<!--
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
البناء الموسيقى للنص :
أ- الوزن :
1- والقصيدة من البحر الطويل، وهو من الأبحر التي كثر استعمالها في الشعر العربي، وهو يتسع ويلائم كثيرًا من الأغراض، ومنها الوصف، وهو مزدوج التفعلية ولم يرد في شعر العرب إلاّ تامًّا. وفيه متسع لعرض تجربة الشاعر الحياتية الكبيرة . وفيه دلالة على فحولة الشاعر الإبداعية.
2- جاء البيت الأول مصرعًا على عادة الشعراء الفحول القدامى .
ب- القافية : مطلقة محركة بالكسر مكونة من :
1- الروى : { الباء }
2- الوصل وهو الياء الناشئة عن إشباع كسرة الباء .
3- الدخيل : وهو الحرف الواقع بين الروى والتأسيس وحركته الكسرة .
4- التأسيس : وهو الألف الواقعه قبل حرف الروى بحرف .
البناء الأسلوبي:
عرف العرب أربعة أنواع من الأساليب، هي : الأسلوب الجزل، والأسلوب السهل، والأسلوب السوقي، والأسلوب الحوشي. أمّا أسلوب النّص، فهو أسلوب ابن خفاجة في معظم شعره، أسلوب جزل، قوي الألفاظ، فخم العبارات، له طنين وجلجلة، فهو يعمد إلى الألفاظ الضخمة الفخمة ذات الجَرْسِ القوي والوقع الشديد، وقد جاءت في النّص فصيحة كلُّها. أمّا التراكيب فهي أيضا فصيحة، متلائمة، متناسقة، متوائمة، حسنة السّبك، لا اضطراب فيها ولا ضعف. غير أن أسلوبه لم يخل من التعقيد اللفظي والتعقيد المعنوي أحيانا، فاستعمل ألفاظا حوشية كما هو الحال في البيت الأول، فمعظم ألفاظه غريبة وحشية، مثل : {أرعن، طماح، الذؤابة، باذخ، غارب...} فهي كلمات مغرقة في الكلاسيكية.
موازنة بين مجنون ليلى { قيس بن الملوح } وابن خفاجة :
لقد سبق مجنون ليلى ابن خفاجه فى الحديث عن الجبل حيث تحدث الى جبل التوباد فقال : وأجْهَشْتُ لِلتَّوْبَادِ حِينَ رَأيْتُهُ *** وهلل للرحمن حين رآني
وأذْرَيْتُ دَمْعَ الْعَيْنِ لَمَّا رَأيْتُهُ *** ونادَى بأعْلَى صَوْتِهِ ودَعَانِي
فَقُلْتُ له أين الَّذيِنَ عَهِدْتُهُمْ *** حواليك في خصب وطيب زمان ؟
فقال مضوا واستودعوني بلادهم *** ومن ذا الذي يبقى مع الحدثان
وأني لأبكي اليوم من حذري غداً *** فراقك والحيان مجتمعان
· مجنون ليلى فى أبياته لم يرسم صورة للجبل وإنما هى خاطرة عابرة وصورة جزئية.
· ابن خفاجه رسم صورة كلية كاملة متعاونة الملامح والقسمات، ونجح فى بث الحياة والحركة فى عناصرها، فلم يصور لنا الجبل أكوامًا من الحجارة يعلو بعضها بعضًا، وإنما صوره شيخًا وقورًا مهيبًا بارع البيان على صمته، ناطقًا على خرسه، يتحدث فيسرى ويسلى ويعظ ويشارك الدهر همومه .
التصوير الفنى : ينقسم التصوير الفنى فى القصيدة إلى صور كلية وأخرى جزئية هى :
استعان الشاعر فى هذه القصيدة بالصور الكلية التى تندرج تحتها صور جزئية فنجد أنه رسم لهذا الجبل صورة كلية تتمثل خيوطها فى لون وحركة وصوت، مقسمة على النحو التالى :
أ- اللون :
من دلائل اللون فى هذه القصيدة: { يلوث عليه الغيم سود عمائم } و { وميض البرق حمر ذوائب } { خضر البحار }.
ب- الحركة :
ونجد دلائل الحركة في: { مدلج ومؤوب – مطى وراكب – لاطم وزاحم – رجفة أضلع - يمد الى نعماك راحة راغب – أخرس صامت }
ت- الصوت :
نجد الصوت أيضًا فى قوله: { حدثنى ليل السرى – أواه – لاطم معاطفى – خفق أيكى – نوح ورقى – صرخة نادب – يترجمها عنه لسان التجارب }
التشخيص فى النص :
اكتمل عنصر التشخيص فى هذه القصيدة وذلك لأن العاطفة الحية المتدفقة مكنت الشاعر من أن ينفخ روحًا قوية فى جسم هذا الجبل الهامد الخامد فإذا به يرتعش رعشة الحياة وتدب فيه الروح وتجرى الدماء فى عروق الصخر الأصم فينطق لسانه_ وهو الأخرس_ وينبض قلبه_ وهو الجماد الأصم_ ليصبح بشرًا سويًّا حيًّا عاقلاً ثاقب الذهن طويل الفكر عجيب الحديث . وهذا اتجاه جديد فى الشعر لم يسبقه إليه إلا القليل من الشعراء امثال { قيس بن الملوح مجنون ليلى } .
مظاهر الصنعة الفنية :
من مظاهر الصنعة الفنية فى هذا النص ما يلى :
1- جاءت ألفاظ الشاعر ابن خفاجة ملائمة لما يدور فى نفسه من المعانى عن ذكريات هذا الجبل الأشم. وقد جاءت أكثر الأساليب خبريه لتقرر الحقيقه التى تدور فى خلد الشاعر وبعض الأساليب الخبرية كان الغرض منها التحسر وإظهار الألم كما فى قوله : -
فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ وفى هذا البيت أسلوب قصر، وهو قصر صفة على موصوف، حيث قصر خفق الأيك على ارتجاف الأضلع , وقصر نواح الورق على صراخ النادب .
2- كرر الشاعر كلمة " كم " وهى خبرية تدل على الكثرة للتعبير عن المشاهد الكثيرة التى رآها .
3- استخدم الشاعر الأساليب الإنشائية المعبرة , فالغرض من الاستفهام فى البيت الذى يقول فيه : فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ أُوَدِّعُ مِنهُ راحِلاً غَيرَ آيِبِ التعجب؛ إذ يتعجب الجبل من حاله ببقائه فى مكانه والجميع ياتى ويذهب .
وأسلوب الأمر فى قوله :
فَرُحماكَ يا مَولايَ دِعوَةَ ضارِعٍ يَمُدُّ إِلى نُعماكَ راحَةَ راغِبِ الغرض منه الدعاء وإظهار الضراعة والخضوع لله رب العالمين .
وأيضًا جاء الغرض من الأمر الدعاء فى قوله :
وَقُلتُ وَقَد نَكَّبتُ عَنهُ لِطِيَّةٍ سَلامٌ فَإِنّا مِن مُقيمٍ وَذاهِبِ
4- جاء الشاعر بالألفاظ المترادفة أحيانًا مثل: " اواه – تبتل – تائب "، وذلك فى قوله : وَقالَ أَلا كَم كُنتُ مَلجَأَ قاتِلٍ وَمَوطِنَ أَوّاهٍ تَبَتَّلَ تائِبِ .
أ- الكناية كما فى قوله { يطاول أعنان السماء بغارب } وهى كناية عن ارتفاع الجبل , فغارب استعارة مكنية حيث صور الجبل جملاً له كاهل , وقوله: { يسد مهب الريح } كناية عن ضخامة الجبل , وقوله { ويزحم ليلا شهبه بالمناكب } كناية عن ارتفاعه العظيم , وقوله: { وقور على ظهر الفلاة } كناية عن الرسوخ والثبات وفيه تشبيه حيث شبه الجبل بشيخ وقور يفكر فى العواقب، وهذا التشبيه يوضح مدى السكون والثبات .
ب- التشبيه التمثيلى فى البيت الثالث عشر حيث شبه الغمام الأسود يلف قمة الجبل، وقد انبعث منه وميض البرق الأحمر، بصورة العمائم السوداء توضع على الرءوس ويتدلى منها ذوائب حماء وهذا التشبيه يخلع على الجبل الرهبة والمهابة . والتشبيه أيضًا فى البيت التاسع عشر: فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ حيث شبه خفق الأيك برجفة الأضلع ونوح الحمائم بصرخة النادب .
ت- الاستعارة فى قوله { طوتهم يد الردى } فهنا استعارة مكنية حيث شبه الردى بإنسان له يد يطوى بها، وفى قوله: {طاحت بهم ريح النوى والنوائب } تشبيه بإضافة المشبه به إلى المشبه حيث شبه النوى والنوائب بالريح العاصفة، وهذا يوضح أثر الفراق والحوادث والمصائب .
ومن التعابير الاستعارية قوله: { وجوه المنايا } حيث جعل المنايا شخصًا له وجه . وأيضًا الاستعارة فى قوله { قناع الغياهب } .
5- ذكر الشاعر الكثير من المحسنات البديعية غير المتكلفة، منها :
ث- البيت الأول مصرع على عادة الشعراء الفحول قبله وهو يجذب المتلقى إلى النص جذبًا .
ج- أسلوب التجريد فى البيت الأول أيضًا حيث جرد من نفسه شخصا آخر يخاطبه .
ح- الطباق بين { أخرس و حدث } في البيت الرابع عشر , وبين { القاتل والأواه } فى البيت الخامس عشر؛ ليظهر المفارقة العجيبة بين اللائذ بالجبل ليختفى من أخذ الثأر ومن يلوذ به ليعبد الله, والطباق ايضًا فى البيت السادس عشر بين { مدلج و مؤوب } ليفيد التنوع بين الذين التقى بهم , والطباق فى البيت الحادى والعشرين بين { أبقى و يظعن } ليثير العجب من تناقض الحالين , وفى البيت الاخير أيضا طباق بين { مقيم وذاهب }ليفيد حصر أحوال الكائنات فى هذين الأمرين .
خ- الجناس الناقص بين { النوى و النوائب } فى البيت الثامن عشر , وقد أكسب العبارة جرسًا موسيقيًّا عذبًا، كما أفاد معنًى جديدًا وهو أن المصائب والكوارث ترتبت على البعد والفراق، وهذا ينبئ عن أن ابن خفاجة لم يكن يشرك الطبيعة فى حبه ولحظات فرحه فحسب بل كان يشركها فى أوقات حزنه بمصائب الدهر, كما استخدم الشاعر مراعاة النظير فى قوله: { مطى وراكب } وبين { الأيك والورق }
د- حسن التقسيم فى الموازنة بين كلمات الشطرين من حيث عددها وأنغام نطقها، نجده فى قوله : وَلاطَمَ مِن نُكبِ الرِياحِ مَعاطِفي وَزاحَمَ مِن خُضرِ البِحارِ غَوارِبي
وفى البيت التاسع عشر حيث يقول : فَما خَفقُ أَيكي غَيرَ رَجفَةِ أَضلُعٍ وَلا نَوحُ وُرقي غَيرَ صَرخَةِ نادِبِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثًا: ما بعد النص:
ــــــــــــــــــــــــ
مناقشة معانى النص :
معاني النص عميقة، ولسنا نعني بالعمق الإبهام ومعميات الفكر، وإنما نعني امتداد المعنى وثباته أمام التأمل الفكري، فالمعنى العميق لا يدرك كلّه للوهلة الأولى، وإنّما يعطيك الأديب طرفًا منه، تتعلق به لدى رغبتك في التأمل، ثم تحس بعد ذلك بدافع داخلي قويّ إلى إمعان النظر فيه، وكلّما أمعنت النظر في تأمله تكشفتْ لك فيه نواح جديدة . ومعاني النص تريك قدرة ابن خفاجة في الغوص على المعاني وقوة التصوير والإجادة فيه، فقد تميّزت معانيه بالعمق والتشخيص للجبل، وإجراء للحكمة على لسانه، فإذا هو إنسان يفكر وينطق ويعظ، وترتجف ضلوعه، وقاده هذا التصوير إلى شيء من التعقيد والغرابة فاستغلفت معانيه أحيانًا على القراء، ولكنه ابتكر بعض المعاني الواردة في هذا النص الذي يُعدُّ من عيون الشعر الأندلسي؛ لما فيه من طابع قصصي يقل وجوده في الشعر العربي، وأيضا لما فيه من تشخيص للجبل.
العاطفة :
في هذا النّص عاطفة ذاتية إنسانية، ومصدرها نفسية الشاعر القلقة التي دبتْ فيها الشيخوخة، فقوّست السنون ظهره، وأعشت بصره، ودبّت في نفسه روح الملل والضّجر، فاكتأب من البقاء العابث، وقد فارقه أصحابُه وودّعوه الوداع الأخير، فشعر بتفاهة الحياة . ولا ريب في أنَّ عاطفته صادقة، قوية، ومشاعرهُ مؤثرة، عميقة، تفيضُ بالقلق والضجر والاضطراب الداخلي العنيف، ولولا ذلك، لما أحدثت انفعالاً في نفوسنا، فشاركنا الشّاعِرَ فيما هو واجد، وهي عاطفة سامية أيضا لأنّها تنزع بصاحبها نحو الخلاص مما هو فيه.
ويتضح من خلال هذا النص أن الشاعر :
1- عاشق للطبيعة .
2- رومانسى
3- حزين ملول من الحياة
فَسَلّى بِما أَبكى وَسَرّى بِما شَجا وَكانَ عَلى عَهدِ السُرى خَيرَ صاحِبِ
معالم الرومانسية فى النص :
1- التشخيص , كما فى قوله : أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ فَحَدَّثَني لَيلُ السُرى بِالعَجائِبِ
2- النزعة التأملية , كما فى قوله : وَقورٍ عَلى ظَهرِ الفَلاةِ كَأَنّهُ طِوالَ اللَيالي مُفَكِّرٌ في العَواقِبِ
3- عاطفة الحزن والملل : كما فى قوله :
فَحَتّى مَتى أَبقى وَيَظعَنُ صاحِبٌ أُوَدِّعُ مِنهُ راحِلاً غَيرَ آيِبِ
وَحَتّى مَتى أَرعى الكَواكِبَ ساهِراً فَمِن طالِعٍ أُخرى اللَيالي وَغارِبِ
4- الاندماج مع الطبيعة : كما فى قوله :
أَصَختُ إِلَيهِ وَهوَ أَخرَسُ صامِتٌ فَحَدَّثَني لَيلُ السُرى بِالعَجائِبِ