمبريالية والصهيونية لا بد لاستراتيجية بلفور أن تندحر. ولا بد لارادة شعب فلسطين أن تنتصر.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 10 نوفمبر 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

385,343