حتى اراك
،،،
اعلام الصدمة ( القبول او الموت)
،،،
اذا كنت واحدا من هؤلاء الناس العاديين جدا ، لا تقلق ، الرياح تقتلع الأشجار العالية ، أما الأعشاب الصغيرة مرنة ، و البذرة محمية في باطن الارض ، هذه امور جيدة على اية حال لزراعة الرضا المناسب للناس العادية جدا ، و بما اننا منهم فالحمد لله ،
يقبل الناس أعجب الحلول اوقات الصدمات ، كأن تتزوج الهانم من الخادم ، او ترقص سيدة القصر في فرق استعراضية ، او يجلس أب صالح في حراسة حانة خمور !! وكما هو الحال في الافراد يحدث في المجتمعات و الشعوب ، فبعد الصدمات سواء الطبيعية مثل الفيضانات و الاعاصير والبراكين او المصنوعة مثل الحروب و الثورات و الغزوات والاحتلال ، يمكن تمرير افكار لم تكن لتمر لولا سكرات الصدمة ، و الرهان على سرعة التغيير و الاستعداد بمجموعة خطط عاجلة لإطفاء النيران و تغيير الأوضاع و التمهيد للإبقاء على التغيير و طرحه كحل دائم وحيد ، اما القبول او الموت ، ولا يفكر المصدوم في المقاومة قدر ما يفكر في ازالة الصدمة ،
وهنا تبدأ شرارة الفكرة ، وشراستها
نشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي دونالد أيوين كاميرون ، ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها. كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا ، و هما البيانات الحسية التي ترد لنا باستمرار، والذاكرة. لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام. ثم انتقل هذا الاسلوب من العلاج النفسي الى الاقتصاد ، وهنا نصل إلى استاذ الصدمات الاقتصادية ميلتون فريدمان ،
و على جناح الاعلام ، تطير الافكار لتصل لمستهدفيها ، مقال رأي في جريدة “وول ستريت جورنال” نقل استخدام اسلوب الصدمة من الطب النفسي لعالم الاقتصاد الذي يلعب لعبته السياسية باقتدار ، المقال كتبه المفكر الاقتصادي ميلتون فريدمان عام ٢٠٠٥ ، ليختتم بها لمساته الاقتصادية في حياتنا الدنيا ، وهو في الثالثة والتسعين من العمر، ليموت بعدها بشهور ، وهو الرجل الذي كان مستشارا صديقا لزعماء العالم الاقوى ، و رؤساء البنك الدولي ، و قادة العالم الثالث ، كان صديق الدكتاتور التشيلي، الجنرال أوجستو بينوشيه، بعد انقلابه العنيف في ١١ سبتمبر ١٩٧٣ !!! حيث كان التشيليون في حالة صدمة شديدة للانهيار المفاجيء في كل امور الحياة ، وقد أشار فريدمان على بينوشيه ان يفرض تحولاً سريعاً جداً في الاقتصاد ليقتنص الفرص ، و يقلص دور الدولة و الحكومة و يشجع الخصخصة و يقلل الرعاية الاجتماعية ،
المهم ان المقال المعني بنقل الصدمة هنا كان بعد ثلاثة أشهر من انهيار الحواجز والسدود في إعصار كاترينا الذي ضرب ولاية لويزيانا الامريكية ، و تحديدا مدينة نيواورلينز. في اغسطس من عام ٢٠٠٥ و تم اجلاء نحو ٩٠٪ من المواطنين ، ليوضح للناس ضرورة استثمار الكارثة لاحداث تغييرات جذرية عميقة لا تتاح لها الفرصة في الظروف العادية للحدوث ، و رآى في دمار معظم مدارس نيواورلينز ، و دمار التلاميذ الذين تفرقوا على مدارس البلاد فرصة عظيمة للتغيير دون مقاومة ، بهدف استمرار التغيير وتثبيت الوضع الجديد
ان الصدمة تنجز في يوم واحد ، ما يعجز المخططون عن انجازه في سنوات ، و ما كنا نعتقد انه مستحيلا يصبح اختيارا واحدا مقابل الحياة ،
من هذا المقال الذي كان ذريعة لإدارة الرئيس الامريكي وقتها جورج دبليو بوش لخصخصة التعليم في المدينة ، الى كتاب حقق اعلى المبيعات هو ( عقيدةة الصدمة ، صعود رأسمالية الكوارث ) ، لمؤلفته الكندية ناعومي كلاين ، الصادر في عام ٢٠٠٩ ، و تمت ترجمته لمعظم اللغات بحلول عام ٢٠١١ ، و كان اهل السياسة و الاقتصاد و محركو العالم قد قرأوه و تمادوا في صناعة الصدمات او استثمارها لو كانت قدرية ، و يتناول الأسس النظرية وتاريخ التطبيقات العملية لسياسة أقصى درجات الاستغلال للصدمات والكوارث التي يدفع ثمنها الافراد والشعوب ،
،،
يوضح الكتاب (عقيدة الصدمة) أن الحرب طريقة من طرق التعذيب الجماعي،، "فالخوف الجماعي هو جزء أساسي من الإستراتيجية".
يتحدث عن الحرب على العراق ،، يتحدث عن الاستخدام الاعلامي الساحر لنشر اثر الصدمة و توسيع نطاقها ، عن بث الخوف من الحرب قبل الحرب التي كانت تنقلها الـCNN مباشرة في رسالة للعالم كله ، و للعراقيين استعراضاً للقوة ، و ترهيباً ، من خلال رسائل اعلامية لخلق حالة من التواصل حول الموضوع الواحد ، فقبل الحرب بشهرين بثت قناة "سي بي إس" تقريراً عن اليوم الأول المتوقع للقصف الجوي. و أثر الهجمات الجوية المكثفة الشبيهة نوعاً ما بأثر القنبلة النووية في هيروشيما ، وسبق خيال الحرب المرعب الطريق لعقول الناس ، ثم تعطلت شبكة الإتصالات بين المواطنين فلم يعد يعرف احد اخبار الاخر ، و مع انقطاع التواصل يزيد العذاب ، ثم حل الظلام ، و دُمرت معالم حضارة عريقة ،
،،،،
وكما حدث في العراق ، و تشيلي ، و تسونامي ، و ١١ سبتمبر في الولايات المتحدة الامريكية ، وغيرها من كوارث عاصرناها يصبح البث الجماهيري لمشاعر الخوف والفوضى هما أساس القفزة السريعة للأمام باتجاه سيطرة الشركات الكبرى عابرة القارات ، ونظرة على المكاسب الهائلة التي حققتها الولايات المتحدة في إنعاش الاقتصاد المتعثر ، و سن القوانين ، و فرض الحماية ، ومازالت تحققها بعد صدمة تفجير برج التجارة العالمي في ١١ سبتمبر ٢٠٠١ و ما تفرضه من متغيرات على العالم من سن قوانين ، و تحقيق مصالح تجارية لا حد لها ، و ذرائع التدخل في شئون البلاد والعباد ، يعطينا خير دليل ،،
انه رأسمال عالمي ينتعش على آلام الفقراء ، قلة من قامات العالم و رجال أعماله ومستثمريه ، يقتاتون على عذابات الملايين من الصغار ، لكن لكل أسلوب نهاية حين يزداد استخدامه و تألفه الشعوب ، و قد ينقلب السحر على الساحر ، تذكر ما جاء في البداية ، الرياح العاتية القادمة تأكل الأشجار العالية ، بينما تجلس انت في وضعك المعتاد المدرب على التفاوض مع الصدمة ، بعدما تناولت تطعيمك ضد الصدمات التي حولها التكرار الى جلسات سمر ، و دردشات على مقاهي السوشيال ميديا وحكايات البسطاء بنكهات دراما المحترفين ،