محاضرة النقد الأدبي في صدر الإسلام:

للفرقة الثالثة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات

وتتكون من محورين، هما:

أولًا: الموقف القرآني الكريم من الأدب

ثانيًا: الموقف النبوي الشريف من الأدب

توطئة:

يمكن إيجاز الحالة النقدية للأدب في عصر صدر الإسلام في ثلاثة محاور، هي: الموقف القرآني الكريم من الإبداع الأدبي، والموقف النبوي الشريف من الإبداع الأدبي، موقف الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، لاسيما سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهاك بيان ذلك:

أولاً: الموقف القرآني الكريم من الإبداع الأدبي:

لم يُعنَ كتاب سماوي بالأدب والأدباء كالقرآن الكريم؛ فبتدبر ألفاظ: (اللسان والقول والكلام والشعر والقصص والبيان...) في القرآن الكريم يتضح لنا وجود نظرية متكاملة حول ضوابط البيان الإسلامي من حيث متطلباته ومحاذيره، من خلال ثنائية: الكلم الطيب والكلم الخبيث، ومدح الكلم الإيجابي بالعروبة، والإبانة، والطيب، والحسن، والسداد، ونفي رذائل الخبث والكذب والخيانة واللغو والإفساد والهمز واللمز عنه. ومن خلال التنظير لأهم جنسين أدبيين: الشعر والقصة؛ فالإسلام: "لا يحارب الشعر والفن لذاته، كما قد يفهم من ظاهر اللفظ. إنما يحارب المنهج الذي سار عليه الشعر والفن بمنهج الأهواء والانفعالات التي لا ضابط لها، ومنهج الأحلام الموهومة التي تشغل أصحابها عن تحقيقها (<!--). إن الدين يلتقي في حقيقة النفس بالفن؛ فكلاهما انطلاق من عالم الضرورة، وكلاهما شوق مجنِّح لعالم الكمال؛ وكلاهما ثورة على آلية الحياة... والفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام! وهو على وجه اليقين ليس الوعظ المباشر والحث على اتباع الفضائل[فقط]، وليس هو كذلك حقائق العقيدة مجردة، مبلورة في صورة فلسفية. إنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود... هو الفن الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق؛ فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال(<!--).

هذا، وقد وردت سورة قرآنية كريمة باسم الشعراء. وهي السورة السابعة والأربعون في عداد نزول السور، نزلت بعد سورة الواقعة وقبل سورة النمل، وهي ثاني أكبر سورة في القرآن الكريم بعد سورة البقرة. وقد عرفت عند السلف بسورة الشعراء؛ لأنها تفردت من بين سورة القرآن بذكر كلمة الشعراء(<!--). وقد ورد في ختام هذه السورة الكريم البيان الإلهي الجامع في الموقف من الشعر والشعراء، حيث يقول ربنا-عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(<!--)}؛ ففي هذه الآيات تصنيف للشعراء من خلال معايير الخير والحق والجمال إلى طبقتين: الأولى الشعراء السلبيون المرفوضون، والثانية الشعراء الإيجابيون المطلوبون، وبيان صفاتهم وأحوالهم بطريقة تفصيلية(<!--)...

كما وردت كلمة (شاعر) أربع مرات في القرآن الكريم، في سياق الرد على افتراءت المشركين على سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بأنه شاعر، أو زعمهم أن القرآن الكريم شعر(<!--)؛ وفيها تقرير الفرق البيِّن الكبير بين النص القرآني الإلهي الكريم، والنص الشعري البشري، وبين مهمة الرسول ومهمة الشاعر، دون انتقاص للشعر والشعراء! فلم يحرم القرآن الكريم قول الشعر، ولم يقف دونه أو ينتقصه من حيث قيمه المعرفة إذا التزم بالحق، وأغراض الشعر جميعها معرضة للشاعر، إذا قصد فيها تغليب جانب الخير على جانب الشر، فالمضامين الشعرية وحدها هي التي خضعت لمبدأ الصالح وغير الصالح من الشعر، أما الأطر الشكلية فلم ينتقصها القرآن" الكريم ولم يحدد شكلاً معينًا يلتزم به الشعراء ولا يخرجون عنه؛ لأن الصياغة في ذاتها لا توصف بالفضيلة أو بضدها، كما يقرر دارسو هذه القضية في مرآة القرآن الكريم(<!--).

أما لفظة (الشعر) فقد وردت مرة واحدة في سياق تقرير أن الله لم يعلم الرسول-صلى الله عليه وسلم- الشعر، وأنه ما ينبغي للرسول أن يتعلم الشعر، وذلك في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ . لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ(<!--)}، أي ما علمنا محمدًا-صلى الله عليه وسلم- الشعر؛ حتى تتهمونه بأنه شاعر، وأن ما جاء به من جنس الشعر، وما يجوز له أن يكون شاعرًا، و ما القرآن الذي أتى به محمد {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} واضح، مظهر للأحكام، ولكل ما تحتاجون إليه.

وتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم- عن قول الشعر من قبيل حياطة معجزة القرآن وحياطة مقام الرسالة مثل تنزيهه عن معرفة الكتابة. قال أبو بكر بن العربي: هذه الآية ليست من عيب الشعر، كما لم يكن قوله تعالى: { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُون(<!--)} من عيب الخط. فلما لم تكن الأمية من عيب الخط، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي- صلى الله عليه وسلم- من عيب الشعر(<!--). وليس نفي الشعر عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- نفيًا لملكة النقد الأدبي عنده، صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشعر مجاله الخيال والعواطف في المقام الأول، والنقد الأدبي مجاله العقل والتفكير في المقام الأول . وكم من راوية للأشعار ومن نقَّاد للشعر لا يستطيع قول الشعر. وكذلك كان النبي --صلى الله عليه وسلم- - قد انتقد الشعر ونبَّه على بعض مزايا فيه، وفضل بعض الشعراء على بعض، وهو مع ذلك لا يقرض الشعر(<!--)؛ فالرسول –صلى الله عليه وسلم- كان من أفصح العرب، وقد جمعت له أسباب البلاغة وأُوتي من البيان منزلة رفيعة؛ فكلامه يأتي بالمنزلة التالية لكلام الله ـ عز وجل ـ وبذلك تضافرت لديه مقومات الذوق الرفيع، الذي يميز به جيد الكلام من رديئه، ويستشعر به جميل القول من قبيحه، والشعر من فنون القول التي استوعبت الكثير من آيات الإبداع الشعري، بل هو عند العرب الفن الرئيس الذي صبوا فيه كل طاقات فصاحتهم وبلاغتهم وإبداعهم، فليس غريبًا -إذن- أن يكون له في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- موقع إعجاب وتأثير (<!--).

ثانيًا: الموقف النبوي الشريف من الإبداع الأدبي:

ومن خلال هذه الرؤية القرآنية الواضحة والحاسمة ينطلق النبي - صلى الله عليه وسلم- في توجيهاته وأحكامه على الأدب والأدباء؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم-: ﴿ما ينطِقُ عنِ الهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * علَّمَهُ شديدُ القُوَى(<!--)﴾؛ فالقرآن الكريم هو الميلاد الحقيقي لنقد عربي إسلامي يخرج من مرجعية الأمة ومن إنتاجها الإبداعي(<!--لأنه المرجعية الأولى للتوجيهات النبوية الشريفة في مجال الإبداع الأدبي.

 ومَن يتدبر النصوص النبوية الصحيحة يلحظ وجود كمٍّ كبير متنوع من التوجيه النبوي للأدب والأدباء في شكل مقولات عقلية، تنشد الوصول إلى المبادئ العامة وإلى صياغة المعتقدات الجمالية التي تصلح لأن تكون عمليات إجرائية للنقاد في معايشتهم للنصوص الأدبية. وهذا ما يسمى: النقد النظري: THEORITICAL CRITICISM (<!--). وهذا التوجيه النبوي الشريف حركة مرشدة لها ثوابت وأصول مهتدية بالمنظور القرآني الكريم. ومعظمها دائر حول الشعر والشعراء، كما هو معهود في النقد العربي التراثي.

 وقد تمثلت التوجيهات النبوية التنظيرية في:

<!--تثمين الكلمة المبدعة

<!--استنصار الإبداع الأدبي

<!-- توجيه أغراض الشعر

<!--استهجان الشعر البذيء

 وبيان ذلك على النحو التالي:

أ-: تثمين الكلمة المبدعة:

كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقدر المبدع والإبداع في كثير من نصوص سنته الشريفة، ومواقف سيرته العطرة. من أدلة ذلك:

<!--الإعلان عن قيمة الإبداع الأدبي:

جاء المنظور النبوي الشريف إلى تقدير الأدب، من خلال المفهوم الجديد الذي حدده القرآن الكريم للشعر والدور المطلوب من الشعراء؛ فقد تشكل موقف الرسول –صلى الله عليه وسلم- من الشعر في الاتجاهين نفسهما الوارد ذكرهما في خواتيم سورة الشعراء، وهما: الأول أعطى فيه الشعر أهمية باعتباره فنًّا معرفيًّا قادرًا على تشكيل العقول من خلال قيمه المعرفية الخيرية والفنية الموحية. وهذا هو الاتجاه الذي استأثر باهتمام الرسول –صلى الله عليه وسلم-؛ فليس كل شعر غواية بل منه ما يتضمن إقامة الحق والحث على الخير، وإطلاق اسم الحكمة يدعو إلى رزانة العقل والرأي وشرافة الخلُق. أما الاتجاه الثاني فهو المذموم وسيأتي الحديث عنه عند بيان الاستهجان النبوي للشعر البذيء.

كما دعا الرسول-صلى الله عليه وسلم- إلى أن يكون الأدب في سبيل الحق والخير، عن طريق المحتوى النبيل، الزاخر بالقيم الإسلامية المثالية السامية، وذلك في عدد من المقولات والمواقف المحمدية البيِّنة. منها قوله-صلى الله عليه وسلم- جاعلا المنتج اللساني نوعًا من جهاد الأعداء الضروري: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"(<!--)، وقوله مبينًا ضرورة توافر الجمال الشكلي والعقلي في الإبداع:« إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَمِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً »(<!--). والتعبير بـ"مِن" التبعيضية يدل على أنه ينبغي أن يكون بعض (البيان/ الأدب) ساحرًا آسرًا بجمالياته التعبيرية، وأن يكون حكيمًا عاقلاً بمضامينه المقبولة؛ ليخرج من رؤيته الجاهلية الطائشة، ويعيش فاعلاً مؤثرًا في بناء المجتمع الإسلامي. وقد يكون (البيان/الأدب) علامة من علامات النفاق، فعن أبي أمامة-رضي الله عنه- أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: "البذاء والبيان شعبتان من النفاق(<!--)"؛ قال أبوعيسى الترمذي: "والبذاء هو الفحش في الكلام، والبيان هو كثرة الكلام مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيوسعون في الكلام، ويتفصحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي.. وقيل: البذاء: فحش الكلام أو خلاف الحياء. والبيان: الفصاحة الزائدة عن مقدار حاجة الإنسان من التعمق في النطق وإظهار التفاصح للتقدم على الأعيان، وقال في المجمع: أراد بالبيان ما يكون سببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان والتحرز عن الزور والبهتان (<!--)، ومن ثم فـ(البيان/الأدب) في ظلال الرؤية النبوية قد يكون سحرًا من ناجية جمالياته الفنية، وقد يكون نفاقًا عندما يوظف في سبيل الشر والباطل...

<!--التكريم النبوي لكعب بن زهير وبردته(<!--):

تسرد لنا كتب الحديث والسيرة أنه لما ظهر الإسلام هجا كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني،(ت26 هـ = 645 م(<!--)) النبي -صلى الله عليه وسلّم- وأقام يشبّب بنساء المسلمين، فهدر النبيّ دمه، فجاءه " كعب-رضي الله عنه- " مستأمنًا، وقد أسلم. وألقى هذه القصيدة اللامية الاعتذارية المدحية بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد. قال كعب بن زهير: فأنختُ راحلتي على باب المسجد ودخلتُه، وعرفت النبيّ -صلّى الله عليه وسلم- بالصفةِ التي وُصفتْ لي، فكان مجلس رسول الله مع أصحابه مثل موضع المائدة من القوم يتحلّقون حوله حلقة ثم حلقة، فيقبل على هؤلاء فيحدثهم، ثم على هؤلاء فيحدثهم، فدنوتُ منه فقلتُ: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله. الأمانَ يا رسول الله. قال: من أنت؟ قلت: كعب بن زهير، قال: الذي يقول ما يقول؟ ثم أقبل الرسولُ على أبي بكر- رضي الله عنه- فاستنشدَه الشّعر فأنشده أبو بكر: سقاك بها المأمون كأسا روية. فقلت: لم أقل هكذا، إنما قلت:

سقاك أبو بكر بكأس رويّة         وأنهلك المأمون منها وعلّكا

فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: مأمونٌ والله، وأنشدته الشّعر.

وفي رواية أخرى: أن كعبًا نزل برجل من جهينة، فلما أصبح أتى النبي -عليه السلام- فقال: يا رسول الله أرأيت إن أتيتُك بكعب بن زهير مسلمًا أتؤمنُه؟ قال: نعم، قال: فأنا كعب بن زهير، فتواثبت الأنصارُ تقول: يا رسول الله ائذن لنا فيه، فقال: وكيف وقد أتاني مسلمًا وكف عنه المهاجرون ولم يقولوا شيئًا، فأنشد رسولَ الله قصيدته ( بانت سعادُ فقَلْبي اليوم متبول ...)، فعفا عنه النبي -صلّى الله عليه وآله- وأكرمه وأثابه(<!--).

<!--التكريم النبوي لحسان بن ثابت وشعره

عرف الرسول- صلى الله عليه وسلم -قدر موهبة حسان الشعرية، ووظفها التوظيف الأمثل في خدمة الدعوة الإسلامية، ووجهها التوجيه الفني المفيد، ودليل ذلك ما روي عن عروة، عن عائشة قالت:كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يضع لحسان منبرًا في المسجد يقوم عليه قائمًا يفاخر عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

<!--استنشاد الإبداع الأدبي

من المقرر قرآنيًّا وفقهبًّا وتاريخيًّا أن الله - تعالى - لم يجعل في طبع النبي -صلى الله عليه وسلم-القدرة على نظم الشعر؛ فقد فطره الله على النُّفرة بين ملَكته الكلامية والملَكة الشعرية، أي لم يجعل له ملَكة أصحاب قرض الشعر؛ لأنه أراد أن يقطع من نفوس المكذبين دابر أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- شاعرًا، وأن يكون قرآنه شعرًا؛ ليتضح بهتانهم عند من له أدنى مُسكة من تمييز الكلام. وليس معنى ذلك تنقيصًا لمكانة الشعر والشعراء عنده، صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يحب الكلمة المبدعة -شعرية أو نثرية- ويثمن دورها فيحرصُ على سماعها من أصحابه الرواة. و يقرر هذه الحقيقة الجليلة الخليل بن أحمد(ت170هـ) بقوله:"كان الشعر أحب إلى رسول الله من كثير من الكلام، ولكنه لا يتأتَّى له"(<!--)...

وقد رُويت أحاديث نبوية وآثار تاريخية تقرر هذا الجانب المنير في الشخصية النبوية الشريفة؛ فقد روي أن الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- كانوا ينشدون رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فيُحسن استماعه، ويجزل عليه ثوابه، ولا يشتغل عنه إذا أنشدوه، ودليل ذلك ما ثبت أنه-صلى الله عليه وسلم- كان معجبًا بشعر الشاعر الجاهلي المفلق أمية بن أبي الصلت؛ فقد رُوي عن عمر بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني النبي -صلى الله عليه وسلم- شعر أمية ابن أبي الصلت وأنشدته، فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "هيه هيه". حتى أنشدته مائة قافية. فقال: "إن كاد ليسلم(<!--)"، وأمية بن أبي الصلت، هو الشاعر الوحيد الذي ثبت أن النبي استزاد من شعره حتى بلغ المنشدُ مائة بيت. و ما أَحْسَنَ ما قاله القرطبي- رحمه الله -وهو يعلق على حديث عمرو بن الشريد حين استنشده الرسول -صلى الله عليه و سلم- شعرَ أمية بن أبي الصلت، فقال :« و في هذا دليل على حفظ الأشعار و الاعتناء بها إذا تضمنت الْحِكَمَ و المعاني المستحسنة شَرْعًا وَطَبْعًا »(<!--).

وظاهر في هذا النص النبوي اختيار شاعر معين من الجاهلية وهو أمية بن أبي الصلت، وإكثاره من سماع شعره، وتعليله الإكثار بتوافق شعره مع الإسلام في الرؤية؛ فأميّة بن أبي الصلت شاعر جاهلي من أشعر أهل الطائف، وكان أبوه، أبو الصلت شاعرًا أيضا، وقد كان متصلاً في الجاهلية بأهل الكتاب، يسمع أخبارهم وكتبهم، ويتصل بمن يكفر بالأصنام من العرب، ويبحث عن التوحيد، وقد ترك هذا أثرًا في شعره .قال ابن سّلام في ترجمته :" وكان أميّة بن أبى الصلت كثير العجائب، يذكر فى شعره خلق السموات والأرض، ويذكر الملائكة، ويذكر من ذلك ما لم يذكره أحد من الشعراء، وكان قد شامَّ – أي اقترب من - أهل الكتاب " (<!--)، وقال ابن قتيبة: وقد كان قرأ الكتب المتقدمّة من كتب الله جلّ وعزّ، ورغب عن عبادة الأوثان، وكان يخبر بأنّ نبيّا يبعث قد أظلّ زمانه، ويؤمّل أن يكون ذلك النبىّ، فلمّا بلغه خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقصّته، كفر ؛ حسدا له (<!--).

ومن دلائل استنشاد الرسول -صلى الله عليه و سلم- الشعرَ ذلك الأثر الذي ذكره ابن عبد البر القرطبي في ترجمة الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة السلمية، من أنها قَدِمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع قومها من بني سُليم فأسلمت معهم، فذكروا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستنشدها، فيعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: " هيه يا خناس " . أو يومي بيده(<!--)، والخنساء هي تماضر بنت عمرو السلمية (575م - 24 هـ / 645م)، صحابية وشاعرة مخضرمة، من أهل نجد أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، واشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية. وقد ولدت من آباء شعراء. ليسوا بني سليم، آباءها الأفربين فحسب، بل ذلك يرجع إلى أبعد الآباء في قيس كلها، وكان فيهم خمس من الشعراء العرب. وهي معروفة بجمال الإبداع الشعري.و قد أجمع أهل العلم بالشعر أنه لم يكن امرأة قط قبلها ولا بعدها أشعر منها . فكان بشار يقول: إنه لم تكن امرأة تقول الشعر إلا يظهر فيه ضعف، فقيل له: وهل الخنساء كذلك، فقال: تلك التي غلبت الرجال، وسئل جرير عن أشعر الناس فـأجابهم: أنا، لولا الخنساء(<!--)؛فالخنساء رائدة في إبداع شعر الرثاء وطريقتها فيه تكاد تكون المتبعة من شعراء الرثاء وشواعره، فكلهم اغترفوا من بحرها الفياض بفيض عاطفتها البشرية الجياشة... وهكذا يتضح مدى إيجابية الرسول في موقفه من فن الشعر عامة وشعر الجاهليين خاصة(<!--).

<!-- إنشاد الإبداع الأدبي:

صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أنشد بَعْضَ الأشطر من مشهور الشعر دون ذكر أسماء الشعراء، من أدلة ذلك:

<!--ما روي عن شريح قال: قلت لعائشة-رضي الله عنه-: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل من شعر ابن رواحة .قالت لربما قال حين يدخل بيته- وفي رواية: إِذَا اسْتَرَاثَ الْخَبَرَ، تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طَرَفَةَ-: ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد(<!--)

<!--روي عن عبادة بن الصامت قال: لما قدم وفد إيادعلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يا معشر وفد إياد ما فعل قس بن ساعدة الإيادي؟ قالوا: هلك يا رسول الله . قال: لقد شهدته يومًا بسوق عكاظ على جمل أحمر، يتكلم بكلام معجب مونق لا أجدني أحفظه، فقام إليه أعرابي من أقاصي القوم فقال: أنا أحفظه يا رسول الله . قال: فسُرَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- بذلك... وقال فيه: «يرحم الله قسًّا، إنى لأرجو يوم القيامة أن يُبعث أمة وحده(<!--

وغير ذلك من الأشعار الصادقة وتلك الخطبة الحكيمة، التي ليس فيها هيام الشعراء ولا تصويرهم الخيالي الذي يخرج عن المألوف، وظاهر أن النصوص المنشدة أو المستنشَدة طيبة حسنة تعبر عن حالات إنسانية عامة، ومن ثَم فقد سارت مسيرَ الأمثال على كل لسان. وصدق -صلى الله عليه و سلم- حين قال:« إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً»(<!--). ولا عبرة في النظرة النقدية النبوية إلا بالنص، أما الناصُّ فلا حكم عليه ولا اعتبار له من حيث ديانتُه أو خلُقُه، فذلك راجع إليه، غير مؤثر في المتلقين.

وهكذا يتقرر لنا من خلال النصوص والأخبار النبوية الصحيحة أن رسولنا الخاتم وقف موقفًا إيجابيًّا سمحًا مستنيرًا من الإبداع الأدبي معلنًا عن قيمة الكلمة الأدبية، ومكرمًا أصحابها المجيدين الملتزمين، ومستنشدًا أصحابه للجميل منها جاهليًّا أو غير جاهلي، بل وقد أنشد رسولنا الكلمة الشاعرة وطرب لها، صلى الله عليه وسلم؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بشر يتأثر بالكلمة والموقف، وعربي في قمة الفصاحة، يقدر التعبير الفني، ويعرف خطره وعمق تأثيره في النفوس ويطرب له حين يعبر عن مبادئ خلقية وجمالية مقبولة من وجهة الدين الجديد...

ب-: استنصار الإبداع الأدبي:

نظرًا لهذا التقدير النبوي للإبداع الأدبي استنشادًا وإنشادًا وتذوقًا وظفه الرسول -صلى الله عليه و سلم- في سبيل نشر دعوته وبناء دولته، فحث الشعراء المسلمين إلى الدعوة إلى الإسلام، وإلى هجاء المشركين الذين وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، ومن ثم صار الشعر سلاحًا ماضيًا، في وجه من يعتدى على الدعوة وأهلها من خصومها الشعراء اعتداءً غاشمًا ظالمًا؛ فقد روي أنه هَجَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ، ثَلَاثَةٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَابْنُ الزَّبْعَرِيِّ، قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ لِعَلِيٍّ: اهْجُ عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَدْ هَجَوْنَا، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنْ أَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلْتُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِعَلِيٍّ كَيْمَا يَهْجُو عَنَّا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَدْ هَجَوْنَا ؟ فَقَالَ: " لَيْسَ هُنَاكَ أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ "، ثُمَّ قَالَ لِلْأَنْصَارِ: " مَا يَمْنَعُ الْقَوْمَ الَّذِينَ قَدْ نَصَرُوا رَسُولَ اللَّهِ بِسِلَاحِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَنَصُرُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ ؟ "، فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَخَذَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَسُرُّنِي بِهِ مِقَوْلًا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " وَكَيْفَ تَهْجُوهُمْ وَأَنَا مِنْهُمْ ؟ "، قَالَ: إِنِّي أَسُلُّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ، قَالَ: فَكَانَ يَهْجُوهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُجِيبُونَهُمْ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، قَالَ: فَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُعَارِضَانَهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ بِالْوَقَائِعِ، وَالأَيَّامِ، وَالْمَآثِرِ، وَيُعَيِّرَانِهِمْ بِالْمَثَالِبِ . قَالَ: وَكَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ يُعَيِّرُهُمْ بِالْكُفْرِ، وَيَنْسُبُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ شَرٌّ مِنَ الْكُفْرِ، قَالَ: وَكَانُوا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَشَدَّ الْقَوْلِ عَلَيْهِمْ قَوْلُ حَسَّانٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَهْوَنَ الْقَوْلِ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفَقِهُوا الْإِسْلَامَ كَانَ أَشَدَّ الْقَوْلِ عَلَيْهِمْ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ. . (<!--).

كما رُوي عن جابر- رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يوم الأحزاب: «من يحمى أعراض المسلمين؟ فقال حسان: أنا. قال: فقم اهجهم، فإن روح القدس سيعينك»، وفي لفظ للنسائي: قال لحسان: اهج المشركين، فإن روح القدس معك» . ويقول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم(<!--).

كما رُوي عن كعب بن مالك أنه قال: «لما نزلت وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ" أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، ماذا ترى في الشعر؟ فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. والذي نفس محمد بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل(<!--)». قال القاضي: (نضح النبل): رميه، مستعار من نضح الماء، والمعنى أن هجاءهم يؤثر فيهم تأثير النبل، وقام قيام الرمي في النكاية بهم . وقال الطيبي: خلاصة جوابه - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس فيه ذم الشعر على الإطلاق، فإن ذلك في شأن الهائمين في أودية الضلال، وأما المؤمن فهو خارج من ذلك الحكم؛ لأنه إحدى عدتيه في ذب الكفار من اللسان والسنان، بل هو أعدى وأبلى، كما قال -صلى الله عليه وسلم- :" فإنه أشد عليهم من رشق النبل،  ولا ريب في أن الشعر طاقة فنية فعالة، كان ديوان العرب في جاهليتهم، وسجل مفاخرهم ومنتهى علمهم، به يأخذون إليه يصيرون. إنه كما قال الشاعر الجاهلي:

والشعرُ لبُّ المرءِ يعرضُه     والقولُ مثلُ مواقعِ النبلِ(<!--)

وإلى هذا المعنى ينظر الشاعر في قوله:

جراحاتُ السنانِ لها التئامُ         ولا يلتامُ ما جرحَ اللسانُ(<!--)

ففي هذه الأخبار والآثار نلحظ المعرفة العالية للرسول بملكات أصحابه وقدراتهم، فقال عن سيدنا علي:" لَيْسَ هُنَاكَ أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ"، وطلب من شعراء الأنصار المشاركة في هذه المعركة اللسانية حامية الوطيس، ووجههم إلى كيفية المشاركة الشعرية الجهادية وأدواتها، وبيَّن أهمية هذه المشاركة، والأثر الفاتك لهذه المشاركة في نفوس المشركين... وهكذا تتوارد كثير من الروايات والأخبار والآثار التي تُبيِّن تلك العلاقة الوطيدة بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- والشعر حبًّا للحسن منه، وتقديرًا له، وإقبالاً على سماعه، وتبصرًا بالجيِّد منه وإعلانًا عمَّا فيه من قيم سامية، ورفضًا للقبيح منه، الذي فيه نزعات جاهلية مرفوضة، وتعبيرات شيطانية محاربة وغير مقبولة في المجتمع المسلم الجديد الواعد، وكذلك كان شأنه-صلى الله عليه وسلم-مع بعض النصوص النثرية.

جـ: توجيه أغراض الشعر العربي:

يعد المدح والهجاء والفخر والغزل من أبرز أغراض القول الشعري التراثي، والباحث في السنة النبوية يجد جملة أحاديث شريفة من شأنها أن تُجلِّي الموقف النبوي تجاه أغراض الشعر.

ففي غرض المدح نجد الرسول-صلى الله عليه وسلم- جوَّزه فيمَن يستحق، وأول من يستحق هو الله- عز وجل- فعن الأسود بن سريع قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله: إني مدحت ربى -عز وجل - بمحامد. قال: أما إن ربك يحب الحمد، فجعلت أنشده(<!--)". وثاني من يستحق هو الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وقد رُوي أنه أذِن لبعض الشعراء أن يمدحوه وأثابهم وأثنى عليهم(<!--). وثالث مَن يستحق المديح هو مَن كان خيِّرًا ملتزمًا لا يُخشى عليه مفسدة إذا ما مُدِح . قال الإمام البخاري: " والضابط أن لا يكون في المدح مجازفة، ويؤمَن على المدح الإعجاب والفتنة(<!--)، وقال النووي: " إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين ورياضة نفس ومعرفة تامة، بحيث لا يُفتن ولا يَفتُر بذْله، ولا تلعب به نفسه فمشافهته بالمدح ليس بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيء من هذه الأمور، كره مدحه في مواجهة كراهة شديدة(<!--) " . وقد روي أنه سمع مديحًا شعريًّا في أبي بكر من حسان؛ فعن الزّهريّ قال: قال رسول الله- صَلَّى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت: "هل قلتَ في أبي بكر شيئًا؟" فقال: نعم، فقال: "قل وأنا أسمع"، فقال:‏‏
وثانيَ اثْنَينِ في الغارِ المُنيفِ وقَدْ     طافَ العَـدُوّ بهِ إذْ صَعِـدَ الجَبَلا
وكان حِبُّ رسولِ اللهِ قـد عَلموا      من البرِيّــــةِ لم يَعْـــــدِلْ بـهِ رَجُــــلا
قال: فضحك رسول الله-صَلَّى الله عليه وسلم- حتى بَدَتْ نَواجذُه ثمّ قال: "صدقتَ يا حسّان هو كما قلت(<!--). كما الرسول سمع مديحًا عامًّا في الصحابة من عينية حسان التي عارض بها الزبرقان بن بدر(<!--). وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم- الله عليه وسلم- مدح أبا بكر وعمر وغيرهما(<!--)…أما إذا خيف علي الممدوح أية مفسدة فالمدح مرفوض نبويًّا؛ لأنه يكون سببًا في هلاك الممدوح، ويعد ذبحًا له(<!--)، والصدق والاعتدال شرط أساسي في قبول المدح؛ لأن الكلمة غرَّارة خدَّاعة، كثيرًا ما يأتي الشيطانُ الإنسانَ من قِبَلها، فعن أبي موسى قال: سمع رجلاً يثني علي رجل ويطريه، فقال النبي: أهلكتم – أو قطعتم ظهر- الرجل(<!--)". والإهلاك في المدح أنه سيؤدي إلى الكبر وتضييع العمل وترك الازدياد من الفضل.

إن الموقف النبوي هنا يحارب ظاهرة أسقطت فن الشعر من مكانته العالية في الجاهلية، وهي التكسب به والتزلف والمباهاة، تلك الظاهرة التي قال عنها أبو عمرو بن العلاء: "كان الشاعر في الجاهلية يُقدَّم علي الخطيب؛ لفرط حاجتهم إلى الشعر، الذي يقيد عليهم مآثرهم، ويفخِّم شأنهم، ويهول على عدوهم ومَن غزاهم، ويهيب من فرسانهم، ويخوف من كثرة عددهم، و يهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم. فلما كثر الشعر والشعر�

المصدر: كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 485 مشاهدة
نشرت فى 15 مارس 2020 بواسطة sabryfatma

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

327,172