تفصيل الآية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} من الآيات
سيرتكز تفصيل الآية مالك يوم الدين على الإجابة عن الأسئلة الآتية: ماالمقصود بالآية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ؟ وما سبب نزولها بهذه الصورة؟ ما معنى الدين؟ وما هو يوم الدين؟ وماذا يحدث فيه؟ من هو مالك يوم الدين؟ ما هي اسباب الحمد لمالك يوم الدين؟ وما كيفية آدائه؟ ما حكم الحمد لمالك يوم الدين؟
المقصود بالآية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وسبب نزولها بهذه الصورة من تحليل الآيات
إن الآية:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}1 سبأ والآية {وَهُوَ الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}70 القصص تخبران عن أن الحمد لله في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة أيضاً. وقد أوضحت الآية: الحمد لله رب العالمين أن الحمد في الحياة الدنيا بالاسم الله وباسم مكانته الدنيوية رب العالمين . والآية "1" سبأ أوضحت أن الحمد للله الذي له مافي السماوات والأرض. وكذلك الآية 70 القصص أخبرت عن أن الحمد للإله الواحد الأحد الذي له الحكم والذي إليه يرجع الخلق. إذاً المقصود بالآية "مالك يوم الدين " هو: توضيح حقيقة أن الإله الواحد الأحد الذي يتبوأ ملك يوم الدين في الآخرة وله الحكم ويرجع له الخلق هو الإله ذاته الذي له ملك الحياة الدنيا واسمه "الله" وأسمه "الرحمن " واسمه "الرحمن الرحيم " الذي هو رب العالمين فله الحمد.
سبب نزول الآية مالك يوم الدين بهذه الصورة
لقد أنزلت هذه الآية كسابقاتها محكمة أي مجملة المعنى. وبتفصيلها يظهر إعجاز اللغة العربية مرة أخرى، كما اتضح من تفصيل الآية: "الرحمن الرحيم". فإذا تم استبدال اسم المكانة "رب العالمين" في الآية الحمد لله "رب العالمين" باسم المكانة "مالك يوم الدين" يكون تقديرالآية هو: "الحمد لله مالك يوم الدين" . وبهذا الاستبدال تظهر تثنية أي توكيد لحمد ذات الإله داخل الآية. حيث أن "الحمد "لله رب العالمين" والحمد "لله الرحمن الرحيم" يثنيه ويؤكده الحمد "لله مالك يوم الدين" و الله أعلم. فالحمد "لمالك يوم الدين " هو حمد "لرب العالمين " كما أوضحته الآيات التي أوضحت أسباب الحمد: أي أوضحت أن المتقين بعد دخولهم الجنة سيكون آخر دعواهم أن "الحمد لله رب العالمي ن ". إذاً "الحمد لله رب العالمين " هو دعاء وذكر وتقوى وإيمان
تعريف الدين وتعريف يوم الدين وأسمائه وما يحدث فيه
إن معنى الدين قد ورد في الآيات التالية: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}40 يوسف. هذه الآية توضح أن الدين القيم هو أن الحكم و التوحيد والعبادة لله وحده لا شريك له أي أن الدين القيم هو توحيد الله توحيداً خالصاً ومطلقاً لايشوبه شرك. والآية التالية قد ورد فيها أيضاً معنى الدين الذي يعضد المعنى في الآية 40 يوسف. وهي: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}39 الأنفال ورد فيها أيضاً معنى الدين بأنه التوحيد والطاعة لله وحده مما يستوجب قتال الكفارحتى لا يتفرق الناس ويكون التوحيد المطلق والعبادة كلها لله وحده. فالدين القيم هو الإيمان هو الإسلام هو التوحيد أي شهادة أن "لا إله إلا الله" وعمل الصالحات توكيداً لها. والدليل علي ذلك الآيتان التاليتان: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}43-44 الروم فالآيتات تتحدثان على الإلتزام بالتوحيد والإستقامة والإستسلام لله. والآية الثانية تنذر بأن من كفر(أي من لم يقم الدين) فلينتظرعاقبة أمره ومن آمن وعمل بالصالحات فسوف يجني ثمار توحيده. مما يدل على أن الدين نقيض الكفر ومترادف الإيمان بالله وحده والتوحيد. وفي الآية:{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ }32 لقمان توضيح لمعنى الدين وهو التوحيد المطلق. فالذين حلت عليهم نائبة من نوائب الدهر كان دعاؤهم كله لله لا يدعون معه إلهاً آخراً أي لا يذكرون معه إلهاً آخراً. ولما نجاهم الله تنكروا لقدرته وآياته ولوحدانيته. أى أنهم في ساعة العسرة إعترفوا بوحدانية الله كاملة لا شريك له "دعوا الله مخلصين له الدين" ولجأوا اليه وعندما نجوا جحدوا وأنكروا واقتصدوا في عبادته.
تعريف يوم الدين وأسمائه والأحداث التي تحدث فيه من الآيات
إن تعريف يوم الدين قد ورد في الآيات التالية:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يوم الدين}{ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ}{يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله} 17-19 الانفطار
حيث جاء فيها أن يوم الدين هو اليوم الذي يتجلى فيه معنى الدين. أي أنه اليوم الذي يتأكد فيه الخلق من حقيقة وحدانية الله المطلقة وملكيته لكل شئ وأن الحكم له وحده في ذلك اليوم ولا أحد غير الله يملك شيئاً لأحد. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه1 : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين
المتكبرون؟" يوضح حقيقة أنه لا ملك غيره في ذلك اليوم بل كل الملوك عبيد خاضعون ذليلون ينتظرون رحمته وحده لا شريك له. وطول ذلك اليوم توضحه الآية التالية:{ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}4 المعارج والآية التالية توضح حقيقة سيطرة الله في ذلك اليوم على كل الخلق حيث لا حول لهم ولا قوة إلا بالله وهي:{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}33الرحمن تؤكد هذه الآية الملك المطلق للخالق وحده حتي الجن الذين كانوا يجعلون الناس يشركون بربهم في الدنيا هم في الآخرة لا حول ولا قوة لهم. فمليكة ذلك اليوم هي توكيد لملكية كل الأشياء التي كانت في الدنيا كالإنس والجن وكل ما سخره الله لهم من سموات وأرض وشمس وقمر وكواكب وغيرها. فالذي كان يمتلكها في الدنيا هو الذي سيكون له حق التصرف فيها وحده في الآخرة. إن أكثر ما يوضح معنى يوم الدين هو تفصيل إحدى السور التي نزلت فيه. وقد اخترت سورة الزلزلة بناءً على الحديث التالي: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ إذا زلزلت عدلت له نصف القرآن. وأحسب أن السبب في ذلك هو أن الله قد خلق دارين؛ الأولى والآخرة وآيات القرآن كلها قد أنزلت عنهما. وهذا الحديث يعني أن تفصيل سورة الزلزلة سيوضح كل شيء عن الدار الآخرة ولهذا أحسبها تعدل نصف القرآن. والسورة هي: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا } {وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا}{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}1-8 الزلزلة. وقد عرض مختصر تفسير ابن كثير آراء بعض السلف الصالح في هذه السورة كما يلي:(قال ابن عباس: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} أي تحركت من أسفلها و{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} يعني ألقت ما فيها من الموتى كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}، وكقوله:{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} ... وقوله عز وجل: {وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} أي استنكر أمرها بعد ما كانت قارة ساكنة ثابتة وهو مستقر على ظهرها، أي تقلب الحال، فصارت متحركة مضطربة، قد جاءها من أمر الله تعالى ما قد أعده لها من الزلزال الذي لا محيد لها عنه، ثم ألقت ما في يطنها من الأموات من الأولين والآخرين، وحينئذ استنكر الناس أمرها، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار، وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أي بما عمل العاملون على ظهرها،عن أبي هريرة قال2 " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، أن تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها) وفي معجم الطبراني3 :(تحفظوا من الأرض فإنها أمكم، وإنها ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة عنه. وقوله تعالى:{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} قال البخاري:أوحى لها، وأوحي إليها، ووحى لها، ووحى إليها، وكذا قال ابن عباس أوحى لها أي أوحى إليها، والظاهرأن هذا مضمن بمعنى أذن لها.وقال ابن عباس {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال، قال لها ربها قولي فقالت. وقال مجاهد: أوحى لها أي أمرها. وقال القرطبي: أمرها أن تنشق عنهم، وقوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا} أي يرجعون عن موقف الحساب أنواعاً وأصنافاً ما بين شقي وسعيد، مامور به إلى الجنة ومأمور به إلى النار. فمعاني هذه الآيات تدل على حقيقة وحدانية الله المطلقة التي كانت خافية على المشركين والمنافقين والكفار في الدنيا مما جعلهم يكذبون بيوم الدين. ولكنها تظهر لهم جلياً في الآخرة عندما يكون المتصرف في ملكه هو الله وحده. فلو كان له شريك في الدنيا لشاركه الملك في الآخرة واختلف معه. كما تظهر وحدانيته بأنه هو الإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد. فلا سيدنا عيسى إبن له ولا العزير إبن له. فيحاسب الله الذين كذبوا بوحدانيته عندما تتجلى لهم حقيقة وحدانيته يوم الدين فيعذبهم الله لقوله تعالى:{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} {الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ}10-11 المطففين أما الذين صدقوا بيوم الدين فقد جاء فيهم: {فَوَقَاهُمُ الله شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} 11 الإنسان
أسماء يوم الدين وأحداثه:
إن الأسماء والمفردات التي وردت في أم الكتاب أي في سورة الفاتحة كلها أم وأصل للأسماء وللمصطلحات الأخرى التي وردت في القرآن. فلما كان لمكانة ذات الإله أسماء متعددة في الدنيا كرب الناس وإله الناس وجاء أصلها "رب العالمين" في الفاتحة، كان لاسم مكانة الإله في الآخرة أيضاً أسماء متعددة كملك يوم القيامة وملك يوم القارعة جاء اسم مالك يوم الدين أصل أسماء المكانة في الآخرة لوروده في سورة الفاتحة، ونذكر بعض أسماء يوم الدين وهي: يوم القيامة ويوم التناد ويوم الآزفة ويوم التلاق ويوم البعث ويوم الفصل ويوم الواقعة.
أحداث يوم الدين
لقد جاءت الآيات التالية موضحة حدث الزلزلة بتفصيل للوقائع التي تقشعر منها الأبدان وهي:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شَدِيدٌ } 1-2 الحج والآيات التالية توضح أحداث أخرى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء الله ُثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ}{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}68-70 الزمر
ثالثاً: تعريف مالك يوم الدين
إن مالك يوم الدين هو رب العالمين كما في الآية التالية: { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 6 المطففين ومالك يوم الدين هو الله كما في الآية: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}19 الإنفطار أما الآيتان:{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}25-26 الفرقان قد أخبرتا أن مالك يوم الدين هو الرحمن . وقد جاء تعريف مالك يوم الدين أيضاً بالاسم الشفع "الحي القيوم" كما في الآية:{ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}111 طـه فأوضحت الآيات أن مالك يوم الدين هو نفسه مالك الدنيا وما فيها.لذا جاءت ملكية اليوم الآخر تارة باسمي الجلالة "الله " و"الرحمن" و تارة بأسماء مكانته "رب العالمين " و"مالك يوم الدين " وجاءت تارة أخرى بأسماء نعوته الشفع "الحي القيوم" . وإن دل هذا على شيء إنما يدل على تطابق أسماء المكانة مع أسماء الجلالة الوتر والشفع.
رابعاً : أسباب الحمد " لمالك يوم الدين"
إن الذين يحمدون الخالق بأي من أسمائه أو باسم مكانته "مالك يوم الدين" هم المؤمنون الذين كانوا يحمدونه ويشكرونه في الأولى أي في الدنيا بأي من أسمائه وباسم مكانته "رب العالمين" . وكما أن الكفار لم يحمدوا مالكهم في الدنيا لم يحمدوه في الآخرة لما سيجدون من أصناف العذاب. ومما يؤكد ذلك الآيات الآتية : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَب عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}{الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ
وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}32-35 فاطر. فالمؤمنون إذاً يحمدون الله في الآخرة لما سيجدونه من خيرات يرونها حقيقة ماثلة أمام أعينهم. وهم قد حمدوه إيماناً ويقيناً بالغيب في الدنيا. والآيات التالية أكثر توضيحاً لأسباب حمد المؤمنين والملائكة لله ربهم يوم الدين: { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِي بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 73-75الزمر
خامساً: حكم الحمد لمالك يوم الدين وكيفيته
لقد أوضحت الآيات أن الله له الحمد في الأولى والآخرة. علماً بأن الذين يحمدونه هم المؤمنون حقاً لأن مالك الدنيا هو مالك الآخرة. وقد أوضح الحديث أن الله يحمد لإحيائه الخلق بعد مماتهم أي بعد نومهم في الدنيا ولأنه هو أيضاً الذي يحيهم بعد موتهم يوم الدين. وهذا يدل على حكم فرض الحمد " لمالك يوم الدين " لأنه هو "الله رب العالمين" . وبالتالي تكون كيفية حمد "مالك يوم الدين " قولاً وعملاً بالطاعات كالذكر "بسم الله الرحمن الرحيم" و"كالحمدلله رب العالمين" و"كالحمد لله الرحمن الرحيم".
لقد أنزلت أربعة وعشرون سورة لتفصيل الآية مالك يوم الدين كالانشقاق والانفطار والذاريات والواقعة.