عمدة التحقيق الأزهري للتراث الأدبي: العلامة النبوي شعلان
للدكتور/صبري أبوحسين
تاريخ التحقيق في الأزهر الشريف يعود إلى بدايات القرن التاسع عشر، وقد مر بمراحل عدة، بين بدايات تصحيحية وتنقيحية، ثم محاولات نشرية إحيائية، ثم تجارب مدرسية تجارية، ثم انتهت إلى التجربة العلمية المنهجية الخاصة التي شهد لها القاصي قبل الداني، ممثلة في أستاذنا العلامة النبوي شعلان، وعدد من مجايليه كأستاذنا الدكتور العلامة السعيد عبادة الراهب في سبيل نشر التراث العلائي، والدكتور محمد البنا، والدكتور أمين عبدالله سالم البارعين في مجال التراث اللغوي وغيرهم في مجالات تراثنا المنداح، وعدد من الباحثين الأزهريين الشباب أصحاب التجارب الخاصة في مجال التراث الأدبي كالزميل الحبيب الدكتور يوسف عبدالوهاب...
و علاقتي الثقافية بأستاذنا النبوي شعلان- حفظه الله وبارك فيه- علاقة التلميذ بالأستاذ، والطالب بالشيخ، وترجع هذه العلاقة إلى أنه من الجيل الذي علم جيلي ورباه: جيل الدكاترة الأعلام، أمثال أساتذتي: شوقي عبدالحليم حمادة، والسيد مرسي أبي ذكرى، ومحمد كاظم الظواهري، وفتحي أبوعيسى، ومحمود توفيق سعد، ومحمود عباس عبدالواحد، وغيرهم، رحم الله من رحل منهم، وبارك فيمن بقي. كما أنه كان ينشر مقالات صريحة حادة في جريدة الوفد أو جريدة آفاق عربية، في تسعينيات القرن المنصرم، وبدايات هذا القرن وكنت أتابعه فيها، فأجد عنده دائمًا ما يفيد ويضيف ويبني، ولا أنسى اشتقاقه الأبرز والأدل منذ التسعينيات(إسرائيكا!!) الذي ذاع بعد صياغة شيخنا له عند كثير من المثقفين القوميين والإسلاميين، وأخذه منه كاتب كبير كالأستاذ رجاء النقاش في مقال له بجريدة الأهرام!
كما ترجع علاقتي الاجتماعية بشيخنا وعلامتنا (النبوي) إلى أننا من أبناء محافظة واحدة، هي المنوفية، وأنني مجاور علامتنا في منشئه ومرباه، حيث صلة الجوار والاختلاط الوثيقة بين مركزي الذي ترعرعت فيه وهو (الشهداء)، ومركزه الذي ولد فيه ونشأ، وهو(منوف)، إذ يكاد أبناء المركزين متشابهين في طريقة التعلم والتفكير، والحركة مع الحياة والأحياء، مع فارق النزعة التجارية لصالح أبناء منوف، والنزعة الصوفية لصالح أبناء الشهداء!
ثم كانت صلتي المباشرة به من خلال عملي في كلية الدراسات العليا؛ إذ كان اسمه في قائمة الأساتذة الكبار الذين أستشيرهم في كل شأن علمي ملبس أو مشكل، لاسيما فيما يخص الأدب العربي القديم، أو التراث العربي كله! وخلال هذا الصلة كم هاتفته وهاتفني، وحدثت بيننا مسامرات وطرف، وكانت أذني كل مهاتفة تسمع الطريف والغريب والعجيب عن الحالة العلمية والتعليمية في مصر والعالم العربي! كما أنه شرفني باختياري مناقشًا رسالة جامعية بإشرافه وإشراف زميلي ورئيسي الدكتور حسن عبدالرحمن سليم، حفظه الله. وخلال هذه المناقشة رأيت العلامة النبوي الإنسان البشوش الظريف اللطيف الخفيف الكريم، الذي أعطاني الحرية كاملة في أن أقول في الرسالة والباحثة كل ما أراه! ولم يكن علامتنا من هؤلاء الأساتذة المتحكمين في الأجيال التالية، الذين يضعونهم أمام خطوط حمراء وزرقا وسوداء أثناء هذه المحاكمات العلمية العلنية!
والمكانة الكبرى لعلامتنا النبوي ترجع إلى تحقيقاته المنهجية الرصينة لعدد من كتب التراث الأدبي المميزة، منذ بديات عقد الثمانينيات من القرن المنصرم حتى الآن، إذ تجد خلال هوامش تحقيقها تفننًا في التعليق والتوثيق والتبيين، يعلن عن عالم مُبرَّز في علوم كثيرة؛ فهو عالم باللغة، وبحاثّة ثَبْت في التراث الأدبي، مع فكر درّاك وعلم واسع، ومن ثم حقق ريادة فذّة في ميدان تحقيق التراث ونشره، لاسيما في الوسط الأزهري! إذ كان الأزهري الأبرز الذي يحدثك عن الشيخ محمود شاكر حديث المخالط المحاور، ويحدثك عن العلامة محمود الطناحي رحمه الله تعالى حديث الصاحب عن صاحب، وكذا الشيخ الموسوعي الأزهري المقيم بالرياض: منصور مهران، وهذا لا تجده عند غيره من الأزهريين إلا قليلاً!
ودليل ذلك ما روي خلال الحديث عن ترجمة العلامة المحقق الأستاذ (السيد أحمد صقر " أنه كان كثير التشجيع لطلابه، فقبَّل مرة جبين أحد طلابه، عندما أذكره بيتًا من الشعر كان قد نسيه . يقول من ذكر هذا الموقف للأستاذ صقر: زادني الأستاذ منصور - حفظه الله - بعض التفاصيل لهذا الموقف الذي أفادني به وهو: أن هذا الطالب هو الدكتور النبوي شعلان حفظه الله تعالى، وأن هذا الموقف حصل في فندق الكعكي بمكة المكرمة الذي كان يقيم فيه السيد أحمد صقر إبان تدريسه بجامعة أم القرى في تلك الأيام، وقد كان السيد أحمد صقر رحمه الله يقيم ندوات شبه أسبوعية في ذلك الفندق". فانظر إلى نباهة شيخنا (النبوي) منذ بداياته!
وتتمثل تحقيقات علامتنا النبوي شعلان في الكتب الآتية:
مسائل الانتقاد لابن شرف القيراوني (سنة 1982م)، ومن غاب عنه المطرب للثعالبي(ت429هـ)، (سنة 1984م)، وأدب النديم لكشاجم(ت 360هـ)(سنة1987م)، والمصون في سر الهوى المكنون للحصري سنة 1987م، وكفاية الطالب لابن الأثير(ت637هـ) (سنة 1994م)، وديوان كشاجم(ت 360هـ) (سنة 1997م)، وكتاب العمدة لابن رشيق القيراوني(ت463هـ)(سنة 2000م)، ويواقيت المواقيت في مدح كل شيء وذمه للثعالبي(ت429هـ) (سنة 2003م) ، وسر الفصاحة لابن سنان الخفاجي(ت466هـ) (سنة 2003م)، وديوان المعاني لأبي هلال العسكري، سنة 2008م.
وهذا الكم الكبير المتنوع من كتب التراث الذي قام أستاذنا على نشرها وإحيائها وتحقيقها قلما يوجد عند غيره، هذا فضلا عن كتبه الجامعية، وأبحاثه العلمية المحكمة.
وكل كتاب من هذه الكتب يفرض علي أن أختصه بمقال تعريفي تحليلي في قادم الأيام إن شاء الله تعالى.