الصليبيون الجدد
انتهت الحملات الصليبية على العالم الإسلامي في عام 1303م بعد ما يقرب من مائتي عام قُتِل فيها عشرات الآلاف من المسلمين، واستُنزِفت قدرات البلاد الإسلامية، ولفتت أنظار الصليبيين إلى أنَّهم لابد أن يغيروا أسلوبهم في حرب المسلمين، وأن يستبدلوا بالحرب المسلحة الحربَ الفكرية؛ حرب العقول والأفهام، وذلك ما كان بعد ذلك عن طريق الاستشراق والتبشير والمذاهب الفكرية المنحرفة التي زرعوها بين المسلمين.
نجح الصليبيون الجدد منذ الحملة الفرنسية على مصر في عام 1798 وحتى الآن إلى السيطرة على مصر والعالم العربي والإسلامي ليس بالسلاح ولكن باختراق العقول بأفكارهم المنحرفة والتشكيك في دينهم ونشر الشبهات عن هذا الدين الذي أرسله الله إلى النبي الأمين رحمة للعالمين.
نجح الصليبيون الجدد في تجنيد جيوش من أتباعهم، لكنهم لم يحملوا الصليب شعارا لهم بل حملوا أفكارهم وشبهاتهم وانتماءهم الشديد للغرب وثقافته وحضارته التي أنبهروا بها وظنوا أن التبعية الكاملة له هو الطريق للتقدم والإزدهار.
كان محمد علي وعائلته من هؤلاء الأتباع، وكان ما كان من تبعية واستدانة وترك مصدر قوة العالم الإسلامي وهو الإسلام نفسه، أدى ذلك إلى احتلال مصر من جديد على يد الإنجليز ولمدة سبعين عاما، فماذا أفادت التبعية للغرب؟
جاء أحد الأتباع الآخرين بانقلاب يوليو 1952، لتستبدل مصر الاحتلال الإنجليزي باحتلال صهيوني أمريكي، ليس فقط احتلال فكري بل احتلال الأرض العربية والقرار السياسي العربي والمياه العربية، فهل تقدمت مصر خطوة إلى الأمام بتبعية عبدالناصر الكاملة لأمريكا والصهاينة؟
وجاء السادات من بعده، لكنه علم في بداية الأمر أن تثبيت ملكه لن يكون إلا بمساندة شعبية، فكانت حرب رمضان المجيدة عام 1393هـ-أكتوبر 1973م بمساندة الجيش والشعب للقرار السياسي، وبفضل الله أولا وأخيرا انتصر المصريون وبمساندة عربية على العدو المشترك، لكنه ظن أنه هو صاحب هذا النصر ونسي الجيش والشعب والعرب ومن سانده في الحرب، وتذكر فقط قوة الأمريكان وأنه يجب أن يكون تابعا أمينا حتى لا يسقط عن عرشه، فأخذ قرارا منفردا بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الأمريكية رغم اعتراض الشعب المصري ومعه الشعوب العربية، فهل حافظ السادات على سلطانه بتبعيته للصليبيين الجدد؟ هل حافظ على النصر الذي تحقق للعرب والمسلمين حين ساندوه؟ هل تقدمت مصر خطوة إلى الأمام في تحرير سيناء تحريرا كاملا وأن تكون السيادة الكاملة على أرضها للمصريين؟
وأخيرا جاء التابع الأكبر مبارك لتصل مصر إلى ما وصلت إليه من تبعية كاملة للكيان الصهيوني والأمريكان، وكانت نتيجة تلك التبعية زيادة نسبة الفقر والجهل والمرض والبطالة، بيعت المصانع العملاقة وشركات القطاع العام بأبخس الأثمان، بيعت الأرض المصرية للأجانب، وتم تقسيم السودان، احتلت العراق وحوصرت غزة بحجة مقاومة الإرهاب، وامتلأت السجون المصرية بالمعتقلين السياسيين المعارضين للتبعية، بل كان رمز الأمن في مصر هو رمز للقهر والخوف والطغيان، فهل تقدمت مصر خطوة إلى الأمام بتبعيتها للصهاينة والأمريكان؟ هل شعر المصريون بالعدل والحرية والأمان؟ ظهرت شعارات براقة لمجالس حقوق الإنسان، فضاعت الحقوق وضاع الإنسان.
وكما استطعنا بفضل الله أن ننتصر على الصليبيين القدامى في الحرب المسلحة سننتصر على الصليبيين الجدد بإذن الله في الحرب الفكرية لأننا نملك كتاب الله وسنة نبيه ومن تمسك بهما لن يضل أبدا. "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين"، كانت حطين وعين جالوت معارك كبرى في تاريخ الحروب العالمية، فتحت أبواب العالم لنور الإسلام، ومعركة أخرى ستأتي، معركة القدس، وسيقرأ عنها أبناؤنا في كتب التاريخ حين يدرسون قصة طرد اليهود من فلسطين، وإن الشعب الذي أطاح بالصليبيين لن يعجزه أن يأتي بمثل صلاح الدين ويطيح برأس صهيون([1]).
والحمد لله رب العالمين
مهندسة/ سحر زكي
[1] علي الطنطاوي: رجال من التاريخ ص:60- الطبعة الثامنة (1411هـ - 1990م)