حتى ان لم تكن حرفة ، او مهارة ، فهي ضرورة حياة ، ولا مفر ،،
منذ عصور قدمت دورا عظيما للتواصل بين الناس ، وتوثيق الاحداث ، والتعبير عن المشاعر ، والعلاقات ، نقلت الخبر والمعلومة والقصيدة ، والقصة ، والرواية ، قدمت البيان ، و عقود العمل ، وتذاكر السفر ، و شهادات الحياة من الميلاد حتى الموت ،،
انها الكتابة ، كلها ، من تلك التي نحبسها في أوراقنا و أدراجنا ، الى تلك التي نقدمها للتعريف بنا ، الى إبداعنا ، و حتى ما نجعله مشاعا على صفحاتنا على شبكات التواصل الاجتماعي ،
الكتابة ، معاملات ، و تعبير وابداع ، ترتيب الاحداث ، تغيير التفكير نحو الايجابية ، تجعل الاشياء والافعال قابلة للتطور والتغيير ، هي تنمية الذات وعدم الغرق في مواقف مابين هجوم ودفاع ، الكتابة عملية متعبة ممتعة ، تبدو صعبة حين تُضطر لوضع جمل محددة تحاول ان تصف الناس والمشاعر والاحداث ، تبدو قاسية وغير منصفة حينما لا يسعفك اللفظ ، ولا تجد الكلمات المناسبة المطابقة تماماً لما تحب ان تقول ، تبدو ملهمة حين تخرج على نفسك بفعل جديد بافكار للحياة ، بخطط ابتكرتها حين كتبت ،
تشير الدراسات ان الكتابة لمدة خمس عشرة دقيقة تقي من حالات الاكتئاب وتقوي الذاكرة وتعافي الجسد ، خاصة في حالات اضطرابات ما بعد الصدمة ، فهي تجعل الانسان يواجه الحدث مواجهة مباشرة ، انها نوع من انواع العلاج النفسي ، كما ينظم بعض المعالجين جلسات الكتابة الجماعية ، حيث تضم المجموعة عددا من الأشخاص ، ويطرح المعالج موضوعا للكتابة فيه بحرية تامة وفي اي مساحة من الكلام ، عن الاسرة ، المديرين ، الآباء ، الابناء ، الاصدقاء ،، يعبر عن افكاره كلها الايجابية والسلبية ، ثم يقرأ كل عضو ما كتبه على المجموعة ، ويبدأ النقاش والتقييم والحلول ، حتى تنتهي الجلسة بعد ان يكون كل فرد فيها قد فرغ افكاره ، وانفعالاته ، انهم يعبرون ، ويتناقشون ، وحين يحيدون مشاعرهم تماماً يستطيعون البدء من جديد ،،
وأكدت دراسة في احدى الجامعات الامريكية ، تم إجراؤها على عدد من الذين فقدوا وظائفهم ، و تم تقسيمهم الى مجموعتين ، مجموعة عبرت بالكتابة عن تجربتها ، من فقد العمل ، و اسباب فقد العمل و عبرت عن امالها في عمل جديد ، والمجموعة الاخرى ، لم تكتب ،، وجدوا ان المجموعة التي عبرت بالكتابة نجحت في الحصول على عمل جديد ، اسرع من المجموعة التي لم تكتب ،، ،،
انها علاج لحالات التوتر ، والضغوط ، و الإكتئاب ، بل ان البعض يرى ان الكتابة تضبط المزاج العام ، ومستوى ضغط الدم وتحسن اداء الرئتين والكبد ، والقلب ، و تساعد الذين يعانون من اضطراب الصدمات العاطفية، و النفسية التي نواجهها يوميا ،،
حاول ، اكتب بانتظام ،، في أول تجربة ستجد ان الكتابة مسألة شاقة ، لكن الاستمرار على فعلها ،، يجعلها تدريبا ذهنيا خالصا ومفيدا ، يبدأ بخطوة واحدة للخلف ، فقبل اي مشكلة هناك لحظة فارقة بعدها حدثت المشكلة ، هذه اللحظة دوّنها بوضوح ، ماذا حدث ، متى حدث ، اين حدث ، من أحدث ذلك ، لماذا حدث ، وكيف حدث ( قاعدة مهمة اجعلها دائماً حاضرة في ذهنك ،( الاسئلة الخمسة وكيف ، 5ws &how )
هذه التجربة العلاجية تأخذنا الى رحلة استكشافية عبقرية ، ، حياتنا في جانبها الإنساني مليئة بعدم اليقين ، الحيرة ، هذه الحيرة لها جانبها المشرق ، ان عدم التأكد الذي يحاصرنا يعطي دائماً مساحة ما للتراجع وإعادة النظر ، وهذا مفتاح سر الكتابة وسحرها ،، فهي حين نستخدمها للإعلان عن مشاعرنا ، تصفيها وتفتح أبوابا اخرى للتفكر ، و تضيء جوانب اكثر لوجهات نظر لم تكن تظهر عند مرور الاحداث ،،
بين اربع مناطق لأربعة افعال تقع لحظة الكلمة ، منطقة المواقف التي حدثت بأفراحها ، وأحزانها ولم يتبق منها الا الذكريات ، سواء الآلام بذكريات الحزن او الحنين بذكريات الفرح ،
منطقة الآن ، اللحظة الحالية ، و ما يحدث فيها ، و من يقوم بالفعل ، وباقي الاسئلة ، ان ما يحدث الان هو ما نستطيع العمل فيه ، ما يمكن تغييره لتغيير الكتابة ،
منطقة المستقبل ، الحلم والهدف ، والغد الافضل ، منطقة التصورات العقلية ، لحياة لم تحدث لكننا نسعى لها ، منطقة الأمنيات ، الترقب ، والانتظار ، والشغف ، والقلق ، والرغبة والخوف ،
ومنطقة الطلب او الامر ، أن تدعو ، ان تطلب شيئا ما من اخرين ، ، ان تأمر ،
،،،،،،
مواجهة المشاعر الدفينة المكبوتة ، التي سكنت فينا من ذكريات مضت ، وتوقعات بين الحلم والكابوس ، وواقع نفعل فيه القليل من رغباتنا ، و لا نستطيع ان نأمر أحدا ، حتى انفسنا يبدو انها الاصعب ، والأكثر معاندة في تلبية اوامرنا ،، في كل ذلك نكتب ،، و لأول مرة قد نتألم ، ثم نتدرب ، ونصر ، فنعتاد ، نحترف ، حتى نصل الى حياد الاحساس ، و وضع خطط اكثر موضوعية نحو الحياة ، ،
اكتبوا ، نعم ، فالكتابة تجعلنا اكثر صحة ووضوحا امام انفسنا ، تمنحنا مساحات جديدة للحياة ، تأملات لم تكن لتحدث لولا الكتابة ، انها تساهم في اعادة ترتيب الاحداث الزماني والمكاني والنفسي و وضعها في حجمها الطبيعي ، قياسا لباقي امور الحياة ،، ان الكتابة والتعبير لهما قدرات مذهلة ، تحقق ما يسمى بالمعالجة الذهنية ، التي تعمل على العقل والمشاعر قبل الجسد ، خاصة حين تسير جنبا الى جنب مع خطط العلاج ، فلها تأثير يفوق تأثير الدواء ، اكتبوا ،، اكتبوا تصحّوا .