حين سألتني حنان، و هي مستمعة منتظمة لبرامجي في الإذاعة المصرية، هل يكون مجنونا من يتحدث مع نغسه، و حكت لي عن المدرسة التي أكدت لها ذلك في المدرسة،

سألتها؛ هل تتخيلين شخصا آخر تتحدثين معه،؟

اجابت؛ بل اتحدث مع نفسي و اعيد المواقف و اقوم بتقييم الاحداث،

أكدت لها اننا جميعا نتحدث مع انفسنا، لكن الاختلاف هو درجة الوعي بما يدور في هذا الحديث الذاتي،

الوعي بالاتصال، في المستوى الأول من مستويات الاتصال و هو الاتصال الذاتي، ضروزة لتنقية الخبرات من الألم و الاحتفاظ بالدروس، 

ثم يأتي الوعي بالمستوى الثاني من مستويات الاتصال، الاتصال الشخصي المواجهي، فيعرف الإنسان من يختار للتحدث معه، من يختار كشركاء المواقف، من يختار كشركاء حياة، من يختار كرفيق للرحلة،

من يختار للاستشارة و حتى الفضفضة، التي قد تعمل كمهديء او مساعد للاشتعال و زيادة الألم،

ثم يكون واعيا بالحديث، نوعية الكلام، موضوع الكلام و مضمونه و طريقة الكلام و دلالاته و اهدافه ، توقيت الكلام، زمن الكلام، انهاء الكلام، و المواقف، كيف يتم التعبير و مع من و لماذا و متى و اين، الأسئلة المفتاحية للحياة، 

بعضنا يحتاج لباقي مستويات الاتصال و بعضنا يكتفي بالمستوى الأول والثاني فقط، (حتى يقفز الكثيرون إلى المستوى الاخير و ما بعده للصراخ و الفضفضة عبر منصات التواصل الاجتماعي)، فإذا حدثت القفزة دون وعي بأهمية المستوى الأول والثاني من مستويات الاتصال تفاقمت الصراعات و اشتد الغضب الخاص و العام ( يمكن مراجعة مقال مخاطر و مظاهر الخلط بين مستويات الاتصال على موقعي في كنانة اونلاين ) 

و اذا لم يستطع الإنسان ان يعبر عن ما يعتريه بوعي و ادراك ثم يقوم بالتقييم ثم التقويم و الإصلاح  تراكمت خبرات الألم او الغموض، مع التفسيرات العشوائية لتلك الخبرات،

و (لو لم تصرخ انت لصرخت انا) هكذا يمكن ان يقول الجسد لو امتلك اداة للتعبير،  خارج سيطرة العقل،  للتعبير بوضوح و دون قيود الكبرياء و الكرامة و مخاوف الايحو،  لا يمتلك الجسد اداة تعبير أخرى، غير اللسان حين يتكلم،  او الاصابع حين تكتب،  لذلك فهو لا يجد الا نفسه على المستوى المادي ليعبر عن الشعور  بألم  في المعدة،  و صداع في الرأس،  وخفقان في القلب و رعشة في المفاصل و برودة في الاطراف،  و اصطكاك الاسنان،  و تعرق شديد ،  و دوار،  و هبوط في الدورة الدموية او ارتفاع في الضغط، 

و هكذا صدى الآلام التي لو لم تعبر عنها في عمليات الاتصال الذاتي الطويلة، 

و حين نكتم عملية الاتصال الذاتي او نتركها عشوائية فلا نعي الافكار التي تدور،  او ننكرها و نستنكرها و ندافع اننا لا يمكن ان يدور في انفسنا هذا،  هنا قد ينفجر الألم في مكان ما من الجسد،  ثم تظل ذاكرة الجسد تستدعي الآلام ،  حتى حين تسقط هذه الخبرات في بئر الذاكرة العميق و تظن انها انتهت، و هي قابعة في مكان ما و تعبر عن نفسها بآلام جديدة وفقا للمثيرات التي تتعرض لها،  او ردود افعال قديمة على مواقف جديدة، 

اذا لم يستيقظ الوعي بالذات في اول مستويات الاتصال،  و تركز لتعرف مشاعرك،  و تعبر عنها بوضوح،  سيعبر الجسد بالالم او باطلاق سلوكيات الغضب على المارة، 

فتزداد الشكوى من تدهور الأحوال النفسية،  و تفشب سلوكيات الغضب و المبالغة في ردود الأفعال،  حتى تصل للصراع و الشجار و أحيانا القتل 

لا تدع الاتصال بذاتك يمر بعشوائية و تشويش و عدم ادراك او انكار و هروب من مواجهة المشاعر  النلتجة عن خبرات يومية مواقفية،  تترك فينا اثرا نفسيا و روحيا و جسدياً،

الوعي بعمليات الاتصال ضرورة لحياة مركزة اكثر بهجة و رضا و فهما لعلاقتنا مع أنفسنا و علاقاتنا مع الآخرين،

اذا كنت مسئولا عن امر ناس فدعهم يعبرون،  محاولا مساعدتهم على فهم ما يدور داخلهم و تنقيته،  و اذا كنت ابا أو اما فهنا تكون الضرورة الأكثر خطورة، استمع لما يدور في قلوبهم بالتحدث معهم،  علمهم ان يدركوا حديثهم الذاتي و مشاعرهم تفاديا لمخاطر التخزين دون تصنيف و فهم،

معظم الناس يعانون من مخازن افكار الطفولة بتفسيرات غير ناضجة فيعيشون ألما متواصلا و لا يهدأون،  الا حين ينظفون اثار عمليات الاتصال الذاتي المؤلمة،  يتخلصون من الألم و يحتفظون بالدروس و الخبرات  

المصدر: دكتورة نادية النشار
DrNadiaElnashar

المحتوى العربي على الانترنت مسئوليتنا جميعاً د/ نادية النشار

د.نادية النشار

DrNadiaElnashar
مذيعة و كاتبة ،دكتوراة في علوم الاتصال و الاعلام والتنمية .استاذ الاعلام و علوم الاتصال ، مستويات الاتصال و أهدافه، الوعي بالاتصال، انتاج محتوى الراديو والكتابة الاعلامية ، والكتابة، و الكتابة لوسائل الاعلام الالكترونية ، متخصصة في علوم الاتصال و الاعلام و التنمية، وتدريبات التطوير وتنمية المهارات الذاتية والاعلامية، انتاج »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

590,166