حسام طفل مجتهد، قوي الملاحظة، و عطوف، هو الابن الأكبر و له أخ يصغره بثلاثة اعوام، و أخت رضيعة،
كان حسام يراقب قطتين أثناء مشاجرة بينهما على قطعة لحم مشوية القاها لهما في حديقة النادي،
فألقى حسام بقطعة أخرى من اللحم لفض الاشتباك،
اخذت القطة الأقوى قطعة اللحم في فمها تأكلها، و جرت القطتان على القطعة الجديدة و فازت بها ايضا القطة الاقوى، و انصرفت،
ظل حسام يفكر ، ليست معه قطعة ثالثة ليقدمها للقطة التي لم تأكل شيئا مما ألقاه،
لم يقم للعب مع اخوته، و ظل جالسا مكانه ينظر و يفكر،
انتبهت الام و سألته: حسام هل شبعت؟
حسام: نعم.
الام: لماذا لا تقوم للعب مع اخيك و اصدقائك؟
حسام: هذه القطة لم تأكل شيئا و القطة الأكبر أكلت كل قطع اللحم، هل يرضى الله عن ذلك، لماذا يتركها و لا يدافع عنها و يحافظ لها على قطعة تأكلها؟
الام: الله اعطاها ما تدافع به عن قطعتها، و ان لم تنجح فستتعلم لتجد طريقة أخرى تحصل بها على الطعام فلا تقلق.
حسام: لماذا يتركنا الله ننهزم امام الأقوياء؟
الام: لا يتركنا الله ابدا، انه يمنحنا فرصاً للتعلم و التدريب على ما تعلمناه.
حسام: في المدرسة ايضا يفوز الشريرون على الطيبين المسالمين، هل الشيطان يمنح الاشرار قوته ، و يترك الله الطيبين؟
الام: الله لا يترك احدا انه معنا دائما.
حسام: الشيطان يمنح الأشرار قوة فلماذا نبقى مع الله،؟!
اثناء هذا الحوار ألقى رجل على الطاولة المجاورة قطعة لحم للقطة التي مازالت قابعة في مكانها تنتظر، أكلتها دون منافس.
فرحت الام جدا و وجدت برهانا لابنها ان الله لم يترك القطة الأضعف.
قال لها حسام: لو كانت القطة الاقوى هنا ما تركتها.
الام: الطيبون المسالمون لابد ايضا ان يكونوا اقوياء،
الله يمنحنا قدرات كبيرة يفوز من ينميها و يهتم بصحته و عقله و دراسته ليصبح قويا يستحق الحصول على ما يريد.
تحرك حسام للعب مع اخيه و أصدقائه،
و أثناء عودته لطاولة امه شاهد القطة الأضعف تضرب قطة ثالثة، و تفوز بقطعة جبن، و تجري تأكلها، اندهش و تساءل هل تعلمت الدرس ام تستقوي على القطة الثالثة!
ثم حكى لأمه ما شاهده.
ردت الأم: نعم لقد تعلمت و تمارس السعي من اجل الرزق على طريقتها.
و اكملت الام: يا حسام حتى لو لم تر القطة في كل هذه المواقف، و هي تأكل بعد رحيل القطة الاقوى او وهي تفوز بقطعة الجبن، تأكد ان الله موجود في كل الحياة و انت لا ترى الا جزءا صغيرا في محيطك، و انه يعطي و يرزق، و الاهم انه دائما يمنحنا المواقف لنتعلم و نفهم و نقوى و نستعد للتعامل مع كل مواقف الحياة،
و بعض المواقف لا تراها كاملة و لا تستطيع مراقبة تطورات المواقف كلها، الله يرسل لنا الاحداث و المواقف و حتى الناس و الحيوانات لنراقب و نتعلم، و فوق كل ذلك نثق في الله الذي اعطانا القدرة و وهبنا الادوات، و حملنا المسئولية تجاه حياتنا و سيحاسبنا على ماذا فعلنا في كل ذلك، منا من يزيد فرصه و منا من يجلس مستسلما و ضعيفا.
اعاد حسام مشاهد القطة في افكاره، و غضب من نفسه انه اعتقد ان الله لا يقف مع الطيبين، و انه لولا ان تابع و رأى كان تمادى في تصوره.
تمر السنوات و حسام يراقب ليتأكد ان الله موجود و ان علينا فقط تنفيذ ضبط الإنسان على قواعد اعطاها لنا الله، كما نضبط الاجهزة على كتالوج شرح الاستخدام المرفق بها، لا يكف عن طرح الاسئلة و الأم لا تمل من الحوار معه بل كثيرا ما تسعى إلى البحث للإجابة ،
دخل حسام الفرقة الثالثة في المرحلة الثانوية، ما زال طالبا مجتهدا، محبا لاسرته و زملائه،
و في احد الايام، عاد حسام مع اخيه من المدرسة ليجد والده مع اخته التي سبقتهما للبيت ، في حالة قلق شديد على امه، تأخرت جدا، كانت تتسوق و يبدو ان هاتفها المحمول انتهى شحنه، و مغلق طوال الوقت، أعد الاب طعاما للأبناء، و أصر الاب ان يتناولوا طعامهم حتى تعود الام،
دق هاتف الاب من تليفون لا يعرفه، جاءه صوت يخبره ان زوجته في المستشفى بعد ان صدمتها سيارة صدمة أوقعتها على الأرض، و انها بخير، تعاني فقط من كسر بسيط في الذراع، و كدمات و يبدو ان احد اللصوص قد سرق تليفونها مستغلا ارتباك الناس وقت الحادث،
جرى الاب سريعا إلى المستشفى بعد أن اوصى حسام بالانتباه للبيت و لاخوته،
حاول حسام النزول معه لكنه رفض موضحا ان الامر بسيط و بقاؤهم في البيت أفضل،،
في المساء عاد الاب مع الام التي كانت تبتسم لابنائها رغم حالة الاعياء التي تنتابها،
بحذر اقترب منها الأبناء ، وسط بكائهم و فرحتهم بعودة امهم،
في الصباح قام الاب بتوزيع بعض المسئوليات على الأبناء، لمتابعة دراستهم و القيام معه بشئون البيت و رعاية امهم،
حاول الجميع تأدية بعض المهام بتعب و اجهاد، دون ان تشعر امهم بضجرهم،
في المساء التفوا حول الام، و صرخ الاخ الأصغر غاضبا معترضا على ما حدث، ليسأل امه: لماذا تصدمك سيارة و لماذا يسرق لص تليفونك و ينجح في الهروب، لماذا ينجح الاشرار و اللصوص، لماذا ترك الله السائق يهرب والسارق يسرق ؟ لماذا انت تدفعين ثمنا لا ذنب لك فيه، و لماذا نحن نعاني؟ اين الله؟
قالت الاخت: انا ايضا كنت اتحدث مع زملائي في المدرسة في الموضوع ذاته، اين الله، و لماذا نمر بما يعذبنا و لا يناسبنا بلا ذنب؟
ابتسمت الام و قالت؛ صاحب السيارة و السارق حسابهما عند الله، و انا لي مكافأة الصبر، و انتم تتعلمون مهارات الحياة، الله يدير ملكوته، و كل منا له شأن و له اختبار، الله موجود، انتم لا ترون الا جانبا واحدا من الصورة، و لا تعلمون ظروف الآخرين و لا ما يحدث لهم،
اضاف الاب؛ لقد خلقنا الله و سيحاسبنا، و القى علينا مسئوليات افكارنا و مشاعرنا و افعالنا، خلقنا نختار بين المعصية والطاعة، كان من الممكن ان يخلق الخير فقط دون حرية اختيار الطريق، لقد خلقنا و تركنا نخطئ ونتعلم، نحزن و نفرح، نعيش الحياة بشغف انتظار نتائج اختياراتنا و ثمار اعمالنا،. و الخير كثير و اثره كبير حتى لو تأخر.
فسألت الاخت الصغرى: لماذا اذن ينجح الشر و ينتصر و كل الاحداث السيئة تحدث، يترك الله الاشرار يعبثون في العالم، امراض، اوبئة، زلازل، براكين، تغيرات مناخ، كلهم شر؟
رد الاب : نعم، الشر موجود و يختاره اهله، و يعلّم الله به الناس كثيرا من شئون حياتهم، الامراض و الاوبئة تدفع الانسان للوقاية و العلاج و البحث عن مزيد من العلم و التطور و الحياة الصحية ، والألم يعلم القوة و الصلابة و الازمات تعلمنا مهارات، و لنا في تعب أمكم خير مثال، لقد وزعنا المسئوليات علينا جميعا و شعرنا بها أكثر و ادركنا كيف تتعب في شئون البيت دون ضجر، و تعلمنا الكثير عن شئون البيت، حتى الازمات و الصراعات تدفع للتفكير و التقدم و أعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب.
استمر حوارهم الأسري حول امهم حتى دق هاتف الأب يخبره المتصل انهم يريدونه في قسم الشرطة و انهم وجدوا الهاتف المسروق عن طريق تتبع السارق و الخط، بعدما قاموا بتفريغ كاميرات المراقبة في الشارع و توصلوا ايضا لسائق السيارة، لكنه في المستشفى بعد انقلاب سيارته لانه كان في نوبة اعياء شديدة نتيجة مرض السكري.
استعد الاب للنزول و هنا تذكر حسام حكاية قطط النادي و هم صغار،.
حكى حسام لأخوته حكايات القطط في النادي و هم صغار، كيف استقوت قطة و تطورت قطة، و سارت الارزاق للجميع على نحو دبره الله خير تدبير.