آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

<!--

<!--<!--

فتـــــحى فضـــــــل ..

فارس الثقافة الجماهيرية

<!--

<!--<!--<!--

 " الصدفة لا تأتى إلاّ لمن يستحقها " مقولة قيلت عن العلماء الذين توصلوا إلى اكتشافات علمية هامة دون قصد لتعيد إليهم حقهم فى المجد ، وهى مقولة تصلح بالتأكيد لكل مبدع لعبت الصدفة دوراً فى نجاحه وشهرته عالماً كان أو أديباً أو فناناً ، وفتحى فضل أو " فارس مسرح الثقافة الجماهيرية " فى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى واحد من هؤلاء الذين تنطبق عليهم المقولة المذكورة أعلاه ، وإن كانت صدفته خاصة جداً حيث لم يكن لها أى دور فى كونه مبدعاً ولا كاتباً مسرحياً متميزاً فقد سار فى الطريق الطبيعى ليكون كذلك وأعنى به القراءة منذ صباه والمشاركة فى المحاولات المسرحية المحدودة فى نطاقه الذى يعيش فيه .. لكن الصدفة جاءت على يد أحد أعضاء لجنة القراءة بإدارة المسرح التابعة للثقافة الجماهيرية ، حين تناولت نصاً مسرحياً لكاتب " إقليمى" مجهول ، نفض العضو تراب سنوات مضت عن الأوراق ، وقرأ عنوانه بصعوبة " بيت جحا " .. ترى ! ماذا يمكن أن يكون فى بيت جحا هذا ؟! ..

خرجت من بيت جحا مفاجأة غير متوقعة .. عمل مسرحى رائع لكاتب اسمه فتحى فضل .. من هو هذا الفتحى فضل ..؟ لا يهم ، المهم حصل العمل على الإجازة ، وتمضى الصدفة تمارس دورها العجيب على مسرح الحياة ، وتمتد إليه يد أحد المخرجين المبدعين فى الثقافة الجماهيرية وكانت لمخرج " إقليمى" أيضاً وكأن الإقليمى يحن لشبيهه ، وتم تنفيذ العرض على مسرح قصر ثقافة المنصورة ليحقق نجاحاً كبيراً لكلا الرجلين " الإقليميين" عبد الله عبد العزيز مخرجاً وفتحى فضل كاتباً – رحمهما الله – وتم توجيه الشكر للصدفة من قبل الرجلين والجمهور ..

وأعقب هذا الحدث أو هذه الصدفة أن بدأت هذة المسرحية رحلة جابت فيها مسارح معظم أقاليم مصر بل وتجاوزت ذلك إلى مسارح الجامعة وفرق العمال والمدارس بل وإذاعة البرنامج الثانى كذلك فيما يشبه الحمى التى تصيب مجتمع الفن إثر نجاح عمل فنى أو كاتب مثلما حدث من قبل مع الكاتبين السوريين سعد الله ونوس ومحمد الماغوط ، وأصبحت "بيت جحا " تميمة الفرق المسرحية لحصد الجوائز والمراكز المتقدمة ، لكن المهم فى الأمر أن هذا النجاح كانت له توابع أخرى فى أكثر من جانب ..

أولها بالنسبة للكاتب نفسه حيث دفعه هذا النجاح لتوالى كتاباته المسرحية التى لم يصبح لها مكان فى ظلام الأدراج فكتب " المماليك " و " بلغتى أيها الملك " و " مضحك السلطان " و " التركة " و " فارس فى قصر السلطان " و  " حوار مع سجان" وهى آخر أعماله التى قرأتها له قبل أن يراها أحد ووصل به الأمر أن أطلق عليه بعض النقاد والمتابعين للحركة المسرحية لقب " فارس الثقافة الجماهيرية " ..

وثانيها أن هذا النجاح شجع الآخرين على الكتابة والتقدم بأعمالهم إلى إدارة المسرح وظهرت للكثيرين منهم بالفعل أعمال على خشبات المسارح الإقليمية المختلفة .. 

أذكر هذه الحقائق عرضاً - وأنا أدرك أنها خارج السياق - آملاً أن تلفت أنظار المسؤلين عن إدارة المسرح التى تحرص على تقديم شكسبير وموليير لجمهور القرى والنجوع .. ونعود إلى فتحى فضل القابع فى ركنه الأثير بمقهى "غُديّة " بشارع العباسى أكثر شوارع المحلة ازدحاماً بالبشر والبضائع والضجيج ، يرقب الناس ويتحدث معهم ويحس بهمومهم ثم يسطر خلاصة رؤيته فى أعماله المسرحية والقصصية ..

فتحى فضل من مواليد صعيد مصر ، لكنه عاش منذ صباه فى مدينة المحلة التى قدم إليها مع والده بسبب ظروف عمله فى السكة الحديد فيما أذكر والتحق بالعمل فى مصنع الغزل بعد حصوله على شهادة التجارة المتوسطة ، ومارس النشاط المسرحى من إخراج وتمثيل فى البداية حتى إذا ما احتاجت الفرقة ( لم تكن فرقة بالمعنى المعروف لكنهم مجموعة من الشباب يمارسون نشاطهم بشكل بدائى ) إلى نص اندفع إلى إعداده بنفسه مما تكون لديه من حصيلة وخبرة نتيجة لقراءاته فى مجالات الأدب العربى والمسرحى على وجه الخصوص ..

وتوالت مسيرته ، واستقر على الكتابة فى مجال المسرح انطلاقاً من مصادر ثقافته التى شكلها التاريخ والتراث العربى بحكم قراءاته ، والدين بحكم تربيته ومناخ بيئته التى عاش فيها ، إلى جانب المناخ الثقافى العام والمميز لفترة السبعينيات والثمانينيات من اتجاه إلى استلهام التراث فى معالجة القضايا المعاصرة كنوع من التغريب أو التهرب من قبضة الرقيب ..

والإشارة إلى مصادر ثقافته هنا لها أهميتها - للكاتب ولغيره - فهى التى تتحكم فى اختياره لموضوعاته وقضاياه التى يطرحها فى ابداعاته ، ولها دورها أيضاً فى طريقة وأسلوب معالجته لهذه القضايا كما تلقى بظلالها على الجو العام لعالمه ..

 وبالبحث فى المصادر الثقافية لفتحى فضل – من خلال مسرحيته " بلغنى أيها الملك " –  والتى أشرنا إليها من قبل ذكرنا أن الثقافة الدينية تشكل جزءاً رئيسياً  منها ، وهى تبدو واضحة من الصفحات الأولى حين تجيب شهرزاد على سؤال لشهريار عن سبب سجود الملائكة لآدم بقولها " لأنه كان مضمون العلم ، فالعلم يرتقى بالانسان ويقربه من الله ، ويوم يعرف الاله .. يعرف الحق والخير .." وبعد صفحات قليلة ترد شهرزاد على تهديدها بالقتل قائلة : " فالانسان يموت مرة واحدة ، وحين يموت بيد سلطان جائر .. تصبح مكانته عند الله معروفة .." وكذلك نجد فى قولها : " يصبح الانسان قوياً حين يملك نفسه عند الغضب ، ومن يملك نفسه .. يملك العالم .." صدىً للحديث الشريف " ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب " .. وتنتشر فى النص مثل هذه الاشارات والاستيحاءات من التراث الدينى الذى تشبع به الكاتب ، إلى جانب ميله الشديد إلى الأقوال القريبة من صيغة الحِكَم مثل قوله على لسان هارون الرشيد " إذا أمن الحاكم أمته ، أعطته الأمان " وفى نفس الصفحة يقول هارون أيضاً " يرحم الله عمر بن الخطاب ، كان تقياً ورعاً وكان يخاف الله ، جزاه الله خيرا ، فقد سن سنة حسنة ، أن تكون عين الحاكم وأذنه مع رعيته دائماً ، ودون واسطة .."- لصالح الرعية بالطبع - وفى نفس الحوار بين هارون وجعفر يكشف فتحى فضل عن فلسفته المستمدة من التعاليم الدينية حين يصدر لجعفر أمراً واجب التنفيذ بقوله : " لقد سمعت عن جمال ابنتك (بغضب) وبلغنى أيضاً أنها تتعمد رفع الحجاب وفى هذا فتنة ، البنت ممنوعة من ارتياد الأسواق ، هذا أمر .. مفهوم ؟ " ..

وفى الحقيقة أن فتحى فضل قد استغل هذه الثقافة فى عمله بشكل جيد فهى لم تكن غاية فى ذاتها بل مجرد وسيلة وتعبير تلقائى عن شخصيته ، ونستطيع القول أنه وظّف تراثه الدينى بأسلوب ذكى بعيد عن الخطب والمواعظ ، كما وظف تراثه الشعبى بنفس القدر من الذكاء والمهارة ، رحم الله فتحى فضل وقدر له من يرد له حقه فى الحقل الذى أثراه فى حياته ..

 

 

 

samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 291 مشاهدة
نشرت فى 17 يوليو 2013 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

90,015