يعتبر النفط أحد أهم السلع الأساسية في قلب الاقتصاد العالمي، نظرًا لأن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل كبير على النفط لهذا فإن سعره يتم متابعته عن كثب.
يتميز تاريخ تداول النفط بتقلبات دراماتيكية في الأسعار، فعلى مدى العقد الماضي، تقلب عائد الاستثمار على إنتاج النفط الخام بين 45-% و 55+% سنويًا، وهذا يعكس التعقيدات التي تحرك التقلبات المتأصلة في جميع أسواق الوقود الأحفوري، تعتمد أسواق النفط العالمية على عوامل مختلفة بما في ذلك ديناميكيات السوق والتوقعات الاقتصادية العالمية والأحداث الجيوسياسية، وكلها من الصعب التنبؤ بها.
هل الآن هو الوقت المناسب للاستثمار في النفط في عام 2024؟
مع وجود العديد من العوامل التي يجب مراعاتها، ينقسم المحللون والمستثمرون حول ما إذا كان النفط سيكون استثمارًا جيدًا في عام 2024، كان متوسط سعر خام برنت عند 82.70 دولار للبرميل خلال عام 2023 وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 8% مقارنة بعام 2022.
يتوقع جولدمان ساكس أن تتراوح أسعار النفط بين 70 دولار و100 دولار للبرميل في عام 2024، يشير توقع سعر النفط هذا إلى نافذة محتملة للربحية للمستثمرين ومنتجي النفط.
ومع ذلك، فإن جولدمان ساكس يسلط الضوء أيضًا على انخفاض محتمل آخر، في حين أن أسعار النفط الخام لا تنعكس بشكل مباشر على أسهم قطاع النفط والغاز الطبيعي إلا أنها غالبًا ما ترتبط بها، وهذا من شأنه أن يثير بعض المخاوف لدى المستثمرين الذين يرغبون في شراء أسهم النفط.
المخاطر الكامنة في الاستثمار في النفط
أحد التحديات الرئيسية للاستثمار في قطاع النفط والغاز هو اعتماده على العوامل الخارجية التي تدفع تقلب الأسعار والعائد على الاستثمار، تتطلب هذه دراسة متأنية قبل الاستثمار، تشمل العوامل الرئيسية ما يلي:
1 .الظروف الاقتصادية العالمية
الظروف الاقتصادية العالمية لديها تأثير كبير ومباشر على مستويات العرض والطلب، فعندما تكون الظروف الاقتصادية العالمية قوية تستخدم الصناعات والمستهلكون المزيد من الطاقة مما يزيد الطلب على النفط والغاز، يمكن أن يؤدي هذا الطلب إلى ارتفاع الأسعار، وعلى العكس من ذلك، أثناء فترات الركود الاقتصادي ينخفض الطلب على النفط والغاز عادة مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر اعتبارات مثل التضخم وأسعار الفائدة بشكل مباشر على القطاع، يؤدي التضخم إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية لشركات النفط والغاز، علاوة على ذلك، غالبًا ما تستجيب البنوك المركزية للتضخم من خلال تعديل أسعار الفائدة، مما قد يؤثر على الاستثمار في قطاع النفط والغاز، إن أسعار الفائدة المرتفعة قد تقلل من الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج، في حين أن انخفاض الأسعار قد يحفز هذه الأنشطة.
2 .الاضطرابات العالمية وإنتاج النفط
إن سوق النفط حساس للغاية للأحداث العالمية، كما يتضح من تأثير أحداث مثل حرب أوكرانيا وروسيا وجائحة كوفيد 19، ويمكن أن تؤدي مثل هذه التوترات الجيوسياسية إلى تحولات مفاجئة وغير متوقعة في أسعار النفط، مما يشكل خطراً على المستثمرين.
لقد دفعت حرب أوكرانيا وروسيا على الفور أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها في ثماني سنوات، في حين دفع وباء كوفيد 19 أسعار النفط إلى السقوط الحر، وانتهى الأمر بسعر خام برنت عند 9.12 دولار، ومن المستحيل تقريبًا التنبؤ بهذه الأحداث.
3 .السياسات الحكومية
تفضل السياسات الوطنية والدولية بشكل متزايد مصادر الطاقة المتجددة على الوقود الأحفوري، وقد يؤدي هذا التحول (الذي تحركه الاعتبارات البيئية والحاجة إلى أمن الطاقة المستدامة) إلى تقليل ربحية وعائدات النفط كاستثمار.
على سبيل المثال: تسلط ضريبة الكربون الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي والتي تعرف باسم آلية تعديل حدود الكربون الضوء على الإجراءات الحكومية في هذا الصدد، وسوف تخضع المنتجات التي تدخل الاتحاد الأوروبي لضريبة كربونية تستند إلى الانبعاثات المرتبطة بالإنتاج في الخارج، وهذا من شأنه أن يحفز الشركات على الابتعاد عن الوقود الأحفوري في عملياتها لصالح الطاقة المتجددة، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط في الأمد البعيد.
في الأمد البعيد، هناك خطر جدي يتمثل في توقف أصول شركات النفط والغاز، ومع تغير اللوائح وتحول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة قد تصبح البنية الأساسية للوقود الأحفوري غير صالحة للاستخدام أو غير مربحة.
تستغرق هذه الأصول أوقات بناء كبيرة وهي استثمارات كبيرة يمكن أن تجر أرباح الشركة وتحد من عائد الاستثمار للمستثمرين، على سبيل المثال: يتم استغراق نحو 10 سنوات من وقت الاستكشاف قبل أن تنتج المصفاة النفط وتكلف ما بين 10 إلى 25 مليار دولار أمريكي للبناء.
النفط مقابل استثمارات الطاقة المتجددة
إن التقلب المتأصل في النفط يجعله خيارًا استثماريًا صعبًا في عام 2024، وعلى النقيض من ذلك، أظهرت مصادر الطاقة المتجددة نموًا ثابتًا على مدى العقد الماضي، وبرزت كخيار استثماري أكثر استقرارًا واستدامة.
وتؤكد وكالة الطاقة الدولية على هذا الاتجاه، مشيرة إلى أن استثمارات الطاقة النظيفة تتفوق بشكل مطرد على الوقود الأحفوري، ويتغذى هذا التحول على مجموعة من العوامل، بما في ذلك زيادة قابلية تطبيق التقنيات المتجددة والسياسات الحكومية التي تروج للطاقة المستدامة وانخفاض تكاليف التكنولوجيا.
مع تحركنا نحو مستقبل حيث يشكل أمن الطاقة والاستدامة أهمية قصوى، توفر الاستثمارات في الطاقة المتجددة بديلاً أكثر واعدة ومسؤولية من قطاع النفط التقليدي.
كيف يتم تحديد أسعار النفط؟
العوامل التي تحرك أسعار النفط في الأسواق هي:
إمدادات النفط
يعد العرض أحد أهم جوانب تحديد أسعار النفط، منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" تقوم بتنظيم نحو 40% من إجمالي المعروض وكل ذلك في محاولة للسيطرة على الأسعار، ونظرًا لأن المنظمة تضم أكبر الدول المنتجة للنفط فإن تصرفاتها وتوجهاتها تؤثر على الأسعار بشكل كبير.
على سبيل المثال: كلما خفضت أوبك المعروض يحدث عادة نقص في أسواق النفط مما يتسبب غالبًا في ارتفاع الأسعار بشكل كبير مع ارتفاع الطلب، وبالمثل، كلما لم تتمكن المنظمة من الاتفاق على خفض الإنتاج يظل المعروض عند مستويات مرتفعة وهو ما يتسبب في انخفاض أسعار النفط.
تم تقويض قدرة أوبك على التأثير على أسعار النفط بشكل كبير مع شروع الولايات المتحدة في إنتاج الصخر الزيتي، ومع ذلك، فإن تحالف أوبك المتنامي مع روسيا (وهي دولة مصدرة رئيسية للنفط) لتشكل أوبك بلس عزز من قوتها في تحديد أسعار النفط.
في حين تحاول أوبك التحدث بصوت واحد، فإن التطورات الجيوسياسية في الدول الأعضاء غالبًا ما تكون عاملًا كبيرًا، لقد أثرت الأحداث السياسية في كبار المنتجين مثل ليبيا والمملكة العربية السعودية وروسيا بشكل كبير على المعروض في الماضي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط.
على سبيل المثال: في عام 2003 ارتفعت أسعار النفط مع غزو الولايات المتحدة للعراق (أحد أكبر منتجي النفط في العالم)، كما ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل عام 2022 حيث أثرت هذه الخطوة على الإمدادات من روسيا إلى أوروبا.
كان للتطورات التكنولوجية أيضًا تأثير كبير، وبالتالي تؤثر على الأسعار، على سبيل المثال: أدت التطورات في التكسير الهيدروليكي إلى زيادة إنتاج النفط من الصخور في ما يسمى بالنفط الصخري مما جعل الولايات المتحدة مصدرًا صافيًا للذهب الأسود، إن كون الولايات المتحدة مصدرًا صافيًا جعلها قوة رئيسية في تحديد أسعار النفط، علاوة على ذلك، غالبًا ما يؤدي زيادة الإنتاج من الولايات المتحدة إلى وفرة في المعروض وبالتالي يدفع الأسعار إلى الانخفاض.
الطلب على النفط
يعتبر الطلب أيضًا عاملًا مهمًا يؤثر على أسعار النفط، فخلال فترات التنمية الاقتصادية القوية التي تتميز بزيادة الإنتاج الصناعي يكون الطلب على المنتجات النفطية مرتفعًا دائمًا.
وخلال فترات الطلب المرتفع على النفط ترتفع أسعاره، حيث يحافظ الموردون على إنتاج النفط أو يخفضونه للتسبب في نقص، في فترات أخرى من التباطؤ الاقتصادي يميل النشاط الصناعي إلى الانخفاض بشكل كبير، ومع تباطؤ الأنشطة الاقتصادية يتباطأ الطلب على السلع الصناعية مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلعة.
مشاعر السوق
تعتبر مشاعر السوق جانبًا مهمًا آخر يؤثر على حركة الأسعار في سوق النفط، وهي تنطوي على شراء وبيع عقود النفط الآجلة على أرضية بورصة السلع الأساسية، لقد أثرت أنشطة التداول في بورصتي شيكاغو ونيويورك للسلع على أسعار النفط لفترة طويلة، وفي السوقين ينقسم المتداولون إلى متحوطين ومضاربين.