جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
في عصر الرسول والخلفاء الراشدين.. كسوة الكعبة تحاك في مصر من الأقمشة القبطية
منال الوراقي
صحيفة الشروق المصرية
على مر التاريخ، اُعتبرت كسوة الكعبة من أهم مظاهر الاهتمام والتشريف والتبجيل لبيت الله الحرام، التي برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي، حتى أصبح تاريخها جزء من تاريخ الكعبة المشرفة نفسها.
وكسوة الكعبة، وهي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن الكريم بماء الذهب، تكسى بها الكعبة المشرفة، ويتم تغييرها مرة في السنة خلال موسم الحج، وتحديدا صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة.
وهذا العام، أعادت مجلة الأزهر الشريف الإسلامية الشهرية، الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية، نشر كتاب المؤرخ الكبير السيد محمد الدقن، "كسوة الكعبة المعظمة عبر التاريخ"، الصادر في مايو عام 1985، والذي رصد من خلاله تاريخ تصنيع وزركشة ونقش كسوة الكعبة المشرفة منذ بناؤها.
الكسوة في عصر الرسول و الراشدين
لم تتاح الفرصة للمسلمين القيام بكسوة الكعبة المشرفة إلا بعد فتح مكة، حيث كانت السيادة عليها قبل الفتح للمشركين، ولم يرد في كتب المؤرخين أن المسلمين قد كسوها قبل الفتح، فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال: لما كان عام الفتح أتت امرأة تجمر الكعبة أي: تبخرها، فاحترقت ثيابها أي: كسوة الكعبة، وكانت كسوة المشركين، فكساها المسلمون بعد ذلك، كساها النبي ﷺ الثياب اليمانية.
ثم كساها أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- القباطي (ثوب من ثياب مصر رقيق أبيض ينسب للقبط)، ثم كساها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه أيضا القباطي من بيت المال، فكان يكتب إلى مصر لتحاك له فيها؛ وكذلك فعل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، غير أن عثمان لم يقتصر في كسوته للكعبة على القباطي؛ بل كساها أيضا البرود اليمانية (أثواب يمنية مخططة) في إحدى السنوات، حيث أمر عامله على اليمن (يعلى بن منبه) بصنعها؛ فكان عثمان بن عفان أول من وضع على الكعبة كسوتين إحداهما فوق الأخرى في الإسلام.
أما علي بن أبي طالب -رضي الله عنه فلم يذكر أحد من المؤرخين أنه كسا الكعبة؛ وقد برر بعض المؤرخين ذلك بانشغاله بالحروب والفتن الداخلية التي ابتليت بها الدولة الإسلامية عقب مقتل عثمان -رضي الله عنه -.
ويورد بعض الباحثين عدة روايات تؤكد كلها أن النبي ﷺ هو أول من كسا الكعبة القباطي، منها:« قال عبد الرزاق عن ابن عمر -رضي الله عنه- كان يكسوها القباطي، وأخبرني غير واحد أن النبي ﷺ کساها القباطي والحبرات (أثواب يمنية مخططة من القطن والكتان)».
وروى أبو عروبة عن الحسن قال: أول من ألبس الكعبة القباطي النبی ﷺ، وأما عن الوقت الذي كانت تكسى فيه الكعبة في تلك الفترة فقد روى الأزرقي عن خالد بن المهاجر أن النبي ﷺ خطب الناس يوم عاشوراء فقال: «هذا يوم عاشوراء يوم تنقضي فيه السنة؛ وتستر فيه الكعبة؛ وترفع فيه الأعمال؛ ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن أحب منكم أن يصوم فليصم».
كما روي عن ابن جريج قال: كانت الكعبة فيما مضى إنما تكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج حتى كانت بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القميص يوم التروية من الديباج (الحرير المنقوش)؛ لأن يرى الناس ذلك عليها بهاء وجمالًا؛ فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار (ثوب نصفي)».
وأيضا روي عن نافع قال: « كان ابن عمر يكسو بدنه إذا أراد أن يحرم القباطي والحبرة، فإذا كان يوم عرفة ألبسها إياها، فإذا كان يوم النحر نزعها ثم أرسل بها إلى شيبة بن عثمان فناطها (علقها) على الكعبة».
كما روى أن الكعبة كانت تكسى في كل سنة كسوتين؛ كسوة ديباج وكسوة قباطي، فأما الديباج فتكساه يوم التروية؛ فيعلق القميص على نصف الكعبة ويدلى ولا يخاط، وكأنها محرمة كما هي العادة اليوم، فإذا أتم الناس حجهم وصدروا من منى خيط القميص وترك الإزار حتى يذهب الحاج لئلا يخرقوه، فإذا كان يوم عاشوراء علق عليها الإزار؛ فوصل بالقميص فلا تزال هذه الكسوة الديباج حتى يوم سبع وعشرين من رمضان فتكسي القباطي لاستقبال عيد الفطر.
ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم
ساحة النقاش