<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
نحو منهج أدبي في تدبر القرآن الكريم
القرآن الكريم : حجة الله البالغة وآياته المتجددة ومعجزة الرسول الخالدة ، معجزة لكل جيل وقبيل ، معجزة في كل عصر ومصر ، معجزة للبشرية جمعاء في شتى أطوار حياتها بل معجزة أيضا للجن .
قال تعالى: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا }.
وقارئ القرآن الكريم يجد نفسه دائمًا أمام سؤال لحوح عن الرابط بين أقسامه المختلفة: بين آياته، بين أرباعه، بين أحزابه، بين أجزائه، بين سوره، بين اسم السورة ومضامينها، سؤال يدفع إلى البحث عن الخيط الذي يربط هذه الأقسام بعضها ببعض، والمبرر لورودها معًا، والمحور أو المحاور التي تدور حولها!
وإجابة هذا السؤال تعد من أبرز وجوه إعجاز القرآن الكريم إذ قرر كثير من علماء السلف والخلف أن فيه تناسبًا بين آياته وتناسقًا وتعانقًا بين سوره؛ فالقرآن الكريم وحدة موضوعية واحدة وآياته وسوره بناء واحد:
كالدر يزداد حسنا وهْوَ منتظم
وليس ينقص قدرًا غير منتظم
والأدلة على ذلك من مكتبة علوم القرآن وتفسيره وإعجازه قديمًا وحديثًا كثيرة ومتنوعة؛ فهذا الإمام السيوطي يذكر في كتابه "معترك الأقران في إعجاز القرآن1/54، وفي الإتقان2/288" من ضمن وجوه الإعجاز" الوجه الرابع من وجوه الإعجاز : مناسبة آياته وسوره وارتباط بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني ".
وهذا الإمام الرازي في تفسيره[مفاتيح الغيب 7 /183] لسورة البقرة يقول: " ومن تأمل في لطائف نظم هذه السورة وفي بدائع ترتيبها علم أن القرآن _كما أنه معجز بحسب فصاحة ألفاظه وشرف معانيه_ فهو أيضًا بحسب ترتيبه ونظم آياته، ولعل الذين قالوا: إنه معجز بحسب أسلوبه أرادوا ذلك، إلا أني رأيت جمهور المفسرين معرضين عن هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل :
والنجم تستصغر الأبصار صورته
والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
و يقول الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن: "والوجه الثالث من وجوه إعجازه : " أنه بديع النظم عجيب التأليف متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه ...[إعجاز القرآن ص37].
ويقول أيضا:" ... وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدمنا ذكرها على حد واحد في حسن النظم وبديع التأليف والرصف لا تفاوت فيه ولا انحطاط عن المنزلة العليا ولا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنيا وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجوه الخطاب من الآيات الطويلة والقصيرة فرأينا الإعجاز في جميعها على حد واحد لا يختلف ، وكذلك قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة تفاوتًا بينًا ويختلف اختلافًا كبيرًا ونظرنا القرآن فيما يعاد ذكره من القصة الواحدة فرأيناه غير مختلف ولا متفاوت".
ويقول أيضا: " فأما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه فإن العقول تتيه في جهته وتحار في بحره وتضل دون وصفه... ونحن نذكر لك في تفصيل هذا ما تستدل به على الغرض وتستولي به على الأمد وتصل به إلى المقصد وتتصور إعجازه كما تتصور الشمس وتتيقن تناهي بلاغته كما تتيقن الفجر وأقرب عليك الغامض وأسهل عليك العسير ، واعلم أن هذا علم شريف المحل عظيم المكان قليل الطلاب ضعيف الأصحاب[إعجاز القرآن ص184_185".
وفي العصر الحديث نجد الأديب الإسلامي الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في كتابه إعجاز القرآن والبلاغة النبوية يقول:" من أعجب ما اتفق في هذا القرآن من وجوه إعجازه أن معانيه تجري في إحكام النظم مجرى ألفاظه على ما بيناه من أمرها -يعني ما سبق أن ذكره عن جمالها وروعتها وبلاغتها – " إن هذا الإعجاز في معني القرآن وارتباطها أمر لا ريب فيه وهو أبلغ في معناه إذا انتبهت إلى أن السورة لم تنزل على هذا الترتيب فكان الأحرى أن لا تلتئم وأن لا يناسب بعضها بعضًا وأن تذهب آياتها في الخلاف كل مذهب، ولكنه روح من أمر الله تفرق معجزًا فلما اجتمع اجتمع له إعجاز آخر ليتذكر به أولوا الألباب".
ويقول رحمه الله: " وإنك لتحار إذا تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة التي يتصرف فيها وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى لا ترى في اللغة كلها أدل على غرضك وأجمع لما في نفسك وأين لهذه الحقيقة غير كلمة الإعجاز "[ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ص 278 وما بعدها].
ويقول الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله : " لعمري لئن كان للقرآن في بلاغة تعبيره معجزات وفي أساليب ترتيبه معجزات ، وفي نبوءته الصادقة معجزات ، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات ، لعمري إنه في ترتيب آياته معجزة المعجزات "[النبأ العظيم ص 209].
وعندما نطالع كتب التفاسير، وكتب علوم القرآن الكريم، أو نحاور المشتغلين بهذه العلوم لا نجد جوابًا شافيًا أو كافيًا عن ذلك السؤال!
نعم هناك كتب أمهات ألفت في هذا المجال، منها: "البرهان في تناسب سور القرآن" لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، و"نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور" لبرهان الدين البقاعي، و"تناسق الدرر في تناسب السور" لجلال الدين السيوطي، و"ربط السور والآيات لمحمد بن المبارك المعروف بحكيم شاه القزويني، عند السلف.
ومن كتب الخلف "فى ظلال القرآن" للأستاذ سيد قطب، و"الإعجاز البياني في ترتيب آيات القرآن وسوره" رسالة علمية للدكتور محمد أحمد يوسف القاسم الأستاذ بجامعة الأزهر وأم القرى. و"جواهر البيان في تناسب سور القرآن" لعبد الله محمد بن صديق الغماري، و"سمط الدرر في ربط الآيات والسور" لمحمد ظاهر بن غلام من علماء الهند ت 1407هـ
و"النبأ العظيم" للدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله، و"نظرة العجلان في أغراض القرآن لابن شهيد ميسلون محمد بن كمال الخطيب، وفي هذا الكتاب ذهب مؤلفه إلى أن سورة الفاتحة محور للقرآن الكريم كله، و"الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية" دراسة للدكتور رفعت فوزي عبد المطلب ط دار السلام بالقاهرة، و"الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم للدكتور محمد محمود حجازي -رحمه الله - صاحب التفسير الواضح، وفي رسالته هذه يتناول وحدة الموضوع في القرآن....
ومن عجب أن يظهر كتاب لعالم غربي متخصص في علم اللاهوت اسمه هانز كَنغ_ يسمى "الإسلام : ماضيه وحاضره ومستقبله"_ يهتم فيه بجزئية من هذا العلم هي أسماء السور القرآنية حث قال: " إنها ليست عناوين بل كلمات مفتاحية تساعد على التذكر عند التلاوة. وهذه الأسماء مأخوذة من اسم شخصية رئيسية مذكورة في السورة، أو ببساطة مجرد كلمة واردة في السورة وغالبًا في آيتها الأولى"أي أن السؤال موجود عن غير المسلمين كذلك، وإجابتهم عنه غير واضحة أو مقنعة موقنه!
هذا وللشيخ محمد الغزالي _ رحمه الله_كتاب بعنوان: "نحو تفسير موضوعي للقرآن"". وصفه بأنه:
"دراسة جديدة للقرآن الكريم، سبق أن قدمت نماذج منها فى بعض ما كتبت. وقد لازمنى شعور بالقصور وأنا أمضى فيها، فشأن القرآن أكبر من أن يتعرض له مثلي، ولكنى حرصت على أن أزداد فقهًا فى القرآن وتدبرًا لمعانيه. وقلت: قد أرتاد طريقًا لم أُسبَق إليه وأفتتح به بابًا من أبواب الخير، والقرآن لا تنقضى عجائبه، ولن نبلغ مهما بذلنا مداه!! والهدف الذى سعيت إليه أن أقدم تفسيرًا موضوعيًّا لكل سورة من الكتاب العزيز. يتناول السورة كلها، يحاول رسم “صورة شمسية” لها تتناول أولها وآخرها، وتتعرف على الروابط الخفية التى تشدها كلها، وتجعل أولها تمهيدًا لآخرها، وآخرها تصديقًا لأولها. لقد عُنِيت عنايةً شديدةً بوحدة الموضوع فى السورة".
وقد نجح شيخنا الغزالي في رسم صور شمسية لسور القرآن الكريم ملخصًا ما بها من مواضيع من وجهة نظره، لكنه لم ينجح في إبراز وحدة موضوع السورة، ولم يقدمها بالطريقة التي نُريدها!
وهذا الشيخ سعيد حوى _ رحمه الله _يقول في مقدمة كتابه الأساس في التفسير - ذلك الكتاب الذي يشتمل على نظرية متكاملة في الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم يقول مبينا سر اهتمامه بهذا الموضوع - : " ولقد سئلت أكثر من مرة من بعض من عرضت عليهم وجهة نظري في فهمي للصلة بين الآيات والسور عن فائدة هذا الموضوع وكنت أجيبه بأن هذا الموضوع فيه رد على شبهة أعداء الإسلام الذين زعموا أن هذا القرآن لا يجمع آياته في السورة الواحدة جامع ولا يربط بين سوره رابط ، وذلك لا يليق بكلام البشر فكيف بكلام رب العالمين ، إنها لشبهة فظيعة جدا أن يحاول محاول إشعار مسلم بأن كتاب الله ينزل عن كتاب البشر في هذا الشأن ، وقد استطعت بحمد الله أن أبرهن على أن كمال القرآن في وحدة آياته في السورة الواحدة وكماله في الوحدة الجامعة التي تجمع ما بين سوره وآياته على طريقة لم يعرف لها العالم مثيلا ،ولا تخطر على قلب بشر، لقد استطعت بهذا أن أرد السهم إلى كبد راميه من أعداء الله في هذه النقطة بالذات ".
أقول: وهذه حكمة من حكم العليم الخبير أن يقيض من أعداء الدين من يخدم الإسلام من حيث لا يشعرون ، فإن إثارة أعداء الإسلام لهذه الشبهة الباطلة دفع الكثير من الغيورين إلى دراسة هذا الموضوع بتعمق.
نعم نجد بعض إجابة تتمثل في إشارات يسيرة عند عدد قليل من السلف الصالح، وعدد أقل من الخلف، يتمثل في الجهود العلمية المبذولة في مجال التناسب بين السور الكريمة كما عند الإمام السيوطي وبرهان الدين البقاعي، والشيخ سيد قطب، والدكتور محمد عبدالله دراز، والدكتور محمود حجازي، وغير هؤلاء من أصحاب الجهود القائمة على توجهات ذاتية وملكات فردية خاصة...
أما أن تتحول هذه الجهود إلى منهج تكاملي مناسب لتحليل النص القرآني الكريم، له مصطلحاته وإجراءاته، ويدرس عن طريقه القرآن الكريم دراسة شاملة تتغيا تحقيق هذا التحدي الذي يواجه الكثير من قراء القرآن الكريم: خاصتهم وعامتهم، فهذا هو المأمول من الباحثين الآن.
ولعل "الوحدة الموضوعية" بالمفهوم العلمي المعاصر، والخاص بالنص القرآني الكريم، وليس بالمفهوم الأدبي النقدي الضيق، أنسب عنوان لهذا المنهج؛ لما فيه من اشتمال على كثير من إجراءات الاصطلاحات المرادفة له مثل: النظم/ النظام/ التناسب/التفسير الموضوعي/الوحدة النسقية/الوحدة البنائية...إلخ
ولكنه يحتاج إلى ضوابط كثيرة وآليات عديدة حتى يؤتي ثماره المرجوة بإذن الله تعالى. وهذا هو التحدي أمام الباحثين المعاصرين!
حقًّا "أبدع سلفنا الجليل في اكتشاف إعجاز الآية القرآنية ودراسة العلاقات بين الآيات المتقاربة في تركيبها ومعناها وأتوا بفوائد حقيقية في مجال دقة التعبير والنظم بين الألفاظ، والانسجام بين التعابير، أما دراسة الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية فلم يعهد لهم جهد في ذلك.
والسبب يرجع إلى النظرة الكلية للقرآن الكريم لم تتبلور عندهم؛ لأن الشكل الأدبي للسورة أمر لم تعهده الثقافة العربية. فالعرب لا خبرة لهم بالنثر قبل القرآن. بل كان الشعر ديوانهم . وكان بيت الشعر وحدة العمل عندهم لدرجة أنهم عابوا على الشاعر الذي لا يستوفي فكرته في بيت واحد ويكملها في البيت الذي يليه... وللحديث بقايا
<!--<!--<!--