آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

 

            

                    الفصــــــــل الأول

<!--

<!--<!--

                         النبوءة

     فى نهاية يوم رائع ، شمسه ساطعة ، وسماؤه صافية ، ونسيمه عليل ، وبعد العشاء الفاخر والسهرة الممتعة ، دلف الملك المعظم كسرى أنو شروان ، ملك العرب والعجم والترك والديلم إلى مخدعة الوثير لينام ممنياً نفسه بسعيد الأحلام ، وفكره يروح ويجيئ فيما وصلت إليه دولته من اتساع فى جميع جهات الأرض المعمورة ، وما يرد إلى خزائنه من كنوز ثمينة ، وثروات عظيمة تأتيه كل عام جزية فرضها بقوة جنده وكثرة جيوشه وعتاده ..

    ألقى بجسده على فراشه الناعم ، واستسلم لخدر لذيذ يسبق السبات حتى أخذته غفوة ، هب بعدها مذعوراً مضطرب النفس  مبلبل الخاطر وهو يستعيذ بالنيران من الخوف الذى لم يعرفه من قبل ، هم أن يدعو حراسه الألف الواقفين ببابه ، لكنه خجل جلس على فراشه وراح يتأمل حوائط الغرفة المزخرفة بالنقوش الجميلة حتى استعاد هدوءه قليلاً ، أقنع نفسه بأنها أضغاث وتمدد ثانية ، أحكم غطائه الحريرى على جسده وحاول النعاس دخل فى غفوة أخرى لكنه لم يلبث أن أنتفض أكثر ذعراً ، " ياللعجب .. نفس الحلم ..! مرة ثانية .. بكل تفاصيله .. لا .. لا هذا لا يمكن أن يكون مجرد أضغاث "  .. لم يستطع النوم ثانية .. ظل جالساُ فى فراشه وهو يتعجل طلوع الصبح ..

    فى الصباح الباكر وعلى غير عادته توجه الملك إلى إيوانه فى دهشة من الحراس والحاشية ، كان صامتاً متجهم الوجه ، لكن أحداً لا يجرؤ على سؤاله عن السبب ..

    دخل الملك إلى الإيوان وجلس على سريره الملكى الوثير وهو على حاله من الكدر والغم ، تبعة رجال الحاشية واحداً بعد الآخر ، دخل الوزير بختك بن قرقيش فقبل الأرض بين يديه واتخذ مكانه بجانب الملك ، انتظر قليلاً ثم التفت إلى الملك قائلا

    - أحيت النار مولاى .. وخدمته السعادة .. مولاى .. إن البلاد بأمان .. وصحتك كما أرى وعلى خير حال .. فماذا يكدر مولاى .. ؟

تنهد الملك بعمق ، والتفت إلى الوزير بعينين زائغتين وقال :

    - رأيت الليلة حلماً كدرنى وأقلقنى ، ولن أهدأ حتى يفسره لى الوزير بزرجمهر فهو عليم بهذه الأمور ..

    - إن شاء مولاى .. أخبرنا بهذا الحلم .. ربما نجد له تفسيراً يريح بال مولاى ..

دار الملك بعينيه فى أرجاء القاعة وكأنه يراها لأول مرة ، وبصوت مرتعش النبرات راح يحكى ما رآه فى حلمه .. والجميع صامتون كأن على رؤوسهم الطير ، انتهى الملك من حكايته وهم لما يزالوا صامتين ، كان أول من نطق ، الوزير بختك .. همهم بألفاظ غير مفهزمة وقد ظهرت الحيرة على وجهه ، تماسك قليلاً ثم قال ..

    - مولاى الملك المعظم الذى دانت له الأرض .. لا داعى للقلق من أضغاث أحلام تأتى من قبيل أوهام تحدث غالباً من آثار طعام أو شراب .. ليس على وجه الأرض من يجرؤ على تحدى الملك المعظم كسرى أنو شروان ، ولا من يفكر فى إعتداء على نبتة تنبت فى أرضه ..

    أمّن الجميع على قول الوزير .. لكن ذلك لم يزل القلق البادى على وجه الملك وبان ذلك فى صوته    

- لا .. لا .. هذا لا يمكن أن يكون أضغاث أحلام .. ما لا تعرفونه أنى رأيت الحلم مرتين ..

وهنا دخل الوزير بزرجمهر .. تلقاه الملك بلهفة لاحظها الجميع والوزير نفسه وقد أدرك أن هناك أمراً غير عادى .. سلم على الملك وتمنى له الصحة والعافية واتخذ مكانه وهو يتفرس فى وجه الملك منتظراً أوامره ..

    - أيها الوزير الحصيف .. أريدك بما أوتيت من علم وحكمة أن تفسر لى حلماً رأيته البارحة فى نومى أقلقنى وأطار النوم من عينى .. أريدك أن تفسرلى معناه مهما كان الأمر ولك الأمان .. رأيت نفسى جالساً فى إيوانى هذا على سريرى هذا منفرداً عن حاشيتى ، أشعر بجوع هائل ، وإذا بمائدة من الذهب تقدم لى عليها صحن من العاج منقوش بنقوش فارسية رائعة وعلى الصحن أوزة كبيرة مقلوة بالسمن تنبعث منها رائحة شهية تاقت إليها نفسى ، وما إن هممت بمد يدى إليها إذا بكلب هائل المنظر ، قصير القوائم كبير الرأس مدلى الوبر إلى حد الأرض ، يهجم على وينبح فى وجهى وقد كشر عن أنياب مخيفة فجفلت منه ورجعت إلى الوراء ، فتقدم من الأوزة وأخذها بفمه وأراد الخروج من الإيوان وأنا أتألم من الجوع وأشعر بالضعف ولا أقدر على استخلاص طعامى من فم الكلب ، ثم رأيت أسداً عظيماً يدخل من الباب قبل أن يخرج الكلب وحالما وصل إليه ضربه فألقاه ميتاً وتناول الأوزة من فمه وأعادها إلى دون أن يلحق بها ما أكره ، فاستيقظت مذعوراً لا أعرف القصد من هذا المنام ، حاولت النوم ثانية وما إن غفلت عيناى حتى رأيت نفس الحلم مرة أخرى فلم أستطع النوم ..  ما تفسير هذا الحلم الغريب .. 

أطرق الوزير طويلاً وهو يدعو الله أن يلهمه الصواب ويظهر له الخفايا .. طال استغراق الوزير فى التفكير وعينا الملك معلقتان بوجهه والقلق بادٍ على وجهه .. وأخيراً رفع الوزير رأسه وقد انبسطت  ملامح وجهه وقال ..

    - اعلم يا مولاى أن الله سبحانه وتعالى وهو الإله الذى أعبد وهو الذى يدير الكون بمعرفته ويظهر قدرته لبنى الإنسان يقصد أن يظهر لكم ما سيحدث لدولتكم قبل وقوعه بسنين .. فالمائدة التى رأيتها   قدمت لك من الذهب الوهاج هى مدينتك وعاصمة ملكك هذه ، أما الصحن والأوزة فهما خزائنك وسريرك الذى تجلس عليه الآن .. أما الكلب الذى اختطف الأوزة فهو فارس يظهر فى حصن خيبر ، يطرق بلادك بالعساكر والأجناد ، والأسد هو فارس يظهر فى بلاد الحجاز ، عظيم القدر والشأن ، ومعنى هذا الحلم أن الفارس الخيبرى يقصد بلادك بعساكره وأجناده فيحاصرها ويتملكها وبعد حروب بيننا وبينه يملك الكرسى ويطردك من بلادك ، وبعد ذلك يأتى الفارس الذى أخبرتك عنه من برية الحجاز فيستخلص لك ملكك ويرجعك إلى سريرك ويقتل عدوك .. هذا ما تبين لى يا مولاى ..   لم يشأ الوزير اللبيب أن يكشف بقية تفسير الحلم وتركها لوقتها .. هز الملك رأسه اقتناعاً بتفسير الوزير وسأله باهتمام بالغ عما إذا كان هذا الفارس العربى قد ولد أم لم يولد بعد ، فأجاب الوزير بأن هذا لم يظهر له ، عاد الملك فسأله عن مكان ولادته ، أجاب الوزير بأن مولده سيكون فى مدينة مكة  تلك التى تأتى إليها العرب للحج كل عام ..

    أمر الملك أن تحضر فى الحال الهدايا الثمينة من جواهر وذهب وأمتعة فارسية من كل ما غلا ثمنه وخف حمله وقال للوزير بزرجمهر ..

     - أريد منك أن تذهب إلى مكة من اليوم وتنظر لى مقر هذا الفارس ولمن يزلد وإذا كان ولد فادفع    بهذه الهدايا إلى أبيه ودعه يربى الغلام على نفقتى ويعتنى به ويخصه بدولة الفرس حتى إذا وصلنا إلى الزمان الذى أشرت إليه يكون فى طاعتنا ..

    - أمر مولاى ..

جهز الوزير نفسه للرحلة سعيداً بتلك الفرصة التى جاءته على غير موعد لزيارة الأرض المقدسة    وأيضاً لأنه سيرى ذلك الفارس الذى سيعلو شأنه فى كل البلاد وانطلق ركب الوزير صوب مكة      حتى إذا أشرف على أطرافها أرسل رسولاً إلى حاكمها يخبره بمجيئه ، فخرج الحاكم وكان اسمه     ابراهيم لملاقاته بالترحاب والإكرام     أقام الوزير مدة الضيافة ، ثم طلب الانفراد بالأمير ابراهيم ، استجاب الأمير لطلبه وقلبه منشغل  فهو يشعر أن هناك أمراً خطيراً وراء زيارة الوزير الأول لكسرى لكنه تأدباً لم يسأله شيئا ، بادر     الوزير الأمير بسؤال فاجأه وأدهشه عما إذا كانت امرأته حامل أم لا ..! هز الأمير رأسه بالإيجاب   وانتظر على أحر من الجمر ليسمع ماذا وراء ذلك .. واصل الوزير قائلاً ..

    - إنى بإلهامه تعالى أتيت لأخبرك أنها ستأتى بولد ذكر كأنه القمر ، يرتفع مقامه ، ويعلو شأنه     ويكون سبباً فى رفع نير الفرس عن العرب إلى الأبد ، وهذا ما أخفاه الوزير عن الملك حين فسر له حلمه ..

   وروى له ما كان من أمر الملك كسرى وحلمه ..

 دهش الأمير ابراهيم ورقص قلبه فرحاً وتسائل ..

    - هل يمكن أن يحدث ذلك فعلاً ..؟ هل سيأتى ذلك اليوم الذى يكون فيه العرب أحراراً فى أرضهم..؟ بعيدين عن سطوة حكام فارس ..؟

    - ولم لا ..! ألا يستحقون ذلك ..! لو كانت لكم كلمة واحدة ، ولم تكونوا متفرقين متناحرين لما استطاع الفرس ولا غيرهم هزيمتكم .. لكنه ابتلاء من الله لكم .. ولن تعد لكم عزتكم حتى تتوحدوا    وتنبذوا خلافاتكم على توافه الأمور ..         


samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 179 مشاهدة
نشرت فى 30 مارس 2014 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,822