الدكتور محمد البرادعي |
مصطفي بكري
لماذا ينسحب الدكتور محمد البرادعي من الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية في هذه الظروف التاريخية الصعبة التي تمر بها البلاد، وتحديدًا قبل أيام قليلة من الذكري الأولي لانطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير وما يصاحب ذلك من دعوات حول اطلاق شرارة الموجة الثانية من الثورة والتي تستهدف كما يقول البعض اسقاط الحكم العسكري وتعيين مجلس رئاسي برئاسة البرادعي نفسه؟!
إنني لن أتعرض للأسباب التي ساقها الدكتور البرادعي في رسالته حول دوافع اتخاذه لهذا القرار، ولكنني أتوقف هنا أمام عدد من الملاحظات الهامة:
الملاحظة الأولي: إن قرار الدكتور البرادعي يأتي بعد انتخابات برلمانية نزيهة، شارك فيها المصريون بحماس شديد واختاروا نوابهم بإرادة شعبية حرة، وهي انتخابات كانت محل إشادة من الجميع، جرت دون عنف ودون تدخل من الإدارة وفي ظل إشراف قضائي كامل، وكل ذلك يؤكد أن انتخابات الرئاسة المقبلة سوف تجري في ظل ذات الأجواء، التي سوف تحقق للمرة الأولي إرادة الشعب في انتخاب رئيسه الذي سيتسلم السلطة ويدير أمور البلاد بطريقة ديمقراطية للمرة الأولي منذ قرون.
الملاحظة الثانية: إن المجلس الأعلي للقوات المسلحة ممثلاً في رئيسه أصدر أكثر من بيان أكد فيه ان الجيش لا يطمع في السلطة، وانه يتعهد بتسليمها إلي رئيس منتخب مع نهاية يونيو ٢١٠٢، وانه لن يبقي يومًا واحدًا بعد هذا التاريخ.
الملاحظة الثالثة: إعلان المجلس الأعلي عن فتح باب الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية في ٥١ ابريل المقبل، أي بعد نحو ثلاثة أشهر من الآن، علي أن يجري الانتهاء من وضع الدستور قبيل تسلم الرئيس المنتخب مهام الحكم في البلاد.
لكل ذلك نستطيع القول ان كافة الأمور تمضي باتجاه تحقيق الاستقرار وعودة المؤسسات إلي ممارسة دورها، كما أن انعقاد مجلس الشعب في الثالث والعشرين من يناير المقبل يعني أن السلطة التشريعية ستكون في حوزة المجلس، ولن يكون للمجلس العسكري أي دور في إصدار القوانين والتشريعات، وان دوره سوف ينحصر حتي نهاية الفترة الانتقالية في التعاون مع الحكومة ومجلس الشعب لانجاز مهام المرحلة المقبلة دون تدخل مباشر في اعمال المجلس أو اعمال الحكومة.
وأنا شخصيًا لدي تفسيري لقرار الدكتور البرادعي، وأوجزه هنا في عدد من النقاط:
- النقطة الأولي: ان الدكتور البرادعي أدرك بعد عدة جولات في المحافظات المصرية ان رصيده في الشارع قد تراجع تراجعًا كبيرًا، وأن ما حدث معه في قريته كان مؤشرًا مهمًا علي أنه قد لا يحقق النجاح المتوقع في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولذلك أوقف حملته الانتخابية وتوقف عن التواصل مع الجماهير.
- النقطة الثانية: ان الدكتور البرادعي أبدي استعداده في وقت سابق لقبول منصب رئيس الوزراء خلفًا للدكتور عصام شرف وأعلن عن ذلك في الصحف ووسائل الإعلام، غير أن المجلس العسكري اختار د.كمال الجنزوري بناء علي ترشيحات متعددة، مما أثار غضب البرادعي وحنقه علي المجلس العسكري، ولذلك يبقي السؤال هنا، كيف يتهم البرادعي المجلس العسكري بأنه امتداد للنظام القديم، وانه اجهض أهداف الثورة في الوقت الذي كان مستعدًا فيه للتعاون معه والقبول بمنصب رئيس الوزراء تحت إمرته.
- النقطة الثالثة: ما رأي الدكتور البرادعي فيما يقال في الشارع المصري من أن قراره جاء بهدف زيادة حدة الاحتقان قبيل الذكري الأولي لثورة ٥٢ يناير، وان قراره جاء بعد علمه من أن هناك نوايا لدي البعض لإعلان تشكيل مجلس رئاسي برئاسته وان هذا المجلس هدفه إحداث ازدواجية في السلطة ودفع الأمور نحو الفوضي وتعطيل إجراء انتخابات الرئاسة في موعدها المحدد؟!
بقي القول في النهاية أن الدكتور البرادعي قيمة وقامة علمية نفخر بها، أما إدارته للأمور السياسية، فهي شيء مختلف، ولذلك، إذا كان يراهن علي أن قرار انسحابه سوف يدفع إلي الانهيار والفوضي، فأنا أقول له إن مصر ستبقي شامخة، موحدة، وان كل من يسعي إلي الفوضي سيواجه من الشعب بكل قوة وحسم.
إن مصر العظيمة ستبقي قوية، قادرة علي تجاوز الأزمات والمحن، ولو كره الكارهون!!