المـــــــوقـــع الــرســــــــمى الـخــــــــــــاص بــ "د/ تـــــــامر المــــــــــلاح"

"تكنولوجيا التعليم " الحاسب الألى " الانترنت " علوم المكتبات " العلوم التربوية " الدراسات العليا "

أهم القضايا التربوية المطروحة فى المجتمع العربي ودور التربية في مواجهتها

تواجه المجتمعات الإنسانية حالياً العديد من القضايا التعليمية، والتى تحتاج من كافة التنظيمات المجتمعية شراكة من أجل التصدى لمواجهتها. فقد بدأت الفجوات الثقافية والمهنية تظهر بين الأجيال فى المجتمعات الإنسانية، فهناك أجيال أصبح فى مقدورها أن تكتسب معارف ومهارات تساعدها على التكيف مع التغيرات الثقافية المعاصرة وتؤهلها للتعامل معها بعكس الجيل الأكبر الذى يفتقد لمثل هذه المهارات، وتظهر هنا أهمية التنظيمات المجتمعية فى التنمية الثقافية والمهنية لهذا الجيل الأكبر(1)

كما أن تربية النفس على التمسك بمعايير الالتزام والسير بما جاء فيها فى كل حين وفى كل موقف،وتربية الأبناء وأفراد المجتمع كله فى مختلف مؤسساته وقطاعاته فى ضوء مبادئ هذا الالتزام أمر غاية فى الأهمية، وينبغى تفعيل المشاركة المجتمعية فى تنميته.

ولقد ضعفت مكانة المدرسة، واهتزت الثقة فى التعليم النظامى (التمدرس) فى توفير فرص للتنمية المهنية المتجددة للعاملين فى سوق العمل، بينما قويت النظم الخاصة البديلة لهذه المدرسة فى تقديم خدماتها فى مجال التنمية المهنية، ويستلزم هذا وقفة لتفعيل الشراكة المجتمعية نحو دعم هذا التوجه وتوحيد الجهود وتكاملها فى مجال التنمية المهنية للعاملين فى سوق العمل، كما ينبغى أن تخضع هذه البرامج فى هذا المجال للترشيد، فتربية الإنسان وإعداده مهنياً للحياة وللعمل لا يقتصر تحقيقها على تنظيم مجتمعى بعينه، وإنما تشترك وتتكامل فى تحقيقها جهود العديد من المؤسسات المجتمعية، فعلاقات التأثير والتأثر بين كافة الجهود التربوية المقدمة من مؤسسات المجتمع المختلفة واضحة وجلية، ومن ثم يصبح من الصعب- بل من المستحيل- الفصل بين التربية والمجتمع بجميع عناصره ومؤسساته(2)

 

ومن ثم فالتنمية الثقافية والمهنية وتحقيق جوانب الالتزام لدى المواطن لا يجب أن تترك دون إحداث شراكة فعالة بين التنظيمات الاجتماعية والمهنية فى المجتمع، كما أن الاستثمارات فى التربية والتعليم يجب أن تتم فى شراكة بين الدولة وبقية هذه التنظيمات الاجتماعية والمهنية وفق ضوابط ومعايير محددة وليس على ضوء أهواء ومغامرات.

 

ونعرض فى السطور التالية أهم القضايا التربوية المعاصرة والتى تمثلت فيما يلى:

 

1-     التنمية الثقافية والمهنية بين أفراد المجتمع العربي:

 

بداية تمثل الثقافة قيم ومعتقدات ونتاجات الأفراد المادية واللامادية، وهى تمثل مجمل طريقة حياة الأفراد والجماعات بجوانبها المادية واللامادية فى المجتمع، والثقافة تشمل مختلف مناشط الحياة مثل اللغة وطرق المعيشة وطرق التفكير وغيرها.

 

ويمكن تلخيص تعريفات الثقافة حول النسيج الكلى الذى يشتمل على الاعتقاد والمعرفة والفن والأخلاق والقانون والعادة، وكل القدرات التى يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً فى المجتمع، والثقافة تتألف من أنماط ظاهرة ومتضمنة للرموز التى تعبر عن الإنجازات المتميزة للجماعات الإنسانية، بما فى ذلك من تجسيد لهذه الرموز فى أشياء مصنوعة. والثقافة هى "مجموعة النشاط الفكرى والفنى فى معناها الواسع وما يتصل بهما من مهارات وما يعيش عليها من وسائل"، فالثقافة موصولة بمجمل الأنشطة الاجتماعية الأخرى مؤثرة فيها ومتأثرة بها، معينة عليها، ومستعينة بها، ليتحقق بذلك المضمون الواسع للثقافة متمثلاً فى تقويم شامل للمجتمع فى كل جوانب سعيه الحضارى إنتاجاً وارتفاعاً وأخذاً وعطاءاً فى تفاعل خصب وعطاء متجدد. والثقافة هى: "مجمل التراث الاجتماعى، وهى أسلوب حياة المجتمع التى تنظم حاجاته الاجتماعية وعلاقات الأفراد مع مجتمعهم ومع غيرهم من المجتمعات"، وتتناقل الأجيال المتعاقبة التراث الثقافى عن طريق الاتصال والتفاعل الاجتماعى، وعن طريق الخبرة بشئون الحياة والممارسة لها. والثقافة هى كل ما صنعه المجتمع واكتشفه، وهو يواجه مشكلاته التى صادفته وهو ينشط سلوكياً وتفاعلياً لإشباع حاجاته الحيوية والنفسية والاجتماعية والعقلية. وهناك نظرات أخرى فى الثقافة منها أن الثقافة هى كل عضوى يتمثل فى طريقة الحياة فى المجتمع، والثقافة هى مجموعة مختلفة من ألوان السلوك وأسلوب التفكير والتوافق فى الحياة وتدخل فى ذلك المعارف والمهارات والاتجاهات والتوقعات التى يكتسبها أفراد المجتمع ويتناقلونها كما هى أو يعدلون فيها وفق تغيير الظروف(3)

 

وقد لخص (حامد عمار)(4) هذه التعريفات والتحديدات للثقافة فى أنها تتفق جميعاً على جانبين هامين من ركائز الثقافة: أولهما أنها كل ما يصنعه الإنسان أو يقننه أو يتواضع عليه من أسلوب للحياة ومعداتها وأدواتها وعلاقاتها وأنماط التعامل والقيم التى ينبغى أن تسود فى الأخذ والعطاء بين أفراد مجتمع من المجتمعات. والجانب الثانى أن هذا الرصيد مما يصنعه الإنسان هو من الأمور التى تتناقلها الأجيال عن طريق التعليم والممارسة وأساليب التنشئة الاجتماعية المختلفة، كما أن هذا الرصيد الثقافى قابل للتعديل والتطوير، ومن ثم فإن هذا الرصيد الثقافى قابل للتنمية.

 

وإذا كانت الثقافة سمةً من سمات المجتمع، فإن تنمية هذه الثقافة تعتبر ضرورية فى تطور هذا المجتمع، بما يواكب تغير المطالب الاجتماعية والإمكانات المادية المتاحة وحاجات المجتمع المتغيرة.

 

وتعتبر التربية – من خلال وسائطها المختلفة- أداة نقل وتنمية للتراث الثقافى، وموقف التنمية للتراث الثقافى ليس واحداً فى جميع عناصر الثقافة، فتنمية عموميات الثقافة لا يكون بدرجة التنمية فى خصوصياتها، ففى عموميات الثقافة تتردد التوجهات التربوية المتضمنة فى التنمية المنشودة قبل إفساح المجال لأى تعديل أو تجديد أو تنمية فى الثقافة، بينما فى خصوصيات الثقافة فإن التنمية فى عناصرها تكون أكثر حرية، فالثقافة تنمى من أطرافها وتتطور وتتجدد حسب شدة تأثير التوجهات التربوية المتضمنة فى التنمية المجتمعية.

 

وفى هذا المجال يرى (سعيد إسماعيل على)(5) أن التعليم له أهمية قصوى بالنسبة للثقافة، وقد سارت العلاقة بينهما على نهج يجعل من صحة التعليم سبيلاً أساسياً للصحة الثقافية، ويتبدى هذا من خلال بعض النظرات إلى الواقع التعليمى فى مصر وتداعياتها الثقافية، فالتنوع الثقافى أمر مرغوب ونهج محمود، ولكنه محكوم بقاعدة، وإذا اختل ميزان العمل بها فلربما أساء وأنبت مظاهر تشرزم وفرقة، وتلك القاعدة تقول بأنه كلما اقتربنا من الأصول والجذور، فالأفضل هو التجانس والوحدة، وكلما بعدنا فى الفروع صح التعدد والتنوع.

 

وهكذا فإن تحديث المجتمع وما يتضمنه من عمليات تربوية متكاملة ومن توجهات ثقافية معاصرة فى هذا المجال يمكن أن يساهم فى "تنمية" الثقافة حتى تساير التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التى تطرأ على المجتمع، وتعمل التنمية الثقافية على تقبل التجديد الثقافى بحيث يصبح الأفراد بمهاراتهم ومعارفهم ضمن عوامل التجديد والتقدم الثقافى فى المجتمع، كما تساعد عمليات التنمية الثقافية أفراد الشباب المتعلم على فهم أسباب التغيرات الثقافية وغاياتها فى المجتمع،، والنتائج التى تؤدى إليها، وأن يكشف لهم ما فى عناصر ثقافاتهم الحالية من مواطن قصور ونواحى ضعف، وما يجب تجديده وتنميته فى عناصر ثقافاتهم حتى تتمشى وتواكب التغير فى المطالب الاجتماعية وسياسات المجتمع الاقتصادية وما طرأ من تطورات مجتمعية.

 

ويحتاج الإنسان إلى ثقافات متجددة،وقد لا يحصل عليها من مؤسسات التعليم النظامية، والتى لم تعد كافية لتنمية تلك الثقافات المتجددة، ومن ثم يجب أن تتبنى تنظيمات مجتمعية أخرى فى مجتمع الأمة هذه التنمية الثقافية، وفضلاً عن ذلك فإنه ما يشهده العالم المعاصر اليوم من تطور هائل ومستمر فى مجال العلم والمعرفة يفرض مشاركة التنظيمات الاجتماعية والمهنية للمؤسسات التعليمية النظامية فى تقديم خدمات ثقافية ومهنية للأفراد فى المجتمعات من أجل مواكبة هذا التطور، ومن أجل إحداث تنمية ثقافية ومهنية لهؤلاء الأفراد.

 

ويشير (ألكين وآخرون) (Alkin et al.)(6) إلى وجود العديد من عوامل التنمية الثقافية والمهنية فى مجتمع الأمة منها التدريب أثناء الخدمة (In- Service Training)  أو التربية المستمرة (Continuous Education)، أو التربية أثناء الخدمة (In- Service Education)، أو النمو المهنى (Professional Growth)، أو التنمية المهنية (Professional Development). فالتنمية المهنية للأفراد تعنى بتحسين المعارف والمهارات اللازمة لهؤلاء الأفراد أثناء ممارستهم لأعمالهم والتى تؤدى إلى تجويد أدائهم لأعمالهم ومهامهم المنوطين بها، وتتضمن عمليات التنمية المهنية للعاملين برامج منظمة ومخططة تمكنهم من النمو فى الثقافة المهنية مما يزيد من طاقاتهم الإنتاجية ويحسن كفاياتهم المهنية.

 

ومن آليات التنمية الثقافية والمهنية فى المجتمع الإنسانى ما يعرف بالاهتمام بمبادئ التعليم المستمر،والذى يعرف على أنه آلية يستطيع بها الأفراد ترقية معارفهم ومهاراتهم فى مجالات أعمالهم، وفى شتى أمور حياتهم، حيث يطلع هؤلاء الأفراد على ما وصلت إليه العلوم والتكنولوجيا من تقدم فى مجالات تخصصاتهم، إضافة إلى ترقية ثقافاتهم الحياتية(7).

 

وهكذا ينظر إلى التعليم المستمر كأداة للتنمية الثقافية والمهنية، حيث يتعود الفرد على البحث والاستقصاء ومواجهة التطورات والتغيرات المستمرة فى الحياة والتكيف معها.

 

وتهدف التنمية الثقافية والمهنية أيضاً إلى تنمية الوعى بالمشكلات الاقتصادية من أجل إحداث تعديل فى رؤية الفرد وتعامله مع هذه المشكلات بما يخفف من تأثير هذه المشكلات فى المجتمع ويقلل من حدتها،ولعل فى برامج التنمية الثقافية والمهنية ما يساعد الفرد على اكتساب مهارات العمل المنتج لكى يصبح عضواً فعالاً فى التنمية وتمكنه أيضاً من المحافظة على المعارف والمهارات الاقتصادية بما يحسن من أنماط الإنتاج ويرشد الاستهلاك. وبناءً عليه فالمأمول من التنمية الثقافية والمهنية للفرد أن تحسن من ثقافته نحو الاستهلاك وتقوى إرادته نحو التوفير.

 

كما تتضمن التنمية الثقافية أيضاً ما يعرف بعملية تنمية الثقافة السياسية من خلال إكساب الفرد القيم والأفكار والمعلومات والاتجاهات الإيجابية التى تتصل بالنسق السياسى للمجتمع الذى يعيش فيه الفرد، إلى جانب مساعدة هذا الفرد على المشاركة بإيجابية فى الحياة السياسية حاضراً ومستقبلاً(8). وتتسع التنمية الثقافية فى مجال الثقافة السياسية لتجعل الفرد على دراية بمختلف القضايا والاتجاهات السياسية المحلية والعالمية المعاصرة وكيفية التعامل معها، فضلاً عن اهتمام الثقافة السياسية بمساعدة الفرد على بناء هويته المستقلة على نحو يسمح له بالتعبير عن ذاته،وإعداده للقيام بأدواره المختلفة وذلك عن طريق مختلف الوسائط والمؤسسات المجتمعية(9).

 

كما تسعى الثقافة السياسية إلى تحقيق درجة عالية من فهم القضايا السياسية بما يمكن الفرد من إدراك أبعادها وتحديد دوره تجاهها ومدى مشاركته فى أحداثها(10).

 

وهناك خلل فى تصور الإنسان إلى مشكلات بيئته، فالتلوث البيئى مشكلة، واستنزاف موارد البيئة مشكلة، واختلال التوازن الطبيعى للبيئة مشكلة، إنها مشكلات صنعها الإنسان فى البيئة وعليه اليوم أن يواجهها ويتغلب عليها، وقبل ذلك، عليه أن يفهمها، ومن أجل ذلك ظهر ما يسمى بالتربية البيئية، والتى هى عملية تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التى تربط الإنسان وحضارته بالبيئة التى يحيا فيها وتوضح حتمية المحافظة على موارد البيئة، وضرورة حسن استغلالها لصالح الإنسان وحافظاً على حياته الكريمة ورفع مستويات معيشته(11).

 

ومن ثم أصبحت تنمية الثقافة البيئية مطلباً ملحاً الآن لأن مشكلات البيئة أصبحت قضية حيوية، وينظر إليها كأخطر المشكلات والقضايا العالمية بالنسبة لمختلف الشعوب فى الوقت الراهن. كما أصبحت البيئة قضية حيوية ومنظورة من الكثيرين من العلماء والمفكرين ورجال الإعلام والصحافة والمؤسسات المجتمعية(12).

 

كما يعتبر التلوث من أهم مشكلات البيئة فى الفترة الأخيرة نتيجة التوسع فى التصنيع، واستخدام الميكنة الحديثة فى الكثير من مجالات الحياة، ولقد كان لمصر حظها من المشكلات البيئية وعلى الأخص مشكلات التلوث البيئى(13)، وقد أضحى الاهتمام بتنمية ثقافية مطلباً ملحاً فى مقاومة التلوث السمعى، والضوضاء فى مختلف المدن المصرية، ومواجهة ارتفاع درجات تلوث مياه النيل والبحيرات بمخلفات المصانع والمنازل.

 

ويذكر (جلال أمين)(14) أن التلوث لم يترك أى عنصر من عناصر البيئة، إلا وقد أصابه، وأثر فيها بصورة سيئة، كما أدى هذا التلوث إلى القضاء على الكثير من مظاهر الجمال المحيطة بالإنسان ولمواجهة هذه القضايا البيئية يحتاج المرء إلى تنمية ثقافية دائمة فى هذا المجال.

 

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن هناك مشكلات أخرى بيئية مثل استنزاف الموارد الطبيعية فى مصر وتجريف التربة والزحف العمرانى المستمر على الأراضى الزراعية، وظهور العشوائيات فى مختلف أنحاء القطر المصرى، وإلقاء المخلفات الصناعية بشكل يؤدى إلى إحداث الضرر بصحة الإنسان(15).

 

ونتيجة لتعدد المشكلات البيئية وتنوعها وتزايد أخطارها على صحة الإنسان يلزم تنمية ثقافية بيئية تزيد من وعى الإنسان بالكثير من الأمور البيئية وتهيمن على سلوكه من أجل المحافظة على البيئة وتقليل عوامل تلويثها(16).

 

وتشغل المشكلة السكانية فى الوقت الحالى اهتمام المجتمع الإنسانى، وتوليها المنظمات المجتمعية القومية والعالمية عناية كبيرة، خاصة فى البلدان الفقيرة من منظور أن الزيادة السكانية تتسبب فى مشكلات مجتمعية عديدة مثل اختناق المدن ونفاذ الموارد(17). كما تؤدى المشكلة السكانية إلى خلل فى معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تؤدى هذه المشكلة إلى انخفاض مستوى المعيشة بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء، ويؤدى هذا كله إلى مزيد من التخلف وعدم القدرة على مسايرة التطورات المعاصرة(18).

 

وقد ترتب على وجود هذه المشكلة السكانية فى المجتمع المصرى عدة نتائج سلبية منها انخفاض حجم الصادرات فى مقابل زيادة حجم الواردات من الخارج فى السلع المعيشية كالقمح والسكر والألبان وغيرها، وتدنى مستوى التعليم وسوء توزيع الخدمات التعليمية وارتفاع كثافة الفصول الدراسية، وتدنى الأوضاع الصحية لدى الكثيرين من أفراد المجتمع المصرى، إضافة إلى زيادة معدلات التلوث البيئى فى المجتمع المصرى نتيجة استخدام البشر غير الرشيد للمرافق، والخلل فى سوق العمل والعمالة واضح وجلى، وتبرز هنا أهمية التنمية الثقافية فى هذا المجال، فهناك ضرورة حتمية فى تنمية ثقافية فاعلة للأفراد من أجل الوعى بنتائج المشكلة السكانية وخطورتها فى المستقبل القريب فى المجتمع المصرى.

 

وتظهر ثقافة الترويح كمطلب ملح من متطلبات التنمية الثقافية للأفراد فى المجتمع المصرى، فمفهوم "الترويح" (Recreation) من المفاهيم الهامة والتى نالت اهتماماً واسعاً فى السنوات الأخيرة نتيجة طغيان المدنية وزيادة حدة التسابق بين الأفراد نحو الوصول إلى مستويات مادية واجتماعية متقدمة عن الآخرين. والترويح عن النفس والخلود إلى الراحة بعض الوقت مطلب بشرى فى مختلف المهن وفى سائر الأعمال لما له من آثار نفسية واجتماعية على البشر وما يؤديه الترويح من راحة تؤدى إلى الارتقاء بمستوى العمل، والترويح يقصد به النشاط البناء الذى يمارسه الفرد فى وقت فراغه وبدوافع شخصية، سواء أكان هذا النشاط رياضياً، أو تثقيفياً، أو غير ذلك، وسواء تم هذا بشكل فردى أم بشكل جماعى، من أجل إدخال السرور وتحقيق السعادة الشخصية والاطمئنان النفسى للفرد الذى يمارس هذا النشاط الترويحى، ويرتبط النشاط الترويحى ارتباطاً وثيقاً بوقت الفراغ، ومن ثم فالنشاط الترويحى مرتبط وبشدة بوقت النشاط الحر الذى يكون تحت التصرف الكامل للفرد بعد أن يكون قد أدى عمله وواجباته(19).

 

وينظر إلى الأنشطة والخدمات الترويحية على أنها أنشطة مفيدة لقضاء وقت الفراغ ووسيلة لاكتساب الفرد السعادة وإشباع الحاجات النفسية بما يدعم شخصية الفرد ويزيد من كفاءته المهنية والإنتاجية فى المجتمع.

 

ولتحقيق هذه المنافع من الأنشطة الترويحية يحتاج الفرد إلى تنمية ثقافة الترويح لديه، يستطيع من خلالها أن يتعود على كيفية اختيار أساليب الترويح المناسبة لقضاء وقت فراغه، واستثماره أفضل استثمار ممكن، فالترويح يتطلب ثقافة ترويحية متحررة من قيود العمل، وفى الوقت نفسه متوافقة مع المعايير والقيم المجتمعية وجوانب الالتزام المتعارف عليها فى المجتمع.

 

وفى جانب آخر من جوانب الاهتمام بالتنمية الثقافية والمهنية، ونتيجة لعوامل التغير السريع الذى يتناول الحياة الإنسانية المعاصرة بجوانبها المتعددة والتى تعتبر من أكثر الخصائص التى تتسم بها ظروفنا المعاصرة، ونتيجة للتطور العلمى وما ينجم عنه من تقنيات وتطورات تكنولوجية عديدة ظهرت مهناً متمايزة فى المتطلبات الوظيفية وفى المهارات المهنية وفى الدخول النقدية،وأبقى على مهن ذات مهارات ودخول نقدية منخفضة، وقد أثرت هذه الأمور فى نمط تفكير الإنسان، وفرضت عليه مهمة قد لا تبدو يسيرة فى توقعاته المهنية تجاه فرص الوظيفة والبطالة، وفى متطلبات التنمية المهنية التى تيسر له فرص الحصول على عمل فى سوق العمالة.

 

والشباب المتعلم يقف حائراً وسط هذا التغير السريع، فهو من جهة تم إعداده لمهن محددة تكنولوجياً واكتسب مهارات مهنية محددة بفرص وظيفية وأعمال سادت فترة كبيرة من الزمن فى سوق العمل، ومن جهة أخرى يفرض على الشباب المتعلم التكيف مع ما يحيط به من مهن فى كافة القطاعات الاقتصادية فى المجتمع وأن يعيد هذا الشباب المتعلم عملية التكيف مع تلك المهن الدائمة التغير لكى يجد نوع من التوازن بينه وبين ما يطرأ عليه من تغيرات فى البنية الاقتصادية وسلسلتها المهنية فى المجتمع على نحو يمكنه من البقاء والاستمرار كعضو منتج فى مجتمعه.

 

وطالما أن الحياة من حول الشباب المتعلم فى تغير مستمر، فلا بد أن تستجيب برامج التنمية المهنية لهذا التغير، وبناءً عليه فإن على التنظيمات الاجتماعية والمهنية دوراً ثنائى البعد هو حماية المهن السائدة فى المجتمع وتنميتها بشكل يناسب التطور المجتمعى، وتقديم تنمية مهنية لمهن أكثر ملاءمة فى ضوء التحديات المستقبلية المتوقعة وظروف الواقع المعاصر(20).

 

وفى هذا المجال نادى (حامد عمار) بضرورة السعى إلى بناء الإنسان وتكوينه ثقافياً ومهنياً لمواجهة التحديات المعرفية والتكنولوجية والقيمية التى تهيؤه لإحداث النهضة خلال القرن الحادى والعشرين، وهذا يستدعى مفاهيم وأساليب متقدمة وتنمية لمهارات جديدة وقيم فاعلة ومحركة للفرد والمجتمع، تتطلبها الكفاءة والفاعلية فى العمل،وتستمد أدواتها وآلياتها وخبراتها من معارف العصر وتكنولوجياته ومستلزمات التنظيم والتعامل فيه، والالتزام بأسس الإدارة العلمية والإنسانية فى تسيير وحدات العمل ومواقعه(21).

 

كما أن التغيرات الناشئة عن التقدم العلمى وتطبيقاته التكنولوجية وما صاحبه من تغير فى سلسلة المهن والوظائف فى كافة القطاعات الاقتصادية فى المجتمع، وما يعانى منه أفراد المجتمع من فقر فى المهارات المهنية يستلزم بالضرورة دوراً جديداً للتنظيمات الاجتماعية والمهنية فى بناء شخصيات هؤلاء المتعلمين، وهذا الدور المنشود لهذه التنظيمات لا يتحقق إلا بتنمية مهنية فعالة، تستهدف الأفراد- تبعاً لأعمارهم وقدراتهم ومستويات نضجهم- وبحيث تعمل على "تجويد" مهاراتهم التى تمكنهم من التوافق مع تلك المتغيرات المهنية ومتطلباتها فى سوق العمالة، ومن هنا تبدو قضية "التنمية المهنية" عملية ضرورية للأفراد فى بناء أنفسهم مهنياً وتكوين شخصياتهم ومساعدتهم فى الحصول على تكيف ناجح مع ما يعترض فرص العمل فى المجتمع من تغيرات وتطورات تبعاً للأهمية النسبية لقطاعات المجتمع الاقتصادية.

 

وفى هذه "التنمية المهنية" عودة إلى نبعنا الصافى، وأساس حياتنا وقيمنا، ونعنى بذلك العودة إلى رأى الإسلام فى ممارسة المهن- كافة المهن وفى كافة القطاعات الاقتصادية، فلقد نظر الإسلام إلى كل المهن نظرة احترام وتقدير بشرط أن تؤدى هذه المهن خدمات لأكبر قطاع بشرى ممكن فى المجتمع، ودون نظرة متمايزة إلى نوعية هذه المهن. فالحدادة مهنة الأنبياء والملوك، فهذا داود (عليه السلام) ملك نبى يعلمه ربه الحدادة (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (سـبأ:10-11) وسليمان عليه السلام يفتخر بأنه تعلم لغة الطير (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل:16)، ورسول الله r يرعى الغنم لقوم بالقراريط، ويعمل بالتجارة لحساب خديجة بنت خويلد، ويكون فى مهنة أهله، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، حتى إن مهنة تعليم الكلاب الصيد من المهن التى اعتبرها الإسلام وتحدث عنها قرآننا الكريم (يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) (المائدة: من الآية4)، تلك بعض النماذج القيمية فى نظرة الإسلام للمهن فى سوق العمل والعمالة، والتى لو تفهمها شبابنا المتعلم لسعى إلى ممارسة كافة المهن فى المجتمع.

 

فسوق العمل الآن تتطلب نوعية مدربة من العمال وعلى أعلى مستوى من التعليم لأنه يتطلب المرونة بحيث يمنح العامل القدرة على التحول من عمل إلى آخر، إذ لن يكون الإنسان أسيراً لعمل واحد فقط طوال حياته فعليه أن يتابع التطور المستمر فى استخدام الآلات بالاستفادة من خبراته وتعليمه وتدريبه المستمر، ومن ناحية أخرى فالتربية مطالبة بإرساء قيم وأخلاقيات مهنية جديدة فى ظل تزايد استخدام التكنولوجيا التى أدت بدورها إلى تزايد المسئولية الشخصية عن أدوات الإنتاج، والحاجة المستمرة إلى التجديد والابتكار، ثم التنظيم والترشيد لعناصر الإنتاج.

 

ولاشك أن التنمية المهنية مرتبطة بتحديث بنية المعرفة، فمعرفة العصر لها خصائصها وسماتها، التى تفرض على النظم التعليمية مطالب ومسئوليات لكى تستوعب الأجيال الصاعدة من هذه المعرفة، وتعى أساليب استخدامها فى ترقية واقع حياة مجتمعاتها، ولكى تتمكن من جانبها من تقديم عطاء يحسب لها ضمن رصيد المعرفة الإنسانية ككل. ومن هنا فهدف تحديث بنية المعرفة من جانب مجتمع الأمة فى مصر يتمحور حول تثبيت موقع المعرفة الدينية بين أنواع المعرفة الأخرى التى يتداولها المجتمع، إلى جانب الوعى بالتراث والإفادة منه فى الإضافة للمعرفة الراهنة، وتقدير الفكر الإنسانى، وتنمية قدرات التعلم الذاتى، وتنمية القدرة على الاتصال والتواصل مع الثقافة العالمية، والوعى بمصادر المعرفة والحكم على درجة موثوقيتها، وتنمية القدرة على توظيف المعرفة فى واقع الحياة، والوعى بمفهوم التخصص فى إطار وحدة المعرفة.

 

ولعل من أوضح التحديات التى تواجه عمليات التنمية المهنية الآن تتمثل فى مجابهة "الثورة التكنولوجية" التى أحرزت تقدماً فى شتى مجالات الحياة، وأوجدت فى الوقت نفسه العديد من مشكلات الفقر والبطالة بين الشباب المتعلم، وقد جعل هذا التحدى الكثير من العلماء يطلقون على عصرنا الراهن، عصر التفجر المعرفى وحضارة المعلومات، وحضارة المعلومات هذه لها مطالبها التى يتعين على برامج التنمية المهنية أن تفى بها، وذلك بما تفرضه من بنيان جديد للمعرفة، يقوم على المشاركة والتأثير المتبادل فيما بين جوانب المعرفة. ومن هنا فعلى هذه البرامج فى التنمية المهنية أن تضطلع بمسئوليات جديدة تتمثل فى تكوين اتجاهات موجهة نحو تقدير المهارات وتنمية قدرة الإنسان على الانتقاء والاختيار من بين طوفان المعارف دون تحيز فكرى، مع الحفاظ على الهوية الثقافية أمام حتمية التواصل مع ثقافات الآخرين.

 

كما أن التطور الهائل فى نظم وتكنولوجيا الاتصال والإعلام أدى إلى زيادة حجم المعلومات المتاحة التى يجب الاستفادة منها وجعل التعليم مطالباً بإعداد الكوادر اللازمة والقادرة على انتقاء المعلومات وتصنيفها ومعالجتها، أيضاً الثورة العلمية وانفجار المعارف بمواد جديدة وأفكار وقيم وتصورات حديثة جعلت من الضرورى غرس المنهج العلمى فى التفكير والتمكن من إقامة البنى الأساسية لإنتاج العلم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى ظهور الاتجاه المعاصر الذى يدعو إلى ضرورة ربط التعليم بجهود التنمية المهنية بحيث يكون رافداً أساسياً لها وأداة من أدواتها.

 

والتنمية المهنية بهذا الشكل تؤثر على الشباب المتعلم وعلى رغباته وتوقعاته فى مجال المهن التى يمارسها، فيميل إلى ممارسة بعض المهن دون الأخرى فى سوق العمل والعمالة، وأيضاً يحمل هؤلاء الأفراد الرغبة للمشاركة فى قطاعات إنتاجية بذاتها دون غيرها من القطاعات الاقتصادية فى المجتمع.

 

وفى إطار التغير السريع فى فعاليات سوق العمل يحدث انتقال واضح فى الفعاليات المعتمدة على الزراعة إلى الفعاليات المعتمدة على الصناعة، وهذا يملى على المؤسسات المجتمعية تقديم معارف مهنية تستجيب لهذا التحول، وتستجيب إلى متطلبات التقدم التقنى(22).

 

وفى مجال التربية والتعليم هناك ضرورة لعرض كافة عمليات التنمية المهنية للمعلمين، فقد حدث تطور فى عملية التنمية المهنية للعاملين فى التعليم بحيث لم تعد تعنى مجرد عملية التفتيش على المعلمين، وإنما أصبحت عملية فنية تسعى لتوجيه النمو المهنى للمعلمين، وبالتالى تطور مفهوم الإشراف من مجرد مراقبة المفتش لإعمال المعلم إلى عملية إرشاد المعلم، وإثارة دوافعه وقدراته- إى أنه تطور لصالح النواحى الإنسانية المتمثلة فى احترام المعلم والثقة  بقدراته، ولعله يكون مفيداً للقارئ الكريم أن يتعرف على كافة الرؤى البحثية فى هذا المجال، حيث يمكن تصنيف مراحل التطور فى عملية الإشراف الفنى والتنمية المهنية للمعلمين إلى مراحل عديدة منها: الإشراف الفنى بمعنى التفتيش، حيث كان التفتيش هو الشكل الأول لعملية الإشراف على المدارس، فكان المفتش يمارس عمله فى مراقبة أعمال المعلم لمجازاة المحسن ومعاقبة المسيء، وكان التفتيش بالمدارس يقوم على أساس استخدام السلطة وتصيد الأخطاء، وتوجيه النقد من جانب المفتشين، وكثيراً ما كانت تتم عملية المراقبة عن طريق الزيارات المفاجئة للمعلم فى الفصل، وقد غالى بعض المفتشين فى رقابة للمعلمين بحيث جعل أساس مهمته تلمس عيوب المعلم وتعقب هفواته، وقد أدى هذا النظام التفتيشي إلى إشاعة جو من عدم الثقة بين المعلم والمفتش، وأصبحت العلاقة بينهما لا تقوم على أساس سليم من ناحية العلاقات الإنسانية.

أما المرحلة الثانية من مراحل التطور فى عملية الإشراف والتنمية المهنية للمعلمين فقد دارت حول الإشراف الفنى بمعنى توجيه المعملين لاتباع أساليب عمل محددة وإجبارهم عليها: وفيه يعمل المشرف الفنى كخبير يساعد المعلمين فى التغلب على المشكلات التعليمية التى تواجهه. ويفترض هذا النمط من الإشراف أن هناك طرقا معينة للتعليم معترف بها هى أفضل الطرق، ويستطيع المشرف بخبرته ومعلوماته توجيه المعلمين إليها، وبهذا يعتبر المشرف هو صاحب السلطة العليا وعليه وحده أن يقرر كل شئ بالنسبة للمعلم، وبهذا أيضا يفقد الإشراف الفنى صفة  العمل الجماعى، ويفتقر إلى الأسس السليمة فى التخطيط، ويهتم بالمعلم مع إهمال الظروف الأخرى المؤثرة فى الموقف التعليمى، كما يهتم بدرجة كبيرة بتقرير الواقع ومدى تنفيذ المعلم للتعليمات والقرارات دون القيام بعمل إيجابى نحو التحسين المنشود فى عمليات التربية والتعليم فى ضوء التغيرات المجتمعية المعاصرة.

 

وقد طبقت الولايات المتحدة الأمريكية هذا النمط من الإشراف منذ قرن ونصف، مضى، حيث كان يرتكز على الزيارة المفاجئة للتفتيش على المدارس والتأكد من سلامة نظامها وحسن سلوك المعلمين وكفاءتهم، وانتظام توزيع الكتب وحسن سير العمل المدرسى، كما ضم فى ثناياه اتخاذ الوسائل الكافية لرفع مستوى التعليم بتشجيع المجلات والمطبوعات فى البيئة المدرسية، وعقد الاجتماعات العامة لدراسة قضايا التربية مع المعلمين، ولكن حتى فى ثنايا هذه الوسائل فقد ظهر الاتجاه التسلطى من جانب المشرف الفنى، حتى ولو كان هدفه الإصلاح، فغالبا ما كان يكتفى المفتش بإلقاء الملاحظات العامة بعد الزيارة، والتى عادة ما تكون بمثابة أوامر تنصب على استخدام المكتبات والوسائل التعليمية، وبناءً عليه فإن هذا النوع من الإشراف يحد من إمكانات المعلمين، ويقلل الرغبة لديهم فى النمو والابتكار، والقيام بمجهود مستقل، ويشجع التقليد الأعمى والتواكل واتباع نمط معين فى التعليم يرضى عنه المشرف الفنى ويباركه.

 

أما المرحلة الثالثة من مراحل تطور الإشراف والتنمية المهنية للمعلمين فكانت تدور حول الإشراف الفنى بمعنى التعاون وتقديم العون والمساعدة: ففى الأربعينات والخمسينات انتشر مفهوم الإشراف التعاونى حيث كان يعمل المشرف على تهيئة الفرص أمام المعلمين لتبادل خبراتهم من خلال العمل والتخطيط المشترك، وبذلك لا تقتصر عملية الإشراف الفنى بجوانبها المختلفة على القيادات العليا فقط، بل يشارك فيها ويتأثر بها المعلمون وغيرهم ممن يهمهم أمر العملية التعليمية، وبذلك أصبح للمشرف الفنى فيها الحرية فى استخدام أكثر الأساليب فعالية حتى يستطيع أداء مهمته فى توجيه المعلمين أفرادا وجماعات بغية تحسين أدائهم لمهنتهم، وبهذا انتقل. اهتمام الإشراف من تصيد الأخطاء إلى التوجيه ومساعدة المعلم على النمو المهنى، ويتطلب هذا أن تكون العلاقة بين المشرف الفنى والمعلم قائمة على أساس من التعاون والمشاركة، وأن تكون الصلة بينهما على أساس قوى من العلاقات الإنسانية السليمة.

 

وقد أدى تطور عملية التنمية المهنية فى مجال التربية والتعليم وتأثرها بالتغيرات التربوية والاجتماعية والاقتصادية فى الستينات والسبعينات والثمانينات إلى ظهور اتجاهات ونماذج إشرافية متعددة مثل الإشراف الإكلينيكى والإرشادى والتدريبى والمصغر والدافعى والإنسانى والإشراف كعملية تطوير المنهج المدرسى، واستمرت هذه الاتجاهات والنماذج فى عمليات التنمية المهنية للمعلمين منذ هذا التاريخ وحتى هذه الأيام.

 

وقبل استعراض هذه النماذج الإشرافية، تعرض بعض تعريفات الإِشراف الفنى فى التعليم، فقد ذكر (جود) (Good)(23) أن الإشراف الفنى يعنى مجموع الجهود التى تبذل من جانب القائمين على أمور التعليم بهدف توفير القيادة اللازمة لتوجيه المعلمين من أجل تحسين التعليم، فالإشراف الفنى عند (جود) يتضمن إثارة اهتمام المعلمين بالنمو المهنى ومراجعة الأهداف التربوية وأدوات وطرق التدريس، كما يتضمن تقويم المعلم.

 

وذكر (ويلز) (Wiles)(24) أن الإِشراف الفنى خدمة تقوم على أساس معاونة المعلم حتى يستطيع أداء عمله بطريقة أفضل من أجل صالح التلاميذ، وبهذا يسهم الإشراف الفنى – فى ضوء هذا المفهوم- فى تحسين العملية التعليمية.

 

أما (بورتون وبروكنر) (Burton and Brueckner)(25) فقد عرفا الإشراف الفنى بأنه الوسيلة التى تهدف إلى تقويم وتحسين الظروف التى تؤثر على التعليم، فالإشراف الفنى من وجهة نظرهما خدمة فنية يقوم بها متخصصون وتهدف إلى دراسة كل الظروف التى تؤثر على نمو المعلمين بغرض تحسينها.

 

وعرف (برجز وجستمان) (Briggs and Justman)(26) الإشراف الفنى بأنه الجهد الذى يبذل لإثارة اهتمام المعلمين وتنسيق وتوجيه نموهم المستمر فرادى وجماعات حتى يصبحوا أكثر فهما لوظيفة التعلم وبحيث يمكنهم أداء أعمالهم بطريقة أكثر فاعلية، وحتى يستطيعون توجيه نمو التلاميذ المستمر من أجل المشاركة الفعالة فى بناء المجتمع الديمقراطى، وعن طريق الإشراف الفنى يتم إعداد برنامج تعليمى يلائم حاجات التلاميذ، ويوفر الوسائل التى تمكن هؤلاء التلاميذ من التعلم بطريقة أكثر فاعلية، وبهذا يسهم الإشراف الفنى – فى ضوء هذا المفهوم- فى تحسين العملية التعليمية.

 

وعُرف(27) الإشراف الفنى بأنه عملية تهدف إلى تحسين المواقف التعليمية عن طريق المشاركة فى تخطيط المناهج والتوصل إلى الطرق التعليمية التى تساعد التلاميذ على التعلم بأسهل الطرق وأفضلها، وبهذا يصبح المشرف الفنى – فى ضوء هذا المفهوم- قائدا تربويا.

 

وعرف (بارتكى) (Bartky)(28) الإشراف الفنى بأنه تعليم المعلمين أثناء الخدمة لتحسين حالتهم، ورفع مستوى أدائهم لمهنتهم وتجويد طرائق تدريسهم فى ميدان التربية والتعليم.

 

أما (موريس) (Morries)(29) فقد عرف الإشراف الفنى بأنه "التنسيق والتنظيم وتوجيه المعلمين لمساعدة التلاميذ على زيادة معارفهم ومهاراتهم من أجل المساهمة الفعالة فى المجتمع، وهو جهد متواصل يهدف إلى تحقيق النمو الذاتى للمعلمين فتتحقق أهداف العملية التعليمية فى رقى المجتمع وتقدمه.

 

وعرف (الافندى)(30) الإشراف الفنى بأنه الجهود الدائمة المنظمة التى ترمى إلى مساعدة المعلم وتوجيهه وتشجيعه على تنمية ذاته تنمية تتحقق بعمله الدائب المتواصل على أسس سليمة مع تلاميذه لتحقيق الأهداف التربوية المطلوبة، فالإشراف وسيلة غايتها تحسين التدريس ومساعدة المعلم على أداء واجبه على خير وجه يستطيعه، وبذلك يساعد التلميذ فى الحصول على أفضل تربية ممكنة.

 

أما (آدمز) (Adams)(31) فقد عرف الإشراف الفنى بأنه خدمة فنية تقوم على أساس من التخطيط السليم، وتحاول تحسين عمليتى التعليم والتعلم فى المدارس، وبما يحقق أهداف التربية والتعليم فى المجتمع.

 

وعرف(32) الإشراف الفنى بأنه الأسلوب الذى يوفر التقويم السليم للعملية التعليمية، والهدف النهائى من الإشراف فى ميدان التربية والتعليم هو تقديم أفضل الخدمات التعليمية للتلاميذ فى جميع المستويات التعليمية.

 

أما (دوجلاس)(33) فقد عرف الإشراف على التعليم بأنه المجهود الذى يبذله المشرف الفنى لاستثارة وتنسيق وتوجيه النمو المستمر للمعلمين فى المدرسة فرادى وجماعات، وذلك لكى يفهمون وظائف التعليم فهما أحسن، ويؤدونها بصورة أكثر فعالية، وحتى يصبحون أكثر قدرة على استثارة وتوجيه النمو المستمر لكل تلميذ نحو المشاركة الذكية العميقة فى بناء المجتمع الديمقراطى الحديث، ويعنى هذا أن الغرض الكلى من الإشراف هو تحسين تربية النشء، وبهذا يحاول الإشراف إنشاء برنامج تعليمى أكثر ملاءمة لحاجات التلاميذ، وتوفير المادة والطريقة التى تمكن الطلاب من التعلم على نحو أكثر سهولة وفاعلية، أو بمعنى أخر يعمل الإشراف على تحسين المواقف التعليمية أمام التلاميذ والطلاب فى مراحل التعليم المختلفة.

 

وقد حدد (سيد حسن حسين)(34) مفهوم الإشراف الفنى بأنه نشاط موجه يعتمد على دراسة الوضع الراهن، ويهدف إلى خدمة جميع العاملين فى مجال التربية والتعليم لانطلاق قدراتهم ورفع مستواهم الشخصى والمهنى بما يحقق رفع مستوى العملية التعليمية وتحقيق أهدافها.

 

وذكر (دوجلاس)(35) أيضاً أن مفهوم الإشراف الفنى الذى يرتكز على إدراك تام لأهداف التعليم وأغراضه وأوجه نشاطه فى المدرسة الحديثة يمكن وصفه بأنه قيادة تربوية، تهدف إلى توجيه المعلمين ومساعدتهم وتنشيطهم وقيادتهم لنقد وتقويم ودراسة اتجاهاتهم وخبراتهم الفردية، وأوجه نشاطهم وطرقهم التربوية حتى يمكنهم بذل الجهد لتحقيق أهداف التعليم.

 

وعلى المستوى القومى(36) يعرف الإشراف الفنى بأنه جوهر مسئولية الموجه فى عمله والناظر فى مدرسته بقصد تحسين العملية التعليمية لأنه مهما كان أسلوب إعداد المعلم  فلن يكون بالغا حد الكمال الذى يكفل له المضى فى عمله طوال حياته دون توجيه أو إشراف أو مساعدة وبخاصة أنه يتعامل مع مجتمع متطور متغير، وتلاميذ ليسوا من نوع واحد وطرق تدريس وتربية متجددة، وفى حقلها تظهر دائما نظريات واتجاهات جديدة ومتطورة.

 

وهكذا فإن الإشراف الفنى كان يعنى إلى عهد قريب التفتيش فى مجال التربية والتعليم ثم تغير إلى وظيفة التوجيه، والموجة بما لديه من كفاءة فى عمله وفنه وخبرته رائد وموجه لمعلمى مادته وعليه واجب فى سبيل رفع مستواهم من النواحى العلمية والفنية والثقافية والتربوية إلى جانب وتزويدهم بالجديد من الخبرات والابتكارات للارتفاع بمستوى الأداء إلى أقصى درج ممكنة.

 

وقد عرف (عرفات عبد العزيز)(37) الإشراف الفنى فى مجال التعليم بأنه الوسيلة التى يتم بها تقييم وتقدير جهد المعلم فى العملية التعليمية من خلال ما يقوم به من أعمال متنوعة، ذات صلة بمادة تخصصه، وتهيئة الظروف المناسبة لأداء عمله بنجاح وذلك بهدف توجيه المعلم لإنتاج أحسن أساليب التدريس وتشجيعه على ابتكار طرق جديدة لتحقيق أهداف مادته ومعاونته على حل ما قد يعترض تلاميذه من مشكلات خاصة بهم، وكذلك مساعدتهم على استمرار نموهم العلمى، وبالتالى فإن الإشراف الفنى يعتبر عملية متابعة مستمرة لعمل المعلم وأنشطته التربوية".

 

وذكر (مصطفى زيدان)(38) أن الإشراف الفنى هو خدمة فنية تعاونية تهدف إلى دراسة الظروف التى تؤثر فى عملية التربية والتعليم، والعمل على تحسين هذه الظروف بالطريقة التى تكفل لكل تلميذ أن ينمو نمواً مطرداً وفق ما تهدف إليه التربية المنشودة.

 

وقد عرفت الإدارة العامة للتعليم الإعدادى(39) الإشراف الفنى بأنه الوسيلة التى يتم بها تقييم وتقدير جهد المعلم فى العملية التعليمية من خلال ما يقوم به من أعمال متنوعة، ذات صلة بمادة تخصصه، وتهيئة الظروف المناسبة لأداء عمله بنجاح وذلك بهدف توجيه المعلم لإنتاج أحسن أساليب التدريس وتشجيعه على ابتكار طرق جديدة لتحقيق أهداف مادته ومعاونته على حل ما قد يعترض تلاميذه من مشكلات خاصة بها، وكذلك تعمل على استمرار نموه العلمى، وبالتالى فإن الإشراف الفنى يعتبر عملية مستمرة لعمل المعلم وأنشطته التربوية.

 

وقد عُرف الإشراف الفنى أيضاً(40) بأنه عملية الاتصال المباشر المستمر بالتلميذ والمعلم والمدرسة والقائمين على إدارة التعليم فنيا، لمعاونتهم فى ممارسة مسئولياتهم والانتقال بهم فيه�

المصدر: إعداد / تامر الملاح
tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 8061 مشاهدة

ساحة النقاش

م/ تامر الملاح

tamer2011-com
باحث فى مجال تكنولوجيا التعليم - والتطور التكنولوجى المعاصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,764,030

بالـعلــم تـحـلـــو الحـــيـاة

للتواصل مع إدارة الموقع عبر الطرق الأتية:

 

 عبر البريد الإلكتروني:

[email protected] (الأساسي)

[email protected]

 عبر الفيس بوك:  

إضغط هنا

(إني أحبكم في الله)


أصبر قليلاً فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.