آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

<!--

<!--<!--

 تجليات المعتقد الشعبى فى فنون السرد

            " النبـــوءة نموذجاً "

النبوءة ظاهرة إنسانية نشأت في أحضان العقيدة الدينية البدائية وظلت هذه الظاهرة قائمة وممتدة ومستمرة مع الإنسان – باختلاف موقعه الجغرافي وبيئته الثقافية – وظلت قاسماً مشتركاً فى الخطاب الدينى للإنسان حتى عصرنا الحاضر ، أى أن معظم المفاهيم الأخرى المتعلقة بالعقيدة الدينية سقطت مع مرور الزمن ، أو تطورت واتخذت أشكالاً أخرى بفعل التقدم الحضارى من جهة و نزول الديانات السماوية من جهة أخرى .. إلاّ أن مفهوم النبوءة أو ظاهرة التنبؤ ظل ملازماً للإنسان ومتحكماً في ثقافته وعضوا هاما فى ابداعاته وموجهاً لبعض سلوكياته حتي اليوم ..

والمعنى اللغوى ( للنبوءة ) قريب الصلة بما يجسده المفهوم ، فالنبوءة فى اللغة من نبا، ونبأ الشيء نبأ ونبوءًا أي ارتفع وظهر، وتنبأ بالأمر أي أخبر به قبل وقته ، ومن معانيها ( فى المعجم الوسيط ) الإخبار عن الشىء قبل وقته حزرًا وتخميناً.

والركن الأساسي الذي تقوم عليه النبوءة هو ( الحتمية ) التى لا بد من تحققها ، ولا يمكن معها فعل أى شيء يمنع حدوثها فتظهر تفاصيل وأحداث النبوءة ( المستقبل ) وكأنها حالة محسوبة ومحددة سلفاً ، ويبدو الحديث عنها وكأنه حديث عن وقائع تاريخية حدثت فعلاً. ويترتب على هذه الحتمية أن النبوءة – وهذا أخطر ما فيها- تسلب أصحابها والمؤمنين بها أى قدرة على الفعل ، إذ أن كل شيء حتمي ومحدد سلفًا.

ومن ثم فلا بد من التسليم به وانتظاره ، بل كثيراً ما يتحول الفعل في اتجاه العمل على الإسراع بتحقيق النبوءة تماماً كما حدث مع شعب (الأزتك) في المكسيك ، وهي حضارة عريقة امتدت شمالاً لتشمل الولايات الجنوبية من الولايات المتحدة ( قبل ظهورها) وجنوباً حتى أمريكا الوسطى ، فقد كانت تسيطر عليهم نبوءة محورية مفادها أن الآلهة طردت إله الشمس (كوتزالكوتل) من بلادهم إلى الشرق، فأقسم عند رحيله بالعودة يومًا ما لتدميرهم والانتقام منهم واستمرت هذه النبوءة مسيطرة عليهم.

وتصادف في القرن السادس عشر أن غزا المكسيك المغامر الأسباني الشهير (هرنان كورتيز) مع خمسمائة من جنوده ، فرأى فيه الأزتك (كوتز الكوتل) العائد من أجل الانتقام ، والذى تقول الأسطورة إنه سيعود على (طوف) ومعه الرعد والبرق والكائنات الغريبة ، وأسقطوا النبوءة بكل تفاصيلها عليه ، فالطوف الذى بشرت به النبوءة هو السفينة التى تحمل كورتيز وأصحابه ، والرعد والبرق هو المدفع والبارود الذى كان جديداً عليهم ، أما الكائنات الغريبة فكانت ( الخيل ) التي اصطحبها كورتيز معه وكانت المرة الأولى التي يراه فيها شعب الأزتك .. لذلك لم يكن غريبًا أن تنهزم إمبراطورية الأزتك العريقة المترامية الأطراف أمام مجموعة من المغامرين لا تزيد عن الخمسمائة فرد ، لأن النبوءة سلبتهم القدرة على الفعل فلم تعد هناك فائدة من المقاومة أو حتى التفكير فيها.

وبنفس المنطق الذى تعامل به الأزتك مع النبوءة ، تتعامل بعض التيارات الإسلاميه فيما يخص الصراع العربى – الصهيونى اعتماداً على حديث نبوى رواه مسلم يقول : " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ، فيختبئ اليهودى وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودى ورائي تعال فاقتله ، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود" ، حيث أعلن البعض ترحيبهم بتزايد معدلات الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين بل وطالب بتشجيعها  باعتبارها تجميع للشتات اليهودى بما يعجل بالمعركة الفاصلة التى تبشر بها النبوءة ، وصاغ البعض خطابًا إسلاميًا معتمدًا على هذه النبوءة مفاده أن القضية الفلسطينية لن تحل إلا بالمواجهة الحاسمة والشاملة النهائية مع اليهود كما تبشر النبوءة ، وهو ما يعني تأجيل أو ترحيل هذه المشكلة وربما الهرب من مواجهتها  لأن الحل في هذا الخطاب مؤجل إلى يوم القيامة!.

  و الدافع الأساسى وراء هذه الظاهرة هو الرغبة الملحة فى الاطلاع على المستقبل ومعرفة ما يطويه الغيب ، سواء للأفراد أو الشعوب ، تلك الرغبة وذلك الإلحاح الذى جعل الإنسان يقع فريسة سهلة فى أيدى كل من يدعى معرفة الغيب وقراءة الطالع ..

وبالرغم من أن اليونانيون يعتبرون منشئ ومؤسسى علم المنطق والمذهب العقلى ، إلا أنهم فى نفس الوقت اعتقدوا فى السحر والعرافة ، ولقد كانت نبوءات دلفى تشكل أسس العبادة والسياسة والحياة الاجتماعية فى بلاد اليونان لعدة قرون وقد تحدث الكتاب والمؤرخون عن قدرة أبولو الفائقة متميزاً بذلك عن بقية الآلهة ووصفوا الكنوز والقرابين التى كان يقدمها المؤمنون به .

 واليوم ، ورغم الانتصار الظاهرى للمنطق والعلم نجد الكثيرين الذين يستشيرون العرافين المعاصرين والمنجمين والفلكيين سواء سراً أو علانية ، بل يمكن القول بأن علماً خاصاً بدراسة الظواهر الغريبة الى لا تخضع للإدراك العقلى يأخذ مكانه بين العلوم التجريبية الاخرى ونجد أنفسنا أمام ميدان لم يكتشف بعد ولا ندرى إذا ما كانت تلك الظواهر التى نسميها بالمعجزات أو على الأقل الاحداث الخارقة  تتعارض فعلاً مع الطبيعة أو ما نعرفه نحن عن الطبيعة ، وما إذا كان من الواجب علينا أن نسلم بأن منطقنا لا يقوى على حل كل مشاكلنا .

ويبدو أن الرغبة فى الكشف عن المجهول والتحرق شوقاً لمعرفة ما لا يمكن أن يعرف يخفى بداخله سحراً خاصاً .

 يقول شيشرون " لقد وجدت وتوجد لدى شعوب الأرض قاطبة ومنذ الأزمنة القديمة وحتى يومنا هذا أنواع مختلفة من السحر والتنجيم ، ويبدو أن أصلها يرجع إلى فكرة اتصال الإنسان بإحدى القوى الخفية التى تقوده إلة غياهب المستقبل وتهدئ من قلقه .." وتعتبر ظاهرة التنبؤ ظاهرة شائعة فى معظم النظم الدينية كجزء من تكوين الديانة باعتبارها المعبر الذى يصل الإنسان بربه ..

   وقد مارس القدماء ألوانا عديدة من العرافة ، يشير أيسخوليوس إلى بعضها كالأحلام وأصوات الوحى التى تكشف عن الرغبة الإلهية والعلامات التى يصادفونها فى الطريق ، حيوان على سبيل المثال أو طير وقراءة الغيب عن طريق فحص أحشاء القرابين من الحيوانات وغير ذلك ..

وكان للعرافة مراكز مخصصة عند كل الشعوب ، ولكن كان من أشهر هذه المراكز مركز " دلفى " فى اليونان القديمة ، وكان من الممكن أن تمارس المهنة باستدعاء الشخص المعروف بالعرّاف أو العرّافة أو الذهاب إليه حيث يقيمون ..

ويعتبر التنبؤ نسيجاً أساسياً من أنسجة الأسطورة ، بل لا نغالى إذا قلنا أنها تمثل الهيكل العظمى لها قياساً على أسطورة أوديب التى بنيت على نبوءة معبد دلفى القائلة بأن هذا الطفل ( أوديب ) سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه  ..

ولم يكن الحرص على معرفة طالع المولود وما يخبئه له القدر عادة خاصة بأوديب وحده ولا باليونان وحدهم بل كانت عادة متبعة عند كل شعوب الأرض تقريباً ، ووصل الأمر إلى استقرارها فى الوجدان الثقافى الجمعى حتى أن أفراد الجماعة الشعبية تمارس التنبؤ فى حياتها اليومية فالمرأة المجربة تتوقع جنس المولود من خلال شواهد تدركها بالتجربة والخبرة من ملامح الحامل وشكل البطن، كما تعرف جنس المولود القادم من شكل رأس المولد الحالى عندما يكون برأسه منبتان للشعر أو كما يطلقون عليها " بريمتان " ومن هذه الخبرات انبثقت فى ابداعاته الأدبية التى هى فى نفس الوقت تعبير عن فلسفته ورؤيته للكون من حوله ، ما يفهمه منه وما لا يفهمه ..

والنماذج الأدبية المعروفة كلها بلا استثناء تؤكد هذه المقوله ، سواء كانت نماذج أدبية شعبية أو غير شعبية كما هو الحال فى معظم التراث اليونانى الأدبى ومن بعده الرومانى ثم الأوروبى فى أعمال كثيرة لشكسبير وآرثر ميلر وكذا فى الأدب العربى عند نجيب محفوظ مثلاً خاصة فى روايته " عبث الأقدار " التى يعتمد فى أحداثها على نبوءة عراف للملك خوفو بأن الملك سيخرج من بيته وفى الوقت الذى يحاول فيه خوفو تعطيل النبوءة نجده يحققها بيده من حيث لا يدرى – تماماً كما حدث مع أوديب – للدلالة على حتمية حدوث النبوءة .

وفى تراثنا الأدبى الشعبى – وهو موضوعنا – سنبحث موقع النبوءة فى بعض هذه الأعمال ..

وقبل أن نتناول تجليات النبوءة كمعتقد فى بعض فنون السرد الشعبى نجد أنه من الضرورى أن نتوقف قليلاً أمام الظاهرة نفسها لنناقش أشكالها المختلفة .. من حيث أنها ، إما أن تكون نبوءة مباشرة من عراف يُعْتَقد – لدى أبناء مجتمعه – أنه قادر على معرفة الغيب أو تأتى النبوءة بشكل غير مباشر أو بوسيلة أخرى كالرمل والودع أو الصدف أو فتح الكتاب ( الذى يحتوى على رموز سحرية تكشف الغيب أو الكتاب الذى يفتح لتفسير الأحلام والأحداث الغامضة ) ، أو بوسائل أخرى كثيرة ومتعددة منها على سبيل المثال " الهاتف " أو صوت مجهول المصدر يأتى من حيث لا يحتسب الانسان ولا يدرى ، لكنه صوت واثق يعلم تماماً مشكلة البطل وأبعادها وطرق الخلاص منها .. أو يمكن أن يكون التنبؤ عن طريق حلم وثيق الصلة بما يشغل بال البطل وقد يتكرر هذا الحلم أكثر من مرة ( فى العادة ثلاث مرات ) مما يعنى أنه ليس أضغاث أحلام ولكنه إشارة من قوى خفية تحدد للبطل حركته القادمة .. أو تكشف عن خطر يتهدده ، أو تكشف عن حقيقة قد لا يعلمها البطل ( عدو مثلاً فى ثوب صديق ) ..

وأحياناً تعتبر كلمة غير مقصودة من شخص لا علاقة له بالأمر ( أو طفل صغير لا يدرك ) إشارة يستخلص منها البطل معنى ً خاص يكون حلاً لمشكلة تعترضه أو تفك له لغزاً مستعصٍ عليه ..

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هناك ما يمكن أن نسميه " النبوءة المعلقة " أو المشروطة ونقصد بها حدثاً يرتبط بآخر ، بمعنى أن يقول الشخص المتنبئ مثلاً للبطل " سر فى طريقك ولا تلتفت للخلف مهما حدث وإلاّ...." أو يعطى الزوج – الذى هو غول أو ما أشبه – مفاتيح غرف القصر كلها لزوجته ويحذرها من دخول حجرة معينة يحددها لها ( لاحظ هنا أن التحذير يثير الفضول ويتضمن الدعوة لمخالفة الأمر حتى يحدث ما هو مقدر) .. كمقابل للخطأ التراﭼيدى المقدر للبطل لولا وجود القوى المساعدة التى ترعى البطل وتخلصه من نتائج أخطائه الحمقاء ..

 

 النبوءة فى السيرة الهلالية

تشكلت ارهاصات مولد البطل فى السيرة الهلالية من خلال النبوءة ، ذلك الحادث الذى جرى لرزق بن نايل عندما كان يسير فى الجبل على غير هدى تناوشه الأفكار والهموم لعدم انجابه الولد ، وقد صورها المبدع الشعبى بشكل انسانى رائع

                   بلغنى الكبر يا دهرى وحنيت    

من الله تقضى المصالح

                   بكيت ع البلاوى وحنيت           

 فى بيتى مفيش طفل فالح

                   بالوش بعينى يمين وشمال       

على طفل عندى يلاغينى

                   جاتنى الليالى سودة وشومالى   

قادر يارب انت تعطينى

                   سمع ندا من قبل الله                

 يا اخى مناه سعيدة

                   يا رزق اصغى على الله           

 تزوج من مكة السعيدة

 هذا النداء المجهول يحدد للبطل طريق الخلاص من مشكلة تؤرقه ، وهو فى نفس الوقت تعبير عن معتقد بوجود كائنات غير مرئية يمكنها أن تتدخل فى حياة الانسان وتؤثر فيها ، وهو أيضاً يعد كشفاً عن حدث لم يحدث بعد أى قراءة للمستقبل ، وما يكشف عن إيمان أفراد المجتمع كافة بهذا المعتقد أن أحداً منهم لم يستهجن ما قاله رزق ولم يصفه بالخيال أو الخرافة أو أنه مجرد حلم يقظة ، لكن الجميع تعامل معه على أنه حقيقة وأمر واجب النفاذ ..

 وينفذ رزق الأمر المجهول وينتظر النتيجة التى تأتى على غير ما يحب إذ تلد الزوجة المختارة بنتاً ثم تعقم لسنوات حتى يبدأ القلق ثانية وهنا نأتى إلى أمر غيبى آخر ، فالزوجة حين تخرج مع نساء القبيلة عند عين الماء تشاهد طيراً أسود قوى يجرح كل الطيور فتتمنى ولداً قوياً كهذا الطير حتى لو كان فى لونه –  والأمنية فى حد ذاتها رؤية للمستقبل –  فهى شكل من أشكال التنبؤ الذى لا يتأتى من العدم بل ينطلق من الواقع أو من الماضى ، ويتحقق لها ما تريد فتضع طفلاً أسود على خلاف لون أبويه فيتشكك أفراد القبيلة فى نسبه ويرغمون رزق على طرد الزوجة مع وليدها من القبيلة فتمتثل للأمر لكنها لم تشأ أن تعود لموطنها حتى لا تسبب حرجاً لأبيها فتميل بولدها على قبيلة أخرى هى قبيلة الزحلان لينشأ الطفل بعيداً عن دياره وأهله شأنه شأن أبطال الملاحم والتراﭼيديا جميعاً ..

وكان الرمل من الوسائل الشهيرة فى معرفة الغيب ، ويطلق على الممارس لهذه الوظيفة " الرّمّال " ، والإيمان بنبوءته راسخ فى أعماق أفراد المجتمع والسائد ألاّ مناص من تحقق نبوءته ، ومن شخصيات السيرة التى برعت فى ضرب الرمل فى معسكر الزناتى خليفة ابنته سعدى وكذلك العلام ابن عم الزناتى والذى توصل إلى معرفة ما سوف يحدث – بما فيه مقتل الزناتى خليفة نفسه – لكن هذه المعرفة لم تمنع حدوث النبوءة فكل شئ مقدر لابد أن يحدث ، وتسببت المعرفة فى سير الأمور فى مجراها حتى النهاية فمعرفة سعدى بحقيقة أبى زيد ومن معه أنقذتهم من الشنق باحتيالها على أبيها لحفظ حياة مرعى التى عشقته قبل أن تراه ، كما كشف العلام لأبى زيد عن حقيقة أمره كاملاً فى قصيدة نقتطع منها بعض أبياتها فيما يلى :

يقول الفتى العلام عما جرى له        

الايام والدنيا تسوى العجايب

فنحن الملامح يا سلامة تدلنا            

من عهد تبع ارخت فى الكتائب

عندى خبر بطلوعكم من ارضكم      

يوم الخميس العصر والريح طايب

فودعكم حسن الهلالى ابو على         

بمدة سبعة ايم والطعن سايب

ثمانين أمير قرءوا الفاتحة لكم          

واهدوها لمن هو عالم بالمصايب

ويمضى العلام فى وصف رحلة أبى زيد ورفاقه منذ خرجوا من ديارهم والبلاد التى مروا بها فى طريقهم وما حدث لهم مع ملوكها وأمراءها حتى يأتى على قوله الذى يتضمن نبوءته بمقتل الزناتى خليفة فيقول :

          تطيب لكم من نجد إلى قاع تونس      

فلا تخشوا الى بلاد المغارب

          يجيكم ابو سعدى الزناتى خليفة         

يخلى دماكم على الارض سكايب

          ومن بعدها يأتى دياب ويقتله 

بمزراق فى عينيه يقد القضايب

          وتصل المعلومات بالطبع إلى الزناتى خليفة ويبدو هذا واضحاً عليه حين يسمع ضرب الطبول فى معسكر الهلالية ويسأل عن سبب ذلك فيخبرونه بوصول دياب بن غانم الذى صرحت النبوءة بأنه لن يموت إلا بحربته فيقول :

          قال الزناتى يبقى هو دياب              

اللى الرمل عليه قايل

          أنا بايت ليلى أحسب ميت حساب      

آدى أسد الهلايل

ويبدو أن الرّمّال كان مطلوباً بشدة فى أحداث السيرة فالملك ( الزناتى خليفة ) حين أراد أن يعرف مكان سلامة ( أبو زيد ) وهو يتميز غيظاً منه لم يجد إلا الرّمّال كى يسأله عن مكانه ..

 يامن يخبرنى ويا من يقول لى                   

على سلامة الكلب فى أنهى مكان

أمسك سلامة اليوم بإيدى واقطعه                

يرتاح قلبى ، من زمن تعبان

نادى على الرّمّال اضرب لى رملى           

شوف لى سلامة الآن فى أى مكان

ضرب تخوت الرمل صلوا ع النبى            

نطق الحصى والرمل نقشه بان

وفى ذلك الوقت كان أبو زيد فى مكة الشريفة لإنجاز مهمة بطولية لصالح أخواله ، وبعد الانتهاء منها على خير وجه وقبل أن يستريح من عناء القتال نجده يرى رؤيا فى منامه ولنسمعها منه ..

 أبو زيد من عزم المنام هب واقف              

مسكه الفتى القاضى وسنده زيدان

تتهمّ ليه م الحلم وانت سلامه                     

يا فارس الأقوام يا يقظان

لقد حلمت يا عرب والحلم كادنى                

والحلم اقلقنى وانا نعسان

نادى الفتى القاضى واثناه وجاوبه              

سمى ونام ده الحلم اصله شيطان

قال سألتك يا قاضى العرب                      

انا ف مكان طاهر وليس شيطان

قاله تأدب يا قاضى العرب                       

ده مكان طاهر ولم يمسنى شيطان

قال له اشرح لى على ما رايته                   

ريح فؤادى والنبى تعبان

فقال رايت نيران اضرمت فى نجعنا

وعاد لها فوق اللهيب دخان

وعبرت ف صيوانى وديوان ابو على          

وعبرت دواوين الرجال عيان

مقدار ساعة الا اتت المنبثق                      

طفاها واخدها على الاظعان

وبقت وحوش البر يا دافع البللا                  

يخوضوا وغيض الماء فى الوديان

ورأيت غزلان النجوع تخطفوا                  

هجم علينا غول بالنيبان

هجم وحوش البر وخطفوا غزالنا               

خدوهم قبال عينى رأيت عيان

فأغرت عليهم يا حسن غيرة الأسد              

سحبت سيفى مرهفِ رنان

الغول هجم على وفتح مخالبه           

خد الغزال منى تانى وانا بمكان

بكيت ودمعى نزل على خيولى                  

ناديت يا أسفاه يا غزلان

ادى ما رايته دريدى فى رؤيتى                  

والعلم لله العلى الرحمن

          وكما نرى فإن النبوءة هنا تلعب دوراً أساسياً فى تسيير الأحداث ، فهى ليست مجرد اشارات عابرة ، فالحدث ينطلق منها وبها ، وينعطف ويميل حيث تحدد هى أو كما يقول الرّمّال ، فالإيمان بها مطلق لا يتطرق إليه الشك .

          والخلاصة أن النبوءة كعنصر من عناصر المعتقد الشعبى ظاهرة لها فعاليتها فى مقومات الشخصية الشعبية ، كما أن المعتقد الشعبى بدوره وثيق الصلة بالتراث الأسطورى الذى خلفته الإنسانية على امتداد تاريخها الطويل ، وهو – بالضرورة – ما انعكس فى الابداع الشعبى لدى جميع شعوب الأرض . 



 المراجع :

(1)  محمد فهمى عبد اللطيف : الحكاية والحدوتة فى التراث القصصى الشعبى ، القاهرة - دار المعارف – 1979 م

(2)  د. عبد الحميد يونس : الحكاية الشعبية – القاهرة – المؤسسة العامة للتأليف والنشر – 1968 .

(3) ارنست كاسيرر : الدولة والأسطورة ، ترجمة : د. أحمد حمدى محمود ، مراجعة د. أحمد خاكى – القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب – 1975 .

(4) توماس بلفنش : عصر الأساطير ، ترجمة : رشدى السيسى ، مراجعة د. محمد صقر خفاجة – القاهرة دار النهضة العربية ، 1966 .

(5)  د. نبيلة ابراهيم : أشكال التعبير فى الأدب الشعبى – القاهرة – مكتبة غريب ، 1989 .

(6)  د. أحمد كمال زكى : الأساطير – القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1985 .

(7)  د. شكرى عياد : البطل فى الأدب والأساطير – القاهرة – دار المعرفة ، 1959 .

(8)  د. أحمد شمس الدين الحجاجى : الأسطورة والشعر العربى ، دراسة بمجلة فصول – عدد مارس 1983

(9) فريدريك فون ديرلاين : الحكاية الخرافية ، ترجمة : د. نبيلة ابراهيم ، مراجعة د. عز الدين اسماعيل – القاهرة – مكتبة غريب ، 1987 . 


samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 364 مشاهدة
نشرت فى 8 يونيو 2013 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,798