آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

authentication required

<!--

<!--<!--<!--<!--<!--

الزناتى

      عندما يقترب الكاتب المسرحى من السيرة الهلالية فلا شك أنه يتوقف كثيراً حائراً أمام ثمارها الدرامية الوفيرة ، أيها يقطف الآن .. وأيها يدخر للغد ، الأمر الذى وقع فيه الرواة أنفسهم حتى أن بعضهم تخصص فى قص بعض فصولها دون غيرها ( عزيزة ويونس – الجازية – الأيتام –  بطولة دياب ....) وسبب هذه الحيرة فيما نظن ترجع لكثرة الجوانب والزوايا التى تغرى بالتناول سواء من جهة الأحداث ( الريادة / الرحيل / الحرب / الحصار ...... ) أو من جهة الشخصيات (أبو زيد / الزناتى / دياب / الجازية ....) أو من جهة العلاقات الانسانية ( الحب / الكراهية / الغيرة / الخيانة .....) ، ومع ذلك فلو نظرنا إلى حصيلة ما كتب من أعمال درامية عن فتات مائدة هذه السيرة لوجدناه قليل ولا يتناسب إطلاقاً مع حجمها الهائل وقيمتها الفنية ..

ومن هذا القليل مسرحية " الزناتى " لمحمد أمين عبد الصمد – الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة نصوص مسرحية عام 2011 – والذى اختار للنص اسم " الزناتى " أحد أبطال السيرة ليس – كما أعتقد – من قبيل التحيز لبطولته كما يفعل جمهور السيرة الذى ينقسم إلى أنصار لهذا أو ذاك كلٌ حسب هواه ، ولكن – كما أعتقد ثانية – لمواصفاته ومقوماته التى تؤهله لأن يكون بطلاً تراچيدياً مكتملاً ، فهو ملك تونس الخضراء " ست الأكوان " يمتلك صفات الفارس من شجاعة ومروءة وقوة وصدق ، إلى جانب صفاته الجسدية وهو يقدم نفسه قائلاً :

أنا فارس الغرب بسلاح

أنا بن مدكور .. أنا بن حمير

أنا بن فارس الغروب ..

لكن هذا الفارس الأصيل – شأنه شأن أبطال الملاحم – يرتكب خطئاً تراجيدياً حين جعل من نفسه حاكماً مطلقاً ، جعل من نفسه الأب والأخ والعم والأم – على حد قول الهصيص –  لرجال مملكته مما جعل الكل " يرحرح " لا يهتم بالفكر ولا يعرف الهم ومن ثم فلا رأى صائب له .. يتجسد هذا الخطأ فى ذلك الحوار الرائع بين الزناتى والهصيص ابن عمه :

الزناتى    : يعنى الحق علىّ أمنتهم .. !؟

الهصيص : ما عرفوش تمن الأمان

الزناتى   : الحق علىّ شبعتهم ..!؟

الهصيص : ما عرفوش يعنى إيه حرمان

الزناتى   : الحق علىّ شيلت عنهم همومهم ..!؟

الهصيص : ياك فاكر بكده انك خادمهم ..!

يعنى ايه يا ولد عمى ..؟

الهصيص : الحال باين وعمّى ( متخفى )

وكان من نتيجة هذا الخطأ أنه عندما احتاج إلى رجال لحماية مملكته لم يجد غير أيدٍ ناعمة وضعيفة لتكتمل مأساته ويلقى مصيره المحتوم ..

     وفى الوقت الذى يرى فيه الكاتب الزناتى بهذه الصورة نجده يعبر باقى الشخصيات ولا  يلتزم بمواصفاتها التى اشتهرت بها فى أحداث السيرة حتى فروسية أبو زيد نفسه توارت واقتصرت على قدراته فى الخداع والتحايل ، وعلى العموم فإن هذا يدل على اهتمام الكاتب بالجانب الأخلاقى القيمى فى شخصية الزناتى والتى تجسد ملامحه التراجيدية ..

     وقد جرت العادة عند تناول موضوع يستلهم السير الشعبية أو التراث الشعبى بشكل عام على استخدام الكاتب لظاهرة الراوى على اعتبار أنه هو الوسيط الأول بين السيرة وجمهورها ولدى الكاتب هو وسيلة لتحريك الحدث فى الزمان والمكان ، بالاضافة إلى حمل رؤية الكاتب فى بعض الأحيان ، والجديد فى هذا النص هو استخدام الكاتب لراويين اثنين بدأ بهما النص .." إثنان من الرواه الشعبيين يتصدران المنظر – الذى لم يحدد له أية معالم – أحدهما يرتدى الزى الصعيدى التقليدى مع عمامة ضخمة بشكل واضح ويتميز هذا الراوى بضخامة بنيانه الجسدى ، الراوى الثانى نحيف بشكل واضح يرتدى جلباباً تقليدياً – دون تحديد لمعايير التقليدية – ولا يرتدى عمامة ، يبدو على أدائه التميز الشديد والسخرية بشكل ما .." وقد حدد الكاتب الاختلافات الشكلية بين كل منهما تاركاً للقارئ والمخرج رؤية الاختلافات بينهما فى المضمون والوظيفة ، حيث نلاحظ أن الراوى الأول يقوم بسرد الحدث كما هو أما الآخر فيتدخل أحياناً بالتفسير وأحيانا بالتعليق وأحياناً ثالثة بالتقد ، وكان من الممكن استغلال هذه العلاقة الجدلية بينهما بشكل أكثر إثارة وإثراء للنص .. كما فعل نفس الشئ بالنسبة للمنظر المسرحى فهو لم يتطرق إليه على الاطلاق وترك مساحته خالية للمخرج ..

ولم تقتصر مهمة الراويين عند محمد أمين عبد الصمد على تقديم الحدث أو الشخصيات فحسب لكنه استخدمهما ببراعة وانسيابية فى دفع الحدث الدرامى وأدمجهما فى الحدث وكأنهما من شخصيات السيرة ، فحين يقول الراوى 2 مثلاً : قال حسن .. نجد حسن يظهر على الفور ومعه مجموعة من الهلالية وهو يقول ... أو عندما ينتقل الحدث فى المكان نجد الراوى 2 يقوم بهذه المهمة بتلقائية قائلاً : " نروح للخضرا تونس .. ست ست الأكوان .."

أما عن لغة النص فقد أحسن الكاتب صنعاً وأجاد فى اختياره لغة السيرة ذاتها بمفرداتها وإيحاءاتها حتى لو اضطر لاستخدام الأقواس لشرح دلالة بعض المفردات مما يتيح الفرصة للتواصل مع النص / العرض من اللحظة الأولى ..


     


samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 126 مشاهدة
نشرت فى 1 سبتمبر 2013 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,772