وجدانية المناسبة في ديوان (أبطالها القلب والإنسان والقيم) للدكتور عبدالوهاب برانية

للدكتور صبري أبوحسين

ما زال نهر الإبداع عند نابغتنا عبدالوهاب برانية يجري، معلنًا عن شاب مصري أزهري، تجاوز الخمسين، نحسبه والله حسيبه: خالص الإسلام، نبيل الإنسانية، صميم المصرية، كامل الأزهرية، أصيل التعلم، عاش كما يعيش الأزهريون مع القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والتراث العربي والإسلامي، وعلوم الإسلام الأساسية من فقه وأصول دين وعلوم لغة عربية، وطور ملكاته حتى صار الشعر فنه الأول في التعبير عن مكنوناته ومخيلاته تجاه الحياة والأحياء، إنه من الشعراء الحياتيين، الذين سخروا فنهم لخدمتها وصفًا وتحليلاً وتطويرًا، فكان شعره للحياة، وكانت حياته للشعر، وكانت الحياة ملهمته ومنفعله ومفجرة تجاربه في دواوينه الأربعة، وهذا ديوانه الخامس الجديد الطريف(أبطالها القلب والإنسان والقيم)  تنبني تجاربه على مناسبات عدة... كتبت أولى قصائده يوم الأربعاء الرابع من ديسمبر عام ألفين وتسعة عشر، وختمت قصائده يوم الاثنين السادس والعشرين من أكتوبر عام ألفين وعشرين، والديوان يضم بين جلدتيه خمسين قصيدة ومقطوعة.

وتكمن عظمة كل ديوان جديد في إشكاليته التي يثيرها! وهذا الديوان يثير إشكاليتي: شعر المناسبات، وشعر العلماء. أما (شعر المناسبات) فيقول عنها شاعرنا عبدالوهاب:" والحق أني إنسان متفاعل مع مجتمعي، متصالح مع نفسي، متعايش مع آمالي وآلامي، وبالدرجة نفسها مع آلام الآخرين وآمالهم، ولا يكاد يمر عليَّ شيء من ذلك إلا وأجدني منغمسا فيه إلى آخره بكل مشاعري، لكن منطلقي إليه مختلف عما قد يراه الآخرون، فربما مدحت من يستحق المدح،أو رثيت من اختطفته يد المنون، أو هنأت من تحصَّلَ على درجة علمية أو ترقى في درجة وظيفية، أو بكيت لميت وأسيت لمريض، وربما عدَّ هؤلاء الآخرون تلك المشاركات من شعر المناسبات، وهي ليست كذلك؛ إذ منطلقي إليها ودافعي نحوها لم يكن إلا نقطة ضياء التمعت في قلبي وبرقت في طواياي، فتفاعلت معها وتسللت إليها تسلل الماء النمير إلى العود الأخضر، وانسبت معها انسياب الضوء اللامع في الفضاء المظلم، فإذا أنا أعبر عني وعنهم، وأصور ما بي وبهم، وإذا بذلك الضوء اللامع وبذياك الماء النمير يحيطان بالنص من كل جهة،فيخلعان على المناسبة ثوب التجربة الرقيق،ويكسوانها تلك الغلالة الرقيقة التي تشف عن معان ومضامين وقيم إنسانية، في أبهى صورة وأنقى مبتغى وأعلى مرتقى". فتجارب الديوان وجدانية: تنبع من القلب، وتعلن عن القلب، وترسل إلى القلب! تسجل مناسبة، وتصور أخرى، وتنطلق بثالثة إلى آفاق عليا سامية! بسرعة في الإبداع لا تجدها عند غيره من الشعراء إلا قليلاً؛ حتى صرنا -نحن الفيسيين ضحايا الفضاء الأزرق!- ننتظر في كل حادثة من حوادث مجتمع عبدالوهاب ووطنه أن يصبحنا أو يمسينا بتجربة فيها وحولها!وهو في ذلك حريص على أن يربط بين كل تجربة ويخرج منها بذلك الوجدان الحي المفعم بالإنسانية العالية! كأنني به-وهو الكلاسيكي الغيري المحافظ! يضع بيت شكري الديواني الرومانسي أمامه فيطبق رؤيته، حيث يصدع في المبدعين:

ألا يا شاعر الفردو   س إن الشعر وجدانُ

أما (شعر العلماء) فهو ذلك الصاادر عن متخصصين في علم من العلوم، وشاعرنا كما نعلم عالم وداعية قبل أن يكون شاعرًا، أتاه الشاعر على كبر وفي كهولة، فهل كان شعره كعلم الشعراء؟!  

إن مطالعة التجارب ومفاتشتها تجيب عن أنه شعر من شعراء من الشعراء الأصلاء النبلاء، الذين تمكنت منهم الموهبة، وأنطقتهم المناسبة، وكان وجدانهم الشفاف مهيمنًا عليهم في كل رؤيا ورؤية...

وسيمياء المناسبة في العنوان الرئيس-فضلا عن العناوين الفرعية- بادية؛ فهو جملة اسمية مكونة من أربع كلمات، الأولى (أبطالها) فيها إضمار قبل الذكر، كأن الهاء فيها تشير إلى التجارب: قصائد ومقطوعات، وتوحي بأن كل تجربة قصة ملحمية يقوم بها أشخاص وصلوا إلى درجة فذة في أفعالهم وسلوكياتهم، فشاعرنا يسلط ضوءه الشعري عليهم ليعلن عنهم، ويبرز جوانب الخير والنفع فيهم وفيهن.

أما الثلاثية المهيمنة: (القلب/الإنسان/القيم) فـ(ال) فيها لاستغراق الجنس، وتشير إلى العموم الذي تنطلق من تجارب الديوان.

 ولعل لفظة (القلب) علامة على الشاعر وكل متلق مثالي لديوانه. ولفظة(الإنسان) علامة على فاعلي تجاربه أو مفعوليها. أما لفظة (القيم) فلعلها علامة على الهدف من التجارب، وعلامة على هذه التجارب من الإبداع القيمي الهادف البناء، الباحث عن كل نفع وخير ورشاد وسداد!

وإن معايشة بقية العناوين والتجارب ليعلن عن تلك الحالة الوجدانية الإنسانية الخاصة جدًّا...

وإنني أبدأ مفاتشة تجارب هذا الديوان بهذا الاعتراف، أنني هنا مقرظ للديوان، ومسوق له ومعلن عنه، ولا يمكنني أن أكون ناقدًا! إذ  كيف لي أن أقدم رؤية نقدية لديوان حبيب، كتب عني وعن طريقتي في النقد قصيدة بتاريخ (الجمعة 21/2/2020م) جاء فيها:

  جاءت كأنغامٍ مقالةُ صاحبي
راحت تعالج بالشويعر نفثةً
إذ ظن يوما أن نبض فؤادهِ
فغَدَا يحدث نفسه وضميرَهُ
لكنه في ليل أمسٍ قد رأى
مستجليًا في دقةٍ أعراسَهُ
قد جاء هذا النقد مدفوعا بما
ليبيتَ شاعرُنا مساءً حالما
<!--

 

جاءت مموسقةً ترددها الشفاهْ
قد أنهكته وكبَّلتْ حينًا خُطاهْ
قد ضلَّ في أجواء عالمه وتاهْ
ألا يُحَلِّق من جديدٍ في سماهْ
نقدَ الأزاهر قد تجوَّلَ في رُبَاهْ
ليُقِرَّ حكمًا مثلَ أحكامِ القضاهْ
في القلب من حبٍّ تتابع في صَدَاهْ
فالنقد حقق للشويعر مبتغاهْ

 

وواضح فيها مدى هيمنة العاطفة الذاتية على المبدع تجاه فاعل مناسبته، معلنا عن وجدانه تجاهه وتجاهها، حيث (نبض فؤاده)، وحيث (أجواء عالمه)، وحيث (يحدث نفسه وضميره)، و(يستجلي أعراسه)، و(في القلب من حب تتابع في صداه)

وتتلو هذه التجربة تجربتان، تبين الموقف من الظاهرة الفنية التي ينطوي عليها الديوان(شعر المناسبات)، الأولى، مقطوعة(الحياة مناسبات) التي قدم بها ديوانه حيث يقول:

سيقول بعض الناس عن شعري الذي   أودعته الديوان: شعرُ مناسبةْ

سأقول: يا هذا أليس مجيئنا            دنيا العباد والارتحالُ مناسبةْ

ونجاحُنا وذهابُنا وإيابُنا                   والترقياتُ وكلُّ ذاك مناسبةْ

أوليس ذا يا صاحبي نبضَ الحياةِ؟          إذا جفاه الشعرُ قل: ماأكذبه!

والتجربة الثانية في قصيدته في رثاء أستاذنا عبدالكريم الموازن، رحمه الله:

سيقول بعض القارئين لشعرنا                   هذا كتابُ مدامعٍ ومراثي

يبكي على كل الرفاق كأنه                متعهدٌ يبكي على الأجداثِ

أو ليس موت رفاقنا يغتالنا             أو ليس ذا حدثا من الأحداث

سيظل شعري ما حييت إلى رفاقي       جاثيا، أَكْرِمْ به من جاثي!
سيشيد دوما بالرفاق إذا مضَوا             والقلب أصدق مادح أو راثي

 فنحن أمام تجربة ثائية حوارية، فيها القول والقول الآخر، وفيها بيان الموقف الشخصي لشاعرنا من شعر المناسبة، ودفاع عنها، باعتبار شعر المناسبات هو شعر الحياة، والدعوة إلى تهجينه أو رفضه دعوة إلى رفض أي دور للشعر والشعراء في الحياة والأحياء، والشرط الأساس في جودة شعر المناسبات أن يكون(القلب أصدق مادح أو راثي)! فشاعرنا شاعر (براني) المثير، (جواني) الشعور!        

وهذا الديوان سجل شعري حافل بمشاهدات الشاعر ومتابعاته وقراءاته: الفرح فيها والحزين، والجدي والهزلي، فمن هزلياته الدالة على نفس كريمة أليفة قوله لصديق:

إذا رمت النجاة من الصقيع
عليك بكورع أو (كِتْفِ) جدي
شريطة أن يكون الأكل سخنا
ولا تنس الصحاب وكن وفيًّا

 

ومن برد الشتاء والارتجافِ
ودعك من (التكلفت) واللحافِ
فبادر بالتهامٍ واغترافِ
وإلا فانتظر هَجْوَ القوافي

والمناسبات الجدية تكم خير كمون في تجربة شاعرنا (الأساتذة المشاة)، التي يقول فيها- مصورًا حالته وحالة أمثاله من الأساتذة الجامعيين، الذين لايجيدون ركوب السيارت ولا يههونها، أو يقدرون علة ثمنها ومتطلباتها من وقود وصيانة وتراخيص!-:

جاوزت نصف القرن أغدو راكبًا
عمري الخماسينيُّ قد أفنيتُهُ
لم يبق إلا ستةٌ لمعاشنا
وُظِّفْتُ بعد تخرُّجي وتَجَنُّدي
قالوا: معيدٌ ثم قالوا: إنني
وكأنهم ما قد رأوني واقفا
لتجودَ بالمنظور في مرآتها
فأظل طول الشهر أنفق مُقْتِرًا
أفنيت عمريَ مُمْعِنًا في دفتري
سافرت أعواما لخارج قُطْرِنا
ماذا تركت لصِبْيَتِي؟ يا ليتني
لو كنت فنانا لفزت بشهرة
أو كنت أركل بالكرات لكنت قد
لكنني رغم المواجع كلها
وأظل أمضـي في طريقي سائرا
<!--

 

قدميَّ لا أهوِي إلى سيارةْ
عاما وراء العام ذقتُ مرارهْ
هل ثَمَّ يُمنَحُ- إن بلغتُ- نُضارَهْ
وحملت ألقابا بدت كُبَّارةْ
قد صرت دكتورًا يلوك ثمارهْ
متحسسا ماكينةً دوَّارةْ
وتعودَ بعدُ بطاقتي منهارةْ
لأعيش - يا ويلاه- بالقطَّارةْ
وغدوت لا أرنو بلا نظَّارةْ
ما ابتعت أرضا أو بنيت عمارةْ
ما كنت دكتورا يُضِيع صِغارَهْ
واجتزت آفاق الغنى وسُعَارَهْ
جاوزتُ فقريَ مُبْعِدًا أوزارَهْ
سأبيت أطفئ نارَهُ وأوارَهْ
قدماي تحملني بلا سيارةْ
<!--

 فنحن أمام إنسان كادح مطحون،صابر، محتسب جهده وجهاده، معمرًا في الحياة مع المشاة والمشائين بالنور والخير! وهنا تتحول المناسبة إلى مشهد واقعي أليم من حياة شاعرنا ومن يمثلهم من المكدودين من أهل العلم والثقافة في وطننا!

وكذا في تجربته عن (المثقفين) حيث عني بتقديم تعريف حقيقي للمثقفين، قائلاً:

مَنْ ذا المثقفُ يُضْحِي في دوائرنا
حتى يراه جميع الناظرين له
أهْو البصير بماضينا وحاضرنا
أهْو الذي- سابقًا- قد قال جاحظُنا
مَنْ بات يأخذ من أفنانِ روضتِنا
مِن كلِّ فنٍّ تراه ممسكا طرَفا
أهْو الذي قد غدا نجما بعالمه
أم هم جماهير تتْرَى في عوايدها
بل كل ذاكم فنون من ثقافتنا
<!--

 

حتى يقال له قد بات منتسبا؟
قد واكب العصـر مجتازا به الحِقَبَا
ومَنْ يروم الى مستقبلٍ طَلَبا
يجيء منطبِعا آنًا ومكتسِبا
مِنْ كل غصنٍ نُضَارَ الغصنِ والرُّطَبا
حتى يظلَّ إلى الآداب مقتربا
مستسهلا أبدا ما كان قد صعُبا
ليسوا دعاةَ شعاراتٍ ولا نُخَبا
قد طاولوا الشمس والأقمار والشهبا

 

 

 

 

 


<!--

وينحو شاعرنا بالمناسبة منحًى ذاتيًّا جميلا في تجربته(الفجر قادم ياعصفور طب نفسا!) حيث يقول في سرد ذاتي شعري ناصع ماتع:

من نصف عِقْدٍ مضى قد زُجَّ في قفصٍ
وكان قبلُ طليقا لا يقيده
قد كان يرتاد أشجارا لها ثمرٌ
قد لقبوه بألقابٍ لها شممٌ
فصاح: يا حابسي أرجوك تُطْلِقُني
وظل يهدل في أحزانه زمنا
وكي يراه على أشجانه نفر
 قد كان يحسد من يلقاه منطلقا
 وكان يدعو بأسحار مباركة
 فالحبس للطير قتل لا مفر له
 لو كان يدري لدى التحليق منخفضا
 لكنها العينُ تَعْمَى إذ ترى خطرا
لقد تَجَاذَبَ أشراكا نُصِبْنَ له
 لكنَّ عصفورنا سيظل منتظرا
يفك عنه قيودا طالما حجَبتْ
<!--

 

 

من الحديد بعصفورٍ فلم يَطِرِ
قُفْلٌ على قفصٍ كمذنبٍ خَطِرِ
فصار يبكي على الأشجار والثمرِ
وما دروا أنه لم يرض بالغَرَرِ
لكي أطير على الأغصان والشجرِ
كي يبلغ الصوت آلافا من البشـرِ
فيكسر القفلَ ذو قلبٍ وذو بصـرِ
كنسمة الفجر والأطياف والمطرِ
ألا يقيم على ضيم ولا ضجر
كالرمي بالنبل أو كالقذف بالحجرِ
أن الشِّبَاكَ لهُ لازدادَ في الحَذَرِ
فلا نجاة لمحتاطٍ من القَدَرِ
غَدَوْنَ أشراكُه كالقوسِ والوترِ
يرنو إلى أمل في الفجر مبتكِرِ
عن عين عصفورنا إطلالة القمرِ

 

إنها تجربة إنسانية وجدانية، باثة الأمل في غد ينعن فيه بالحرية، ويأمن فيه من القيود، والتربصات والمكايدات والشرور التي يعاني منها هو ومن على شاكلته!

ولا تقتصر المناسبة عنده على مجتمع العلمي الجامعي فقط، بل نجده لا يترك مناسبة وطنية ولا عروبية إلا يدلي فيها بدلوه مقدمة جرعة وطنية صافية قلما تجدها عند غيره من الشعراء، المتوارين وراء ذاتياتهم وهياماتهم تاركين مصرنا في أشد أوقاتها وأصعب ظروفها، منزوين أو منعزلين، أو متجابنين!   

اقرأ معي تجربته(البدلة العسكرية) الخاصة جدًّا-التي لا يمكن أن تجدها عند غيره!- عن الزي العسكري وانطباعه عنه:

لبستُ أثوابا بعمريَ كلِّه
لم يبقَ منها غيرُ أسمالٍ توارتْ
لكنَّ عندي صورةً في خاطري
قد كنت فيها مثل نَسْـرٍ باطشٍ
أو مثلَ آسادِ الوَغَى في لِبْدِها
هي صورةٌ للعسكرية عندنا
تحمي البلادَ إذا بغى متآمرٌ
قد كنت قبل الجيش غِرًّا خاملا
قد علمونا أن صَونَ بلادِنا
فالدين بالأوطان يرقى صاعدا والدين ليس تنطعا وتشـرذما
هي بدلتي مذ كنت جنديا هنا
<!--

 

ذابت مع الأيام والماضي الثمينْ
ضاعتْ معالمُها فأضحتْ لا تَبِينْ
خَفَّاقةً مثل الشِّـراعِ على السَّفينْ
فوق الروابي الصُّمِّ معقودَ الجبينْ
تحمي بهيبتها وقوتها العرينْ
في سيفها الماضي ومرفئِها الأمينْ
فتردَّه للخلف مقطوعَ الوتينْ
فغدوتُ مثلَ مجرِّبٍ عَرَك السنينْ
وترابِها كصيانة الدين الحصينْ
لمدارج الرحمن ربِّ العالمينْ
وحجارةً صماءَ غُلْفًا لا تَلينْ
أهفو لملمسها ويحدوني الحنينْ

 

هكذا تكون الوطنية الإيجابية، وهكذا تكون الخدمة الشعرية في رحاب الوطن من خلال أقدس ما فيه الجندية ملبسًا، والجندية فكرًا، والجندية سلوكًا، والجندية جهدًا وكفاحًا ونضالا! 

             وهكذا نلحظ أن شاعرنا النابغي حياتي حتى النخاع، وشخصي، وإنساني، ينطلق من المناسبة الضيقة بزمانها ومكانها إلى رحاب واسعة، فلم ينغلق –غالبًا- في المناسبة، ولم يتقوقع حولها، ولم يتقيد بقيودها من زمان ومكان وشخوص، بل يخرج بنا إلى حكم ورؤى، فلم يجاكِ المناسبة محاكاة أرسطية، بل تجاوزها معبرًا تعبيرًا بلاغيًّا عن مثيراتها ومؤثراتها وما ينجم عنها من عاطفة أو شعور، متحدثًا (عن القلب)، ومنطلقًا(من القلب)، ومرسلاً (إلى القلب)!              

وكانت التجارب الشعرية عند نابغتنا معادلة للمناسبات الواقعية والحياتية، وكانت القصيدة عنده معادلا لرأيه ورؤيته، فيمكننا أن نعرف عبدالوهاب الداخلي من شعره قبل واقعه أو عشرته، فاقرأ شعر عبد الوهاب تعرفه وتفقهه بلا خداع أو تزييف أو غلو!

عبدالوهاب أيها الشاعر، عبدالوهاب أيها الإنسان، عبدالوهاب أيها المناضل،عبدالوهاب أيها المطحون، عبدالوهاب أيها المثقف، عبدالوهاب أيها المعلم، عبد الوهاب أيها الحساس المرهف، دم شاعرًا، دم مبدعًا، دم معبرًا عن الحياة والأحياء، ستبقي ذاتياتك، وتبقى وطنياتك، وتبقي إسلامياتك، وتبقى اجتماعياتك، سيبقى نبضك، وسيتنشر، وسينتشي، ولن ننساه في يوم أو نتناساه! إن شاء الله! وانطلق في مسيرة الشعرية الطريفة في زمنها وشكلها وسرعة إنجازها!

من ينسى تجاربك عن: (الأساتذة المشاة)، و(المتشنجون) و(شهادة عبور)، و(وصايا معلم لطالباته)، و(البدلة العسكرية)، و(سيدة القطار)، و(التذكرة مدفوعة مقدمًا)، و(وداعًا طبيب الغلاب)؟!

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 117 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

285,873