خواطر إيمانية

يهتم الموقع بالتدبر والتفكر في آي القرآن الكريم لاستنباط معانيها الباطنة

 

      المبحث الثاني
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

    لم يختلف العلماء في حقيقة أن {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} آية من الفاتحة. ومنهم من يعتبرها الآية الأولى. إذاً سيكون تفصيلها هو المرتكز الذي سنقارن به نتيجة تفصيل آيات الفاتحة الأخريات، ونتيجة تفصيل {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يت تفصيل الآية بالأسئلة والبحمث عن الإجابات من الآيات المفصلات ومن بعض الأحاديث
تفصيل الآية {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
  إن اللاسئلة التي سيتم بها تفصيل الآية {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي: ما معنى رب العالمين ؟ ما الفرق بين  الله وبين رب العالمين وماهي العلاقة بينهما ؟  ما المقصود بالحمد؟ وما حكمه؟ وما كيفيته؟   ما هي أسباب الحمد لله رب العالمين؟ خامساً: ما هو سبب نزول الآية {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} بهذه الصورة؟
تعريف رب العالمين من آيات القرآن
      بالرغم من أن الاسمين الله والرحمن هما علمان على رب العالمين فمن البديهي أن   تكون صفات رب العالمين هي نفس صفات الاسمين، إلا أننا سنتبع نفس المنهج لاستخراج صفات رب العالمين لتوكيد ذلك. لذا سيتم حصر معظم الآيات التي ورد فيها مصطلح "رب العالمين" وتحليلها من أجل الوصول لمعناه. والآيات هي:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَ وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}9-12 فصلت. إن آيات سورة فصلت توضح أن رب العالمين هو الذي خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام سواء للسائلين وخلق السماوات وما فيهن في يومين. أي أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام. إذاً رب العالمين هو الخالق ثم ورد اسمه الشفع "العزيز العليم" في نهاية الآية. والآيات: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}21-22  البقرة  تعضد أنه خالق السماوات والأرض وتوضح أن رب العالمين هو مالك هذا الكون وهو الذي يوفر الماء من السماء لعباده جميعاً بما فيهم الكفار والعاصين ويرزقهم,

فهوالمعبود الأوحد الذي لا يشرك به شيئاً. وهوالرازق والملك والمهيمن على ملكه. اي أنه المالك المتصرف فيه وآيات الحوار التالي بين فرعون وسيدنا موسى عليه السلام : {قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى}{قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى} {قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي في كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى}{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ  فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى}  49-53 طه تبين أن سيدنا موسى قد أوضح لفرعون: أن رب العالمين هو الذي رزق خلقه وأمدهم بكل شيء ثم هداهم إلى عبادته.إذاً الله هو الرازق وهو الهادي.فقال السحرة لفرعون بعد أن تأكدوا من صدق سيدنا موسى: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَالله خَيْر وَأَبْقَى} {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى}{وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى}73-75 طه ففي هاتين الآيتين جاء تعريف لرب العالمين بأنه الحسيب" أي مالك يوم الدين الذي يحاسب خلقه يوم أن يرجعوا إليه. وهو المحي المميت لأن الكافرين لا يميتهم في النار ولا يحيهم.  والآية:{رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}                                                 66 الإسراء فيها توكيد بأن رب العالمين الذي اسمه الله واسمه الرحمن يرحم عباده جميعاً المؤمنين والكافرين في الدنيا. فمن صفاته الرحمة المبالغ فيها، أي أن من أسماء صفاته الرحيم . والآية 124 آل عمران الآتية توضح رحمة رب العالمين للمؤمنين في الدنيا: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ}124 آل عمران أما رحمة رب العالمين للمؤمنين المتقين في الآخرة فتوضحها الآية:{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} 30 النحل والآيات التالية تضيف له صفات أخرى وهي:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}59 القصص و{وَرَبُّكَ  يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}القصص.  أما هاتين الآيتين فقد جاء فيهما تعريف لرب العالمين بأنه مرسل الرسل وحده وأنه يعلم السر والجهر أي أن له الكتب وأنه  عالم الغيب والشهادة.  والآية التالية توضح أن رب العالمين له الكتب أيضاً: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } 2 السجدة  كما أوضحت الآية التالية: {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} 90 هود  أن لرب العالمين أسماء الصفات الرحيم، الودود، الغفور والتواب. مما يؤكد أن لرب العالمين جميع صفات الاسم الله. إذاً رب العالمين هو الله. فهل هنالك فرق بينهما؟ وما العلاقة بينهما؟                    ثانياً: الفرق بين الاسمين  "الله" و "رب العالمين" والعلاقة التي تربط بينهم                                                                إن كلاً من "الله" و"رب العالمين" اسمان يدلان على الذات الإلهية. فالله هو رب العالمين ورب العالمين هو الله. ولكن هنالك إختلاف بين الاسم "رب العالمين" وبين الاسم "الله". فالاسم الله هو علم على الذات ورب العالمين هو اسم علم على المنصب الذي تتبوأه الذات. وتوضيح الفرق بين الاسمين يتطلب ضرب بعض الأمثلة لتقريب الفهم ولله المثل الأعلى. والمثال هو: مكانة أو منصب الوالد والوالدة في الأسرة:  لقد اختير هذا المثال لأن هذه المكانة يتبؤها شخص واحد ولا يتداولها أفراد غيره كمنصب رئيس البلاد الذي يتناوب فيه كثير من الناس. ولهذا نجد مكانة أو منصب رئيس الأسره  أكثر دلالة علي الوالد لوجود أسماء كثيرة مشابهة لاسمه في أسر أخرى. فالوالد هو المسئول الأول عن تدبير شئون أسرته. وبالرغم من أن الشخص واحد إلا أن هنالك قاعدة ثابتة وهي أن أفراد الأسرة ينتمون للرئيس(أي الوالد) بصلة المكانة ولا ينتمون له باسمه هو. فإذا كان اسمه أحمد يقال جاء أبي وذهب أبوكم. ولا يقال جاء أحمدي وذهب أحمدكم. وتنطبق هذه القاعدة على جميع أفراد الأسرة لتوضيح انتمائهم لبعضهم البعض. فيقال هذا اخي وهذا عمي وذاك عمكم وهكذا.  فيتضح من ذلك أن الاسم الذي يوضح الصلة التي تربط أي مخلوق بالمسئول عنه  هو اسم المكانة التي يتبوأها ذلك المسئول. كما ان اسم القرابة أو القربى هو الذي يوضح صلة الناس ببعضهم البعض كالأبوة أو الأخوة أو الجيرة أو الزماله وإسم المنصب أو المكانة يكون دلالة واضحة علي الذات التي تتبؤها. فعندما يذكر اسم المكانة فقط كالرئيس أو المدير أو الوالد أو الجار مثلاً نعلم أن المقصود هو الذات المحددة والمعروفه التي تتبوأ تلك المكانة ونعلم اسمه. ولكن لو ذكرنا اسمه فقط أي اسم الشخص الذي يتبوأ تلك المكانة لا نستطيع التعرف عليه لكثرة المسميين بذلك الإسم. ولكنه يعرف في الحال بمجرد تعريفه بمكانته. لهذا السبب كانت المكانة دلالة علي الذات أكثر من الإسم بالنسبة  للخلائق في الدنيا. ولكن مكانة "رب العالمين" هي المكانة الوحيدة التي يتم منها تصريف شئون جميع الخلق في الدنيا والآخرة وتتبوأها ذات واحدة لم ولن تتغير. فإذا ذكر اسم المكانة رب العالمين علمنا أن المقصود هو ذات الإله الذي اسمه الله واسمه الرحمن. وإذا ذكر الاسم الله أو الاسم الرحمن علمنا أن المقصود هو "رب العالمين" لأن أسماءه لم ولن يتسمى بها مخلوق غيره ولهذا كانت أسماؤه دلالةً على ذاته كمكانته تماماً لا اختلاف بينهما. وهذا هو الفرق بين اسمي الوالد الوالده في الدنيا اللذين يشترك في تسميتهما آلاف الناس معهم. ولهذا يكون اسم مكانتهما  أكثر دلالة عليهما. وقد جاءت كلمة رب مشتركة في اسمي المكانة "رب العالمين" و"رب الأسرة" لأن رب العالمين هو الذي كون العالم وأنشأه حيث لم يكن قبله فصار مالكه وملكه المتصرف فيه وحده. وكذلك الوالد هو الذي كون الأسرة حيث لم تكن قبله فصار مالكها وملكها والمتصرف فيها. ولهذا لم يطلق هذا الاسم على أي مكانة أخرى لأن كل المناصب الأخرى أي المكانات الأخرى يجدها من يتبوؤها جاهزة فيديرها فقط وليس له ملكها. ولهذا يتناوب فيها الكثيرون كرئيس البلاد مثلاً. وبالرغم من أن الوالد يسمى رب الأسرة لأنه هو الذي أنشأها فهو لم ينشئها من عدم كإنشاء الله للعالمين. بل انشأها مما أنشأه الله أصلاً وبإذن الله. فربوبيته هي جزء يسير من ربوبية رب العالمين. ولهذا نجد الفرق شاسع ولكن ربوبية الأسرة تساعد على فهم الفرق بين اسم الذات واسم المكانة الرب ولله المثل الأعلى. إن لرب العالمين أسماء كثيرة لم يتسم بها غيره ولمكانتة التي يتبوؤها أسماء كثيرة أيضاً لم تتسم بها مكانات أخرى. ولهذا السبب إذا ذكر أي اسم من اسماء الذات "الله" أو "الرحمن" أو  "الرحمن الرحيم"  نعلم أن المراد هو "رب العالمين". وإذا ذكر أي اسم من اسماء المكانة "رب العالمين" أو "ملك الناس" أو "إله الناس" أو "رب المشارق والمغارب" أو "رب العرش" نعلم أن المقصود هو الإله الذي اسمه "الله" واسمه "الرحمن" واسمه "الرحمن الرحيم" الخ. فالفرق إذاً بين الإسمين "الله" و "رب العالمين" هو أن الله اسم علم على ذات الإله. وبالتالي لا ينتمي خلقه إليه بهذا الاسم. أما الاسم "رب العالمين" لم يكن من أسماء الذات التسعة وتسعون اسماً وإنما هو اسم منصبه ولهذا ينتمي له الخلق عن طريقه فنقول: قال ربكم وربنا وربي. فالضمائر (ياء المتكلم، نا المتكلمين وميم المخاطبين وكاف المخاطب والمخاطبه وهم للغائبين) يضافون لاسم المكانة ولا يضافون لاسم الذات. ويمكن أن تعتبر "قاعدة للإنتماء" إن  اسم المكانة رب العالمين هو أصل أسماء المكانة التي تتبواها الذات الإلهية وأمها لأنه ورد في أم الكتاب والله أعلم.  وبما أن الاسم "رب العالمين" هو دلالة على الذات فهو يأتي في بداية الآيات كاسميه الله والرحمن وتأتي أسماء صفاته في نهاية الآيات                                              العلاقة بين "الله" و "رب  العالمين   

 بما أن الله علم علي رب العالمين وأن كلاً منهما دلالة على الآخر فهم متطابقين تطابقاً كاملاً. ولهذا يعرب كلاً منهما بدل تطابق كامل. إذا ذكر أحدهما أدى الغرض واستغني به عن الآخر. والدليل علي ذلك هو الآيات التالية: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} 96 الواقعة  لقد جاء الأمر من الله لرسوله الكريم بأن يسبح باسم ربه العظيم. فكان جواب هذا الأمر هو سبحان الله العظيم بدلاً عن سبحان ربي العظيم. أي أن الاسم الله قد جاء بدلاً عن كلمتي اسم ربك. فصار الاسم الله هو اسم الرب أي اسم الذات التي تتبؤ مكانة الرب العظيم. ووردت كلمتي إسم ربك في كثير من الآيات . والآيات التالية توضح التطابق والابدال بين اسم الذات الله واسم المكانه رب العالمين  بصورة واضحة :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}21-22 البقرة .  ففي الآية الأولى كان الأمر بالعبادة للرب وهي مكانة سيد الكون والقصد الذات. هنا لم يذكر الإسم لأن اسم المكانة قد أدى الغرض بدلاً عنه. كما أن ذكر المكانة في هذه الآية له أهميته وهي إضافة ضمير المخاطب في ربكم لتطبيق قاعدة الإنتماء والله أعلم. أما الآية الثانية والتي هي توضيح لرب العالمين بالإسم الموصول: الذي خلق السموات والأرض وأنزل الماء ومنحنا الرزق والثمرات وأن لا نجعل له أنداداً، أي نوحده ونعبده وحده، لم تأمرنا بالتوحيد لرب العالمين وإنما أمرتنا بالتوحيد له باسمه الله فاستبدل اسم المكانة بالاسم الله في نهاية الآية"فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً" مما يؤكد تطابقهما تطابقاً كاملاً لانهما دلالة لذات واحده. هنالك آية أخرى تؤكد تطابق "الله" و"رب العالمين" وهي:{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إذنه ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}3 يونسحيث جاءت بدايتها ربكم الله ونهايتها الله ربكم. فلا مجال لأن  يكون المبتدأ خبراً والخبر مبتدأً إلا إذا كانا مترادفين. ومن هنا نستنتج أن الاسم الرحمن هو أيضاً مطابق لاسم المكانة "رب العالمين" لأن كل الآيات المفصلة قد أكدت أن الرحمن هو الله وهو الإله وهو الملك وهو الرب. وإذا تمعنا في الآية: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} 13 الرحمن نجدها قد تكررت في سورة الرحمن وطابعها هو تعجب المولى عز وجل من إنكار الثقلين لنعمه الظاهرة. ولكنها لم تأتي بالاسم الرحمن وإنما جاءت باسم المكانة ربكما مطبقة بذلك قاعدة انتماء الخلق لخالقهم باسم مكانتة وليس باسمه الرحمن والله أعلم.    

ثالثاً:  المقصود بالحمد وحكمه وكيفيته                            يمكن الوصول للمقصود بالحمد من تحليل الآيات الآتية: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَ الله بِمَا تَعْمَلُون بَصِيرٌ} 2 التغابن{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا}2-3 الإنسان {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}152 البقرة {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}7 إبراهيم . ففى الآية 2 التغابن نجد أن الناس سينقسمون إلى فريقين فقط ؛ فريق مؤمن وفريق كافر. وفي الآية 1 الإنسان،  نجد أن الإنسان إما شاكراً وإما كفوراً. وهذا  يدل على أن الشكر قد أوقع موقع الإيمان. و ما ورد في توضيح "إما شاكراً وإما كفوراً" يؤكد ذلك1: وقوله تعالى: { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } منصوب على الحال من الهاء في قوله: { إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ } تقديره: فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد؛ كما جاء في الحديث2: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو، فبائع نفسه فموبقها، أو معتقها" والحديثان يوضحان حال الفريقين: المؤمن والكافر يوم القيامه. وبالتالي يكون الشكر هو الإيمان لأنهما نقيضا الكفر. أما معنى الآية "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ" 152 البقرة، فيوضحه حديث زيد التالي: عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه: «تذكرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني». فقد أوضح هذا الحديث أن الشكر هو ذكر. وتوصل البحث إلى أن الذكر هو توكيد للإيمان. إذا الحمد أو الشكر هو توكيد للإيمان أصلاً. فلن يذكر الله أو يشكره إلا من كان مؤمناً ومصدقاً أساساً بوحدانيته.إذاً المقصود بالحمد بصورة عامة هو توكيد للإيمان بوحدانية الله ونعمه. كما مقصود به الصبر على طاعة الله والصبر على أقداره خيرها وشرها. وليس كما يعتقد الناس  أن الشكر يكون على النعم  فقط  والصبر يكون على المصائب فقط. والصحيح هو: أن الحمد يكون على النعم وعلى المصائب أيضاً. وسوف نذكر من الآيات دليلاً للشكر والصبر على المصائب ودليلاً للشكر والصبر على النعم.                                                     

الحمد صبراً على الأقدار شرها                                       إن خير ما يوضح المقصود بالحمد والشكر على الأقدار شرها الآية التالية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن  يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ}144 آل عمران التي تخبر عن حال الناس في حالة الفجيعة بموت الرسول صلى  الله عليه وسلم أو قتله. حيث أوضحت أن من الناس من سينقلب على عقبيه مرتداً عن الإسلام . ومن ينقلب على عقبيه لن يضرالله شيئاً. وأن الله سيجزي الشاكرين. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: من هم الشاكرين؟ أي من هم الذين سيجزيهم  الله على شكرهم له على موت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ إن هذه الآية توضح أن الشاكرين المقصودين بالجزاء هم المؤمنون الذين أكدوا  إيمانهم بالصبر على مصيبة موت أو قتل سيدنا محمد، لأنهم متيقنون من أن موت سيدنا محمد أو قتله فهو أمر الله ولهذا كانوا راسخين بعلمهم هذا ولم ينقلبوا على عقبيهم                                                                    الصبر على النعم وعدم الطغيان فيها                                   لقد منّ الله على بني اسرائيل بطعام طيب هو"المّن والسلوى" وأمرهم أن يأكلوا منه ولا يطغوا فيه كما جاء في الآيات: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} 80-81 طـه  فما معنى "ولا تطغوا فيه"؟ إن المعنى كما أورده القرطبي هو: ({ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي من لذيذ الرزق. وقيل: من حلاله إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة. { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا؛ لأن الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز. وقيل: المعنى؛ أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر النعم ولا شكر المنعم بها عليكم. وقيل: أي ولا تستبدلوا بها شيئاً آخر.) فماذا حدث؟ لقد طغى بنو اسرائيل في ذلك الطعام وجحدوه كما ورد في الآية التالية:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ  الله ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} 61 البقرة التي أكدت أن عدم شكر النعمة وكفرانها هو عدم الصبر عليها وعدم الإكتفاء بها وطلب   تغييرها أو زيادتها. كما ورد في الآية: {سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ}211 البقرة. إذاً المقصود بالحمد أو الشكر الآتي: أولاً: توكيد وتثنية الإيمان بوحدانية الله  بالإعتراف له بأنه الإله الواحد الأحد منزل  الكتاب على رسوله الكريم. وأن الناس سترجع له في يوم الدين لحسابهم. ثانياً: توكيد الإيمان بوحدانية الله بالصبر والرضا على كل شء خيره وشره مع الصبر على العمل بالأعمال الصالحة أي بالطاعات. ولنتمعن في الآيات التالية التي وردت لتصف المصلين في سورة المعارج: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ}{لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}{وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}{وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ}{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } {وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ}{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}19- 34 المعارج نجدها تشير إلى عدم صبر الإنسان في حالتي الشر والخير "إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا" وَ"إِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا".وقد استثنت الآية المصلين الذين جاء وصفهم في الآيات23- 34 المعارج مطابقاً لأوصاف المؤمنين التي وردت في سورة المؤمنون وهي:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ}}{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}1-9  المؤمنون عليه يكون المصلون هم المؤمنون الصابرون الذين لا يجزعون لنائبة تحل بهم ولا يفرحون لنعمة فينشغلون بها عن شكرالله وذكره. فكل من النعم والمصائب ابتلاء. والآيتان التاليتان دليل على ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ } {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} 15-16 الفجر.                          رابعاً:   كيفية الحمد وأسبابه من الآيات                        

إن الحمد هو الإعتراف أي التصديق والإيمان المطلق لله بانه مالك كل كبيرة وصغيرة في هذه الدنيا ومالك الأقدار خيرها وشرها سواء أن أمدنا بالنعم "القضاء خيره" أو أخذ منا الغالي والنفيس كالرسول صلى الله عليه وسلم "القضاء شره" ثم توكيد ذلك بالصبر على كل أقداره. فالحمد صبراً من أهم وأصعب الإمتحانات للعبد لأنه يوضح مدى قوة إيمانه بوحدانية الله. وذلك بحجم فعله للطاعات شكراً وصبراً في السراء والضراء. فمن يحمد ربه صبراً وطاعة مستمرة في السراء والضراء وحين البأس ، يؤكد إيمانه وتقواه لله ويجتنب عدوه وعدوالله إبليس عليه يكون الشكر مترادف الإيمان ومترادف الصبر ومترادف التقوى ومترادف الذكر والله اعلم.  أما أسباب الحمد لله رب العالمين في الدنيا هي أنه خالق كل شيء وخالق الخلق ورازقهم و هاديهم وفي الآخرة أنه أوفى بوعده بجزاء المؤمنين وعقاب الكافرين والله أعلم 

 

 

 

 

 

 

المصدر: بتول عثمان المهدي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 417 مشاهدة
نشرت فى 14 سبتمبر 2015 بواسطة Istinbat

عدد زيارات الموقع

8,591