البصمة البيئية
إن تدهور الأنظمة البيئية بشكل مستمرّ وبسرعة متزايدة يبرز الحاجة الملحة إلى الاستدامة والتنمية المستدامة. فإدارة التنمية المستدامة تحتاج إلى الأدوات والطرق لحساب الطلب على الموارد البيئية وكذلك لحساب قدرة هذه الموارد على الاستمرارية. تعرّف الخطى البيئية بأنها أداة محاسبية تجعل من التنمية المستدامة عنصراً قابلاً للقياس عن طريق قياس الاستهلاك الإنساني لمجاله الحيوي مقارنة بقدرة هذا المجال الحيوي على تجديد ذاته. على المستوى العالمي تظهر تحاليل البصمة البيئية أن المجتمع الإنساني في حالة تجاوز (Overshoot) حيث أن استهلاك المجال الحيوي (Bio Demand) يزيد بمقدار 80% عن قدرة المجال على تجديد ذاته (Supply)
ففي بداية التسعينات بدأ باحثون في جامعة كولومبيا بقياس مساحة الأرض المطلوبة لتزويد السكان بالمواد، والموارد بشكل عام بناء على معدلات الاستهلاك المتباينة جغرافيا وكذلك قياس المساحة التي يتطلبها امتصاص نفاياتهم. وقد أطلق على هذه الطريقة المبتكرة "البصمة البيئية Ecological Footprint وتقاس بالهكتار . وفي بعض البلدان مثل الولايات المتحدة تعتبر البصمة البيئية أكبر من مساحة البلاد نفسها بسبب اعتمادها الكامل على الواردات أو بسبب الاستغلال الجائر لمصادرها وقدراتها على امتصاص النفايات. وقد خرج الباحثون في الجامعة بنتيجة تؤكد أن الموارد المطلوبة لتأمين مستوى معيشة مثل الذي يتمتع به الأميركي أو الكندي لكل سكان العالم يتطلب ثلاث كرات أرضية أخرى مثل التي نعيش عليها. وتؤكد هذه الدراسات أن البصمة البيئية للولايات المتحدة لوحدها تستحوذ على أكثر من 20% من المساحة الكلية لكوكب الأرض. من أبرز المفاهيم التي طورها الفكر الاقتصادي الأوروبي المستدام مؤخرا، مفهوم "المساحة البيئية Environmental Space والذي يرتبط إلى حد ما مع مفهوم البصمة البيئية، إلا انه يستخدم في تحديد الحصة العادلة لكل دولة في العالم من الموارد الطبيعية ومدى تجاوزها لهذه الحصة، ويقوم بتحليل معيار العدالة البيئية في ذلك، وهذا ما أدى أيضا إلى تطور مفهوم الديون البيئية Ecological Debts. ومن ابرز المحاولات في هذا الصدد ما قام به الباحثون الألمان في معهد فوبرتال للبيئة والمناخ في الدراسة الشهيرة " تخضير الشمال" والتي قدم فيها المعهد خلاصة لنتائج أبحاثه في كيفية انتقال المجتمعات الأوروبية إلى الاستدامة، وطور من خلال الدراسة مفهوم المساحة البيئية. وينطلق المفهوم من حقيقة أن معظم السياسات البيئية في العالم قد ركزت في عملها على تقليل انبعاث الملوثات من الأنشطة الاقتصادية وحققت نجاحا ملحوظا خاصة في أوروبا الغربية. وتركز الدراسة الألمانية على دورة حياة السلعة الإنتاجية من كونها مادة خام ومن ثم مرورها بعمليات الإنتاج وأخيرا انبعاث المخلفات إلى البيئة. أما المساحة البيئية نفسها فتشير إلى المساحة من الأرض التي يمكن استغلالها بدون إحداث ضرر نهائي لا يمكن تصليحه في عناصرها الأساسية.
لذا اصبحت مسألة تأثير النشاط البشري علي البيئة واحده من أهم المسائل علي صعيد السياسات فمن ناحية هناك قلق متزايد بشأن تأثير النشاط الاقتصادي علي البيئة حيث انة متوقف علي الموارد الطبيعية و نتيجة لذلك بدأ العالم في وضع الحسابات البيئية في اوائل الاولويات لصانعي القرار او وضعها كحسابات مقارنة مع الحسابات الاقتصادية لملاحظة تأثير رأس المال الاصطناعي علي رأس المال الطبيعي و من الامثلة علي الحسابات المقارنة التي تم دمج حسابات البصمة البيئة بها هي مؤشر التنمية البشرية الذي يعطي مؤشرات للتنمية في مجال الصحة و التعليم و نصيب الفرد من اجمالي الناتج المحلي و مؤشر السعادة ايضا يشير الي الصحة و اجمالي الناتج المحلي و مدي الرضا عن مستوي المعيشة و مؤشر اهداف التنمية المستدامة و هو عبارة عن تقيم لما أحرزتة دول العالم من تقدم في تحقيق الالفية الانمائية و الذي اكد علي ان تحقيق التنمية المستدامة لن تتم دون خفض تأثير البشر علي النظام البيئي و كل هذه المؤشرات هي عوامل مساعدة لنظام المحاسبة البيئية حيث انه نظام متعدد الاغراض حيث انه مهم لصياغة السياسات و تقيمها و صنع القرار حيث يمكن تطبيق الاحصاءات الموجزة علي الموارد الطبيعية و المفصلة في وضع السياسات و صياغة سيناريوهات لتحقيق اقتصاد اقل تأثيرا بالسلب علي مواردنا الطبيعية حيث اصبح و ضع سيناريوهات بيئية اقتصادية مهم جدا نتيجة لظاهرة تغيرات المناخ و تأثيرات تلك الظاهرة علي راس المال الطبيعي و الاصطناعي علي المدي الطويل و ذلك لوضع خطط تنمية علي المدي الطويل و تلك الخطط تسمي خطط التنمية المستدامة التي يمكن تحقيقها نتيجة لوضع الاعتبارات البيئية داخل حسابتنا الاقتصادية و التي هي الامل الوحيد للحفاظ علي كوكبنا وتحقيق العدالة الاجتماعية
مع تحياتي
وليد الاشوح